دلائل الإخلاص وعلامات المخلصين
[size=16][size=21][b]إن
من دلائل الإخلاص وعلامات المخلصين اتهامهم لأنفسهم بالتقصير في حق الله،
وعدم القيام بالعبودية لملك الملوك، بل ومقتهم لأنفسهم ولا يرونها أهلاً
لأي فضل.
والتزكية
التي يذم عليها المرء أن يدل بعمله على ربه ويمدح، وكأنه يمن على الله،
يقول: صليت، وتصدقت، وصمت، وحججت، وجاهدت، وبررت والدي، وما أشبه ذلك،
فلايجوز للإنسان أن يزكي نفسه.
والصالحون لهم أحوال وكلام في اتهام النفس وعدم تزكيتها:
فها هو الصديق - رضي الله عنه - يمسك لسانه ويقول: هذا الذي أوردني المهالك.
وهذا عمر - رضي الله عنه - يقول لحذيفة : هل أنا منهم؟ يعني من المنافقين أَوَ سمّاني لكَ رسول الله؟
وكان عبد الرحمن بن هرمز الأعرج
كثيراً مايعاتب نفسه ويوبخها ويقول لها: إن المنادي ينادي يوم القيامة:
يا أهل خطيئة كذا قوموا، فتقوم يا أعرج معهم، ثم ينادي: يا أهل خطيئة كذا
قوموا، فتقوم يا أعرج معهم،ثم ينادي يا أهل خطيئة كذا قوموا، فتقوم يا
أعرج معهم، فأراك يا أعرج تقوم مع كل
طائفة.
وقال شعيب بن حرب:
بينا أنا أطوف بالبيت إذا رجلٌ يشدُ ثوبي من خلفي فالتفت فإذا بفضيل بن
عياض، فقال: لو شفعَ فيّ وفيك أهل السماء كنا أهلاً ألا يشفع فينا.
وكان الشافعي يقول:
أحب الصالحين ولست منهم *** لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي *** وإن كنا سواءً في البضاعة
وكان الربيع بن خثيم يبكي حتى يبل لحيته ويقول: أدركنا أقواماً كنا في جنبهم لصوصاً.
وعن يونس بن عبيد قال: إني لأعد مائة خصلة من خصال البر، ما فيَّ منها خصلةُ واحدة.
وقال الفضيل بن عياض
عن نفسه: كيف ترى حال من كثرت ذنوبه، وضعف عمله، وفنى عمره، ولم يتزود
لمعاده، ولم يتأهب للموت، ولم يتزين للموت، وتزيّن للدنيا، هيه، وقعد يحدث
يعني نفسه واجتمعوا حولك يكتبون عنك، بخ فقد تفرغّت للحديث ثم قال: هاه
وتنفس طويلاً ويحك أنت تحسن تحدّث؟؟ أو أنت أهلٌ أن يحمل عنك؟ استحي يا
أحمق بين الحمقان! لولا قلة حيائك وصفاقة وجهك ما جلست تحدث وأنت أنت،
أما تعرف نفسك؟ أما تذكر ماكنت؟ وكيف كنت؟ أما لو عرفوك ما جلسوا إليك ولا
كتبوا عنك، ولا سمعوا منك شيئاً أبداً.
[size=21]وقال أيوب السختياني: إذا ذكر الصالحون كنت عنهم بمعزل.
وقد روى الإمام أحمد عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -قال: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً.
وعن جعفر بن برقان
قال: بلغني عن يونس بن عبيد فضلٌ وصلاح، فكتبت إليه: يا أخي، اكتب لي بما
أنت عليه، فكتب إليه: أتاني كتابك تسألني أنا أكتب إليك بما أنا عليه،
وأخبرك أني عرضتُ على نفسي أن تحب للناس ما تحب لها وتكره لهم ما تكره لها؛
فإذا هي من ذاك ببعيد، ثم عرضتُ عليها مرةً أخرى ترك ذكرهم إلا من خير؛
فوجدت الصوم في اليوم الحار الشديد الحر بالهواجر بالبصرة أيسر عليها من
ترك ذكرهم. هذا أمري يا أخي والسلام.
وقال بكر بن عبدالله المزني : لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم لولا أني كنت فيهم.
وقال مطرف بن عبدالله: لولا ما أعلم من نفسي لقليت الناس.. وقال في دعائه بعرفة: اللهم لا ترد الناس لأجلي.
وقال يونس بن عبيد: إني لأجد مائة خصلة من خصال الخير ما أعلم أن في نفسي منها واحدة.
ولما احتضر سفيان الثوري
دخل عليه أبوالأشهب وحماد بن سلمة، فقال له حماد: يا أبا عبدالله أليس قد
أمنت مما كنت تخاف وتقدم على من ترجوه وهو أرحم الراحمين فقال: يا أبا
سلمه أتطمع لمثلي أن ينجو من النار قال: إي والله إني لأرجو لك ذلك.
وذكر عن مسلم بن سعيد الواسطي
قال: أخبرني حماد بن جعفر بن زيد: أن أباه أخبره قال: خرجنا في غزاة إلى
كابل وفي الجيش: صلة بن أشيم فنزل الناس عند العتمة فصلوا ثم اضطجع فقلت:
لأرمقن عمله فالتمس غفلة الناس حتى إذا قلت: هدأت العيون وثب فدخل غيضة
قريباً منا فدخلت على أثره فتوضأ ثم قام يصلي وجاء أسد حتى دنا منه فصعدت
في شجرة فتراه التفت أوعده جرواً فلما سجد قلت: الآن يفترسه فجلس ثم سلم ثم
قال: أيها السبع اطلب الرزق من مكان آخر فولى وإن له لزئيراً أقول: تصدع
الجبال منه قال: فما زال كذلك يصلي حتى كان عند الصبح جلس فحمدالله -
تعالى - بمحامد لم أسمع بمثلها ثم قال: اللهم إني أسألك أن تجيرني من
النار ومثلي يصغر أن يجترئ أن يسألك الجنة قال: ثم رجع وأصبح كأنه بات على
الحشايا وأصبحت وبي من الفترة شيء الله به عالم.
وقال محمد بن واسع: لو كان للذنوب ريح ما قدر أحد يجلس إلي.
وذكر داود الطائي عند بعض الأمراء فأثنواعليه، فقال: لو يعلم الناس بعض ما نحن فيه ما ذل لنا لسان بذكر خيرأبداً.
وذكر ابن أبي الدنيا
عن الخالد بن أيوب قال: كان راهب في بني إسرائيل في صومعة منذ ستين سنة
فأتي في منامه فقيل له: إن فلانا الإسكافي خير منك ليلة بعد ليلة فأتى
الإسكافي فسأله عن عمله فقال: إني رجل لا يكاد يمر بي أحد إلا ظننت أنه في
الجنة وأنا في النار ففضل على الراهب بإزدرائه على نفسه.
وقال أبوحفص:
من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات، ولم يخالفها في جميع الأحوال، ولم يجرها إلى مكروهها في سائر أوقاته كان مغروراً
ومن نظر إليها باستحسان شيء منها فقد أهلكها
[/size][/size]
[/size]
[/b]