مقالات تاريخية
العدالة البيئية نظرة مقارنة بين الحضارة العربية الإسلامية و الحضارة
الغربية
للأستاذة الدكتورة : مشكاة
المؤمن
أستاذ زائر مؤسسة القانون البيئي واشنطن
ماجستير إدارة عامة – تخصص قانون بيئي جامعة هارفارد
وزير البيئة السابق – العراق
مقدمة
يقصد بالعدالة البيئية؛ أتخاذ
الاجراءات القانونية للحيلولة دون نشؤء بؤر للثلوث البيئي في المناطق التي
تسكنها الطبقات الفقيرة او المسحوقة في المجتمع. بحيث تكون المؤسسة البيئية
مسؤولة عن ضمان المحورين الآتيين :
-
محاربة بؤر التلوث و الحيلولة دون نشوءها من
خلال منع تركز النشاطات الملوثة للبيئة في مناطق سكن الطبقات المسحوقة. ذلك
ان تركيز النشاطات الملوثة في اماكن عيش الطبقات الفقيرة، او في اماكن عيش
شريحة عريقة معينة، بشكل يبدو معه المجتمع- ممثلا بالمؤسسة البيئية- وكأنه
يعاقب مجموعة من ابناءه على فقرهم، او انتماءهم لشريحة معينة، او حتى ايمانه
بثقافة معينة، من خلال الموافقة على اقامة النشاطات الملوثة للبيئة في هذه
المناطق تحديدا، بدلا عن اختيار مواقع بديلة بعيدا عن المناطق السكنية و بغض
النظر عن العرق او مستوى دخل السكان. مما يحقق ركن الاستهداف و هو الركن
الاول من اركان انعدام العدالة البيئية . بمعنى ان المجتمع - بشكل مباشر او
غير مباشر- يستهدف ابناء طبقة معينة او شريحة معنية داخله؛ لتكون النتيجة ان
المجتمع لا يبالِ بصحة وسلامة ابناء هذه الشريحة و بشكل يمكن اعتباره تمييزا
ضدها[1].
-
اعتماد مفهوم
الاثر المضاعف للتلوثCumulative
Impact Assessment اساسا قانونيا و بيئيا لعملية
قياس الاثر البيئي للمشاريع المزمع اقامتها في هذه المناطق. فعندما تعمد
المؤسسة البيئية الى منح شهادة تقييم الاثر البيئي لمشروع معين فلا يجب –
استنادا لمفهوم العدالة البيئية- قياس الاثر البيئي لهذا المشروع منفردا،
بمعنى النظر الى حجم ما يلقيه المشروع لوحده من عوادم وانبعاثات للبيئة، و
التي بكل تاكيد سيسعى اصحاب المشروع الى التاكد من تحققها.
و لكن يجب النظر الى الاثر المضاعف للتلوث الحاصل من خلال زيادة حجم عوادم و
غازات التي تلقى الى بيئة هذه الشرائح. فاذا كانت هذه البيئة هي في الاصل
تشكو من ارتفاع نسبة التلوث فيها، مما يضاعف اثر الملوثات و يجعلها اخطر على
صحة سكاني هذه المناطق من ابناء الشرائح المستهدفة. مما ينجم عنه انحدار
كبير نوعية الهواء مثلا او نوعية المصدر المائي الذي تعتمد المنطقة كليا
عليه.
ورغم إن فلسفة العدالة
البيئية تبدو منطقية بل بديهية؛ فهي تقوم على حق افراد المجتمع على اختلاف
اعراقه أو اجناسه أو دخله بالتمتع بـ بيئة نظفية و صحية. و الحقيقة، ان هذا
المفهوم ساهم و الى حد كبير في اعتبار الحق في بيئة نظفية الجيل الثالث
لحقوق الانسان بعد الحقوق المدنية والسياسة باعتبارها الجيل الاول لتكون
الحقوق الاجتماعية ، الاقتصادية و الثقافية الجيل الثاني.[2]
نشأة
مفهوم العدالة البيئية
بدأت نشاة مفهوم
العدالة البيئية – بشكلها الحديث- في الولايات المتحدة الامريكية في مطلع
الثمانيات
[3].
حيث بدأت الجمعيات البيئة تلاحظ ان المصافي و المعامل و غيرها من المنشات
التي ينجم عنها القاء عوادم خطرة على صحة الانسان يتم بناءها في المناطق
الفقيرة و التي يسكنها اغلبية ساحقة من الافارقة الامريكين. بحيث تنفث هذه
المعامل والمحارقها سمومها و تطرح فضلات التصنيع في هذه المناطق بشكل ازدادت
معه الاصابات بالتدرن الرئوي والربو و غيرها من الامراض بين افراد هذه
الشريحة. لتتكرر هذه المحاولات في المناطق التي تقطنها شريحة المهاجرين ذوي
الاصول الاسبانية .
تجدر الاشارة الى بناء و
تشيد هذه المعامل كان يتم بشكل اصولي؛ بمعنى، ان المعمل المزمع تشيده ينجح في
اجتياز اختبار تقييم الاثر البيئي. ذلك ان قياس الاثر البيئي، كان يتم من
خلال اعتماد مبدأ الاثر الفردي للمشروع، بحيث تنظر هئية حماية البيئة
الامريكية، الى مقدار العوادم التي يلقها هذا المشروع منفردا الى بيئة هذه
المناطق دون ملاحظة الاثر المضاعف للتلوث. مما دفع الجمعيات البيئية الى تحدي
اجازة هذه المشاريع امام القضاء، الا ان القليل من هذه القضايا حالفه النجاح.
ويرجع السبب في ذلك الى نقص التشريع البيئي الامريكي عن معالجة هذه الحالة.
فطبقا للقانون البيئي و التعليمات البيئية المعتمدة تم اجازة هذه المشاريع و
حصولها على شهادة تقييم الاثر البيئي التي تتضمن ان انشاءها لا يؤثر سلبا على
البيئة لان ما تلقيه من عوادم هو ضمن النطاق السموح به. مما دفع ادارة الرئيس
كلتنون عام 1994 الى اصدار مرسوم برقم 12898 يخول هئية حماية البيئة
الامريكية اتخاذ الاجراءات القانونية لضمان معاملة عادلة و منصفة لجميع افراد
المجتمع بدون تمييز بسبب عرق او لون او جنس للتمتع بـ بيئة صحية و نظفية. و
الزامها التاكد من عدم اتخاذ اي اجراء من شانه تاصيل عمل ذو طبيعة تمييزية
يحمل افراد المجتمع عبء العيش في مناطق ملوثة بسبب لون او عرق او جنس او
ثقافة دون تحول المناطق الى بؤر للتلوث.
ألا ان المشاركين في ورشة
عمل العدالة البيئية في ديسمبرعام 2003 في وسط وشرق اوربا في بودابست اضافوا
محورين اخرين لمفهوم العدالة البيئية
-
التوزيع العادل للموارد الطبيعية بين ابناء
المجتمع. بحيث تم التوسع بنطاق الموارد الطبيعية ليشمل عناصر البيئة من ماء
وهواء وتربة. وبالتالي؛ يصبح لكل مواطن وبدون تمييز الحق في الحصول على مورد
مائي نقي فضلا عن العيش في منطقة هوائها نقي وتربتها صالحة.[4]
-
اشراك المواطنين
كافة و بدون تمييز في اتخاذ القرار البيئي و اتاحة المعلومات اللازمة امامهم
لاتخاذ القرار السليم. ذلك ان كثير من الفقهاء يعزو مشاكل انعدام العدالة
البيئية الى عدم مشاركة هذه الطبقات في القرار السياسي مما يسهل استهدافهم.[5]
الجذور
التاريخية التي ادت الى انعدام العدالة البيئية في امريكا : نظرة مقارنة مع
الحضارة العربية الاسلامية.
تعود جذور تحديات العدالة
البيئية في الولايات المتحدة الى نشأة الولايات المتحدة الامريكية ذاتها. حيث
جرى استيراد الافارقة الامركيين كـ" عبيد" من القارة الافريقية. ليكون شكل
المجتمع طبقيا. و يتم تجذير فكرة التمييز بين طبقات المجتمع فلم يكن يسمح
قانونا للعبيد العيش في ذات المناطق التي يعيش فيها مخدومهم.[6]
و بالنظر لقلة دخلهم فلم يستطيع العبيد
الحصول على الخدمات الصحية و التعليمية مما جعل المناطق التي يعيشون فيها
تفتقد للخدمات الاساسية و شروط ادارة الموارد البيئية فيها بشكل سليم. حيث تم
تطبيق قوانين الفصل العنصري المعروفة باسم قوانين Jim
Crow في
الولايات المتحدة الامريكية وتحديدا الولايات الجنوبية من عام 1876 و حتى عام1964[7].
و كانت هذه القوانين تمنع الافارقة الامريكين من الوصول الى الموارد الطبيعية
و تفرض عليهم العيش في مناطق محددة بعيدا عن مناطق التي يقطنها السكان البيض
و كانت مناطقهم تخلو بحكم هذه القوانين من شروط الادارة البيئية السليمة مما
ادى الى تحولها الى بؤر تلوث لاحقا ليدفع في النهاية المجتمع ككل في الثمن.
لقد ساهمت هذه القوانين في اضعاف البنية الصحية للافارقة الامريكين، لانها
كانت تحول بينهم و بين الوصول الى الخدمات الصحية و البيئية السليمة، مما خلق
شعورا بينهم بعدم اهمية البيئة، فهم لم يعرفوها يوما فكيف يمكن لهم تقدير
أهميتها، فضلا عن ندرة فرص التعليم المتاحة لهم . لقد كانت هذه القوانين تفرض
على الافارقة الامريكين الشرب من اماكن مخصصة لهم تفتقر الى ابسط المقومات و
الشروط الصحية، ليشرب البيض من اماكن تتميز بتوافر الشروط الصحية و حتى
الماء البارد صيفا. بل وصل الامر الى تخصيص مرافق صحية للبيض و اخرى للافارقة،
و غني عن البيان ان الاخيرة كانت تفتقر لكل المقومات الصحية . لقد كانت هذه
القوانين تتعامل مع الافارقة على انهم عبيد او مواطنون من درجة ثانية، و
بالتالي فهم لا يستحقون التمتتع بـبيئة صحية وسليمة؛ فلانهم مواطنون من
الدرجة الثانية فلا يحق لهم شرب مياه صحية و لايحق لهم استعمال مرافق صحية
نظيفة.
لاحظ الفرق بين مستوى الخدمات و بالتالي فقد كانت الموارد
المالية والطبيعية من حق البيض فقط
لتستمر معاناتهم
حتى بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث كان الجنود الافارقة يأكلون في مطبخ
القاعدة العسكرية ليجلس الاسرى الالمان في القاعة المخصصة للطعام. بل كانت
الحافلات الخاصة بنقل الركاب لا تسمح بجلوس الافارقة و كانوا ملزميين بترك
اماكنهم للركاب البيض. استمر ذلك حتى عام1955 عندما رفضت سيدة افريقية تدعى
Rosa Parks
مغادرة مكانها في الحافلة لصالح مواطن من عرق ابيض. لتشتعل ثورة المطالبة
بالحقوق المدنية والسياسية للافارقة وككان على اثرها قيام مجموعة من
المحاميين بالعمل على الغاء قوانين Jim Crow
و لم يتحقق ذلك حتى عام 1964 الآ أن حرمانا دام 88 عاما – اي زهاء قرنٍ من
الزمن- لابد ان ترك اثار سلبية على صحة الافارقة الامريكين كما رسخ شعورا
عاما انهم مواطون من الدرجة الثانية . لتبدء بعدها معاناة من نوع اخر حيث تم
بناء كافة المشاريع الصناعية الملوثة للبيئة في مناطقهم حيث استمر الافارقة
بالعيش في مناطق خاصة بيهم؛ ذلك انهم لايمتلكون المكنة الاقتصادية اللازمة
للعيش في مناطق سكنية تتميز بتوافرالخدمات الصحية و البيئية ذلك ان قوانين
Jim Crow كانت
تفرض قيودا على تشغيل الافارقة مما جعل دخلهم محدودا للغاية.
ليسود شعور عام لدى
المسثمرين ان الافارقة "معتادون" على العيش في هذه المناطق. بعبارة اخرى ؛
معتادون على التلوث. و هكذا، اصبحت مناطقهم بؤرا للتلوث البيئي الناجمة عن
بناء مشاريع صناعية اكثرمما تستطيع عناصر البيئة- من ماء وهواء وتربة - في
تلك المناطق اسيتعاب ما يلقى اليها من ملوثات دون الاضرار بها. مما انعكس
سلبا على صحة السكان لتظهر بينهم اصابات بامراض مزمنة كالربو والتدرن الريؤي
و الامراض التي تنتقل عن طريق المياه ايضا.
حجم تلوث الهواء في مناطق
الافارقة و الاقليات
مصنع اطارت يلقي بفضلاته الى
المياه مباشرة في ذات المناطق
ان هذا التلوث لم يترك
اثره فقط على تلك المناطق؛ بل ساهم في خلق بؤر للتلوث في الولايات الامريكية
و بالتالي الاضرار بفرص التنمية المستدامة بمعنى اذا لوثت الاجيال الحالية كل
او معظم المياه فلن تتبقى مياه صالحة للاجيال القادمة.
و كان ان تصدت المنظمات
البيئية و النشاطيين البيئين لهذه الظاهرة مطالبين بتطبيق العدالة البيئية .
ليضاف الى العدالة البيئية محورا اخر الا وهو التمييز العنصري البيئي
[8]Environmental
Racism
سواء ان تم عن وعي كامل بالسلوك العنصري؛ حيث يسعى المستثمرون متعمدين الى
بناء انشطتهم الملوثة في مناطق الافارقة والاقليات، لان السكان بنظر
المستثمرين هم مواطنون من الدرجة الثانية. أو ان المستمرين يعتقدون ان سكان
هذه المناطق معتادون على التلوث، فيعمدون الى بناء مشاريعم الملوثة فيها عن
غير عمد فهم مواطنون من الدرجة الاولى لكنهم معتادون على التلوث.
بمعنى انه في
الحالة الاولى فان المستثمرين يؤمن بقوانين
Jim Crow ويسعون
لتطبيقها رغم الغاءها اما في الحالة الثانية فان المستثمرين يطبيقونها بدون
قصد وا نما اهمالا . الآ انه في كلا الحالتيتن فان هذه القوانين طبقت.
تظهر
النقط الصفراء بؤر التلوث في الولايات المتحدة و
التي تنتشر في مناطق الافارقة و الاقليات العرقية الاخرى.
ان انعدام الوعي وضعف
تمثيل الطبقات المسحوقة، ساهم بشكل كبير في حرمانها من الوصول الى الموارد
الطبيعية، و توفير ادارة بيئية سليمة في مناطق سكنهم، حيث كان الظن السائد
لدى مجلس المحلي لادارة هذه المناطق، ان المشاريع الصناعية ستجلب الرخاء
الاقتصادي الى هذه المناطق. الآ ان الواقع ان حجم التلوث الذي تلقيه الى
البيئة، ساهم في خفض قيمية العقارات و هروب الاستثمار فضلا عن تفشي الامراض
بين السكان.
بمعنى ان جذور المشكلة،
ترجع الى تأصل فكرة التمييز بين افراد المجتمع، و ضرورة ان يعيش افراد معينين
من ابناء المجتمع في امكان خاصة بهم. فكل طبقة او شريحة عريقة تستقر وتستوطن
في مدنية معينة لتنعكس الاحوال المعيشية و الثقافية و الاقتصادية على ادارة
موارد المدنية بيئيا. ليصدر بعد ذلك مرسوم العدالة البيئة المذكور اعلاه
ليبدء المجتمع بمعالجة هذه الازمة.
و لعل هذا الاستنتاج،
يمثل اساس المقارنة بين الحضارة العربية الاسلامية وتوجه هذه الحضارة في
احتواء مفهوم العدالة البيئية. ذلك ان المجتمع العربي قبل الحضارة العربية
الاسلامية و تحديدا قبل ظهور الاسلام باعتباره مؤسس تلك الحضارة كان مجتمعا
طبقيا؛ يقوم على التمييز بين السادة و العبيد، و كان العبيد يعاملون معاملة
سيئة و يعيشون ظروفا مزرية. فالعبيد الذين يرعون الغنم يعيشون في اماكن خاصة
بيهم مما يعني احتمال تحولها الى بؤر تلوث، اما عبيد الخدمة المنزلية فهم
يعيشون مع السادة الا انهم لا يصلون الى الموارد الطبيعية و لا يتمتعون بها.
فلا ياكلون مما ياكل السادة و لا يشربون مما يشرب السادة و هم يعملون حتى
ياذن لهم السادة بالراحة. فاذا اخذنا بنظر الاعتبار قسوة البيئة الصحراوية
فان المجتمع العربي قبل الاسلام كان سيواجه كوارث بيئية ناجمة عن ظهور بؤر
التلوث داخله. لقد حاول المجتمع العربي عند ظهور الاسلام قطع الموارد عن
المسلمين بهدف القضاء عليهم مما يعدّ تطبيقا قاسيا لحالة من حالات انعدام
العدالة البيئية ذلك عندما حوصر الرسول محمد (صلعم) في شعاب مكة حيث حرم
المسلمون من الوصول الى الموارد الطبيعية من ماء وغذاء وكان استهدافهم بناءً
على ايمانهم بعقيدة معينة. و بالتالي ممارسة اعمال التمييز ضد كل من اتمنى
لهذه العقيدة، مما يدل على استعداد المجتمع لممارسة التمييز و الاضطهاد
البيئي الذي وصل الى حد حرمانهم من الوصول الى الموارد الطبيعية.
أما توجه الحضارة العربية
الاسلامية فكان على النقيض تماما بحيث ارتكزت هذه الحضارة على المساواة في
الحقوق والواجبات بين السادة و العبيد مما اتاح الفرصة امام العبيد الى
الوصول الى الموارد الطبيعية و بالتالي الحيلولة دون نشوء بور التلوث في بيئة
صحراوية قاسية . و هكذا كان الاسلام و تبعا له الحضارة العربية الاسلام
مستوعبا لبيئته او ان جاز التعبير ابن بيئته .[9]
و لهذا كان الرسول الكريم( صلعم) يقول عن
العبيد" انزلوهم حيث نزلتم و اطعموهم مما اكلتم " لقد كان ذلك جحر الزاوية
لانقاذ المجتمع العربي من نشوء بؤر للتلوث داخله حيث ان الوصول الى الموارد
الطبيعية وبشكل متساوي ومتاح امام الجميع و بدون تمييز هو الاساس في عدم نشوء
بؤر التلوث. وهكذا تطورت فكرة العدالة البيئية مع الحضارة الاسلامية ليشهد
المجتمع العربي الاسلامي انشار مفهوم الصحة و البيئة العامة واتاحتها امام
الجميع، بما في ذلك انشار المرافق الصحية العامة المتاحة للجميع و انتشار
طرق وقنوات تصريف المياه في المدن العربية و بعكسه فقد كان مصير المجتمع
العربي الى الزوال لانهم كان قائما على حرمان فئة من المجتمع من الوصول الى
الموارد الطبيعية . و انعكس ذلك في الفتوحات الاسلامية فلم يعامل المسلمون
سكان البلاد الاصلية على انهم عبيد او سبايا بل سعوا الى تعليمهم و تثقيفهم و
قبل كل شيئ تسهيل وصولهم الى الموارد الطبيعية و جعل هذه البلاد حواضر
اسلامية لا تقل شانا عن مركز الخلافة. في حين ان دول نظام الانتداب او
الاستعمار في اعقاب كلا الحربين العالميتين الاولى والثانية، لم تعمل على ذلك
لانها اصلا تؤمن بفكرة طبقية المجتمع سواء اكان طبقة نبلاء او برجوازية. فقد
تركت الحضارة العربية الاسلامية خلفها الاف المفكرين و المبدعين ممن هم
قادرون على ادارة الموارد البيئة ادارة بيئية سليمة. في حين ان فرنسا مثلا
عندما غادرت الكونغو لم تترك فيه غير خمسة فقط ممن يحملون شهادة عليا!
كانت الدولة الإسلامية تعني
بالمرافق الخدماتية والعامة بشكل ملحوظ. فكانت تقيم المساجد ويلحق بها
المكتبات العامة المزودة بأحدث الإصدارات في عصرها بمعنى ان المسجد لم يكن
مكانا للعبادة فقط بل كان اصبح مكانا للعلم و الثقافة المجانية و زيادة الوعي
لدى المواطنين. بحيث يسهل على الفقراء وذوي الدخل المحدود الوصول الى العلم
و الوعي اللازم لمعالجة مشاكلهم، والارتقاء بحالهم الى حال افضل. فالكثير من
علماء المسلمين في مجال الطب ،الفلك ،الرضيات، الكيمياء ، الفيزياء و غيرها
كانوا فقراء او من اعراق اخرى غير عربية و لم يحل ذلك دون وصولهم الى الموارد
الطبيعية، و من ثم مراكز صنع القرار. في حين ان غياب الوعي لدى الكثير من
الافارقة الامريكين حال دون وصولهم الى الموارد الطبيعية، و دون تقديرهم لحجم
المخاطر البيئية. كما حال دون حصولهم على فرص عمل افضل، تمكنهم من تحسين
دخلهم، و بالتالي امكانية انتقالهم للعيش مناطق تتمتع بادراة بيئية سليمة.
كما اهتمت الحضارة الاسلامية
بتوفير المرافق الصحية العامة، و التي كانت متاحة امام الجميع و بدون تمييز.
فضلا عن مطاعم الفقراء، حيث كانت تتميز بكل الشروط الصحية و البيئية من حيث
الموقع و الخدمات، بمعنى؛ ان ذوي الدخل المحدود كانوا يعاملون معاملة افضل،
تتمثل بتسهيل حصولهم على احتياجاتهم الاساسية من ماء و طعام وخدمات صحية، و
لم يكن المجتمع يمارس اعمال التمييز ضدهم لان دخلهم محدود، بل كان يساعدهم
وصولا لتحسين و ضعهم، و الاستفادة منهم كموارد بشرية قادرة على اغناء الحضارة
العربية الاسلامية. كما اقيمت الأسبلة لتقدم المياه للشرب بالشوارع، اي ان
المياه الصحية الصالحة للشرب كانت متاحة امام الجميع ودون تمييز . وكان
إنشاء (المستشفيات الإسلامية ) سمة متبعة في كل مكان بالدولة الإسلامية يقدم
بها الخدمة المجانية من العلاج والدواء والغذاء ومساعدة أسر المرضي الموعزين
.و كان الهدف من إنشاء هذه المستشفيات غرضا طبيا وعلاجيا بمعنى ان المجتمع لم
يكن يمييز ضد ابناءه لانهم من ذوي الدخول المحدودة، أو لانهم ضعاف البنية، من
خلال معاملتهم معاملة ادنى، بل كان يدعمهم و يسهل امامهم فرص الوصول الموارد
الطبيعية و العيش في بيئة سلمية تسهل امامهم سبل الارتقاء
[10].
ان عدم تمييز الحضارة الاسلامية بين الاعراق و الجنسيات التي انظوت تحتها
ادى الى عدم خلق بؤر للتلوث تنخرها من الداخل، و تضعف بنية ابناءها و تؤدي
بالتالي الى نضوب مواردها[11].
كما اهل
هذه الحضارة الى الاستفادة من كل الموارد البشرية المتاحة لها من مفكرين
وعلماء و ادباء لاغناء هذه الحضارة.[12]
. وكان الهواء يبرد في
المستشفيات بتوفير المياه او بالملاقف الهوائية، بمعنى؛ ان الحضارة الاسلامية
كانت تعي اهمية نوعية الهواء، وبالذات للمرضى، لانهم في حالة صحية اضعف من
غيرهم، و بالتالي لابد من حصولهم على عناية اكبر. ذلك ان المجتمع العربي
الاسلامي، كان يساند الفئات الضعيفة داخله، بتسهيل وصولهم الى الموارد
الطبيعية، و تهئية بيئة سلمية امامهم للاستفادة من مواردهم البشرية .
مقتضيات تطبيق العدالة البيئية
تفرض العدالة البيئية
جملة من التطبيقات العملية التي تجعل من هذا المفهوم قاعدة قانونية تطبقها
المؤسسة البيئية في عملها
-
معادلة التمييز :
فكما ان هذه الشريحة من المجتمع تحملت عبء التلوث لوحدها و حرمت من الموارد
الطبيعية، فان العدالة البيئية؛ تقتضي توفير اقصى درجات العناية ممثلة باتخاذ
كل ما من شانه وقف التدهور الحاصل في بيئة هذه المناطق. سواء ان تمثلت هذه
الاجراءات بمنع و ايقاف التلوث الحاصل في بيئة هذه المناطق؛ وهذا ما يعرف
بالنطاق السلبي لمفهوم العدالة البيئية، حيث يسند هذا النطاق في جوهره الى
المنع. اما النطاق الايجابي؛ لمفهوم العدالة البيئية فهو اتخاذ كل اجراء يقوم
على تحسين حالة البيئة في هذه المناطق سواء اكان اجراء معنويا، كالقيام
بحملات توعية وارشاد بيئي تساعد السكان على التعامل مع البيئة المتضررة التي
يعشون فيهاز او اجراء ماديا؛ كان تقوم المؤسسة البيئية بترحيل المشاريع
الملوثة أ و اغلاقها.
-
ضمان التمثيل : فكما ان هذه الشريحة حرمت من
المساهمة في صنع القرار البيئي، الذي ادى الى اضطهدهاز فيجب على المؤسسة
البيئية،ضمان حسن تمثيل هذه الشريحة عند اتخاذ القرار البيئي الخاص بمناطق
عيشها. حيث يجب ات تكون هذه الشريحة ممثلة عند اتخاذ القرار، كما يجب ان تكون
ممثلة عند تطبيقه، لتكون اعلى مراحل التمثيل، هي مساهمة هذه الشريحة في تنفيذ
القرار البيئي مما ينجم عنه خلق قاعدة شعبية للمؤسسة البيئية تمكنها من تحقيق
افضل حماية بيئية ممكنة . ذلك ان حماية البيئة، لا يمكن ان تحقق بدون مساهمة
فاعلة من المجتمع، تتمثل في استعاب القرار البيئي و صولا لسلامة تطبيقه. حيث
يتمييز القرار البيئي عن غيره من القرار بكونه يخاطب المجتمع – على اختلاف
طبقاته- فلو افترضنا مثلا ان المؤسسة قررت عدم السماح باقامة مشروع معين
لكونه مخالفا للشروط البيئية، فان المؤسسة البيئية تخاطب المجتمع بان هذه
المشروع يؤثر سلبا على صحة المواطنين ككل في حين ان اي قرار اخر لا يتضمن مثل
هذا المعنى او المضمون .
[13]
و هكذا؛ فكلما تمكن افراد
المجتمع من فهم القرار البيئي والتفاعل معه، كلما تمكنت المؤسسة البيئية من
تحقيق ادارة افضل للموارد البيئية. ليتوصل المجتمع بعد ذلك الى تنمية موارده
بشكل يمكن معه للاجيال القادمة الاستفادة من هذه الموارد و هذا ما يعرف
بالتنمية المستدامة.
نتائج و توصيات لاعادة
تبني مفهوم العدالة البيئية عربيا
اعتبار مفهوم العدالة
البيئية اساسا للنهوض بالمناطق التي تقطنها الغالبية الفقيرة والمسحوقة : من
الغني عن البيان ان المجتمع العربي يخلو من اي نظرة تمييزية تجاه ابناءه. الا
ان التحدي الاكبر الذي تواجهه الكثير من المؤسسات البيئية العربية هو كيفية
ايصال الخطاب البيئي و من ثم النهوض بالبيئية في المناطق التي تقطنها غالبية
عظمى ممن يعيشون تحت خط الفقر. حيث يعاني هذه الشريحة من مشاكل مركبة تتمثل
في قلة وعيها بالمخاطر البيئية، فضلا عن ضعف ان لم يكن انعدام مواردها
المالية التي تمكنها من الارتقاء بوضعها.
في حين ان بقية شرائح
المجتمع قادرة على مواجهة مشاكلها البيئية بشكل افضل، لكونها تمتلك المعرفة
اللازمة، فضلا عن امتلاكها للمقدرة المالية اللازمة – و ان كان ذلك يتفاوت من
شحص لاخر-
الا ان الشريحة التي تعيش
تحت خط الفقر، تبدو بموقف ومركز الضعيف تجاه اية مشكلة بيئية خاصة مشاكل
تغيير المناخ
[14]
. فهذه الشريحة لا يملك المعرفة و المكنة اللازمة لمواجهة المشاكل البيئية.
ليقع على عاتق المؤسسة البيئية و باعتماد مفهوم العدالة البيئية تقدم اقصى
درجات العناية و الدعم لهذه الشريحة؛ بدءا من برامج التوعية والتثقيف البيئي،
بشكل يساعد هذه الشريحة على مواجهة مشاكلها البيئية وايجاد حلول لها. حيث
تحول المعرفة والتثقيف البيئي دون " توريث " الجهل او عدم الوعي البيئي الى
جيل اخر، فاذا كانت الاسرة لا تعِ اهمية و ضرورة الحفاظ على البيئة، فان هذا
السلوك سنقل الى الجيل الثاني في هذه العائلة، لينشئ و على المدى الطويل جيلا
غير واعي بضرورة وجود مياه صحية و ضرورة اتخاذ الاجراءات اللازمة للحفاظ على
مصادر المياه .
لتبدء المؤسسة البيئية
بعد ذلك ببرامج النهوض بهذه المدن و و الحيلولة دون تحولها الى بؤر للتلوث
تستهلك موارد الدولة الطبيعية من خلال اعتماد المعايير البيئية التي تحدد من
الاثر المضاعف للتلوث . فضلا عن جعل هذه المدن في مقدمة خطط التنمية و
التحديث .
حيث لا يمكن المباشر بخطط
التنمية بمعزل عن تعاون هذه الشريحة و اشراكها في عملية صنع القرار البيئي
ووصلا للنهوض ببيئتها وألا فان بؤر التلوث ستغزو البيئة العربية.
[1]
Kathryn M Mutz, Gary C
Bryner, Douglas S Kenney
, Justice and Natrual Resources ; Concepts , Strategies, and
Applications, Island Press, 2001, P32
[2]
لا يقصد من اعتبار
الحق في بيئة نظفية الجيل الثالث لحقوق الانسان ان هذا الخق ادنى منزلة
من الحقوق المدنية والسياسية بل يقصد منها ان الحق في بيئة نظفية هو
الاكثر حداثة من بين حقوق الانسان ككل. انظر:
Christopher.
H. Foreman, The Premise and Peril of Environmental Justice, Brookings
Institute Press, Washington DC,1998, P.30.
[3]
Rich Anand,
International Environmental Justice; A North – South Dimension,
Ashgate Publishing, Ltd, 2004, P.9
[4]http://en.wikipedia.org/wiki/Environmental_justice
[5]V
H Dale, M R English,
Tools to Aid Environmental
Decision Making,
Springer,1998,
P.342
[6]
Luke
Cole, Sheila Foster,
From the Ground Up:
Environmental Racism and the Rise of the Environmental Justice
Movement,
NYC Press, 2000, P.11
[7]http://en.wikipedia.org/wiki/Jim_Crow_laws
انظر ايضا
Michael.
J.
Klarman,
From Jim Crow to Civil Rights: The Supreme Court and the Struggle for
Racial equality,
Oxford University Press US, 2003, P.59
[8]Bunyan
I Bryant,
Environmental Justice,
issues, policies, and solutions ,Island Press, Washington ,1995, P.5
[9]
كان نشوء بؤر التلوث
في روما -على عظمتها سببا من اسباب انهيارها حيث كان الاسياد يضطرون الى
حمل الازهار و الرياحين و تقريبها من انوفهم هربا من الروائح العفنة التي
كانت تنجم عن سؤء الاادارة البيئية لروما و من بينها اضطهاد العبيد و لعل
ثورة العبيد من اشهر الحوادث التاريخية في تاريخ روما
[10]
كان
أول مستشفي في الإسلام بناه الوليد بن عبد الملك سنة706 م (88 هـ) في
دمشق. وكان الخلفاء المسلمون يتابعون إنشاء المستشفيات الإسلامية الخيرية
بإهتمام بالغ. ويختارون مواقعها المناسبة من حيث الموقع والبيئة الصالحة
للإستشفاء والإتساع المكاني بعيدا عن المناطق السكنية . وأول مستشفى
للجذام بناه المسلمون في التاريخ سنة 707 م بدمشق.
[11]
لم تستطع روما
على عظمتها ان تصمم نظاما جيدا للتخلص من مياه المجاري مما ادى الى
انتشار الملاريا بين السكان في العهد الجمهوري و اللامبرطوري و الحديث.
حيث كانت قنوات المجاري تحمل الفضلات و مياه الامطار معا و تخترق المدنية
بحيث تمر المجاري الملوثة من بين الاحياء السكنية ليكون السكان على تماس
معها لتصب مباشرة في نهر
Tiber الذي لم يكن يستعمل للسباحة و الاغتسال
فقط بل لاغراض مياه الشرب ايضا. بل كانت مياه نهر
Tiber
تحتوي على نفايات صلبة و معادن ثقيلة حيث تظهر تقارير رسمية انظر
http://penelope.uchicago.edu/Thayer/E/Gazetteer/Places/Europe/Italy/Lazio/Roma/Rome/_Texts/Lanciani/LANARD/3*.html
[12]
كانت أوربا تنظر
إلى الجذام مثلا ليس على انه مرض ناجم من عدم توافر الشروط الصحية
البيئية بل على إنه غضب من الله يستحق الإنسان عليه العقاب حتى أصدر
الملك فيليب أمره سنة 1313 م بحرق جميع المجذومين في النار بمعنى ان
الفئة الضعيفة كانت "تعاقب" بممارسة اعمال التمميز ضدها بدلا من ان تقدم
لها الخدمات اللازمة و الرعاية المطلوبة لتجاوز سبب ضعفها و بالتالي
الاستفادة من قدراتها و الحليولة دون هدر الموارد البشرية و ضياعها. انظر
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A9_%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9
[13]
رغم ان
القاعدة القانونية عامة مطلقة و بالتالي القرار المستند لها عاما مطلقا
الا ان القاعدة التي تفرض التجنيد الالزامي مثلا فهي على عموميتها الا
انها تنطبق على كل من اكمل الثامنة عشر من الذكور ليستثنى من دائرة
الخطاب الطفل ، الحدث ، المرأة ، المسن والمعاق في حين ان لا يمكن
استثناء احد من القرار البيئي لان ذلك يعني ترك المستثنى دون حماية من
اخطار التلوث او الحيلولة دون وصوله الى الموارد الطبيعية.
[14]
انظرالتقرير الرسمي
للحكومة البريطانية منشور في
http://news.bbc.co.uk/1/hi/sci/tech/4839834.stm
انظر ايضا
http://www.peopleandplanet.net/doc.php?id=2553
كما يمكن الاطلاع على
برامج المنظمات غير الحكومية الناشطة في هذا المجال منها
http://www.oxfam.org.uk/what_we_do/issues/climate_change/introduction.htm