أصدر المفكر محمد
عابد الجابري كتابا مدرسيا يتعلق بتجربته مع التأليف المدرسي في مادة
الفلسفة. وما يسترعي الانتباه هو ما صرّح به في تقديمه للكتاب قائلا:" ..وفي
أواسط السبعينات، حينما حدث " شيه انقلاب " في برامج التعليم يستهدف
بالدرجة الأولى الفكر النقدي وفي مقدمته الفلسفة، توقفنا عن إعادة طبع
الكتاب، وكانت الطبعة الصادرة في عام 1976 هي آخر طبعة منه.." هذا
الحكم الصادر من أعلى مرجعية فلسفية في المغرب والعالم العربي، دليل على
مدى استمرار التخبّط التجريبي لوزارة التربية الوطنية، والذي يتصادف مع
قرار الوزارة الأولى منذ يومين، الذي طالب بنهج الشفافية بخصوص تأليف ونشر
الكتاب المدرسي. وستجدون ضمن منتدى فيلوصوفيا الإشارة إلى تهمبش الكفاءات
الفكرية في تأليف الكتاب المدرسي لمادة الفلسفة، وتكليف أناس تبيّن فيما
بعد أنهم لم يكونوا في المستوى المطلوب، بحيث تم إعطاء الأولوية للمدخل "
البيداغوجي " على حساب التكوين الفلسفي النقدي، لهذا تم الإكثار من "
الجعجعات البيداغوجية " مع قليل من الفلسفة ( باستثنا تجربة كتاب في "رحاب
الفلسفة " مٌقارنة مع باقي مُرافقيه( المباهج والمنار )، وإن لم يخلُ
الرحاب هو الآخر من بعض النواقص).ودليلنا هو الكم الهائل من الكتابات
المتعلقة بالبيداغوجيا والديداكتيك، ولكن بالمقابل تدني مستوى الدرس
الفلسفي، السؤال أين الخلل؟ وهذا سيُعيد طرح الصراع الخفي بين النخبة ذات
التكوين البيداغوجي ( بمرجعيته البلجيكية والكندية وقليل من التجربة
الفرنسية) وهي الموظفة بوزارة التربية الوطنية وكذلك الذين يُدرّسون في
مدارس التكوين ( بالرغم من وجود أطر كُفأة داخل هذا التخصص ولكنها مُهمّشة (
جهة الشمال بالخصوص) وتم تقريب الانتهازيين والذين يعرفون من أين تُؤكل
الكتف، من خلال عُملة الزبونية والتملّق والبعث بالهدايا و" التبحليس "و...
بينما تمّ تهمبش المشتغاين بالفلسفة بكليات الآداب، والذين لديهم تجارب
في التأليف الفلسفي. فحبّذا لو تمّ التصالح مع هذه النخبة ( الجابري، بنعبد
العالي، يفوت، بنسعيد،وغيرؤهم من الكفاءات في كليات الأداب من فاس
ومراكش...) ، وتغليب البعد العلمي على البعد التجاري و" المكانة
الاجتماعية" للتأليف. فالقضية تتعلق بمصير الآلاف من المتمدرسين والمدرسين،
أي في النهاية إعداد العديد من العقول لمصلحة هذه البلاد، وكفانا من العيش
وسط كل شيء أصبح " هجينا " . شيئ من النقاء والصفاء من فضلكم.
ستجدون
في إعادة بعض الدروس الخاصة بالأستاذ الجابري مادة دسمة وغنية بروح
الفلسفة، بعد أن تحولت إلى مجرد هيكل بيداغوجي غالى في المهنية والحرفية
والشكلية على حساب البعد الفلسفي لمادة الفلسفة. أتمنى أن يُعيد كتاب
الجابري هذا، سؤال هوية الدرس الفلسفي في الألفية الثالثة، وذلك من خلال
عرس حقيقي بين البيداغوجية ( البرّانية ) والفلسفة.
يمكن الاطلاع على مقدمة الكتاب والفهرس من خلال الرابط التالي: