هل يمكن أن يروي إمام ثقة عن متهم، وما توجيه ذلك؟
الجواب لفضيلة الشيخ : أحمد بن عايش البدر الحسيني
الجواب
إذا روى العدل عمن سمّاه، لم يكن تعديلاً عند الأكثرين من أهل الحديث وغيرهم وهو الصحيح، لجواز رواية العدل، عن غير العدل، فلم تتضمن روايته عنه تعديله.
وقد رُويَ عن الشعبي أنه قال: حدثنا الحارث، وأشهد بالله أنه كان كذاباً.
وروى الحاكم، وغيره، عن أحمد بن حنبل أنه رأى يحيى بن معين، وهو يكتب صحيفة معمر، عن أبان، عن أنس، فإذا طلع عليه إنسان كتمه، فقال له أحمد: تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، وتعلم أنه موضوعة؟ فلو قال لك قائل: أنت تتكلم في أبان، ثم تكتب حديثه، فقال: يا أبا عبدالله! أكتب هذه الصحيفة فأحفظها كلها، وأعلم أنها موضوعة، حتى لا يجيء إنسان فيجعل بدل أبان، ثابتاً، ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس، فأقول له: كذبت، إنما هي عن معمر، عن أبان، لا عن ثابت. والله أعلم.
س3: هل يجوز رواية الحديث بالمعنى، وما شروط ذلك؟
الجواب: اختلف العلماء في رواية الحديث بالمعنى على مذهبين رئيسين:
1-المذهب الأول: إن نقل الحديث بالمعنى جائز عند الجمهور بشروط.
2- المذهب الثاني: وذهب قوم إلى منعه مطلقاً وأنه لابد من أداء الحديث بنفس اللفظ لا بمعناه، منهم عبدالله بن عمر، وهو قول القاسم بن محمد، ومحمد بن سيرين، ورجاء بن حيوة، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وعبدالوارث، ويزيد بن زريع، ووهب، وثعلب، وأبو بكر الرازي، وغيرهم.
وشروط جوازه عند من أجازه خمسة هي:
الأول: أن لايكون الحديث مما يتعبد بلفظه كالأذان والإقامة والتشهد والتكبير في الصلاة ونحو ذلك فلا يجوز نقله بالمعنى؛ لأنه متعبد بلفظه.
الثاني: أن لايكون من جوامع الكلم التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز نقلها بالمعنى، إذ لايقدر غيره صلى الله عليه وسلم على الإتيان بمثلها، ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ((الخراج بالضمان)) ((البينة على المدعي)) ((العجمى جبار)) ((لا ضرر ولا ضرار)) ((الآن حمي الوطيس)) ونحو ذلك.
الثالث: أن يكون ناقل الحديث بالمعنى عالماً باللسان العربي، لاتخفى عليه النكت الدقيقة التي يحصل بها الفرق الخفي بين معاني الألفاظ، عارفاً بالمحتمل وغيره، والظاهر والأظهر، والعام والأعم، ونحو ذلك؛ لأن من ليس كذلك قد يبدل اللفظ بلفظ يساويه في ظنه، وبينهما تفاوت في المعنى خاف عليه، فيأتي الخلل في حديثه من ذلك.
الرابع: أن يكون جازماً يقيناً بمعنى الحديث، لا أن يكون فهمه للمعنى بنوع استنباط واستدلال يختلف فيه أو يظن لعدم وضوح الدلالة، خلافاً لم زعم الاكتفاء بالظن الغالب.
الخامس: أن لا يكون اللفظ الذي نقل به الراوي معنى الحديث أخفى من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أظهر، لأن الشارع ربما قصد إيصال الحكم باللفظ الجلي تارة، وبالخفي أخرى، والمعروف عند أهل الأصول تعليله: بأن الظهور من المرجحات عند التعارض، فقد يتعارض مع الحديث الذي رواه الراوي بأظهر من معناه حديث آخر، فيرجحه المجتهد عليه بالظهور ظاناً أن اللفظ للنبي صلى الله عليه وسلم، والواقع أن موجب الترجيح من تصرف الراوي لا من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه العلة ظاهرة كما ترى.
والمعتمد الذي استقر عليه العمل جواز رواية الحديث بالمعنى بشروطه، والحجة في جواز نقله بالمعنى هي:
1-الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به، فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى، فجوازه باللغة العربية أولى.
2-ومنها أن سفراء النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يبلغون رسائل النبي صلى الله عليه وسلم وأوامره بلغة القوم الذين أرسلوا إليهم.
3-ومنها أن الصحابة الكرام رووا وقائع متحدة بألفاظ مختلفة والمعنى واحد.
4-ومنها قول الشافعي: إذا كان الله عز وجل برأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف، معرفة منه بأن الحفظ قد يزل، لتحل لهم قراءته وإن اختلف لفظهم فيه، مالم يكن في اختلافهم إحالة معنى؛ كان ما سوى كتاب الله -عز وجل- أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ مالم يحل معناه.
5- واحتج حماد بن سلمة بأن الله -سبحانه وتعالى- أخبر عن موسى -عليه السلام- وعدوه فرعون بألفاظ مختلفة في معنى واحد، كقوله سبحانه ) بخبر أو آتيكم بشهاب قبس [النمل:٧] و ) بخبر أو جذوة من النار [القصص: ٢٩] وكذلك قصص سائر الأنبياء -عليهم السلام- في القرآن، وقولهم لقومهم بألسنتهم المختلفة، وإنما نقل إلينا ذلك بالمعنى.
6-ومنها أن من سمع شاهداً يشهد بالعجمية، جاز أن يشهد على شهادته بالعربية، والشهادة آكد من الرواية.
7-ومنها أن الرواية بالمعنى عن غيره صلى الله عليه وسلم جائزة، فكذلك الرواية عنه بجامع الحرمة بالكذب فيهما معاً.
8-ومنها أن اللفظ النبوي غير المتعبد بتلاوته المقصود منه المعنى، فإذا أدى المعنى على حقيقته كفى ذلك دون اللفظ، ومن أتى بالمعنى بتمامه فقد أداه كما سمعه، فيدخل في قوله ((فأداها كما سمعها)) يدل لهذا قوله تعالى: ( ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ) [الأعلى] والذي في تلك الصحف إنما هو معنى ما ذكر لا لفظه وأمثال ذلك كثيرة في القرآن الكريم.
9-ومنها نقل وقائع متحدة بألفاظ مختلفة من غير انكار من أحد بحيث كان إجماعاً.
فإن قيل: ما الجواب عن حديث البراء بن عازب المشهور الصحيح ومحل الشاهد منه أن البراء سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث ومن جملته ((آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت)) فقال البراء ((ورسولك الذي أرسلت)) فأبدل لفظ النبي بلفظ الرسول، فقال له صلى الله عليه وسلم: ((قل: آمنت بنبيك الذي أرسلت)) فأنكر عليه إبدال لفظ النبي بلفظ الرسول، وهذا يدل على منع نقل الحديث بالمعنى؟
قلنا: قد أجيب عن هذا بأجوبة متعددة، والذي يظهر لي، والله تعالى أعلم، أن وجه إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على البراء إبدال النبي بالرسول أن لفظ الرسول لا يقوم مقام لفظ النبي في الحديث المذكور لتفاوت معنى الكلمتين؛ فإنك لو قلت: ورسولك الذي أرسلت كان قولك: الذي أرسلت لاحاجة له مع قولك: ورسولك؛ فهو تكرار ظاهر وتأكيد لا حاجة إليه، بخلاف لفظ النبي، فإن النبي قد يكون غير مرسل فصرح بأنه مرسل فيكون قوله: ((الذي أرسلت)) تأسيساً لا تأكيداً، ومعلوم أن التأكيد لايساوي التأسيس، وقد تقرر في الأصول أنه إن دار اللفظ بين التأكيد والتأسيس فحمله على التأسيس أرجح إلا بدليل، وكذلك كون هذا الحديث من الأحاديث المتعبد بلفظها فهي غير داخلة معنا، والله أعلم.
المصدر : موقع فرسان السنة
الجواب لفضيلة الشيخ : أحمد بن عايش البدر الحسيني
الجواب
إذا روى العدل عمن سمّاه، لم يكن تعديلاً عند الأكثرين من أهل الحديث وغيرهم وهو الصحيح، لجواز رواية العدل، عن غير العدل، فلم تتضمن روايته عنه تعديله.
وقد رُويَ عن الشعبي أنه قال: حدثنا الحارث، وأشهد بالله أنه كان كذاباً.
وروى الحاكم، وغيره، عن أحمد بن حنبل أنه رأى يحيى بن معين، وهو يكتب صحيفة معمر، عن أبان، عن أنس، فإذا طلع عليه إنسان كتمه، فقال له أحمد: تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، وتعلم أنه موضوعة؟ فلو قال لك قائل: أنت تتكلم في أبان، ثم تكتب حديثه، فقال: يا أبا عبدالله! أكتب هذه الصحيفة فأحفظها كلها، وأعلم أنها موضوعة، حتى لا يجيء إنسان فيجعل بدل أبان، ثابتاً، ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس، فأقول له: كذبت، إنما هي عن معمر، عن أبان، لا عن ثابت. والله أعلم.
س3: هل يجوز رواية الحديث بالمعنى، وما شروط ذلك؟
الجواب: اختلف العلماء في رواية الحديث بالمعنى على مذهبين رئيسين:
1-المذهب الأول: إن نقل الحديث بالمعنى جائز عند الجمهور بشروط.
2- المذهب الثاني: وذهب قوم إلى منعه مطلقاً وأنه لابد من أداء الحديث بنفس اللفظ لا بمعناه، منهم عبدالله بن عمر، وهو قول القاسم بن محمد، ومحمد بن سيرين، ورجاء بن حيوة، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وعبدالوارث، ويزيد بن زريع، ووهب، وثعلب، وأبو بكر الرازي، وغيرهم.
وشروط جوازه عند من أجازه خمسة هي:
الأول: أن لايكون الحديث مما يتعبد بلفظه كالأذان والإقامة والتشهد والتكبير في الصلاة ونحو ذلك فلا يجوز نقله بالمعنى؛ لأنه متعبد بلفظه.
الثاني: أن لايكون من جوامع الكلم التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز نقلها بالمعنى، إذ لايقدر غيره صلى الله عليه وسلم على الإتيان بمثلها، ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ((الخراج بالضمان)) ((البينة على المدعي)) ((العجمى جبار)) ((لا ضرر ولا ضرار)) ((الآن حمي الوطيس)) ونحو ذلك.
الثالث: أن يكون ناقل الحديث بالمعنى عالماً باللسان العربي، لاتخفى عليه النكت الدقيقة التي يحصل بها الفرق الخفي بين معاني الألفاظ، عارفاً بالمحتمل وغيره، والظاهر والأظهر، والعام والأعم، ونحو ذلك؛ لأن من ليس كذلك قد يبدل اللفظ بلفظ يساويه في ظنه، وبينهما تفاوت في المعنى خاف عليه، فيأتي الخلل في حديثه من ذلك.
الرابع: أن يكون جازماً يقيناً بمعنى الحديث، لا أن يكون فهمه للمعنى بنوع استنباط واستدلال يختلف فيه أو يظن لعدم وضوح الدلالة، خلافاً لم زعم الاكتفاء بالظن الغالب.
الخامس: أن لا يكون اللفظ الذي نقل به الراوي معنى الحديث أخفى من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أظهر، لأن الشارع ربما قصد إيصال الحكم باللفظ الجلي تارة، وبالخفي أخرى، والمعروف عند أهل الأصول تعليله: بأن الظهور من المرجحات عند التعارض، فقد يتعارض مع الحديث الذي رواه الراوي بأظهر من معناه حديث آخر، فيرجحه المجتهد عليه بالظهور ظاناً أن اللفظ للنبي صلى الله عليه وسلم، والواقع أن موجب الترجيح من تصرف الراوي لا من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه العلة ظاهرة كما ترى.
والمعتمد الذي استقر عليه العمل جواز رواية الحديث بالمعنى بشروطه، والحجة في جواز نقله بالمعنى هي:
1-الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به، فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى، فجوازه باللغة العربية أولى.
2-ومنها أن سفراء النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يبلغون رسائل النبي صلى الله عليه وسلم وأوامره بلغة القوم الذين أرسلوا إليهم.
3-ومنها أن الصحابة الكرام رووا وقائع متحدة بألفاظ مختلفة والمعنى واحد.
4-ومنها قول الشافعي: إذا كان الله عز وجل برأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف، معرفة منه بأن الحفظ قد يزل، لتحل لهم قراءته وإن اختلف لفظهم فيه، مالم يكن في اختلافهم إحالة معنى؛ كان ما سوى كتاب الله -عز وجل- أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ مالم يحل معناه.
5- واحتج حماد بن سلمة بأن الله -سبحانه وتعالى- أخبر عن موسى -عليه السلام- وعدوه فرعون بألفاظ مختلفة في معنى واحد، كقوله سبحانه ) بخبر أو آتيكم بشهاب قبس [النمل:٧] و ) بخبر أو جذوة من النار [القصص: ٢٩] وكذلك قصص سائر الأنبياء -عليهم السلام- في القرآن، وقولهم لقومهم بألسنتهم المختلفة، وإنما نقل إلينا ذلك بالمعنى.
6-ومنها أن من سمع شاهداً يشهد بالعجمية، جاز أن يشهد على شهادته بالعربية، والشهادة آكد من الرواية.
7-ومنها أن الرواية بالمعنى عن غيره صلى الله عليه وسلم جائزة، فكذلك الرواية عنه بجامع الحرمة بالكذب فيهما معاً.
8-ومنها أن اللفظ النبوي غير المتعبد بتلاوته المقصود منه المعنى، فإذا أدى المعنى على حقيقته كفى ذلك دون اللفظ، ومن أتى بالمعنى بتمامه فقد أداه كما سمعه، فيدخل في قوله ((فأداها كما سمعها)) يدل لهذا قوله تعالى: ( ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ) [الأعلى] والذي في تلك الصحف إنما هو معنى ما ذكر لا لفظه وأمثال ذلك كثيرة في القرآن الكريم.
9-ومنها نقل وقائع متحدة بألفاظ مختلفة من غير انكار من أحد بحيث كان إجماعاً.
فإن قيل: ما الجواب عن حديث البراء بن عازب المشهور الصحيح ومحل الشاهد منه أن البراء سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث ومن جملته ((آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت)) فقال البراء ((ورسولك الذي أرسلت)) فأبدل لفظ النبي بلفظ الرسول، فقال له صلى الله عليه وسلم: ((قل: آمنت بنبيك الذي أرسلت)) فأنكر عليه إبدال لفظ النبي بلفظ الرسول، وهذا يدل على منع نقل الحديث بالمعنى؟
قلنا: قد أجيب عن هذا بأجوبة متعددة، والذي يظهر لي، والله تعالى أعلم، أن وجه إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على البراء إبدال النبي بالرسول أن لفظ الرسول لا يقوم مقام لفظ النبي في الحديث المذكور لتفاوت معنى الكلمتين؛ فإنك لو قلت: ورسولك الذي أرسلت كان قولك: الذي أرسلت لاحاجة له مع قولك: ورسولك؛ فهو تكرار ظاهر وتأكيد لا حاجة إليه، بخلاف لفظ النبي، فإن النبي قد يكون غير مرسل فصرح بأنه مرسل فيكون قوله: ((الذي أرسلت)) تأسيساً لا تأكيداً، ومعلوم أن التأكيد لايساوي التأسيس، وقد تقرر في الأصول أنه إن دار اللفظ بين التأكيد والتأسيس فحمله على التأسيس أرجح إلا بدليل، وكذلك كون هذا الحديث من الأحاديث المتعبد بلفظها فهي غير داخلة معنا، والله أعلم.
المصدر : موقع فرسان السنة