معهد ون ويب لتطوير المواقع | 1weeb.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ستايلات مجانية FREE STYLES


2 مشترك

    المنهج النقديّ لِتَصْنِيفِ السيرة النبوية

    الجزائري عبد المعز
    الجزائري عبد المعز
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    تاريخ الإنضمام : 05/10/2011

    الجنسية : جزائر

    عدد المشاركات : 3288

    مكسب العضو : 40583

    نقاط تقييم مواضيع العضو : 21

    المزاج : منتديات طموح الجزائر

     المنهج النقديّ لِتَصْنِيفِ السيرة النبوية Empty المنهج النقديّ لِتَصْنِيفِ السيرة النبوية

    مُساهمة من طرف الجزائري عبد المعز 10/12/2011, 00:02


    المنهج النقديّ لِتَصْنِيفِ السيرة النبوية
    بحث دكتوراه للباحث: عبدالرزاق مرزوك

    الحمد لله الذي بنعمته تتمّ
    الصالحات، والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله إمام الفالحين والفالحات،
    وعلى آله وصحبه أهل الموازين الراجحات.

    وبعد، فقد مَنَّ عليَّ اللهُ العليُّ
    الودود؛ إذ وفقني لمناقشة أطروحتي لنيل دكتوراه الدولة في الدراسات
    الإسلامية (تخصص السيرة النبوية).


    المجال العام لموضوع الأطروحة:
    لا يُتصور بوجه استغناء المسلم عن سيرة
    نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - فهو بحاجة مستمرة إلى عرض طاعته لله على
    هَدْيه المنيف الأجلى، وقياسها بِسَمْته الشريف الأعلى؛ كما قال – تعالى -:
    { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ
    كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}
    [الأحزاب: 21].


    فكما أن هاتين الخصلتين – رجاء
    الله واليوم الآخر، وذِكْر الله كثيرًا - سببٌ لحياة الإيمان وقوَّته؛
    فكذلك الائْتِساءُ بِالنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - واتّباع هديه،
    علامةٌ على قُوَّتِهما وأثرهما.

    وهذا تشريفٌ لِشأْنِ السيرة
    النَّبويَّة، وإشادةٌ بِما يصرف إليها من العناية والرعاية، وأنَّها
    بِمَقامٍ لا يَعرِفُ قَدْرَه إلا المُستَمْسِكونَ بِاللَّه تعالى، الراجون
    لقاءه، العاكفون على ذكره، ولذلك أسرف الذين لا يرجون لقاءه في خُصومة
    النبي - صلى الله عليه وسلم - ومُعَاداته، وَسَعَوْا في مضايقته وإغضابه؛
    حتى طالبوه بأبغض شيءٍ إلى نفسه الكريمة، وأثقلِه عليها، وأشدِّها كراهية
    له؛ كما قال – تعالى -: { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ
    قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا
    أَوْ بَدِّلْهُ} [يونس: 15].


    ثُمَّ بيَّن الله - تعالى -
    مِقْدَارَ ما ساقَتْهُم إليه تلك المعاداة من الخيبة والخسران، فقال: {
    فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ
    بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} [يونس: 17].

    فالضَّرورة إلى الائتساء به - صلَّى
    الله عليه وسلم - كما قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "أعظم من ضرورة
    البدن إلى روحه، والعَيْنِ إِلَى نُورِها، والروح إلى حياتها، فأي ضروروة
    وحاجة فرضت، فَضَرُورة العبد وحاجته فوقها بكثير.


    وما ظنُّك بمن إذا غاب عنك هديُه
    وما جاءَ به طَرْفَةَ عينٍ فسَدَ قلبُك، وصار كالحوت إذا فارق الماء ووُضع
    في المقلاة، فحالُ العبدِ عند مفارقة قلبه لما جاء به الرسل كهذه الحال؛ بل
    أعظم..".


    وليس الذي أورث أُمَّةَ الإِسلامِ
    من الضعف والهوان في الأزمان المتأخرة، وما ظهر فيهم وفي غيرهم من خرابِ
    القلوب، وخواء الأرواح، وذهاب العقول، وكثرة أمراض النفوس والأبدان
    وغرابتها، ليس ذلك كله إلا عَرَضًا من أعراض الجهل بالنبي - صلى الله عليه
    وسلم - وسيرته، والاستهانة بهديه وحقوقه.


    ولئن كان اسمه الشريف لا يزال على
    الألسنة مذكورًا، ورسمه على الجدر مزوقًا محفورًا، فإن روحَ التعلّق بهديه
    معدومةٌ، وسبلَ الإرشاد إلى معرفته والتحريض على اتباعه منتفيةٌ مهجورة،
    وينتظر المسلمون - كي يوقروه، ويغاروا عليه، ويُعزِّروه - أن يقلله في
    أعينهم باغٍ عليه من أعدائهم برسمٍ ساخر، أو تصريح جائر، أو يسبه ويشتمه من
    بني جلدتهم معتوه فاجر، وقد يعتذر اعتذار الماكر؛ فتزول تلك الغيرة
    المبتوتة، وتنطفئ تلك الجذوة الموقوتة، ونصرةٌ هذا ديدنها أشبه بعَلَم
    يُعلى لينكس؛ لا ترفع رأس أهل الديانة، ولا تصنع العزة ولا الكرامة.


    ثم زاحم النبيَّ - صلى الله عليه
    وسلم - في قلوب كثير من المسلمين وعقولهم – إن لم يحلوا محله - أئمةُ ضلال
    وفتنة لا يحصون من الرجال والنساء؛ تقتدي الجماهير بعُجَرِهم وبُجَرِهم
    غاية الاقتداء؛ يفرحون بإيابهم، ويحزنون على ذهابهم، ويقتل بعضهم أنفسهم
    حسرة وأسفًا إذا ماتوا.


    فلا علاج لهذا الداء العضال إلا
    بصرف العناية إلى السيرة النبوية عامة، وضرورة التعلق بها؛ ليخرج المسلمون
    من عداد الجاهلين بنبيهم - صلى الله عليه وسلم - ويصيروا من العارفين به
    وبسيرته، الداخلين في شيعته وأهل نصرته.


    موضوع الأطروحة:
    ولكي تجري تلك العنايَةُ على سنَنِ
    الرشد والبصيرة؛ الكفيل بإخلاص القصد والسريرة، وقطف الثمار المرجوة
    النافعة؛ طَرَقْتُ البابَ بِمَوْضُوعِ هذه الأطروحة، التي جعلت وسامها
    (المنهج النقدي لتصنيف السيرة النبوية)؛ أي أنَّ القضيَّة المُهَيْمِنة على
    كُلّ مَحَاوِرِها التأكيدُ على ضرورةِ إِخْضَاعِ منهج التصنيف في السيرة
    النبوية للنقد، وبيان المراد من ذلك، وما كان عليه هذا المنهج قبل إنجاز
    هذه الأطروحة قديمًا وحديثًا، والدواعي العلمية والموضوعية للزوم تجديده
    وتحديثه، وما يسمح بالاختراع والإبداع فيه، وما ترتب على إهماله من
    الأضرار؛ مما جعل الأمر أشبه بحالة استعجال خطيرة، لا يحتمل دفْع عِلَّتها
    من أجل القضاء على آثارها وأعراضها أدنى انتظار، وذكر الخطوات الأوليَّة
    والمنهجيَّة الضروريَّة لتحقيق ذلك، وبيان نماذج مِمَّا يُمْكِن أن يَكُونَ
    سبيلَ عِناية نَقْدِيَّة مُرْضِية، ومِفتاحًا كفِيلاً بِالإعانة على
    اسْتِئْنافِ مَشَاريعِ بَحْثٍ تمضي على نفس الطريق، ويعول عليها في استكمال
    سائر المراحل، وضم باقي الوسائل الموصّلة إلى الغاية.


    ولا يخفى أنَّ نَقْدَ المرويات
    أشمَلُ مِنْ أَنْ يرتبط بالحديث النبوي، أو يرهن إعماله بمصطلحه، أو لا
    يكون لعِلْم الرجال، والجَرْح والتعديل أثر إلا في مصنفاته الخاصة؛
    كالصِّحاح، والسنن، والمسانيد.

    كلا! ولا يقولنَّ قائل: "إن السيرة
    النبوية من جنس علم الحديث؛ ففصلُها عنه تحصيل حاصل، ومحض تكلُّف، وما شمل
    مصطلحه من تلك العلوم يشمله".


    فهذا قول المتحكّم، والجائر
    المتعسّف؛ إذ إنَّ لعلم القراءات أيضًا أسانيدَ مشتملة على حدثنا وأنبأنا
    كعلم الحديث؛ فهل عدَّهُما عاقل نوعين من جنس واحد؟ أم أنهما عند كل منصف
    مستقلان؟! لم يظلم خضوع القراءات للنقد من تميزها فتيلاً، ولا نقص من
    أطرافها كثيرًا ولا قليلاً؛ بل لا يزال عِلْمُها قائمًا بنفسه، وذَريعَتُها
    المعتبرة عند كافة أهل العلم: أن موضوعها غير موضوع علم الحديث!

    وهَذَا الخَلْطُ هو الَّذِي جَرَّ على
    شأْنِ السّيرة النبوية التقليل، وعلى المقام النبوي الأعلى ما لا يليق،
    والقدح الخفي بالمجاملة والتلفيق؛ بأن أدخلها في عِداد (فضائل الأعمال)،
    التي يتساهل فيها بغض النظر عن ضعيف المرويات، فصار النبي - صلى الله عليه
    وسلم - موصوفًا بما لا يريد، ومحبوبًا بما لا يرضى.


    فهذه شبهة قوية التأثير في ذهن مَن
    لم يفقه موضوع علم السيرة النبوية؛ الذي هو ذات النبي - صلى الله عليه
    وسلم - الشريفة، وهيئة خَلقه الأتَمّ الأجمل، وأحوال خُلُقِه العظيم الأكمل
    على جهة التنويه به، وإحصاء شمائله الفريدة، وخصاله الجمة الحميدة.


    فالحديثُ مُصْطَلَح، والسيرة
    مصطلح، والتفريق بينهما شرط الموضوعية والإنصاف، الذي يتواخاه (علم
    الاصْطِلاح)، وتَقْتَضِيه غاية العناية به.


    وقد أصابتِ الأثرة السيرة النبوية
    من هذا الوجه أيضًا؛ فَلَمْ يُعتنَ بِمُصْطلحها الخطير كما اعتُني
    بِمُصطلحات سائر العلوم، فَسَعَى هذا البَحْثُ في ردِّ اعتبارها بما يملك،
    والقصد إلى إنصافها بما يستطيع.


    دوافع اختيار الموضوع:
    ومن ثَمَّ يمكن اختصار الدوافع التي حثتني على اختيار هذا الموضوع، وإفراده دون غيره بالعِناية في صنفين اثنين:

    الأول :
    دافع علمي بحت؛ غايته الحرص على أن ينال عِلم السيرة حظه من التعريف
    والتأصيل، وأن يستخرج مصطلحه المدفون، وينفخ في جذوته المغمورة؛ كي تُبرز
    مضامينه، ويُمد رواق حقْلِه الدلالي الحافل بمعْجَمٍ غَضّ أصيل؛ يستحق
    الإبداع والتحديث؛ فضلاً عن الإخراج والتحديد.


    الثَّانِي :
    دافِعٌ تربوي ضروري، يسعى إلى ترشيد مسلك التعلّق بالنبي - صلى الله عليه
    وسلم - وطريق محبَّتِه؛ لا سيَّما أنَّ من غايات اشْتِمال السّيرة
    النَّبويَّة على الدلائل والمعجزات النبوية، والفضائل والشمائل المحمدية،
    تعليقَ قلوب العباد بتقديره، وتوقيره، وتعزيره، وصيانة حقوقه العليا،
    وواجبات تعظيمه المثلى.


    فالمراد أن يقوم كل ذلك على العلم،
    واعتبار قواعده القاضية بلزوم الاكتفاء بما صحَّ من المرويات؛ كي لا
    يُحَبَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بما أحبَّ هو وأراد، ويُبْعَدَ
    المكذوب مما نُسب إليه خطأ أو عمدًا، ولا يَخْفَى أنَّ شَرْطَ الصّدْقِ في
    ادّعاء المحبَّة بذلُ محابّ المحبوب ومراضيه، وطرح ما يسخطه ويستجفيه.


    لِذلك عرَّف العلاَّمة القاضي
    عِياض - رحمه الله - محبَّةَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - في "شفائه"
    بقوله: "مواطأة القلب لمراد المحبوب؛ يُحِب ما يحب، ويَكره ما يكره".
    "الشفا بشرح الملا علي القاري"، ص 53.


    محتويات الأطروحة:
    أمَّا محتويات هذه الأطروحة فقد جعلتها في مقدمة، وثلاثة أبواب، وخاتمة.

    أمَّا المقدمة فقد بيَّنت فيها وجه
    الحاجة إلى موضوع الأطروحة، وأسباب اختياره من ثلاثة وجوه، وكذا المشاقّ
    التي تخلَّلت اشتغالي بالموضوع، وأطالت زمن إعداده.


    أما الباب الأول فقد عقدته لدراسة
    معنى السيرة النبوية، وجعلته في أربعة فصول جامعة، فأفردت الفصل الأول، وهو
    في مبحثين، لبيان معنى السيرة في اللسان العربي، وضمنت المبحث الأول دلالة
    السِّيَر عامَّة، وضمنت المبحث الثاني دلالة السيرة، وما يشتمل عليه حقلها
    الدلالي من الإطلاقات الدالة على دقة معناها واتساعه.


    وأفردت الفصل الثاني، وهو في ثلاثة
    مباحث، لذكر مفهوم السيرة النبوية في الاصطلاح، فمهَّدت له بما يجلي وجه
    المناسبة بين خُصوصِ المُراد بالإطلاق أنَّها سيرةُ نَبِيّ مخصوص، وبين
    عموم المعنى الإضافي الدال على أن المراد سيرة كل نبي من الأنبياء.


    وجعلت المبحث الأول لبيان وجه
    انتقال السيرة من المصدرية إلى الاسمية؛ وذلك بذكر وجوه استعمال السِّيَر
    في القرآن الكريم، وتعيين مخرجها الدلالي من عموم المعنى اللغوي إلى خصوص
    المعنى الاصطلاحي.

    وذكرت في المبحث الثَّاني أوائِلَ
    استِعْمال مصطلح السيرة، بذِكر نصوصٍ تَدُلّ على أنَّ العناية بالسيرة
    النبوية على النحو المعروف قديمةٌ قِدَم سائر العلوم، وأن ابن هشام - رحمه
    الله - هو الذي كشف ضابط المصطلح، وأبرز مراجع أفراده.

    أمَّا المَبْحَثُ الثَّالِثُ فَقَدْ
    أَفْرَدتُه لذِكر مصنَّفاتٍ ضَمَّن أهلُها عناوينَها مصطلحَ السيرة تبعًا
    لابن هشام رحمه الله، وأن هذا يدل على بدايات استقرار المصطلح.


    أما الفصل الثالث فقد بسطت فيه الحديث عن دلالة مصطلح السيرة عند ابن هشام، وعند المحدِّثين، وجعلته في مبحثين:
    ففصَّلت في الأولِ الكلامَ عن أهمية
    تهذيب ابن هشام لسيرة ابن إسحاق رحمه الله، وعن دقة ما ضبط به المصطلح في
    مقدمة التهذيب، وحدد به أفراده، ووجه به مقصده.

    وفي المبحث الثاني ذكرتُ أُصُول
    اسْتِعمال المحدِّثين لمصطلح السيرة النبوية من خلال خمسة نُصُوصٍ لبعضهم،
    حيثُ ذَيَّلْتُ كُلَّ نَصّ منها باستخلاص ما اشتمل عليه من الفوائد،
    الدالَّة على أمرين:


    الأوَّل :
    أنَّ المحدّثين - لدقَّة مناهجهم في التصنيف - أولى الناس بضبط دلالة
    المصطلح؛ وإنما قدَّمتُ ابنَ هشام علَيْهِم؛ لكون كلامه في بيان معنى
    المصطلح أصرح؛ لا سيما وأنه قدَّم به لتصنيف سيرةٍ مُسْتَقِلَّة، صارتْ
    بَعْدَهُ مَرْجِعَ كُلّ السِّيَر.


    الثاني :
    أنَّ الفوائِدَ الَّتِي استَخْلَصْتُها من نصوص المحدثين مبرزة لشواهد رسوخ
    المصطلح، وأنَّ المنزلة التي أثمرت فيها شجرته هي منزلة رسو مناهجهم
    النقدية، واكتمال نضجها.


    أما الفصل الرابع ففي استخْراج خلاصة كل دلالات المصطلح المفصلة في الفصل الثاني، وقد قسمت مضامينه إلى ثلاثة مباحث:
    عقدت الأول منها لبيان معنى مصطلح
    السيرة في كتب الفهارس؛ لأن غاية تصنيفها ذكر تعريفات العلوم؛ فالرجوع
    إليها مِفتاح استخراج تلك الخلاصة.

    وَهُوَ عِبارة عن سِت فقرات، تحت كل فقرة منها تعليق أحصيت فيه ما اشتملت عليه من الفوائد، ثم ذيلتها بخلاصة لكل التعليقات.
    وعقدت المبحث الثاني لبيان حد علم السيرة، وموضوعه، والغاية منه حسبما دلت عليه خلاصة تلك الدلالات، وهداني إليه البحث في هذا الباب.
    وعقدت المبحث الثالث لذكر مشاهد من فقه الصحابة - رضي الله عنهم - لعلم السيرة، تؤكد استحقاقه الاستقلال عن علم الحديث.
    أما الباب الثاني فقد ضمنته موجبات تطبيق منهج النقد الحديثي على مرويات السيرة النبوية، وقسمته إلى ثلاثة فصول:

    الفصل الأول في بيان معنى النقد عند المحدثين، وغاية تعينه، وقسمته إلى ثلاثة مباحث:
    المبحث الأول: في ذكر المراد بمنهج النقد الحديثي، وبيان مزية الإسناد.
    المبحث الثاني: في ذكر الآثار المترتبة على تعطيل العناية بالإسناد.
    المبحث الثالث: في بيان خطورة ذلك على السيرة النبوية.

    أما الفصل الثاني فقد تحدثت فيه عن
    مسلك السلف - رحمهم الله - في التثبُّت في الرواية عن النبي صلى الله عليه
    وسلم، وقد جعلته في ثلاثة مباحث:

    الأول: في الحديث عن الغاية من هذا الفصل.
    المبحث الثاني: أوردت فيه طائفة من الآثار الدالة على استعظام السلف للرواية عن النبي، صلى الله عليه وسلم.
    المبحث الثالث: بينت فيه عاقبة مخالفة مسلك السلف في هذا الشأن.

    أما الفصل الثالث فقد مثَّلتُ فيه
    لموجبات الاضطلاع بهذا الشأن، وقسمته إلى ثلاثة مباحث، في كل مبحث مثال من
    ساقط الأحاديث المشتهرة في السيرة النبوية.

    أما الباب الثالث فقد عَقَدْتُه لذكر
    مداخل منهجيَّة تسعف المشتغل بسَبْر مرويات "سيرة ابن إسحاق" وتمييز صحيحها
    من ضعيفها، وجعلته في فصلين:

    الأول في عرض ثبت للرواة الذين أسندوا عن ابن إسحاق سيرته.
    الفصل الثاني في عرض تراجم مَن روى عنهم ابن إسحاق في سيرته، والبخاري في جزء السيرة من تاريخه الصغير.
    وأما الخاتمة فقد ضمنتها خلاصة الأطروحة، وأهم نتائجها.

    الصعوبات التي تخللت إعداد الأطروحة:
    لا يخلو سبيل إعداد كل بحث علمي من صعوبات ومشاق؛ لكنها تختلف بالنظر إلى طبيعته، ومدى توفر المظان المعينة على إتمام إنجازه.
    وما تعلق من ذلك بهذه الأطروحة كثير
    متنوع، فمنه ما ارتبط بمجال (المصطلح)، لا سيما أن مصطلح السيرة لم يزل
    بحاجة إلى الدراسة والتبيين.

    ومنها ما ارتبط بالمنهج؛ حيث لزم الجمع
    في التناول بين آليات كثيرة متداخلة؛ كالتحليل، والاستقراء، والاستخلاص،
    ونَقْد الأسانيد والمرويات، واستخراج تراجم الرواة من مظانَّ غير المظان
    المشهورة، والتدقيق في بيان درجات مرويات عديدة من الصحة أوالضعف.

    ومنها تشعُّب الموضوع، وتنوع جوانبه، وعسر الضم بين تلك الجوانب، وترتيبها على النحو الكفيل بضمان وحدته.

    نتائج البحث:
    إن شرط البحث العلمي أن تكون له ثمرة؛
    وإلا صار الجهد المبذول فيه عنتًا ونَصَبًا خالصًا، أما ثمرات هذا العمل،
    ولُباب ما وصل إليه، فبيانه بما يلي:

    • استخراج دلالة السيرة النبوية في الاصطلاح على نحو مخترع.
    • إبراز وجوه استحقاق علم السيرة أن
    يستقل عن علم الحديث من جهة الموضوع، وذلك من نفس كلام أهل السير، بتفصيلٍ
    علمي لما أجمل منه؛ لا سيما ابن هشام في مقدمة تهذيبه لمغازي ابن إسحاق.

    • استخراج مسوغات ذلك من نفس صنيع المحدثين؛ لا سيما أمير المؤمنين في الحديث محمد ابن إسماعيل البخاري في كتاب المناقب من صحيحه.
    • توجيه مصطلح السيرة في كتب الفهارس المعتنية بتعريف العلوم؛ ليأخذ مكانه الجديد على نحو أوسع مما كان.
    • السيرة النبوية علم يعنى بشأن آخر
    وراء الإضافة والإخبار؛ وهو عَدُّ صفات النبي - صلى الله عليه وسلم –
    الحسنى، ومنازل تكريمه العظمى؛ تنويها بشأنه العلي، وقدره الزكي.

    • وموضوعه ذات النبي - صلى الله عليه
    وسلم – الشريفة، وهيئة خَلْقه الأكمل، وخُلُقه الأجل، وأحواله المنيفة،
    التي ما قامت الشريعة، ولا سخرت علومها إلا لتعليق العباد بها.

    • وغاية معرفة هذا العلم أداء حقوق
    النبي - صلى الله عليه وسلم - على العبد؛ كالمحبة والتوقير، والتقديم،
    والتعرض بذلك لما يجلب به لنفسه أتم سعادة تكون.

    • تبين أن تطبيق منهج النقد على مرويات
    السيرة النبوية ضرورةٌ شرعية وعلمية، وله موجبات تطبيقية على الحديث
    النبوي أشد خطورة؛ كتساهل بعض مصنفي الفضائل النبوية في رواية الخبر الضعيف
    ونحوه؛ تعلّقًا بحال التعظيم الوارد في متنه.

    • وتبين أيضًا أن "سيرة ابن إسحاق"
    حقيقةٌ بالعناية النقدية؛ لكونها مرجعًا لكل مَن صنف بعده في السيرة
    النبوية، وأن ما أصاب مصنفات الحديث النبوي مِن تتبع أسانيدها، والمفاضلة
    بينها، والترجمة لأهلها، قد عمَّ وكثر حتى فاض، بينما لقيت تلك المغازي
    المنيفة المشتهرة من الأثرة، ما أظهر افتقارها إلى مثل ذلك، وقد قدَّم
    العلامة ابن هشام لتهذيبه سيرة الإمام ابن إسحاق بذكر المنهج النقدي الكفيل
    بدفع تلك الأثرة عن علم السيرة، ورد الاعتبار إليه، فأسقطَ ما لا يَدخل في
    حد السيرة، وما دون مخرجه من الأخبار مفاوز، تقتضي طرحها وعدم الاعتداد
    بها.

    • وضعت ثبتًا ترجمت فيه لرجال سيرة ابن
    هشام على طريقة نقاد الحديث، الذين وضعوا مصنفات في كتب الرجال؛ وذلك
    تمهيدًا لسبيل تحقيق سيرة ابن هشام، وتمييز صحيحها من ضعيفها؛ لا سيما مَن
    اشتهر من رواتها بنقل السيرة على سبيل الإفراد.


    وختامًا؛ فإن الحياة في ظلال سيرة
    النبي - صلى الله عليه وسلم - لتغمر النفس بنعيم لا يعرفه إلا مَن ذاقه،
    وإن في ذلك من الخير والفضل ما يزكي الأنفاس والأزمان، ويبارك في السعي،
    ويرفع شأن العبد.


    والله من وراء القصد؛ لا هادي سواه، والحمد لله رب العالمين.



    ahmade
    ahmade
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    تاريخ الإنضمام : 27/11/2011

    الجنسية : alg

    عدد المشاركات : 2394

    مكسب العضو : 14803

    نقاط تقييم مواضيع العضو : 0

     المنهج النقديّ لِتَصْنِيفِ السيرة النبوية Empty رد: المنهج النقديّ لِتَصْنِيفِ السيرة النبوية

    مُساهمة من طرف ahmade 10/12/2011, 03:03

    شكرا على الموضوع الرائع

    واصــل تقدمك

    تحياتي

      الوقت/التاريخ الآن هو 22/9/2024, 13:16