الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله واعترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا أما بعد : فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ بيان ضعف ونكارة قصة سجود معاذ - رضي الله عنه - للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قدم معاذ اليمن - أو قال: الشَّام -، فرأى النَّصارى تسجد لبَطارِقتها وأساقِفَتها، فَرَوَّأ في نفسه أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أحقُّ أن يُعَظَّم. فلمَّا قدم قال: يا رسول الله! رأيتُ النَّصارى تسجد لبَطارِقتها وأساقِفَتها فروَّأتُ في نفسي أنَّك أحقُّ أن تُعظَّم. فقال: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا». حديث معاذ - رضي الله عنه - في سجوده للنَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يصحَّ إسناده ولا يصحُّ معناه. أمَّا من جهة معناه؛ فإنَّه لم يثبت أنَّه ذهب إلى الشَّام في حياة النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -، وإنَّما الثَّابت ذهابه إلى الشَّام في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ومات بالطَّاعون هناك، وفي الحديث: «حين رجوعه من اليمن» وهو لم يذهب إلى اليمن إلاَّ في آخر حياة النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -، ومات النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو باليمن، حيث لم يعد إلاَّ في خلافة أبي بكر - رضي الله عنه -. ثمَّ هو من كبار الصَّحابة وفقهائهم الكبار، بعيدٌ جدًّا أن يكون بهذه الدَّرجة من الجهل. ومن جهة المتن ففيه اختِلافٌ سيأتي بيانه. وأمَّا من جهة الإسناد؛ ففيه نكارةٌ، ومدارُه على القاسم بن عوف الشَّيباني؛ ضعَّفه يحيى بن سعيد القطَّان وشعبة، كما أشار إلى ذلك القطَّان، وقال أبو حاتم: «مضطرب الحديث، ومحلُّه عندي الصِّدق»، وقال النَّسائي: «ضعيف»، وذكره ابن حبَّان في «الثِّقات»، وقال الذَّهبي في «الكاشف»: «مختلف في حاله»، وقال الحافظ: «صدوق يغرب». انظر ترجمته في «تهذيب التَّهذيب» (8/326 - 327) و«الكامل» لابن عدي (6/37)، و«الميزان» للذَّهبي (3/ 376) و«الكاشف» للذَّهبي و«التَّقريب» للحافظ ابن حجر. وقد روى هذا الحديث أحمد (4/381) من طريق إسماعيل ابن عليَّة عن أيُّوب عن القاسم بن عوف الشَّيباني عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قدم معاذ اليمن أو قال الشَّام، فرأى النَّصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها، فَرَوَّأ في نفسه أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أحقُّ أن يُعَظَّم، فلمَّا قدم قال: يا رسول الله! رأيت النَّصارى تسجد لبَطارِقتها وأساقِفتها فروَّأتُ في نفسي أنَّك أحقُّ أن تُعظَّم، فقال: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا». ورواه أحمد عن وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن معاذ بن جبل أنَّه لمَّا رجع من اليمن قال: يا رسول الله! رأيتُ رجالاً باليمن يسجد بعضُهم لبعضٍ أفلا نسجُد لك؟ قال: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا بَشَرًا يَسْجُدُ لِبَشَرٍ لأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا». ورواه من طريق ابن نمير، سمعت أبا ظبيان يحدِّث عن رجلٍ من الأنصار عن معاذ بمعناه. [«المسند» (4/277)]. فالحديث من طريق القاسم وأبي ظبيان ليس فيه أنَّ معاذًا سجد للنَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -، وإنَّما فيه عَرض السُّجود للرَّسول ثمَّ ردَّ الرَّسول ذلك. هذا مضمون هذا الحديث مِن هذين الوَجهين، ومع ذلك فالحديث من طريق القاسم قد أعلَّه أبو حاتم بالاضطراب، انظر: «العلل» لابنه (2/253)، وكذلك أعلَّه الدَّار قطني في «علله» (6/37 - 38). وأعلَّ حديث أبي ظبيان بالاختلاف في إسناده ثمَّ بالانقطاع؛ لأنَّ أبا ظبيان لم يسمع من معاذ، انظر: «العلل» (6/93 - 04). وأمَّا التَّصريح بأنَّ معاذًا سجد للنَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -، فرواه ابن ماجة حديث (1853)، وابن حبَّان في «صحيحه» حديث (4171)، والبيهقيُّ (7/292) من طرق عن حمَّاد بن زيد عن القاسم الشَّيباني عن عبد الله بن أبي أوفى به، وفيه سجد معاذ للنَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحديث، فمدار هذه الطُّرق على القاسم الشَّيباني. وذكر الدَّار قطني في «علله» (6/37 - 39) له طرقًا أخرى منها ما سبق. ومنها عنه عن زيد بن أرقم عن معاذ. ومنها عنه عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن معاذ. ومنها عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن صُهيب عن معاذ. ثمَّ قال: «والاضطراب فيه من القاسم بن عوف». فهذا حال هذا الحديث المنسوب إلى معاذ؛ فيه عدَّة عللٍ: الأولى: ضعف القاسم بن عوف الشَّيباني. الثَّانية: اضطرابه في الأسانيد. الثَّالثة: الاختلاف في المتن. الرَّابعة: الانقطاع في إسناد أبي ظبيان بينه وبين معاذ. الخامسة: الاختلاف عليه، ونحن نستبعد وقوع مثل هذا من هذا الصَّحابيِّ الفقيه الجليل معاذ بن جبل - رضي الله عنه -. وما كان كذلك لا يُبنى عليه حكمٌ شرعيٌّ فضلاً عن عقيدة. أمَّا حديث: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ...» إلخ، فهو حديث ثابت - إن شاء الله - بمجموع طرقه عن أبي هريرة وأنس وعائشة. راجع «الإرواء» للعلامة الألباني (7/54 - 55). |
|
|
3 مشترك
بيان ضعف ونكارة سجود معاذ - رضي الله عنه - للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم
الجزائري عبد المعز- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 05/10/2011
الجنسية : جزائر
عدد المشاركات : 3288
مكسب العضو : 40583
نقاط تقييم مواضيع العضو : 21
المزاج : منتديات طموح الجزائر
ahmad- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 27/11/2011
الجنسية : algh
عدد المشاركات : 1040
مكسب العضو : 15384
نقاط تقييم مواضيع العضو : 0
شكرا على الموصوع
محمد زكي- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 14/01/2012
الجنسية : يمني
عدد المشاركات : 1005
مكسب العضو : 27998
نقاط تقييم مواضيع العضو : 0
موضوع أكثر من رائع
أبدعت في الطرح والتقديم
يسلموا
أبدعت في الطرح والتقديم
يسلموا
» ذارأيت الرَّجلَ يَنْتَقِصُ أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلَّم؛ فاعْلَمْ أنَّه زِنْدِيق
» سبب عدم وجود صورة للنبي صلى الله عليه وسلم
» باب بيان ما بعث به النبي صلى الله عليه و سلم من الهدى و العلم
» بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر - - صحيح مسلم
» معنى حديث " فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النارالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته معنى حديث " فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار " عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنـه قال حدثنه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الصادق المصدوق ( إن أ
» سبب عدم وجود صورة للنبي صلى الله عليه وسلم
» باب بيان ما بعث به النبي صلى الله عليه و سلم من الهدى و العلم
» بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر - - صحيح مسلم
» معنى حديث " فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النارالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته معنى حديث " فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار " عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنـه قال حدثنه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الصادق المصدوق ( إن أ