الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، قيماً لينذر بأساً شديدا من لدنه، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له - جل في علاه -ما رحم عباده بمثل إنزال القرآن، الذي أنزله تبياناً لكل شيء وهدىً وموعظةً وذكرى، وجعل لتاليه والعاملين من لدنه خيراً وأجراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، كانت حياته وأخلاقه للقرآن تفسيراً وشرحاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديهم، واستن بسنتهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: مما لا شك فيه أن البصر من أعظم المنافذ إلى القلب، يقول الإمام القرطبي رحمه الله: البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات، وكلِّ ما يخشى الفتنة من أجله، ونقصد بغض البصر أن يغمض المسلم بصره عما حرم عليه ولا ينظر إلا لما هو مباح له النظر إليه ، وإن وقع نظر المسلم على مُحَّرمٍ من غير قصد فليصرف بصره سريعا ولا يتمادى في النظر. القرآن يأمر بغض البصر: لما كان النظر من أهم المنافذ إلى القلب، ولما كان إطلاقه بغير قيد ولا ضابط قد يوقع الهوى في قلب صاحبه، ويجعله يقع في شَرَك الفواحش والفتن، فقد أمر الله بغض البصر حتى يأمن العبد عواقب السوء: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ). ونلحظ هنا أن الله تعالى قد جعل الأمر بغض البصر مقدما على حفظ الفرج، لأن كل الحوادث مبدؤها من النظر والنبي صلى الله عليه وسلم يأمرك بغض بصرك: فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا عاهدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم". قال الالباني :صحيح لغيره . بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم غض البصر أحد حقوق الطريق حين قال لأصحابه رضي الله عنهم: إياكم والجلوس بالطرقات . فقالوا : يا رسول الله ، مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها ، فقال : فإذا أبيتم إلا المجلس ، فأعطوا الطريق حقه . قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر . رواه البخاري . ـ وقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس رضي الله عنهما ينظر إلى امرأة جاءت تستفتيه صلى الله عليه وسلم فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها. وقد علق ابن القيم رحمه الله على ذلك فقال: وهذا منع وإنكار بالفعل، فلو كان النظر جائزا لأقره عليه. نظر الفجأة: قد يسير الإنسان في طريق أو يكون في مكان به آخرون فيقع بصره على ما حرم الله تعالى بغير قصد منه فهذا ما يسمى بنظر الفجأة، والواجب في هذه الحالة أن يصرف بصره، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري".رواه مسلم . وهذا أنفع علاج وأسرعه أن يصرف العبد بصره ولا يستديم النظر فإن من استدام النظر أثم وتعدى، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عليُّ لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة"رواه ابوداود وحسنه الالباني.. والنساء مأمورات بغض الأبصار: فإن الله عز وجل يقول: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ..)الآية. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " ... وخير صفوف النساء المؤخر، وشرها المقدم، يا معشر النساء إذا سجد الرجال فاغضضن أبصاركن.."الحديث. روي في صحيح الموارد و صححه الالباني . عناية السلف بغض البصر: لقد عني السلف الصالح رضي الله عنهم بغض البصر عناية عظيمة فوجدنا منهم مواقف ومواعظ في هذا الباب تنبئ عن علو همتهم في هذا، ومن ذلك قول أنس رضي الله عنه: إذا مرت بك امرأة فغمض عينيك حتى تجاوزك". وقال بعضهم: من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته. وكان سفيان رحمه الله إذا خرج في يوم العيد قال: إن أول ما نبدأ به اليوم غض أبصارنا. ولما قال رجل للحسن رحمه الله: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن قال: اصرف بصرك. وقال ابن مسعود: الإثم حوَّاز القلوب (يحز في القلوب) وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع. وكان الربيع بن خثيم يغض بصره فمر به نسوة فأطرق ( أي أمال رأسه إلى صدره) فظن النسوة أنه أعمى وتعوذن بالله من العمى. من فوائد غض البصر ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله عدة فوائد ومنها: 1- تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق نظره دامت حسرته. 2- أنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه. 3- أنه يورث صحة الفراسة، فإنها من النور وثمراته، قال شجاع الكرماني: من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات، وأكل من الحلال- لم تخطئ فراسته . 4- أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه، ويسهل عليه أسبابه, وذلك بسبب نور القلب، فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات، ومن أرسل بصره تكدر عليه قلبه وأظلم. 5- أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته، قال بعض الشيوخ: الناس يطلبون العز بأبواب الملوك، ولا يجدونه إلا في طاعة الله. 6- أنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، فلذة العفة أعظم من لذة الذنب. 7-أنه يسد عن العبد بابا من أبواب جهنم، فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفاحشة، فمتى غض بصره سلم من الوقوع في الفاحشة، ومتى أطلقه كان هلاكه أقرب. 8- أنه يقوي العقل ويزيده ويثبته، فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب كما قيل: وأعقل الناس من لم يرتكب سببا حتى يفكر ما تجني عواقبه 9- أنه يخلص القلب من ذكر الشهوة ورقدة الغفلة، فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار والآخرة، ويوقع في سكرة العشق. نسأل الله الكريم أن يوفقنا لطاعته ، والحمد لله رب العالمين. |
+2
خليل إبراهيم
الجزائري عبد المعز
6 مشترك
غـــَـــضُّ البـَــصــَــرْ + أحكامــُـه وفوَائِـــدُهْ
الجزائري عبد المعز- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 05/10/2011
الجنسية : جزائر
عدد المشاركات : 3288
مكسب العضو : 40583
نقاط تقييم مواضيع العضو : 21
المزاج : منتديات طموح الجزائر
خليل إبراهيم- صاحب الموقع
- تاريخ الإنضمام : 02/12/2009
الجنسية : أردني وافتخر
عدد المشاركات : 9177
مكسب العضو : 122149
نقاط تقييم مواضيع العضو : 118
العمر : 34
المزاج : رايق
مشكوووووووووووووووووووووووووور على الموضوع المميز
ahmad- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 27/11/2011
الجنسية : algh
عدد المشاركات : 1040
مكسب العضو : 15384
نقاط تقييم مواضيع العضو : 0
مشكور على الموضوع المتميز
ايجي ابداع- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 09/01/2012
الجنسية : مصري
عدد المشاركات : 555
مكسب العضو : 3975
نقاط تقييم مواضيع العضو : 0
شكرا على الموضوع
المهنـدس محمد- عضو شرف
- تاريخ الإنضمام : 15/12/2011
عدد المشاركات : 950
مكسب العضو : 7523
نقاط تقييم مواضيع العضو : 45
محمد زكي- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 14/01/2012
الجنسية : يمني
عدد المشاركات : 1005
مكسب العضو : 27998
نقاط تقييم مواضيع العضو : 0
موضوع أكثر من رائع
أبدعت في الطرح والتقديم
يسلموا
أبدعت في الطرح والتقديم
يسلموا