إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم
-
( وقال الإمام أحمد – رحمه الله –( ج 5 ص 34 ): ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة حدثني معاوية بن قرة عن أبيه عن
النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : " إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ، ولن تزال طائفة من أمتي
منصورين ، لا يضرُّهم من خذلهم حتى تقوم الساعة " . هذا حديث صحيح ، وقد
أخرجه الترمذي .
-
وقال
الإمام أحمد – رحمه الله – ( ج 5 ص35 ) :
ثنا يزيد أنا شعبة ، به .
-
وقال
أبو بكر بن أبي شيبة – رحمه الله – ( ج12 ص191 ):
حدثنا يزيد بن هارون عن شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه
وعلى آله وسلم - : " إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم " .
والطائفة المنصورة ، قد قال البخاري
– رحمه الله - :
إنهم أهل العلم . وقال الإمام أحمد : إن لم يكونوا أهل الحديث ، فلا أدري من هم
. والحديث وإن لم يكن نصاً على ما قاله الإمام البخاري والإمام أحمد، فإن أهل
الحديث داخلون دخولاً أوَّليّاً ؛ لثباتهم على الحق ، وخدمتهم الإسلام والذب عنه
، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً .)
الشرح :
الفساد معروف ، وهو ضد الصلاح ، والمراد بالفساد فساد
الدين ، بدليل آخر الحديث ، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم فساد أهل الشام
علامة على فساد أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكنه بيّن أن هذا الفساد ليس
عامّاً، بل ستبقى جماعة من أمته على الحق إلى قيام الساعة . والمراد بالشام هنا
مايسمّى اليوم بالأردن وفلسطين وسوريا ولبنان ، مع اختلاف يسير في حدود هذه
الدول مع الدول المجاورة لها .
·
والطائفة
المنصورة : هم أهل الحديث كما نصّ على ذلك غير واحد من علماء السلف – رضي الله عنهم – منهم يزيد بن
هارون ، وعبد الله بن المبارك ، وعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل . ذكرهم الخطيب
البغدادي في " شرف أصحاب الحديث " (1 ) . أما البخاري فقال مرّة
" أهل العلم " (2) ، ومرّة قال :" أهل الحديث " (3) ولاتعارض
بين قوليه ؛ فأهل العلم في زمنه هم أهل الحديث كما أشار إلى ذلك في كتابه "
خلق أفعال العباد" ( ص60 – 61 ، المعارف ) . والمراد
بأهل الحديث :علماء السلف المختصون بالحديث تعلُّماً وتعليماً، الذين كانوا على
منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولم يغيّروا ولم يبدّلوا . وقد ذكر
جماعةً منهم الإمامُ البخاريُّ في " خلق أفعال العباد " (ص61، المعارف
) ، ويدخل في ذلك كل من كان على منهجهم وعقيدتهم . وظهورهم يكون بالحجة والبرهان
، وقمع شبهات أهل الكفر والنفاق والبدع ، يدل على ذلك وصفهم بالعلم ، وبأهل
الحديث. وهو أحد الجهادين اللذين شرعهما الله – تبارك وتعالى - .
ولا يصح أن يفهم هذا الحديث على معنى الظهور بالسيف ؛ فإن ظهورهم على الناس
بالسيف يقتضي إصلاح الناس ، وقمع الفساد ، وإشارة الحديث تدل على أنهم غير
قادرين على ذلك في بداية الأمر ، وتفسير العلماء لمعنى هذه الطائفة لا يساعد على
هذا المعنى ، علماً أنه لا يمنع ذلك ظهورهم بالسيف في بعض الأحيان ؛ إذا توفّرت
أسبابه ودواعيه والقدرة عليه . ولكن الأصل الدائم هو ظهورهم بالحجة والبيان ،
كما هو الحال في هذا الزمان . وفي رواية عند مسلم في " صحيحه " (4 ) عن
سعد بن أبي وقاص : " لا يزال أهل الغرب " . والراجح من كلام أهل العلم
أن المراد بأهل الغرب هم أهل الشام ، والذي جعلنا نرجِّح هذا القول دون غيره ؛
أنه قول معاذ بن جبل الصحابي الجليل ، والصحابة أعلم بمراد النبي صلى الله عليه
وسلم ، وخاصة إذا كان الصحابي راوي الحديث ، وهو قول الإمام أحمد واختيار شيخ
الإسلام ابن تيمية – رحمه الله . والمراد من ذلك – والله أعلم - :
أن الطائفة المنصورة عند فساد الناس لا ينقطع وجودها وظهورها في بلاد الشام ،
ولا يعني ذلك أنهم لا يوجدون في بلاد أخرى. وفي الحديث إشارة إلى أنه سيبقى في
الناس من يخالفهم ويحاربهم، ومن يخذلهم ولا ينصرهم ، ولكن النبي صلى الله عليه
وسلم بشرهم بأنهم دائماً منصورون معانون من الله تبارك وتعالى .
وفي الحديث دلائل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم :
الدليل الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما
تحدث بهذا الحديث كان أهل الشام كفاراً ، والكفر أكبر أنواع الفساد ، ففي هذا
الحديث إشارة إلى أنهم سيدخلون في دين الله ويَصلُحون بعد فسادهم، وقد حصل ما
أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم .
الدليل الثاني : إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن
أمته ستفسد بعد صلاحها ، وسيكون آخر الناس فساداً أهل الشام ، وقد وقع ما أخبر
به صلى الله عليه وسلم تمام الوقوع .
الدليل الثالث : إخباره صلى الله عليه وسلم أن دين
الله الذي أتى به سيبقى قائما ً بقيام الطائفة المنصورة به ، وبالحفاظ عليه ،
والذب عنه ، وتنقيته من شوائب الشرك والبدع . وهذا هو الواقع ؛ ففي وقت صلاح
الناس ، كان الدين قوياًّ منيعاً عند أكثرهم ، وبعد فسادهم وكثرة أهل الشقاق
والبدع بينهم، بقي فيهم طائفة تدافع وتذب عنه ، وتصفي الشوائب التي تعلق به .
ولا أعلم طائفة اليوم تقوم بواجب تصفية الدين من
الشرك والبدع والخرافات وآراء الرجال البعيدة عن الكتاب والسنة ، ونصح المسلمين
بالتمسك بهما ، وما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن اتبعهم
بإحسان ؛ والبعد عن الحزبية وتفريق الأمة ؛ كالعلماء وطلبة العلم الذين هم على
منهج أهل الحديث وعقيدتهم وعلى منهج سلف هذه الأمة وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى
الله عليه وسلم وصحابته الكرام ؛ مثل :
الشيخ عبد العزيز بن باز ،
والشيخ محمد ناصر الدين الألباني ،
والشيخ محمد بن صالح العثيمين ،
والشيخ مقبل بن هادي الوادعي ،
وغيرهم من علماء المسلمين الذين على منهج أهل
الحديث الذي كان عليه الإمام مالك والشافعي وأحمد وغيرهم . ولا يخلو إنسان من
خطأ ، فإياك أن تتخذ زلتهم سلّماً للطعن فيهم قبل أن تنظر إلى ماقدّموه للإسلام
والمسلمين . ومن تأمل في كتابات هؤلاء العلماء وأشرطتهم ودروسهم ؛ وجد أنها تقوم
على تعليق الناس بالكتاب والسنة ، وتقديمهما على كل ما سواهما ، واتباع المنهج
الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ، ووجد أنهم يحذرون
ويتكلمون فيمن وجدوا في كلامه ما يهدم أصلاً من أصول الإسلام أو يخالف دليلاً
واضحاً من الكتاب والسنة ( 5) ، وما ذلك منهم إلا لحرصهم على بقاء الإسلام
صافياً نقيّاً لا يدخله خلل ولا زيغ . فلو أنهم سكتوا وسكت غيرهم لضاعت أصول دين
الإسلام وأحكامه بين هوى فلان وخطأ الآخر ، فجزى الله خيراً علماءنا الأفاضل على
ما أدوا من واجب النصح لكتاب الله ولسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولأئمة
المسلمين وعامتهم .
ومراد
شيخنا من ذكر هذا الحديث في هذا الباب ؛ بيان فضيلة أهل العلم من أهل السنة
والجماعة على غيرهم من الناس ؛ إذ إنهم أصل الطائفة المنصورة التي بشّر بها
النبي صلى الله عليه وسلم ، وأي فضل خير من التمسك بالدين والحفاظ عليه ، وهو
عمل الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم . كما نبه على ذلك في آخر
كلامه – رحمه الله .
رجال الإسناد الأول :
·
يحيى
بن سعيد : هو يحيى بن سعيد بن فروخ القطان التميمي ، أبو سعيد البصري الأحول
الحافظ . ثقة ثبت إمام كبير حافظ ، علم من أعلام أهل الحديث ، من رجال الجرح
والتعديل ، لا يروي إلا عن ثقة . قال الإمام الذهبي : " إلا أنه متعنِّت في
نقد الرجال ، فإذا رأيته قد وثّق شيخاً ، فاعتمد عليه ، أما إذا ليّن أحداً ،
فتأن في أمره حتى ترى قول غيره فيه ، فقد ليّن مثل : إسرائيل ، وهمام ، وجماعة
احتج بهم الشيخان " (6 ) .
·
شعبة
: هو شعبة بن الحجاج بن الورد العَتكي الأزدي ، أبو بسطام الو اسطي البصري . ثقة
ثبت إمام كبير حافظ ، علم من أعلام أهل الحديث ، من رجال الجرح والتعديل .
·
معاوية
بن قرة : هو معاوية بن قرة بن إياس بن هلال بن رئاب المزني ، أبو إياس البصري
والد إياس بن معاوية ، تابعي روى عن جماعة من الصحابة . ثقة.
·
والد
معاوية : هو قرة بن إياس بن هلال بن رئاب المزني ، أبو معاوية . قال الإمام
البخاري وابن السكن : " له صحبة " (7 ) .
رجال الإسناد الثاني الذين لم يذكروا في الإسناد الأول
:
·
يزيد
بن هارون : هو يزيد بن هارون بن زاذان السُّلمي مولاهم ، أبو خالد الواسطي . ثقة
حافظ متقن عابد .
تابع يزيد وغيره يحيى بن سعيد على رواية هذا الحديث عن
شعبة ، ولم يتفرّد به شعبة عن معاوية ، فقد تابعه عليه إياس بن معاوية فرواه عن
أبيه ، أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (7/230- 231 ، الكتاب العربي) ،
فقال : " مشهور من حديث إياس ، غريب من حديث مسعر " .
وتابعه صدقة بن المنتصر أبو شعبة الشعباني عند الفسوي
في "المعرفة والتاريخ" (2/170) ، وابن حبان في " الثقات "
(8/319). ولكن الإسماعيلي في " معجم أسامي شيوخه " (2/679
– العلوم والحكم )
، ومن طريقه الخطيب البغدادي في " تاريخه " (10/182) (8 ) رواه عن
صدقة بن المنتصر عن شعبة عن معاوية، فأدخل شعبة بين صدقة ومعاوية . والله أعلم .
وقد ادعى ابن عساكر في " تاريخه " (1/307 )
أن شعبة تفرّد به بعد أن ساق له عدّة طرق ، وهو مردود بكلام أبي نعيم المتقدم.
وعلى كل حال ؛ فالحديث صحيح لا غبار عليه ، ولشطره الأول شاهد من حديث ابن عمرو
عند ابن عساكر (1/308) وغيره ، ولكنه حديث منكر ، خرجه الشيخ الألباني في "
الضعيفة " (6385) . وشطره الثاني له شواهد كثيرة ، بل
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الاقتضاء " (1/6
– السنة المحمدية )
وغيره : إنه متواتر .
وحديث قرّة ؛ صححه الترمذي ، وابن حبان ، والألباني
– رحمهم الله - .
والله أعلم
-
( وقال الإمام أحمد – رحمه الله –( ج 5 ص 34 ): ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة حدثني معاوية بن قرة عن أبيه عن
النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : " إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ، ولن تزال طائفة من أمتي
منصورين ، لا يضرُّهم من خذلهم حتى تقوم الساعة " . هذا حديث صحيح ، وقد
أخرجه الترمذي .
-
وقال
الإمام أحمد – رحمه الله – ( ج 5 ص35 ) :
ثنا يزيد أنا شعبة ، به .
-
وقال
أبو بكر بن أبي شيبة – رحمه الله – ( ج12 ص191 ):
حدثنا يزيد بن هارون عن شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه
وعلى آله وسلم - : " إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم " .
والطائفة المنصورة ، قد قال البخاري
– رحمه الله - :
إنهم أهل العلم . وقال الإمام أحمد : إن لم يكونوا أهل الحديث ، فلا أدري من هم
. والحديث وإن لم يكن نصاً على ما قاله الإمام البخاري والإمام أحمد، فإن أهل
الحديث داخلون دخولاً أوَّليّاً ؛ لثباتهم على الحق ، وخدمتهم الإسلام والذب عنه
، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً .)
الشرح :
الفساد معروف ، وهو ضد الصلاح ، والمراد بالفساد فساد
الدين ، بدليل آخر الحديث ، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم فساد أهل الشام
علامة على فساد أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكنه بيّن أن هذا الفساد ليس
عامّاً، بل ستبقى جماعة من أمته على الحق إلى قيام الساعة . والمراد بالشام هنا
مايسمّى اليوم بالأردن وفلسطين وسوريا ولبنان ، مع اختلاف يسير في حدود هذه
الدول مع الدول المجاورة لها .
·
والطائفة
المنصورة : هم أهل الحديث كما نصّ على ذلك غير واحد من علماء السلف – رضي الله عنهم – منهم يزيد بن
هارون ، وعبد الله بن المبارك ، وعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل . ذكرهم الخطيب
البغدادي في " شرف أصحاب الحديث " (1 ) . أما البخاري فقال مرّة
" أهل العلم " (2) ، ومرّة قال :" أهل الحديث " (3) ولاتعارض
بين قوليه ؛ فأهل العلم في زمنه هم أهل الحديث كما أشار إلى ذلك في كتابه "
خلق أفعال العباد" ( ص60 – 61 ، المعارف ) . والمراد
بأهل الحديث :علماء السلف المختصون بالحديث تعلُّماً وتعليماً، الذين كانوا على
منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولم يغيّروا ولم يبدّلوا . وقد ذكر
جماعةً منهم الإمامُ البخاريُّ في " خلق أفعال العباد " (ص61، المعارف
) ، ويدخل في ذلك كل من كان على منهجهم وعقيدتهم . وظهورهم يكون بالحجة والبرهان
، وقمع شبهات أهل الكفر والنفاق والبدع ، يدل على ذلك وصفهم بالعلم ، وبأهل
الحديث. وهو أحد الجهادين اللذين شرعهما الله – تبارك وتعالى - .
ولا يصح أن يفهم هذا الحديث على معنى الظهور بالسيف ؛ فإن ظهورهم على الناس
بالسيف يقتضي إصلاح الناس ، وقمع الفساد ، وإشارة الحديث تدل على أنهم غير
قادرين على ذلك في بداية الأمر ، وتفسير العلماء لمعنى هذه الطائفة لا يساعد على
هذا المعنى ، علماً أنه لا يمنع ذلك ظهورهم بالسيف في بعض الأحيان ؛ إذا توفّرت
أسبابه ودواعيه والقدرة عليه . ولكن الأصل الدائم هو ظهورهم بالحجة والبيان ،
كما هو الحال في هذا الزمان . وفي رواية عند مسلم في " صحيحه " (4 ) عن
سعد بن أبي وقاص : " لا يزال أهل الغرب " . والراجح من كلام أهل العلم
أن المراد بأهل الغرب هم أهل الشام ، والذي جعلنا نرجِّح هذا القول دون غيره ؛
أنه قول معاذ بن جبل الصحابي الجليل ، والصحابة أعلم بمراد النبي صلى الله عليه
وسلم ، وخاصة إذا كان الصحابي راوي الحديث ، وهو قول الإمام أحمد واختيار شيخ
الإسلام ابن تيمية – رحمه الله . والمراد من ذلك – والله أعلم - :
أن الطائفة المنصورة عند فساد الناس لا ينقطع وجودها وظهورها في بلاد الشام ،
ولا يعني ذلك أنهم لا يوجدون في بلاد أخرى. وفي الحديث إشارة إلى أنه سيبقى في
الناس من يخالفهم ويحاربهم، ومن يخذلهم ولا ينصرهم ، ولكن النبي صلى الله عليه
وسلم بشرهم بأنهم دائماً منصورون معانون من الله تبارك وتعالى .
وفي الحديث دلائل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم :
الدليل الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما
تحدث بهذا الحديث كان أهل الشام كفاراً ، والكفر أكبر أنواع الفساد ، ففي هذا
الحديث إشارة إلى أنهم سيدخلون في دين الله ويَصلُحون بعد فسادهم، وقد حصل ما
أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم .
الدليل الثاني : إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن
أمته ستفسد بعد صلاحها ، وسيكون آخر الناس فساداً أهل الشام ، وقد وقع ما أخبر
به صلى الله عليه وسلم تمام الوقوع .
الدليل الثالث : إخباره صلى الله عليه وسلم أن دين
الله الذي أتى به سيبقى قائما ً بقيام الطائفة المنصورة به ، وبالحفاظ عليه ،
والذب عنه ، وتنقيته من شوائب الشرك والبدع . وهذا هو الواقع ؛ ففي وقت صلاح
الناس ، كان الدين قوياًّ منيعاً عند أكثرهم ، وبعد فسادهم وكثرة أهل الشقاق
والبدع بينهم، بقي فيهم طائفة تدافع وتذب عنه ، وتصفي الشوائب التي تعلق به .
ولا أعلم طائفة اليوم تقوم بواجب تصفية الدين من
الشرك والبدع والخرافات وآراء الرجال البعيدة عن الكتاب والسنة ، ونصح المسلمين
بالتمسك بهما ، وما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن اتبعهم
بإحسان ؛ والبعد عن الحزبية وتفريق الأمة ؛ كالعلماء وطلبة العلم الذين هم على
منهج أهل الحديث وعقيدتهم وعلى منهج سلف هذه الأمة وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى
الله عليه وسلم وصحابته الكرام ؛ مثل :
الشيخ عبد العزيز بن باز ،
والشيخ محمد ناصر الدين الألباني ،
والشيخ محمد بن صالح العثيمين ،
والشيخ مقبل بن هادي الوادعي ،
وغيرهم من علماء المسلمين الذين على منهج أهل
الحديث الذي كان عليه الإمام مالك والشافعي وأحمد وغيرهم . ولا يخلو إنسان من
خطأ ، فإياك أن تتخذ زلتهم سلّماً للطعن فيهم قبل أن تنظر إلى ماقدّموه للإسلام
والمسلمين . ومن تأمل في كتابات هؤلاء العلماء وأشرطتهم ودروسهم ؛ وجد أنها تقوم
على تعليق الناس بالكتاب والسنة ، وتقديمهما على كل ما سواهما ، واتباع المنهج
الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ، ووجد أنهم يحذرون
ويتكلمون فيمن وجدوا في كلامه ما يهدم أصلاً من أصول الإسلام أو يخالف دليلاً
واضحاً من الكتاب والسنة ( 5) ، وما ذلك منهم إلا لحرصهم على بقاء الإسلام
صافياً نقيّاً لا يدخله خلل ولا زيغ . فلو أنهم سكتوا وسكت غيرهم لضاعت أصول دين
الإسلام وأحكامه بين هوى فلان وخطأ الآخر ، فجزى الله خيراً علماءنا الأفاضل على
ما أدوا من واجب النصح لكتاب الله ولسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولأئمة
المسلمين وعامتهم .
ومراد
شيخنا من ذكر هذا الحديث في هذا الباب ؛ بيان فضيلة أهل العلم من أهل السنة
والجماعة على غيرهم من الناس ؛ إذ إنهم أصل الطائفة المنصورة التي بشّر بها
النبي صلى الله عليه وسلم ، وأي فضل خير من التمسك بالدين والحفاظ عليه ، وهو
عمل الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم . كما نبه على ذلك في آخر
كلامه – رحمه الله .
رجال الإسناد الأول :
·
يحيى
بن سعيد : هو يحيى بن سعيد بن فروخ القطان التميمي ، أبو سعيد البصري الأحول
الحافظ . ثقة ثبت إمام كبير حافظ ، علم من أعلام أهل الحديث ، من رجال الجرح
والتعديل ، لا يروي إلا عن ثقة . قال الإمام الذهبي : " إلا أنه متعنِّت في
نقد الرجال ، فإذا رأيته قد وثّق شيخاً ، فاعتمد عليه ، أما إذا ليّن أحداً ،
فتأن في أمره حتى ترى قول غيره فيه ، فقد ليّن مثل : إسرائيل ، وهمام ، وجماعة
احتج بهم الشيخان " (6 ) .
·
شعبة
: هو شعبة بن الحجاج بن الورد العَتكي الأزدي ، أبو بسطام الو اسطي البصري . ثقة
ثبت إمام كبير حافظ ، علم من أعلام أهل الحديث ، من رجال الجرح والتعديل .
·
معاوية
بن قرة : هو معاوية بن قرة بن إياس بن هلال بن رئاب المزني ، أبو إياس البصري
والد إياس بن معاوية ، تابعي روى عن جماعة من الصحابة . ثقة.
·
والد
معاوية : هو قرة بن إياس بن هلال بن رئاب المزني ، أبو معاوية . قال الإمام
البخاري وابن السكن : " له صحبة " (7 ) .
رجال الإسناد الثاني الذين لم يذكروا في الإسناد الأول
:
·
يزيد
بن هارون : هو يزيد بن هارون بن زاذان السُّلمي مولاهم ، أبو خالد الواسطي . ثقة
حافظ متقن عابد .
تابع يزيد وغيره يحيى بن سعيد على رواية هذا الحديث عن
شعبة ، ولم يتفرّد به شعبة عن معاوية ، فقد تابعه عليه إياس بن معاوية فرواه عن
أبيه ، أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (7/230- 231 ، الكتاب العربي) ،
فقال : " مشهور من حديث إياس ، غريب من حديث مسعر " .
وتابعه صدقة بن المنتصر أبو شعبة الشعباني عند الفسوي
في "المعرفة والتاريخ" (2/170) ، وابن حبان في " الثقات "
(8/319). ولكن الإسماعيلي في " معجم أسامي شيوخه " (2/679
– العلوم والحكم )
، ومن طريقه الخطيب البغدادي في " تاريخه " (10/182) (8 ) رواه عن
صدقة بن المنتصر عن شعبة عن معاوية، فأدخل شعبة بين صدقة ومعاوية . والله أعلم .
وقد ادعى ابن عساكر في " تاريخه " (1/307 )
أن شعبة تفرّد به بعد أن ساق له عدّة طرق ، وهو مردود بكلام أبي نعيم المتقدم.
وعلى كل حال ؛ فالحديث صحيح لا غبار عليه ، ولشطره الأول شاهد من حديث ابن عمرو
عند ابن عساكر (1/308) وغيره ، ولكنه حديث منكر ، خرجه الشيخ الألباني في "
الضعيفة " (6385) . وشطره الثاني له شواهد كثيرة ، بل
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الاقتضاء " (1/6
– السنة المحمدية )
وغيره : إنه متواتر .
وحديث قرّة ؛ صححه الترمذي ، وابن حبان ، والألباني
– رحمهم الله - .
والله أعلم