تمتلىء اللغةالعربية بتعبيرات وكتابات تستخدم اللون فيها… فمثلانقول : فلان ضحكتهصفراء .. ونقول : فلان يتطاير الشرر الأحمر من عينيه ..وهذا لأن وجههيحتقن بالدم ويبدو أحمرَ . واللون الأحمر يعني : الفعلالقوي . فإذا خفَّونقُص تأثيره ، أصبح ورديًّا دلالة على الحياة السعيدةالنشطة اللطيفة ،فيقال : حياة وردية . يعني : سعيدة .. أما الأسود فيعني: انعدام اللون ،والضوء ، ويرمز للحزن والموت .
ما اللـــون ؟
اللونهو ذلكالتأثير الفيزيولوجي الناتج على شبكية العين ؛ سواء كان ناتجًا عنالمادةالصباغية الملونة ، أو عن الضوء الملون ، فهو إحساس- إذًا- وليس لهوجودخارج الجهاز العصبي للكائنات الحية ؛ ولكن المصورون والمشتغلونبالصباغةوعمال المطابع يقصدون بكلمة اللون المواد التى يستعملونها لمادةالتلوين .أما علماء الطبيعية فيقصدون بكلمة ( لون ) نتيجة تحليل الضوء (الطيفالشمسي ) ، أو طول موجة الضوء . وفى الحقيقة يوجد كل من المادةالملونة .أي : المادة الصباغية ، والشعاع الملون . أي : الضوء الملون ..وقد حدد علمالطبيعة اللون بالدلالات الطبيعية الثلاثة الآتية :
1- طول الموجـة :
إنالإشعاعاتالتى تؤلف ضوء الشمس مثلاً يمكن أن تشتت بالاستعانة بمنظورثلاثي إلى ألوانالطيف ( بنفسجي ، أزرق ، أخضر .. ) التى تتميز بحسب أطوالأمواجها ؛ إذ أنلكل لون طول خاص للموجة ، وبعض الإشعاعات لا تستطيع العينأن تميزها ؛ مثل: موجات تحت الحمراء ، وموجات فوق البنفسجية .
2- النقــــاء :
أي : النسبة بين اللون ، وبين كمية الأبيض الموجودة .
3- عامل النصوع :
أي: كمية الضوء المنقولة ، أو المنعكسة من اللون ؛ وبذلك يمكن لعيوننا أنتسجل وتدرك هذه الألوان السبعة :&679&5: بنفسجي – نيلي – أزرق –أخضر- أصفر – برتقالي – أحمر ) ، ومشتقاتها ، ودرجاتها المختلفة .
إدراك أو حس اللون :
نحنلانستطيع إدراك الأشياء الملونة إلا بواسطة الضوء الواقع عليها ، والذيينعكسجزء منه إلى عيوننا ؛ ولذلك فأي شيء ملون إذا ما سلط عليه ضوء قوي ،فإنهيعكس إشعاعًا أكثر ، وبالتالي يظهر أكثر نصوعًا . أما إذا وقع هذاالشيءالملون تحت ضوء خافت ، فإنه يعكس قليلاً ، ويظهر غير واضح .
وقدبرهنالعالم نيوتن أن « الضوء هو أصل اللون » . والضوء الأبيضيمكن تحليله إلىألوانه الأصلية ؛ كما يمكن تجميع هذه الألوان ؛ لنحصل علىالضوء الأبيض .فإذا وجد الضوء ، وجدت الألوان . وتبع ذلك أن طبيعة الضوءتؤثر على طبيعةالألوان ، فنجد أن الألوان تختلف فى مظهرها تحت ضوء النهارعنها تحتالإضاءة الصناعية ، ويمكنك التأكد من ذلك من ملاحظة لون قماشمعروض داخلمعرض مضاء بالضوء الصناعي ، ولون القماش ذاته فى ضوء النهارالعادي .
لماذا نرى الأشياء ملونة ؟
إنأي جسم معرض للضوءيمتص الإشعاعات ، ويعكس بعضها . ولون هذا الجسم هو لونالإشعاع المنعكسمنه . فالفستان أحمرَ ؛ لأنه امتص كل إشعاعات الضوءالساقطة عليه ، وعكسإلى عيوننا الإشعاعات الحمراء . وتنقل العين هذهالإحساسات إلى المخ عنطريق مجموعة الأقماع الشبكية الخاصة باللون الأحمر ؛وبذلك يتكون الإحساسباللون الأحمر .. وكذلك فالمياه تبدو زرقاء ؛ لأن ضوءالشمس يعانيالانعكاسات الانكسارية ، وأثناء مروره فى طبقات الجو المختلفةفى رحلتهإلى الأرض ، تصل إلينا الإشعاعات الزرقاء فقط . ولهذا السبب أيضًايبدوالبحر أزرق اللون ، بينما تبدو أمواج البحر بيضاء بسبب احتوائهاعلىفقاقيع الهواء التى تعكس كل الأشعة الضوئية ، ولا تمتص منها شيئًا .
والعينعلىدرجة كبيرة من الحساسية خاصة اللون الأخضر ، وتنعدم هذه الحساسيةعندنهايتي الأحمر والبنفسجي . فالعين قادرة على إدراك أقل اختلاف فى اللون،ويمكنها أن تميز من / 200 / إلى / 250 / لون .. وتميز العينبسهولةالألوان البنفسجية والحمراء ، ولا تستطيع بسهولة أن تقدر فروقدرجاتالألوان الصفراء .. وكذلك فمن الصعب على عامل " الديكور " عملترميملسيارة باللون الأصفر .. ويريح العين الضوء الموحد ، خاصة الضوءالأبيض .
كيف تحس العين بالألوان ؟
يعتقد العلماء أن هناك ثلاثة أنواع من النهايات العصبية الموجودة بشبكية العين ( الأقماع ) ؛ وهي :
المجموعة الأولى : ذات حساسية خاصة لتأثير الموجات الطويلة ، أو اللون الأحمر .
المجموعة الثانية : ذات حساسية خاصة للموجات المتوسطة ، أو اللون الأخضر .
المجموعة الثالثة : ذات حساسية خاصة للموجات القصيرة ، أو اللون البنفسجي .
وعلىهذا، فاللون الأحمر يؤثر بقوة على المجموعة الأولى ، وله تأثير ضعيفعلىالمجموعتين الأخيرتين .. وهكذا كل لون يثير مجموعة ، أو مجموعات مختلفةمنهذه النهايات .. فإذا أمكن إثارة المجموعات الثلاث فى وقت واحدوبنفسالقوة ، نتج الإحساس باللون الأبيض . وإذا لم تثر هذه المجموعاتإطلاقًا ،نتج الإحساس باللون الأسود .
عمى الألوان :
بعضالناس يرونالأجسام بغير ألوانها الطبيعية ، فالألوان الحمراء يرونها سوداء، أوالصفراء يرونها أكثر خضرة . ومنهم من لا يستطيع التمييز بدقة بيناللونينالأزرق والبنفسجي ، وهذه العلة وراثية فى الغالب ، وقد تكون مكتسبةبعدبعض أمراض الشبكية والعصب البصري .
والنوع الوراثي يحدث أكثرفىالذكور ( 3 –4 % من الذكور ) ، ويندر حدوثه فى الإناث ، وإن كانتالعلةتورث بواسطة الإناث إلى الذكور .. والعمى الكلي للألوان نادر الحدوث، وفيهلا يمكن للشخص تمييز أي لون . فجميع الألوان تبدو له رمادية ؛ ولكنذاتبريق مختلف .
أما عمى الألوان الجزئي فهو أكثر انتشارًا ، وفىأغلبالأحوال لا يستطيع الشخص التمييز بين الألوان الحمراء والخضراء . ومنهنايتضح خطورة قيام مثل هذا الشخص ببعض الأعمال ؛ مثل : سائق ، بحار ،طيار .ولا علاج لهذه العلة سواء طبي ، أو جراحي .. ولا علاقة بين حدةالإبصار ،والقدرة على تمييز الألوان ، فقد تكون قوة الإبصار ( 6 / 6 ) .ولا يمكنتمييز الألوان ؛ كما أن العكس صحيح ؛ إذ قد تميز الألوان جيدًا ،ويكونالبصر ضعيفًا .
الألوان فى الظلام :
لا يمكن للعين أنتميزالألوان فى الظلام . وعند حلول الظلام ( الغروب مثلاً ، أو خبوالضوءالكهربائي ) ، لا يمكن تمييز اللون الأحمر من الأخضر .. ثم تقل قدرةالعينعلى تمييز الألوان الآتية بالترتيب :&679&5:البنفسجي ،الأزرق ، الأصفر ) ، ثم أخيرًا ( الأخضر ) . أي : إن اللونالأخضر يعتبرأكثر الألوان وضوحًا أثناء الليل ، بينما اللون الأصفر هوأكثرها وضوحًاأثناء النهار . واللون الأحمر لا يثير الشبكية المكيفةللرؤية فى الظلام ؛كما أنه لا يثير التفاعلات الكيماوية الحساسة للضوء ؛ولذا يستعمل اللونالأحمر فى الحجرات المظلمة الخاصة بتحميض الأفلامالحساسة .
الألوان في القرآن
لقدخلق الله تعالى كل ما فىالكون وسخره ؛ لخدمة الإنسان ؛ ولتحقيق راحتهوهنائه . وقد حرصت القدرةالإلهية على أن تكون المخلوقات جميلة مع كونهانافعة ، فيفيد الإنسانوينتفع ، وفى الوقت ذاته يسر بجمال الأشكال وتعددالألوان .. ذلك الجمالالرائع المنبث في لوحة الكون بألوانه المتعددة .وإذا غفلت عيوننا البشريةعن الالتفات إلى مشاهد الجمال ، ذكَّرنا القرآنالكريم بها . ومن بين آياتالجمال التي يوقفنا القرآن عندها وأمامها كثيرًاآيات جمال الألوان .
1- الألوان ماثلة فى الجبال :
إنكتجدالجبال ألواناً عدة ، وكان فى مقدرة الخالق سبحانه أن يجعلها لونًاواحدًا. ولما كان السرور البشري يتحقق فى تعدد الألوان ، جعل الله سبحانهمنالجبال البيض ، والحمر ، والسود ؛ كما قال تعالى :
﴿ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾(فاطر: 27)
وكلمة جدد تعني : طرائق تخالف لون الجبل ، ومفردها : جدة . أما الغرابيب السود فهي الجبال السود الطوال الشديدة السواد .
وعندمانديرأبصارنا من الجبال المتعددة الألوان إلى الجبل الأسود الغربيب ، أومنه إلىالجبال ذات الألوان المتعددة ، نستشعر تقابلاً ، فينبعث السرور ؛كما فياستخدام المقابلة والطباق فى الشعر والنثر .
وهذه الآيةتذكر اللونالأبيض واللون الأحمر ، أما بقية الألوان وما أكثرها وما أشداختلافهاوتعددها فيذكرها إيجازًا وتركيزًا قوله تعالى :﴿ مُّخْتَلِفٌأَلْوَانُهَا﴾ . إن فى تعدد ألوان الأحجار ، وامتزاج أحدها بالآخرلجمالاً يبهر العينتمامًا ؛ كما تبهرها ألوان الشعب المرجانية فى قاعالبحر الأحمر .
والقرآنالكريم يذكر عبارة ﴿ مُّخْتَلِفٌأَلْوَانُهَا ﴾ بعد قوله تعالى ﴿ بِيضٌوَحُمْرٌ ﴾ ؛ ليشير إلى أن اللونينالأساسيين هما الأبيض والأحمر . أما ماعداهما من ألوان مختلفة فهي مركبةمن هذين اللونين .
2- الألوان في الأنعــام :
ومن تعدد جلود الأنعام يتحقق ذلك الجمال الذى أشارت إليه هذه الآية الكريمة :
﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴾(النحل: 6)
ونجد تعدد ألوان الأنعام في قوله تعالى :
﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ ﴾(فاطر: 28)
أي : فيهم الأحمر والأبيض والأسود ، وغير ذلك . وكل هذا- فيما يقول الإمام القرطبي- دليل على صانع مختار .
وكلمة(كذلك ) فى الآية السابقة لها دلالتها على تذكير الإنسان بأن تعددالألوانليس فى الجبال فحسب ؛ وإنما فى الكائنات الحية المتميزة بالروحوالإحساس (الناس والدواب والأنعام ) .
وذكر " الأنعام " بعد "الدواب " من بابعطف الخاص على العام . وإقرار " الأنعام " لأهمية جمالألوانها لنا لكونهاأكثر من غيرها حضورًا بيننا ، فالأغنام مثلاً فىالحقول . أما الثعالبوالذئاب والأفيال ففي الغابات ، وربما تعذر رؤيتهاعلى الكثيرين.
3- اللون الأخضر ( لون النباتات والزروع ) :
نشاهدفىحياتنا اليومية كثيرًا من الألوان المختلفة ، لعل أكثرها انتشارًا،وأعظمها شأنًا هو اللون الأخضر الذي يبعث في نفس الإنسان كثيرًا منالبهجةوالسرور ، وخصوصًا إذا كان هذا اللون يكسو الأرض في مساحات شاسعة ؛كما هيالحال في الحدائق والبساتين والحقول المترامية الأطراف ، أو فيالوديانالتي تمتد عبر الصحراء حيث تكسوها الأعشاب والنباتات الخضراء بعدهطولالأمطار عليها ، وهو ما تشير إليه الآية الكريمة الآتية :
﴿أَلَمْتَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُالْأَرْضُمُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾(الحج: 63)
ونقرأ قوله تعالى :
﴿ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً ﴾(الأنعام: 99)
قيل:الخضر ههنا : الزرع الأخضر . وشجرة خضراء . أي : غضة . وأرض خضرة ،ويخضور: كثيرة الخضرة . وخضر الزرع خضرًا : نعم . وأخضره الري .. وأفضلالألوانكلها وأشرفها لون الخضرة وذلك لأمرين :
الأمر الأول :
هوأنالله سبحانه وتعالى وصف فى كتابه العزيز أهل جنته المخصوصين بتقريبهومزيتهبلباس الثياب الخضر ، فقال تعالى فى وصفهم :﴿ عَالِيَهُمْ ثِيَابُسُندُسٍخُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ﴾(الإنسان: 21(
وقال سبحانه فى موضع آخر :﴿ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ﴾(الكهف: 31)
فلو كان في الألوان أفضل من الخضرة ، لوصفهم الله سبحانه بذلك .
الأمر الثاني :
مافيلون الخضرة من تقوية للنظر والزيادة في حاسة البصر . وسبب ذلك فيمايقولهأهل الطب أن اللون الأخضر يجمع الروح الباصر جمعًا رفيقًا مستلذًّاغيرعنيف ، وإن كان اللون الأسود يجمع الباصر أيضًا ؛ لكنه يجمعه بعنفواستكراه، على ضد ما يجمعه اللون الأخضر . قال تعالى :
﴿وَأَنزَلَ لَكُممِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَبَهْجَةٍ مَّاكَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ﴾(النمل: 60)
يقولصاحبالظلال – رحمه الله – فى تفسير هذه الآية :« حدائقبهيجة ناضرة حية جميلةمفرحة . ومنظر الحدائق يبعث في القلب البهجةوالنشاط والحيوية . وتأمل هذهالبهجة والجمال الناضر والحي الذى يبعثهاكفيل بإحياء القلوب . وتدبر آثارالإبداع في الحدائق كفيل بتمجيد الصانعالذي أبدع هذا الجمال العجيب . وإنتلوين زهرة واحدة وتنسيقها ليعجز عنهأعظم رجال الفنون من البشر . وإن تموجالألوان وتداخل الخطوط وتنظيمالوريقات في الزهرة الواحدة ليبدو معجزةتتقاصر دونها عبقرية الفن فيالقديم والحديث فضلاً عن معجزة الحياة الناميةفي الشجر ، وهي السر الأكبرالذي يعجز عن فهمه البشر » .
ويرجع هذااللون الأخضر الذيينتشر في النباتات على اختلاف أنواعها وأشكالها وأحجامها(وخصوصًا فىأوراقها الخضراء) إلى مادة كيميائية معقدة التركيب ، يطلقعليها علماءالنبات اسم ( اليخضور ) ، أو ( الكلوروفيل : Chlorophyll )
وكانالمعتقدفي بادئ الأمر أن ( الكلوروفيل ) عبارة عن مادة واحدة ؛ ولكن وجدبعد تقدمالبحوث النباتية ، وعمل التحليلات الدقيقة أنها تتركب في واقعالأمر منأربع مواد مختلطة بعضها ببعض ؛ وتلك هي ( كلوروفيل: أ ) ، و(كلوروفيل: ب )، ولونهما أخضر بالإضافة إلى مادتين أخريين ؛ وهما :&679&5:الكاروتين ) ، و( الزانثوفيل ) ، وهما صبغان نباتيان ، لونهما أصفر .
إنهذا( الكلوروفيل ) المعقد الذي يغلب عليه اللون الأخضر هو أحدالمعجزاتالحقيقية التي أوجدها الله سبحانه وتعالى في دنيا النبات ؛ إذ أنهيلعب فيتكوين الأغذية النباتية دورًا يفوق كل خيال . فالنبات على سبيلالمثاليمتص من التربة التي يترعرع فيها كمية من الماء ؛ كما يمتص ثانيأكسيدالكربون من الهواء الجوي الذي يحيط بنا في كل مكان . ومن هاتينالمادتينالبسيطتين ( الماء ، وثاني أكسيد الكربون ) يستطيع الكلوروفيلإنتاجالمواد الكربوهيدراتية البسيطة ، أو المعقدة ؛ مثل : الأنواعالمختلفة منالسكر ، ومنها سكر الجلوكوز ، وسكر الفواكه ، وسكر القصب ،وسكر البنجر ..وأيضًا الأنواع المختلفة من النشا ؛ مثل : النشا الموجود فيحبوب القمح ،أو الذرة ، أو الأرز ، أو الشوفان ، أو في بعض الأجزاءالنباتية الأخرى ؛مثل : درنات البطاطا ، والبطاطس ، وغيرها . ولا يتمإنتاج مثل هذه الموادالغذائية الهامة إلا في وجود الأشعة الضوئية ، ويطلقعلى تلك العملية اسمعملية التمثيل الضوئي : Photosynthesis )) . ويمكنتلخيص تلك العملية فيالمعادلة البسيطة الآتية :
ثاني أكسيد الكربون + ماء واد كربوهيدراتية مواد كربوهيدراتية + أكسجين ، ينتج عنها مركب سكري + أوكسجين
ويعيشالإنسان، وكذلك جميع الحيوانات التي تدب على سطح الأرض على تلك المنتجاتالنباتية، والتي لا يستطيع أي منا إنتاجها من المواد الخام على الإطلاق ؛كما تفعلالنباتات الخضراء . وبذلك يكون ( الكلوروفيل ) هو المادة المنتجةلجميعالأغذية النباتية ، أو الحيوانية على حدٍ سواء .
وبالإضافةإلى تلكالمادة الخضراء ( الكلوروفيل ) تحتوي النباتات على مواد أخرىكثيرة ، لهاألوان متباينة ؛ ومنها الصبغ الأزرق ، والصبغ الأصفر ، والصبغالأحمر ،والصبغ البني وغيرها . وتشاهَد مثل تلك الألوان في كثير منالأجزاءالنباتية ، وخصوصًا الأزهار والثمار ؛ كما يتضح من الآية الكريمة:
﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا ﴾(فاطر: 27)
4- اللون الأصفر :
ورد في قرآن الكريم السرور- سرور الإنسان- عقب ذكر اللون الأصفر الفاقع على جلد بقرة . قال تعالي :
﴿قَالُواْادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَإِنَّهُ يَقُولُإِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّالنَّاظِرِينَ﴾(البقرة: 69)
قيل : فاقع لونها : شديد الصفرة ،تكاد من صفرتهاتبيضُّ . وقيل : صافية اللون ، وهي تسر الناظرين ؛ لأنكإذا نظرت إلى جلدها، تخيلت أن شعاع الشمس يخرج من جلدها .
وعناللون الأصفر بصفة عامةوكونه باعثًا للسرور ، قال ابن جرير عن ابن عباس:« من لبس نعلاً صفراءَ ،لم يزل فى سرور ما دام لابسها » .ويرفض المفسرون أن يفهم قول القرآن (فاقع لونها ) بمعنى : تسود من صفرتها، ويجعلونه قولاً غريبًا . ويرىالقرطبي أنه لا يستعمل مجازًا إلا فيالإبل . قال تعالى :﴿ كَأَنَّهُجِمَالَتٌ صُفْرٌ ﴾(المرسلات: 33) .
ويقولالكسائي :« فقع لونها ،إذا خلصت صفرته » . وقد ذكر القرطبي:« قال ابن عباس : الصفرة تسر النفس »، وحض على لباس النعالالصفر .. حكاه عنه النقاش . وقال علي بن أبي طالبرضي الله عنه :«من لبس نعلي جلد أصفر ، قلَّ همُّه ؛ لأن الله تعالى يقول:﴿ بَقَرَةٌصَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾ » ..حكاه عنالثعلبي .
ونهى ابن الزبير ومحمد بن أبي كثير عن لباسالنعال السود؛ لأنها تُهِمُّ . أي : تبعث الهمَّ في النفس . ولا غرابة فينهي ابنالزبير وابن كثير عن لبس النعال السوداء ، ولا في حث ابن عباس وعليبن أبيطالب- رضي الله عنهما- على لبس النعل الأصفر ؛ فقد غدت دراسةالألوانوالتأثير الخاص بكل لون على النفس ، ودراسة وتشخيص النفوس منواقعاهتمامها الفعلي وإحساسها بالألوان . وحب ألوان معينة غدا هذاأمرًامعروفًا في عصرنا . والمِحَكُّ عند القدماء والمحدثين كليهما هوالتجربةوالنظر في أحوال النفس ونفوس الآخرين في حالات متعددة ، ثم تقريرنتائجوأحكام ، فلا يجب أن نرفض حكمًا قديمًا لمجرد كونه قديمًا ، أو نصفقلجديدلمجرد كونه جديدًا ؛ وإنما نعود- مثلاً- إلى تجاربنا الخاصة ،ونحكِّمعقولنا ونحتكم إلى أذواقنا .
قال لبيد في الأصفر الفاقع :
سُدُمٌ قديمٌ عهدُه بأنيسه ... من بين أصفرَ فاقعٍ ودخان
لقدكانأسلافنا أهل ذوق رفيع ، فها هو الشيخ شرف الدين أبو نصر محمد بن أبيالفتوحالبغدادي وشهرته ( ابن المرة ) في كتابه ( مفرح النفس ) ، وفي بابجعل لهعنوانًا في اللذة المكتسبة للنفس عن طريق حاسة البصر ، يقول:« النفس تبتهجبما كان من الأجسام له اللون الأحمر والأخضر والأصفر؛ إما بسيطًا ، أومركبًا بعضها من بعض ، فنظر هذه يوجب راحة النفس ، ولذةالقلب ، وسرورالعقل ، ونشاط الذهن ، وتوفر القوى ، وانبساط الروح ».
وانظر إلىحكمته- سبحانه- كيف جعل هذه الألوان الأربعة المذكورة-أعني : الأصفروالأبيض والأحمر والأخضر- في أعظم الأجساد وأشرفها وأبهجهاوأحسنها منظرًا، وهي الذهب الأصفر ، واللؤلؤ الأبيض ، والزمرد الأخضر ،والياقوت الأحمر ،ولم يجعل شيئًا من الأحجار أعزَّ منها ولا أشرف ، وجعلغاية كل واحد منهاأن يكون بهذا اللون المذكور ،﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُأَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ .. ( نقلا عن بشر فارس / سر الزخرفة الإسلامية ).
ما اللـــون ؟
اللونهو ذلكالتأثير الفيزيولوجي الناتج على شبكية العين ؛ سواء كان ناتجًا عنالمادةالصباغية الملونة ، أو عن الضوء الملون ، فهو إحساس- إذًا- وليس لهوجودخارج الجهاز العصبي للكائنات الحية ؛ ولكن المصورون والمشتغلونبالصباغةوعمال المطابع يقصدون بكلمة اللون المواد التى يستعملونها لمادةالتلوين .أما علماء الطبيعية فيقصدون بكلمة ( لون ) نتيجة تحليل الضوء (الطيفالشمسي ) ، أو طول موجة الضوء . وفى الحقيقة يوجد كل من المادةالملونة .أي : المادة الصباغية ، والشعاع الملون . أي : الضوء الملون ..وقد حدد علمالطبيعة اللون بالدلالات الطبيعية الثلاثة الآتية :
1- طول الموجـة :
إنالإشعاعاتالتى تؤلف ضوء الشمس مثلاً يمكن أن تشتت بالاستعانة بمنظورثلاثي إلى ألوانالطيف ( بنفسجي ، أزرق ، أخضر .. ) التى تتميز بحسب أطوالأمواجها ؛ إذ أنلكل لون طول خاص للموجة ، وبعض الإشعاعات لا تستطيع العينأن تميزها ؛ مثل: موجات تحت الحمراء ، وموجات فوق البنفسجية .
2- النقــــاء :
أي : النسبة بين اللون ، وبين كمية الأبيض الموجودة .
3- عامل النصوع :
أي: كمية الضوء المنقولة ، أو المنعكسة من اللون ؛ وبذلك يمكن لعيوننا أنتسجل وتدرك هذه الألوان السبعة :&679&5: بنفسجي – نيلي – أزرق –أخضر- أصفر – برتقالي – أحمر ) ، ومشتقاتها ، ودرجاتها المختلفة .
إدراك أو حس اللون :
نحنلانستطيع إدراك الأشياء الملونة إلا بواسطة الضوء الواقع عليها ، والذيينعكسجزء منه إلى عيوننا ؛ ولذلك فأي شيء ملون إذا ما سلط عليه ضوء قوي ،فإنهيعكس إشعاعًا أكثر ، وبالتالي يظهر أكثر نصوعًا . أما إذا وقع هذاالشيءالملون تحت ضوء خافت ، فإنه يعكس قليلاً ، ويظهر غير واضح .
وقدبرهنالعالم نيوتن أن « الضوء هو أصل اللون » . والضوء الأبيضيمكن تحليله إلىألوانه الأصلية ؛ كما يمكن تجميع هذه الألوان ؛ لنحصل علىالضوء الأبيض .فإذا وجد الضوء ، وجدت الألوان . وتبع ذلك أن طبيعة الضوءتؤثر على طبيعةالألوان ، فنجد أن الألوان تختلف فى مظهرها تحت ضوء النهارعنها تحتالإضاءة الصناعية ، ويمكنك التأكد من ذلك من ملاحظة لون قماشمعروض داخلمعرض مضاء بالضوء الصناعي ، ولون القماش ذاته فى ضوء النهارالعادي .
لماذا نرى الأشياء ملونة ؟
إنأي جسم معرض للضوءيمتص الإشعاعات ، ويعكس بعضها . ولون هذا الجسم هو لونالإشعاع المنعكسمنه . فالفستان أحمرَ ؛ لأنه امتص كل إشعاعات الضوءالساقطة عليه ، وعكسإلى عيوننا الإشعاعات الحمراء . وتنقل العين هذهالإحساسات إلى المخ عنطريق مجموعة الأقماع الشبكية الخاصة باللون الأحمر ؛وبذلك يتكون الإحساسباللون الأحمر .. وكذلك فالمياه تبدو زرقاء ؛ لأن ضوءالشمس يعانيالانعكاسات الانكسارية ، وأثناء مروره فى طبقات الجو المختلفةفى رحلتهإلى الأرض ، تصل إلينا الإشعاعات الزرقاء فقط . ولهذا السبب أيضًايبدوالبحر أزرق اللون ، بينما تبدو أمواج البحر بيضاء بسبب احتوائهاعلىفقاقيع الهواء التى تعكس كل الأشعة الضوئية ، ولا تمتص منها شيئًا .
والعينعلىدرجة كبيرة من الحساسية خاصة اللون الأخضر ، وتنعدم هذه الحساسيةعندنهايتي الأحمر والبنفسجي . فالعين قادرة على إدراك أقل اختلاف فى اللون،ويمكنها أن تميز من / 200 / إلى / 250 / لون .. وتميز العينبسهولةالألوان البنفسجية والحمراء ، ولا تستطيع بسهولة أن تقدر فروقدرجاتالألوان الصفراء .. وكذلك فمن الصعب على عامل " الديكور " عملترميملسيارة باللون الأصفر .. ويريح العين الضوء الموحد ، خاصة الضوءالأبيض .
كيف تحس العين بالألوان ؟
يعتقد العلماء أن هناك ثلاثة أنواع من النهايات العصبية الموجودة بشبكية العين ( الأقماع ) ؛ وهي :
المجموعة الأولى : ذات حساسية خاصة لتأثير الموجات الطويلة ، أو اللون الأحمر .
المجموعة الثانية : ذات حساسية خاصة للموجات المتوسطة ، أو اللون الأخضر .
المجموعة الثالثة : ذات حساسية خاصة للموجات القصيرة ، أو اللون البنفسجي .
وعلىهذا، فاللون الأحمر يؤثر بقوة على المجموعة الأولى ، وله تأثير ضعيفعلىالمجموعتين الأخيرتين .. وهكذا كل لون يثير مجموعة ، أو مجموعات مختلفةمنهذه النهايات .. فإذا أمكن إثارة المجموعات الثلاث فى وقت واحدوبنفسالقوة ، نتج الإحساس باللون الأبيض . وإذا لم تثر هذه المجموعاتإطلاقًا ،نتج الإحساس باللون الأسود .
عمى الألوان :
بعضالناس يرونالأجسام بغير ألوانها الطبيعية ، فالألوان الحمراء يرونها سوداء، أوالصفراء يرونها أكثر خضرة . ومنهم من لا يستطيع التمييز بدقة بيناللونينالأزرق والبنفسجي ، وهذه العلة وراثية فى الغالب ، وقد تكون مكتسبةبعدبعض أمراض الشبكية والعصب البصري .
والنوع الوراثي يحدث أكثرفىالذكور ( 3 –4 % من الذكور ) ، ويندر حدوثه فى الإناث ، وإن كانتالعلةتورث بواسطة الإناث إلى الذكور .. والعمى الكلي للألوان نادر الحدوث، وفيهلا يمكن للشخص تمييز أي لون . فجميع الألوان تبدو له رمادية ؛ ولكنذاتبريق مختلف .
أما عمى الألوان الجزئي فهو أكثر انتشارًا ، وفىأغلبالأحوال لا يستطيع الشخص التمييز بين الألوان الحمراء والخضراء . ومنهنايتضح خطورة قيام مثل هذا الشخص ببعض الأعمال ؛ مثل : سائق ، بحار ،طيار .ولا علاج لهذه العلة سواء طبي ، أو جراحي .. ولا علاقة بين حدةالإبصار ،والقدرة على تمييز الألوان ، فقد تكون قوة الإبصار ( 6 / 6 ) .ولا يمكنتمييز الألوان ؛ كما أن العكس صحيح ؛ إذ قد تميز الألوان جيدًا ،ويكونالبصر ضعيفًا .
الألوان فى الظلام :
لا يمكن للعين أنتميزالألوان فى الظلام . وعند حلول الظلام ( الغروب مثلاً ، أو خبوالضوءالكهربائي ) ، لا يمكن تمييز اللون الأحمر من الأخضر .. ثم تقل قدرةالعينعلى تمييز الألوان الآتية بالترتيب :&679&5:البنفسجي ،الأزرق ، الأصفر ) ، ثم أخيرًا ( الأخضر ) . أي : إن اللونالأخضر يعتبرأكثر الألوان وضوحًا أثناء الليل ، بينما اللون الأصفر هوأكثرها وضوحًاأثناء النهار . واللون الأحمر لا يثير الشبكية المكيفةللرؤية فى الظلام ؛كما أنه لا يثير التفاعلات الكيماوية الحساسة للضوء ؛ولذا يستعمل اللونالأحمر فى الحجرات المظلمة الخاصة بتحميض الأفلامالحساسة .
الألوان في القرآن
لقدخلق الله تعالى كل ما فىالكون وسخره ؛ لخدمة الإنسان ؛ ولتحقيق راحتهوهنائه . وقد حرصت القدرةالإلهية على أن تكون المخلوقات جميلة مع كونهانافعة ، فيفيد الإنسانوينتفع ، وفى الوقت ذاته يسر بجمال الأشكال وتعددالألوان .. ذلك الجمالالرائع المنبث في لوحة الكون بألوانه المتعددة .وإذا غفلت عيوننا البشريةعن الالتفات إلى مشاهد الجمال ، ذكَّرنا القرآنالكريم بها . ومن بين آياتالجمال التي يوقفنا القرآن عندها وأمامها كثيرًاآيات جمال الألوان .
1- الألوان ماثلة فى الجبال :
إنكتجدالجبال ألواناً عدة ، وكان فى مقدرة الخالق سبحانه أن يجعلها لونًاواحدًا. ولما كان السرور البشري يتحقق فى تعدد الألوان ، جعل الله سبحانهمنالجبال البيض ، والحمر ، والسود ؛ كما قال تعالى :
﴿ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾(فاطر: 27)
وكلمة جدد تعني : طرائق تخالف لون الجبل ، ومفردها : جدة . أما الغرابيب السود فهي الجبال السود الطوال الشديدة السواد .
وعندمانديرأبصارنا من الجبال المتعددة الألوان إلى الجبل الأسود الغربيب ، أومنه إلىالجبال ذات الألوان المتعددة ، نستشعر تقابلاً ، فينبعث السرور ؛كما فياستخدام المقابلة والطباق فى الشعر والنثر .
وهذه الآيةتذكر اللونالأبيض واللون الأحمر ، أما بقية الألوان وما أكثرها وما أشداختلافهاوتعددها فيذكرها إيجازًا وتركيزًا قوله تعالى :﴿ مُّخْتَلِفٌأَلْوَانُهَا﴾ . إن فى تعدد ألوان الأحجار ، وامتزاج أحدها بالآخرلجمالاً يبهر العينتمامًا ؛ كما تبهرها ألوان الشعب المرجانية فى قاعالبحر الأحمر .
والقرآنالكريم يذكر عبارة ﴿ مُّخْتَلِفٌأَلْوَانُهَا ﴾ بعد قوله تعالى ﴿ بِيضٌوَحُمْرٌ ﴾ ؛ ليشير إلى أن اللونينالأساسيين هما الأبيض والأحمر . أما ماعداهما من ألوان مختلفة فهي مركبةمن هذين اللونين .
2- الألوان في الأنعــام :
ومن تعدد جلود الأنعام يتحقق ذلك الجمال الذى أشارت إليه هذه الآية الكريمة :
﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴾(النحل: 6)
ونجد تعدد ألوان الأنعام في قوله تعالى :
﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ ﴾(فاطر: 28)
أي : فيهم الأحمر والأبيض والأسود ، وغير ذلك . وكل هذا- فيما يقول الإمام القرطبي- دليل على صانع مختار .
وكلمة(كذلك ) فى الآية السابقة لها دلالتها على تذكير الإنسان بأن تعددالألوانليس فى الجبال فحسب ؛ وإنما فى الكائنات الحية المتميزة بالروحوالإحساس (الناس والدواب والأنعام ) .
وذكر " الأنعام " بعد "الدواب " من بابعطف الخاص على العام . وإقرار " الأنعام " لأهمية جمالألوانها لنا لكونهاأكثر من غيرها حضورًا بيننا ، فالأغنام مثلاً فىالحقول . أما الثعالبوالذئاب والأفيال ففي الغابات ، وربما تعذر رؤيتهاعلى الكثيرين.
3- اللون الأخضر ( لون النباتات والزروع ) :
نشاهدفىحياتنا اليومية كثيرًا من الألوان المختلفة ، لعل أكثرها انتشارًا،وأعظمها شأنًا هو اللون الأخضر الذي يبعث في نفس الإنسان كثيرًا منالبهجةوالسرور ، وخصوصًا إذا كان هذا اللون يكسو الأرض في مساحات شاسعة ؛كما هيالحال في الحدائق والبساتين والحقول المترامية الأطراف ، أو فيالوديانالتي تمتد عبر الصحراء حيث تكسوها الأعشاب والنباتات الخضراء بعدهطولالأمطار عليها ، وهو ما تشير إليه الآية الكريمة الآتية :
﴿أَلَمْتَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُالْأَرْضُمُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾(الحج: 63)
ونقرأ قوله تعالى :
﴿ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً ﴾(الأنعام: 99)
قيل:الخضر ههنا : الزرع الأخضر . وشجرة خضراء . أي : غضة . وأرض خضرة ،ويخضور: كثيرة الخضرة . وخضر الزرع خضرًا : نعم . وأخضره الري .. وأفضلالألوانكلها وأشرفها لون الخضرة وذلك لأمرين :
الأمر الأول :
هوأنالله سبحانه وتعالى وصف فى كتابه العزيز أهل جنته المخصوصين بتقريبهومزيتهبلباس الثياب الخضر ، فقال تعالى فى وصفهم :﴿ عَالِيَهُمْ ثِيَابُسُندُسٍخُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ﴾(الإنسان: 21(
وقال سبحانه فى موضع آخر :﴿ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ﴾(الكهف: 31)
فلو كان في الألوان أفضل من الخضرة ، لوصفهم الله سبحانه بذلك .
الأمر الثاني :
مافيلون الخضرة من تقوية للنظر والزيادة في حاسة البصر . وسبب ذلك فيمايقولهأهل الطب أن اللون الأخضر يجمع الروح الباصر جمعًا رفيقًا مستلذًّاغيرعنيف ، وإن كان اللون الأسود يجمع الباصر أيضًا ؛ لكنه يجمعه بعنفواستكراه، على ضد ما يجمعه اللون الأخضر . قال تعالى :
﴿وَأَنزَلَ لَكُممِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَبَهْجَةٍ مَّاكَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ﴾(النمل: 60)
يقولصاحبالظلال – رحمه الله – فى تفسير هذه الآية :« حدائقبهيجة ناضرة حية جميلةمفرحة . ومنظر الحدائق يبعث في القلب البهجةوالنشاط والحيوية . وتأمل هذهالبهجة والجمال الناضر والحي الذى يبعثهاكفيل بإحياء القلوب . وتدبر آثارالإبداع في الحدائق كفيل بتمجيد الصانعالذي أبدع هذا الجمال العجيب . وإنتلوين زهرة واحدة وتنسيقها ليعجز عنهأعظم رجال الفنون من البشر . وإن تموجالألوان وتداخل الخطوط وتنظيمالوريقات في الزهرة الواحدة ليبدو معجزةتتقاصر دونها عبقرية الفن فيالقديم والحديث فضلاً عن معجزة الحياة الناميةفي الشجر ، وهي السر الأكبرالذي يعجز عن فهمه البشر » .
ويرجع هذااللون الأخضر الذيينتشر في النباتات على اختلاف أنواعها وأشكالها وأحجامها(وخصوصًا فىأوراقها الخضراء) إلى مادة كيميائية معقدة التركيب ، يطلقعليها علماءالنبات اسم ( اليخضور ) ، أو ( الكلوروفيل : Chlorophyll )
وكانالمعتقدفي بادئ الأمر أن ( الكلوروفيل ) عبارة عن مادة واحدة ؛ ولكن وجدبعد تقدمالبحوث النباتية ، وعمل التحليلات الدقيقة أنها تتركب في واقعالأمر منأربع مواد مختلطة بعضها ببعض ؛ وتلك هي ( كلوروفيل: أ ) ، و(كلوروفيل: ب )، ولونهما أخضر بالإضافة إلى مادتين أخريين ؛ وهما :&679&5:الكاروتين ) ، و( الزانثوفيل ) ، وهما صبغان نباتيان ، لونهما أصفر .
إنهذا( الكلوروفيل ) المعقد الذي يغلب عليه اللون الأخضر هو أحدالمعجزاتالحقيقية التي أوجدها الله سبحانه وتعالى في دنيا النبات ؛ إذ أنهيلعب فيتكوين الأغذية النباتية دورًا يفوق كل خيال . فالنبات على سبيلالمثاليمتص من التربة التي يترعرع فيها كمية من الماء ؛ كما يمتص ثانيأكسيدالكربون من الهواء الجوي الذي يحيط بنا في كل مكان . ومن هاتينالمادتينالبسيطتين ( الماء ، وثاني أكسيد الكربون ) يستطيع الكلوروفيلإنتاجالمواد الكربوهيدراتية البسيطة ، أو المعقدة ؛ مثل : الأنواعالمختلفة منالسكر ، ومنها سكر الجلوكوز ، وسكر الفواكه ، وسكر القصب ،وسكر البنجر ..وأيضًا الأنواع المختلفة من النشا ؛ مثل : النشا الموجود فيحبوب القمح ،أو الذرة ، أو الأرز ، أو الشوفان ، أو في بعض الأجزاءالنباتية الأخرى ؛مثل : درنات البطاطا ، والبطاطس ، وغيرها . ولا يتمإنتاج مثل هذه الموادالغذائية الهامة إلا في وجود الأشعة الضوئية ، ويطلقعلى تلك العملية اسمعملية التمثيل الضوئي : Photosynthesis )) . ويمكنتلخيص تلك العملية فيالمعادلة البسيطة الآتية :
ثاني أكسيد الكربون + ماء واد كربوهيدراتية مواد كربوهيدراتية + أكسجين ، ينتج عنها مركب سكري + أوكسجين
ويعيشالإنسان، وكذلك جميع الحيوانات التي تدب على سطح الأرض على تلك المنتجاتالنباتية، والتي لا يستطيع أي منا إنتاجها من المواد الخام على الإطلاق ؛كما تفعلالنباتات الخضراء . وبذلك يكون ( الكلوروفيل ) هو المادة المنتجةلجميعالأغذية النباتية ، أو الحيوانية على حدٍ سواء .
وبالإضافةإلى تلكالمادة الخضراء ( الكلوروفيل ) تحتوي النباتات على مواد أخرىكثيرة ، لهاألوان متباينة ؛ ومنها الصبغ الأزرق ، والصبغ الأصفر ، والصبغالأحمر ،والصبغ البني وغيرها . وتشاهَد مثل تلك الألوان في كثير منالأجزاءالنباتية ، وخصوصًا الأزهار والثمار ؛ كما يتضح من الآية الكريمة:
﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا ﴾(فاطر: 27)
4- اللون الأصفر :
ورد في قرآن الكريم السرور- سرور الإنسان- عقب ذكر اللون الأصفر الفاقع على جلد بقرة . قال تعالي :
﴿قَالُواْادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَإِنَّهُ يَقُولُإِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّالنَّاظِرِينَ﴾(البقرة: 69)
قيل : فاقع لونها : شديد الصفرة ،تكاد من صفرتهاتبيضُّ . وقيل : صافية اللون ، وهي تسر الناظرين ؛ لأنكإذا نظرت إلى جلدها، تخيلت أن شعاع الشمس يخرج من جلدها .
وعناللون الأصفر بصفة عامةوكونه باعثًا للسرور ، قال ابن جرير عن ابن عباس:« من لبس نعلاً صفراءَ ،لم يزل فى سرور ما دام لابسها » .ويرفض المفسرون أن يفهم قول القرآن (فاقع لونها ) بمعنى : تسود من صفرتها، ويجعلونه قولاً غريبًا . ويرىالقرطبي أنه لا يستعمل مجازًا إلا فيالإبل . قال تعالى :﴿ كَأَنَّهُجِمَالَتٌ صُفْرٌ ﴾(المرسلات: 33) .
ويقولالكسائي :« فقع لونها ،إذا خلصت صفرته » . وقد ذكر القرطبي:« قال ابن عباس : الصفرة تسر النفس »، وحض على لباس النعالالصفر .. حكاه عنه النقاش . وقال علي بن أبي طالبرضي الله عنه :«من لبس نعلي جلد أصفر ، قلَّ همُّه ؛ لأن الله تعالى يقول:﴿ بَقَرَةٌصَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾ » ..حكاه عنالثعلبي .
ونهى ابن الزبير ومحمد بن أبي كثير عن لباسالنعال السود؛ لأنها تُهِمُّ . أي : تبعث الهمَّ في النفس . ولا غرابة فينهي ابنالزبير وابن كثير عن لبس النعال السوداء ، ولا في حث ابن عباس وعليبن أبيطالب- رضي الله عنهما- على لبس النعل الأصفر ؛ فقد غدت دراسةالألوانوالتأثير الخاص بكل لون على النفس ، ودراسة وتشخيص النفوس منواقعاهتمامها الفعلي وإحساسها بالألوان . وحب ألوان معينة غدا هذاأمرًامعروفًا في عصرنا . والمِحَكُّ عند القدماء والمحدثين كليهما هوالتجربةوالنظر في أحوال النفس ونفوس الآخرين في حالات متعددة ، ثم تقريرنتائجوأحكام ، فلا يجب أن نرفض حكمًا قديمًا لمجرد كونه قديمًا ، أو نصفقلجديدلمجرد كونه جديدًا ؛ وإنما نعود- مثلاً- إلى تجاربنا الخاصة ،ونحكِّمعقولنا ونحتكم إلى أذواقنا .
قال لبيد في الأصفر الفاقع :
سُدُمٌ قديمٌ عهدُه بأنيسه ... من بين أصفرَ فاقعٍ ودخان
لقدكانأسلافنا أهل ذوق رفيع ، فها هو الشيخ شرف الدين أبو نصر محمد بن أبيالفتوحالبغدادي وشهرته ( ابن المرة ) في كتابه ( مفرح النفس ) ، وفي بابجعل لهعنوانًا في اللذة المكتسبة للنفس عن طريق حاسة البصر ، يقول:« النفس تبتهجبما كان من الأجسام له اللون الأحمر والأخضر والأصفر؛ إما بسيطًا ، أومركبًا بعضها من بعض ، فنظر هذه يوجب راحة النفس ، ولذةالقلب ، وسرورالعقل ، ونشاط الذهن ، وتوفر القوى ، وانبساط الروح ».
وانظر إلىحكمته- سبحانه- كيف جعل هذه الألوان الأربعة المذكورة-أعني : الأصفروالأبيض والأحمر والأخضر- في أعظم الأجساد وأشرفها وأبهجهاوأحسنها منظرًا، وهي الذهب الأصفر ، واللؤلؤ الأبيض ، والزمرد الأخضر ،والياقوت الأحمر ،ولم يجعل شيئًا من الأحجار أعزَّ منها ولا أشرف ، وجعلغاية كل واحد منهاأن يكون بهذا اللون المذكور ،﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُأَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ .. ( نقلا عن بشر فارس / سر الزخرفة الإسلامية ).