....
الموضوع طويل جدا وهو بعنوان :
ثلاثون درساً للصائمين : للشيخ عائض القرني حفظه الله
ان شاء الله سوف أضع كل مرة درسا أو اثنين لكي تكون الاستفادة و غياب الملل ان شاء الله
ثلاثون درسا للصائمين المقدمة:/
الحمد لله الملك القدوس السلام ، ذي الطول والعزة والإكرام ، هدانا للإسلام ، وشرفنا بالصلاة والصيام.
والصلاة والسلام على إمام المرسلين وخيرة المصلين وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد.
فهذا
كتاب "دروس للصائمين" جمعت فيه من الآيات أوقعها ، ومن الأحاديث أصحها ،
ومن الأبيات أعذبها ، ومن المواعظ أرقها ، فهو كتاب للصالحين في مجالس
السمر وللمتنقلين في منازل الأسفار ، وللأحباب في النزهات ، وللوعاظ في
المحاضرات ، ولعل الأستاذ أن يستفيد منه ، والخطيب أن يعرج عليه وإمام
المسجد أن يقرأ فيه .
جعلت من مقاصد هذا الكتاب أمورا ثلاثة :
أولها
: توثيق مواعظه ورقائقه بآيات الكتاب العزيز والسنة الصحيحة الثابتة فلا
اورد حديثا ضعيفا أبدا ولا قصة واهية ولا أثرا مستغربا.
ثانيها : قصدت
به غرس الإيمان في النفوس وبناء اليقين في القلوب ، وما قصدت جمع المسائل
الفقهية إذ كفاني في هذه المهمة الفضلاء فأثروا بما كتبوا المكتبة
الإسلامية فجانب الأحكام كثيرة مادته ، ولكن الإيمانيات العبر الموحيات
والنداءات الجليات هي التي تنقصنا ، فعسى أن يكون هذا الجهد ملبيا للطلب .
ثالثها
: حرصت في هذه الدروس أن أكسوها بجلباب الأدب القشيب وأن أتوجها بتاج
الفصاحة الأغر ، سيرا على منهج القران الكريم والسنة والرسول صلى الله
عليه وسلم أذكر الذاكرين وأعبد العابدين ، جعل شهر رمضان موسما للعبادة ،
وزمنا للذكر والتلاوة . ليله صلى الله عليه وسلم قيام يناجي مولاه ، ويضرع
إلى ربه يسأله العون والسداد والفتح الرشاد، يقرأ بالسور الطوال ، ويطيل
الركوع والسجود ، شأن النهم الذي لا يشبع من العبادة ، جعل من قيامه الليل
زادا وعتادا ، وقوة وطاقة . قال تعالى ()يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ)
(المزمل:1) )قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) (المزمل:2) وقال تعالى
()وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ
يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) (الاسراء:79) .
ونهاره عليه الصلاة والسلام دعوة وجهاد ونصح وتربية ووعظ وفتيا.
· وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد (1).
·
وكان عليه الصلاة والسلام يحث على السحور ، فقد صح عنه أنه قال : "تسحروا
فان في السحور بركة "(2) لان وقت السحور مبارك ، إذ هو في الثلث الأخير من
الليل وقت النزول الإلهي، ووقت الاستغفار . قال تعالى ()وَبِالْأَسْحَارِ
هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذريات:18) وقال تعالى () وَالْمُسْتَغْفِرِينَ
بِالْأَسْحَارِ)(آل عمران: من الآية17) ثم إن السحور عون على الصيام
والعبادة ، ثم هو صرف للنعمة في عبادة المنعم سبحانه وتعالى .
· وكان
عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه أمرا وفعلا يعجل الإفطار بعد غروب
الشمس(3) ، فيفطر على رطب أو تمر أو ماء (4) لان خالي المعدة أوفق شئ له
الحلاوة ، فكان في الرطب والتمر ما يوافق الصائم الجائع .
· وقد صح عنه
عليه الصلاة والسلام أنه قال : " إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد"(1) .
فكان. فكان عليه الصلاة والسلام بخيري الدنيا والآخرة.
· وكان يفطر صلى الله عليه وسلم قبل أن يصلي المغرب (2)
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا اقبل الليل من ها هنا ، وأدبر من ها هنا فقد أفطر الصائم"(3).
· وسافر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصام وأفطر ، وخيروا الصحابة في الأمرين (4)
· وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله (5)
وخرج
صلى الله عليه وسلم لبعض غزواته وسراياه في رمضان بل كانت بدر الكبرى في
رمضان ، فنصره الله نصرا ما سمع العالم بمثله ، وأفطر صلى الله عليه وسلم
في غزوتين من غزواته ، في رمضان (6) كما أخبر بذلك عمر رضي الله عنه عند
الترمذي وأحمد ، ولم يحدد صلى الله عليه وسلم تقدير المسافة التي يفطر
فيها الصائم بحد ولا صح عنده في ذلك شئ .
· وكان من هديه صلى الله عليه
وسلم أن يدركه الفجر وهو جنب من أهله ، فيغتسل بعد الفجر ويصوم (7) وكان
يقبل بعد أزواجه وهو صائم في رمضان ( ، وشبه قبلة الصائم بالمضمضة
بالماء.(9).
· وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إسقاط القضاء عمن أكل وشرب ناسيا ، وأن الله سبحانه هو الذي أطعمه وسقاه(1)
·
والذي صح عنه عليه الصلاة والسلام : أن الذي يفطر الصائم : الأكل والشرب
والحجامة (2) والقئ(3) . والقرآن الكريم دل على أ، الجماع مفطر كالأكل
والشرب .
· واعتكف عليه الصلاة والسلام في العشر الأواخر في رمضان (4)
فجمع قلبه مع الله تعالى ، وفرغ باله من هموم الدنيا ، وسرح عين قلبه في
ملكوت السموات والأرض ، وقلل من التقائه بالناس ، فأكثر من التبتل
والابتهال ودعاء ذي الجلال والإكرام . وعكف قلبه على مدارسة الأسماء
والصفات ، وعلى مطالعة الآيات البينات ، والتفكر في مخلوقات رب الأرض
والسموات ، فلا اله إلا الله كم من معرفة وحصلت له ، وكم من نور ظهر له ،
وكم من حقيقة ظفر بها ؟ فهو اعلم الناس بالله ، وأخوف الناس من الله ،
وأتقى الناس لله ، وأبلغ الناس توكلا على الله ، وأبذل الناس لنفسه في ذات
الله فعليه الصلاة والسلام م تضوع مسك وفاح ، وما ترنم حمام وناح ، وما
شدا بلبل وصاح .
لماذا شرع الصيام
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد .
فلله
في شرعه أسرار ، وله في أحكامه حكم، وله في خلقه مقاصد ، فمن هذه الأسرار
والحكم والمقاصد ما تدركها العقول ، ومنها ما تقف عندها كالة ، وقد أخبر
سبحانه عن بعض حكم الصيام فقال تعالى ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183) إذن فالصوم طريق لتقوى
الله عز وجل ، والصائم اقرب الناس إلى مولاه جلت قدرته ، جاع بطن الصائم
فصفا قلبه ، وظمأت كبد الصائم فدمعت عيناه ، وصح عنه عليه الصلاة والسلام
أنه قال : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض
للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه لو وجاء"(1)
· الصوم يضيق مجاري الطعام والدم ، وهي مجاري الشيطان ، فتقل وسوسته .
· الصوم يضعف الشهوة وخطرات السوء وواردات المعصية فتشرق الروح .
· الصوم يذكر الصائم بإخوانه الصائمين من الجائعين المحتاجين والفقراء والمساكين ، فيرحمهم ويعطف عليهم ويمد يده بالعون إليهم .
يا صائما ترك الطعام تعففا أضحى رفيق الجوع واللواء
أبشر بعيدك في القيامة رحمة محفوفة بالبر والأنداء
· الصوم مدرسة لتربية النفس ، وتزكية القلب ، وغض البصر ، وحفظ الجوارح.
·
الصوم سر بين العبد وبين المعبود سبحانه ، ففي الصحيح أن الله عز وجل " كل
عمل ابن آدم فانه لي وأنا أجزي به" (1) . لان الصوم لا يطلع عليه إلا الله
تعالى بخلاف الصلاة والزكاة والحج .
عرف السلف الصالح الصيام قربة لله عز وجل ، ومضمارا للسباق وموسما للخيرات، فبكوا فرحا لاستقباله ، وبكوا حزنا عند فراقه .
عرف
السلف الصيام فاحبوا رمضان واجتهدوا في رمضان ، وبذلوا نفوسهم في رمضان ،
فجعلوا من لياليه قياما وركوعا وسجودا ودموعا وخشوعا ، وجعلوا من نهاره
ذكرا وتلاوة وتعليما ودعوة ونصحا .
عرف السلف الصيام قرة عين وراحة نفس ، وانشراح صدر ، فربوا أرواحهم بمقاصده ، وزكوا قلوبهم بتعاليمه ، وهذبوا نفوسهم بحكمه .
· كان السلف كما صح عنهم يجلسون بمصاحفهم في المساجد ، يتلون ويبكون ، ويحفظون ألسنتهم وأعينهم عن الحرام .
· الصيام يا صائمون وحدة للمسلمين ، يصومون في زمن ويفطرون في زمن ، جاعوا معا ، وأكلوا معا ، ألفة وإخاء ، وحب ووفاء .
·
الصيام يا صائمون كفارة للخطايا ومذهب للسيئات ، صح عنه عليه الصلاة
والسلام أنه قال : الجمعة إلى الجمعة ، والعمرة إلى العمرة ، ورمضان إلى
رمضان ، كفارات لما بينهما ما لم تؤت كبيرة "(2)
· والصيام يا صائمون
صحة للنفس ، لانه يستفرغ المواد الفاسدة، ويريح المعدة ويصفي الدم ويطلق
عمل القلب ، فتشرق به الروح ، وتصفو به النفس ، وتهذب به الأخلاق .
· إذا صام الصائم ذات نفسه ، وانكسر قلبه وخفت مطامعه ، وذهبت شهواته ، لذلك تكون دعوته مستجابة لقربه من الله عز وجل .
· في الصيام سر عظيم ، وهو امتثال عبودية لله عز وجل ، والاذعان لأمره والتسليم لشرعه ، وترك شهوة الطعام والشراب والجماع لمرضاته.
·
والصيام انتصار للمسلم على هواه ، وتفوق للمؤمن على نفسه ، فهو نصف الصبر
، ومن لم يستطع الصيام بلا عذر فلن يقهر نفسه ولن يغلب هواه.
· والصيام
تجربة هائلة للنفس ، لتكون على استعداد تام لتحمل المشاق والقيام بالمهام
الجسام من جهاد وبذل وتضحية وإقدام . وذلك لما أراد طالوت أن يقاتل أعداءه
ابتلى الله قوم طالوت بنهر . وقال لهم طالوت ) فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ
فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ
اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ )(البقرة: من الآية249) فنجح أهل الصبر وفاز
منهم من غلب هواه ، وتخلف عن الجهاد عبدة الشهوات المقهورون تحت سلطان
طبائعهم.
ولعل بعض حكم الصوم تتلخص في أنه تقوى لله عز وجل ،
وامتثال لأمره وقهر للهوى ، انتصار على النفس ، وتهيئة للمسلم في مواقف
التضحية وضبط للجوارح ، وكبح للشهوات ، وصحة للجسم ، ومكفر للسيئات ،
وألفة وإخاء ، وشعور بجوع الجائعين ، وحاجة المحتاجين ، والله أعلم .
الموضوع طويل جدا وهو بعنوان :
ثلاثون درساً للصائمين : للشيخ عائض القرني حفظه الله
ان شاء الله سوف أضع كل مرة درسا أو اثنين لكي تكون الاستفادة و غياب الملل ان شاء الله
ثلاثون درسا للصائمين المقدمة:/
الحمد لله الملك القدوس السلام ، ذي الطول والعزة والإكرام ، هدانا للإسلام ، وشرفنا بالصلاة والصيام.
والصلاة والسلام على إمام المرسلين وخيرة المصلين وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد.
فهذا
كتاب "دروس للصائمين" جمعت فيه من الآيات أوقعها ، ومن الأحاديث أصحها ،
ومن الأبيات أعذبها ، ومن المواعظ أرقها ، فهو كتاب للصالحين في مجالس
السمر وللمتنقلين في منازل الأسفار ، وللأحباب في النزهات ، وللوعاظ في
المحاضرات ، ولعل الأستاذ أن يستفيد منه ، والخطيب أن يعرج عليه وإمام
المسجد أن يقرأ فيه .
جعلت من مقاصد هذا الكتاب أمورا ثلاثة :
أولها
: توثيق مواعظه ورقائقه بآيات الكتاب العزيز والسنة الصحيحة الثابتة فلا
اورد حديثا ضعيفا أبدا ولا قصة واهية ولا أثرا مستغربا.
ثانيها : قصدت
به غرس الإيمان في النفوس وبناء اليقين في القلوب ، وما قصدت جمع المسائل
الفقهية إذ كفاني في هذه المهمة الفضلاء فأثروا بما كتبوا المكتبة
الإسلامية فجانب الأحكام كثيرة مادته ، ولكن الإيمانيات العبر الموحيات
والنداءات الجليات هي التي تنقصنا ، فعسى أن يكون هذا الجهد ملبيا للطلب .
ثالثها
: حرصت في هذه الدروس أن أكسوها بجلباب الأدب القشيب وأن أتوجها بتاج
الفصاحة الأغر ، سيرا على منهج القران الكريم والسنة والرسول صلى الله
عليه وسلم أذكر الذاكرين وأعبد العابدين ، جعل شهر رمضان موسما للعبادة ،
وزمنا للذكر والتلاوة . ليله صلى الله عليه وسلم قيام يناجي مولاه ، ويضرع
إلى ربه يسأله العون والسداد والفتح الرشاد، يقرأ بالسور الطوال ، ويطيل
الركوع والسجود ، شأن النهم الذي لا يشبع من العبادة ، جعل من قيامه الليل
زادا وعتادا ، وقوة وطاقة . قال تعالى ()يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ)
(المزمل:1) )قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) (المزمل:2) وقال تعالى
()وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ
يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) (الاسراء:79) .
ونهاره عليه الصلاة والسلام دعوة وجهاد ونصح وتربية ووعظ وفتيا.
· وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد (1).
·
وكان عليه الصلاة والسلام يحث على السحور ، فقد صح عنه أنه قال : "تسحروا
فان في السحور بركة "(2) لان وقت السحور مبارك ، إذ هو في الثلث الأخير من
الليل وقت النزول الإلهي، ووقت الاستغفار . قال تعالى ()وَبِالْأَسْحَارِ
هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذريات:18) وقال تعالى () وَالْمُسْتَغْفِرِينَ
بِالْأَسْحَارِ)(آل عمران: من الآية17) ثم إن السحور عون على الصيام
والعبادة ، ثم هو صرف للنعمة في عبادة المنعم سبحانه وتعالى .
· وكان
عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه أمرا وفعلا يعجل الإفطار بعد غروب
الشمس(3) ، فيفطر على رطب أو تمر أو ماء (4) لان خالي المعدة أوفق شئ له
الحلاوة ، فكان في الرطب والتمر ما يوافق الصائم الجائع .
· وقد صح عنه
عليه الصلاة والسلام أنه قال : " إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد"(1) .
فكان. فكان عليه الصلاة والسلام بخيري الدنيا والآخرة.
· وكان يفطر صلى الله عليه وسلم قبل أن يصلي المغرب (2)
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا اقبل الليل من ها هنا ، وأدبر من ها هنا فقد أفطر الصائم"(3).
· وسافر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصام وأفطر ، وخيروا الصحابة في الأمرين (4)
· وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله (5)
وخرج
صلى الله عليه وسلم لبعض غزواته وسراياه في رمضان بل كانت بدر الكبرى في
رمضان ، فنصره الله نصرا ما سمع العالم بمثله ، وأفطر صلى الله عليه وسلم
في غزوتين من غزواته ، في رمضان (6) كما أخبر بذلك عمر رضي الله عنه عند
الترمذي وأحمد ، ولم يحدد صلى الله عليه وسلم تقدير المسافة التي يفطر
فيها الصائم بحد ولا صح عنده في ذلك شئ .
· وكان من هديه صلى الله عليه
وسلم أن يدركه الفجر وهو جنب من أهله ، فيغتسل بعد الفجر ويصوم (7) وكان
يقبل بعد أزواجه وهو صائم في رمضان ( ، وشبه قبلة الصائم بالمضمضة
بالماء.(9).
· وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إسقاط القضاء عمن أكل وشرب ناسيا ، وأن الله سبحانه هو الذي أطعمه وسقاه(1)
·
والذي صح عنه عليه الصلاة والسلام : أن الذي يفطر الصائم : الأكل والشرب
والحجامة (2) والقئ(3) . والقرآن الكريم دل على أ، الجماع مفطر كالأكل
والشرب .
· واعتكف عليه الصلاة والسلام في العشر الأواخر في رمضان (4)
فجمع قلبه مع الله تعالى ، وفرغ باله من هموم الدنيا ، وسرح عين قلبه في
ملكوت السموات والأرض ، وقلل من التقائه بالناس ، فأكثر من التبتل
والابتهال ودعاء ذي الجلال والإكرام . وعكف قلبه على مدارسة الأسماء
والصفات ، وعلى مطالعة الآيات البينات ، والتفكر في مخلوقات رب الأرض
والسموات ، فلا اله إلا الله كم من معرفة وحصلت له ، وكم من نور ظهر له ،
وكم من حقيقة ظفر بها ؟ فهو اعلم الناس بالله ، وأخوف الناس من الله ،
وأتقى الناس لله ، وأبلغ الناس توكلا على الله ، وأبذل الناس لنفسه في ذات
الله فعليه الصلاة والسلام م تضوع مسك وفاح ، وما ترنم حمام وناح ، وما
شدا بلبل وصاح .
لماذا شرع الصيام
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد .
فلله
في شرعه أسرار ، وله في أحكامه حكم، وله في خلقه مقاصد ، فمن هذه الأسرار
والحكم والمقاصد ما تدركها العقول ، ومنها ما تقف عندها كالة ، وقد أخبر
سبحانه عن بعض حكم الصيام فقال تعالى ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183) إذن فالصوم طريق لتقوى
الله عز وجل ، والصائم اقرب الناس إلى مولاه جلت قدرته ، جاع بطن الصائم
فصفا قلبه ، وظمأت كبد الصائم فدمعت عيناه ، وصح عنه عليه الصلاة والسلام
أنه قال : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض
للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه لو وجاء"(1)
· الصوم يضيق مجاري الطعام والدم ، وهي مجاري الشيطان ، فتقل وسوسته .
· الصوم يضعف الشهوة وخطرات السوء وواردات المعصية فتشرق الروح .
· الصوم يذكر الصائم بإخوانه الصائمين من الجائعين المحتاجين والفقراء والمساكين ، فيرحمهم ويعطف عليهم ويمد يده بالعون إليهم .
يا صائما ترك الطعام تعففا أضحى رفيق الجوع واللواء
أبشر بعيدك في القيامة رحمة محفوفة بالبر والأنداء
· الصوم مدرسة لتربية النفس ، وتزكية القلب ، وغض البصر ، وحفظ الجوارح.
·
الصوم سر بين العبد وبين المعبود سبحانه ، ففي الصحيح أن الله عز وجل " كل
عمل ابن آدم فانه لي وأنا أجزي به" (1) . لان الصوم لا يطلع عليه إلا الله
تعالى بخلاف الصلاة والزكاة والحج .
عرف السلف الصالح الصيام قربة لله عز وجل ، ومضمارا للسباق وموسما للخيرات، فبكوا فرحا لاستقباله ، وبكوا حزنا عند فراقه .
عرف
السلف الصيام فاحبوا رمضان واجتهدوا في رمضان ، وبذلوا نفوسهم في رمضان ،
فجعلوا من لياليه قياما وركوعا وسجودا ودموعا وخشوعا ، وجعلوا من نهاره
ذكرا وتلاوة وتعليما ودعوة ونصحا .
عرف السلف الصيام قرة عين وراحة نفس ، وانشراح صدر ، فربوا أرواحهم بمقاصده ، وزكوا قلوبهم بتعاليمه ، وهذبوا نفوسهم بحكمه .
· كان السلف كما صح عنهم يجلسون بمصاحفهم في المساجد ، يتلون ويبكون ، ويحفظون ألسنتهم وأعينهم عن الحرام .
· الصيام يا صائمون وحدة للمسلمين ، يصومون في زمن ويفطرون في زمن ، جاعوا معا ، وأكلوا معا ، ألفة وإخاء ، وحب ووفاء .
·
الصيام يا صائمون كفارة للخطايا ومذهب للسيئات ، صح عنه عليه الصلاة
والسلام أنه قال : الجمعة إلى الجمعة ، والعمرة إلى العمرة ، ورمضان إلى
رمضان ، كفارات لما بينهما ما لم تؤت كبيرة "(2)
· والصيام يا صائمون
صحة للنفس ، لانه يستفرغ المواد الفاسدة، ويريح المعدة ويصفي الدم ويطلق
عمل القلب ، فتشرق به الروح ، وتصفو به النفس ، وتهذب به الأخلاق .
· إذا صام الصائم ذات نفسه ، وانكسر قلبه وخفت مطامعه ، وذهبت شهواته ، لذلك تكون دعوته مستجابة لقربه من الله عز وجل .
· في الصيام سر عظيم ، وهو امتثال عبودية لله عز وجل ، والاذعان لأمره والتسليم لشرعه ، وترك شهوة الطعام والشراب والجماع لمرضاته.
·
والصيام انتصار للمسلم على هواه ، وتفوق للمؤمن على نفسه ، فهو نصف الصبر
، ومن لم يستطع الصيام بلا عذر فلن يقهر نفسه ولن يغلب هواه.
· والصيام
تجربة هائلة للنفس ، لتكون على استعداد تام لتحمل المشاق والقيام بالمهام
الجسام من جهاد وبذل وتضحية وإقدام . وذلك لما أراد طالوت أن يقاتل أعداءه
ابتلى الله قوم طالوت بنهر . وقال لهم طالوت ) فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ
فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ
اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ )(البقرة: من الآية249) فنجح أهل الصبر وفاز
منهم من غلب هواه ، وتخلف عن الجهاد عبدة الشهوات المقهورون تحت سلطان
طبائعهم.
ولعل بعض حكم الصوم تتلخص في أنه تقوى لله عز وجل ،
وامتثال لأمره وقهر للهوى ، انتصار على النفس ، وتهيئة للمسلم في مواقف
التضحية وضبط للجوارح ، وكبح للشهوات ، وصحة للجسم ، ومكفر للسيئات ،
وألفة وإخاء ، وشعور بجوع الجائعين ، وحاجة المحتاجين ، والله أعلم .