معهد ون ويب لتطوير المواقع | 1weeb.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ستايلات مجانية FREE STYLES


2 مشترك

    فَضْلُ التَّوحيد وتكفيرُه للذُّنوب

    الجزائري عبد المعز
    الجزائري عبد المعز
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    تاريخ الإنضمام : 05/10/2011

    الجنسية : جزائر

    عدد المشاركات : 3288

    مكسب العضو : 40583

    نقاط تقييم مواضيع العضو : 21

    المزاج : منتديات طموح الجزائر

     فَضْلُ التَّوحيد وتكفيرُه للذُّنوب Empty فَضْلُ التَّوحيد وتكفيرُه للذُّنوب

    مُساهمة من طرف الجزائري عبد المعز 19/12/2011, 08:35


    فَضْلُ التَّوحيد وتكفيرُه للذُّنوب
    للشيخ
    صالح بن عبد العزيزآل الشيخ
    [شريط مفرغ]

    التذكير
    بفضل التوحيد يحتاجه حتى أُولي المقامات العالية في الدين، لهذا لا يستغني
    أحد، يقول أحد أنا تعلمتُ، درستُ التوحيد، وعرفتُ فضله، ما يحتاج أكرر
    هذا، ما يحتاج أعطيه الناس، ليس الأمر كذلك؛ لأنّ هذا إذا علمته، أول من
    سيدرك هذا الفضل أنتَ، ومن ذلك الفضل أنه يكفِّر الذنوب؛ لأنه يزيد عند
    العلم الاعتقاد بتكريره، كما أنَّه يُنسى بعدم تعليمه وتدريسه.[الشيخ صالح]

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد
    لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن
    محمدا عبد الله ورسوله، وصفيّه وخليله، نشهد أنّه بلّغ الرسالة، وأدى
    الأمانة، ونصح الأمّة، وجاهد في الله حق الجهاد، حتى تركنا على بيضاء
    ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده صلى الله عليه وسلم إلا هالك.
    اللهم
    صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد كُلَّما صلى عليه المصلون وكُلَّما غفل عن
    الصلاة عليه الغافلون، وعلى آله وصحبه من اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
    أما بعد:
    فأسأل
    الله جل وعلا أنْ يجعلني وإياكم ممن إذا أُعطي شكر، وإذا اُبتلي صبر، وإذا
    أذنب استغفر، كما أسأله سبحانه أنْ يمنّ علينا بتحقيق التوحيد، وبالعمل
    به، وبتكميله، وتخليصه مما يُنقص كمالَه أو يقدَح في أصله، إنّه سبحانه
    ولي الصالحين.
    لا شك أنّ هذه الدورة والدروس والمحاضرات العلمية التي
    كان موضوعها ”التوحيد“ من أهمّ ما عُمِل من سلاسل المحاضرات؛ وبل هي
    أهمُّها؛ لما اشتملت عليه مِنْ بيان وتوضيح أصل الأصول الذي هو حق الله جل
    وعلا على العبيد؛ وهو توحيده سبحانه وتعالى، والإخلاص له وإسلام الوجه
    والعمل له سبحانه بلا شريك ولا نِدّ ولا ظهير، والله جل جلاله إنما عَمَر
    السموات وخلقها، وعَمَر الأرض وخلقها، ليوحّد سبحانه، خلق السموات وجعل
    لها عُمّارا، وخلق الأرض وجعل فيها الجن والإنس مكلَّفين، وذلك كله
    لتوحيده سبحانه وتعالى، قال جل وعلا ? وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ
    إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56)مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ
    أَنْ يُطْعِمُونِ(57)إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ
    الْمَتِينُ?[الذاريات:56-58]، وهو سبحانه مستحقٌّ من عباده أنْ يُذكر فلا
    ينسى، وأن يُوحّد فلا يعبد أحد سواه، وأنْ يُخلص له دين والعبادة امتثالا
    لقوله ? فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ(2)أَلَا لِلَّهِ
    الدِّينُ الْخَالِصُ?[الزمر:2-3]، وهذا هو حقه سبحانه على عباده، الذي بعث
    به الرسل، ومن أجله أنزل الكتب، كما قال سبحانه ?وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي
    كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا
    الطَّاغُوتَ?[النحل:36]، وقال أيضا? وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ
    رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا
    فَاعْبُدُونِ?[الأنبياء:25]، وهذا التوحيد هو الذي اجتمعت عليه الرسل، وهو
    الإسلام الذي لا يقبل الله جل وعلا من أحد غيرَه، قال جل وعلا ?إِنَّ
    الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ?[آل عمران:19]، يعني التوحيد الخالص
    المبرّأ من كل شائبة شرك تقدح في خُلُوصه وإخلاصه، وقال أيضا جل وعلا
    ?وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ
    وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ?[آل عمران:85]، والإسلام هذا
    ليس خاصًّا بأمة محمد عليه الصلاة والسلام؛ بل كلُّ الأمم التي بُعِثت لها
    الرسل، كلها مطالبة بهذا الإسلام الواحد؛ وهو الإسلام العام الذي أُمِر به
    جميع الخلق، قال سبحانه (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)
    فآدم عليه السلام كان على الإسلام، ونوح عليه السلام كان على الإسلام،
    وإبراهيم عليه السلام كان على الإسلام، وأبناؤه الأنبياء والرسل كانوا على
    الإسلام، وموسى عليه السلام وعيسى عليه السلام كانا على الإسلام وأمرا به
    ودعا إليه، وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان على الإسلام الخالص
    وكانت شريعته أيضا هي شريعة الإسلام.
    وهذا الإسلام الذي اجتمعت عليه
    الرسل وأُمرت به جميع الأمم هو: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له
    بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله. هذا هو الاستسلام الذي يَنفع العبد،
    وهذا هو الاستسلام والإسلام الذي أُمر به جميع الخلق المكلَّفين من الجن
    والإنس.
    وموضوع هذه المحاضرة هو ”فضْلُ التوحيدِ وتكفيرُه للذّنوب“
    وهذا التوحيد بُيِّن لكم كثيرٌ من مسائله فيما مرّ عليكم من المحاضرات
    السابقة؛ في بيان معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفي بيان الشرك؛
    الذي هو مضادٌّ للتوحيد؛ الشرك الأكبر، أو مضاد لكماله وهو الشرك الأصغر،
    وبُيّن لكم معنى توحيد الربوبية، توحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات،
    وهذا كلُّه بيان لتوحيد الله جل وعلا، هذا التوحيد كلُّه من أخذ به فإنّ
    له فضلا عظيما على أهله، التوحيد له الفضل الكبير الأكبر على أهله مِمَّن
    أخذ به والتزمه وحققه في الدنيا والآخرة، والنفوس مشتاقة دائما أن تسمع
    وأن تتعرف على فضل الشيء؛ لأنها ربما ظنَّت أنّ هذا الشيء فضله واحد غير
    متعدد، وإذا تعددت الفضائل تعددت أوجه الاشتياق لهذا الأمر، والعناية به
    والحرص عليه، وبيان ما للعباد من الفضل والأثر إذا التزموا بهذا التوحيد،
    لهذا جاء في ”كتاب التوحيد“ الذي هو كتاب للشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد
    رحمه الله تعالى، أول باب من أبوابه ”باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب“
    هذا أول باب، لماذا؟ لأنّ هذا الباب إذا تبيَّن للعبد فضل التوحيد، وبيان
    أثر التوحيد، وبيان حسنات التوحيد، وآثار التوحيد على العباد؛ على العبد
    في نفسه، وعلى العباد، وعلى الناس في الدنيا والآخرة، واشتاقت النفوس
    وعظمت عندها الرغبة في أنْ يتعرفوا على هذا التوحيد، وأن يطلبوا علمَه،
    وأن يهربوا مما يضاد ذلك الذي يذهب بهذه الفضائل وهذه الآثار والحسنات.
    موضوع
    المحاضرة كما سمعتم في العنوان ”فضْلُ التوحيد وتكفيره للذنوب“، تكفير
    الذنوب أحد آثار التوحيد، وأحد فضائل التوحيد، لهذا لا يُقتصر في فضله على
    أنّه يكفر الذنوب، فالله جل وعلا منّ على عباده؛ لأنْ أوضح لهم هذا
    التوحيد، وبيّن لهم أنّ أهل هذا التوحيد تكفر لهم الذنوب والسيئات، قال جل
    وعلا ?إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا
    دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ?[النساء:48]، ما دون الشرك يغفره الله سبحانه
    وتعالى لمن شاء من عباده، وهؤلاء الذين تخلّصوا من الشرك هم أهل التوحيد،
    والتوحيد عنوانه البارز تحقيق الشهادتين؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن
    محمدا رسول الله، وثبت في صحيح مسلم أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال
    «الإسلام –يعني التوحيد- يجُبّ ما قبله، والهجرة تجُبّ ما قبلها»(1)
    الإسلام لمن حققه، وأسلمه ابتغاء وجه الله جل وعلا لا نفاقا ورياء، وتبرّأ
    من الشرك وكفر بالطاغوت، وعلِم معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإنّ
    هذا الإسلام يجُبّ ما قبله، فأوّل ما يواجه العبد إذا أسلم، أنّ إسلامه
    يجُبّ ما سلف له من الآثام، وما سلف له من الذنوب حتى ولو كان أعظم الذنوب
    وهو الشرك الأكبر بالله جل وعلا، الإسلام هو أعظم وسائل التوبة، الإسلام
    هو أنجح وأبلغ وسائل مغفرة الذنوب لمن كان عليها، حتى الشرك الأكبر، فكيف
    بما دونه من الشرك الأصغر، أو عموم الذنوب والكبائر والآثام، لهذا يُدرك
    التوحيد أهل التوحيد بالفضل أوّل ما يعلنُ الإسلام؛ لأنه بتوحيده لله جل
    وعلا وبراءته من الشرك فإن هذا التوحيد والإسلام يجُبّ ما قبله مهما كان
    الذي قبله، ولو كان أشْرَكَ الشركَ الأكبر، أو سفك الدم، أو أخذ المال، أو
    انتهك العِرض، أو وقع في الموبقات والكبائر، فكل ما قبل الإسلام مغفور
    بالإسلام، الإسلام يجُبّ ما قبله.
    وأمّا أهل الإسلام في تكفير الذنوب
    فإنّ كلَّ مسلم يتفضّل الله جل وعلا عليه بأنّه تُكَفَّر له الذنوب -إذْ
    كان مسلما موحِّدا- في الآخرة بمشيئة الله جل وعلا، وفي الدنيا إذا تاب
    توبة صالحة؛ فمن تاب نفعه توحيده من كل ذنب، وكفّر له الذنوب، ومَنْ عمل
    بما دون الكبائر في الدنيا فإنّ توحيدَه وعمله الصالح يكفِّر عنه تلك
    الصغائر.
    أما حقيقة هذا التوحيد الذي يحصل به تكفير الذنوب، فإنّه
    ألاّ يُعبد إلا الله جل وعلا، وأنْ يعلَم العبد معنى الشهادة لله
    بالوحدانية ولنبيه بالرسالة. التوحيد الذي من فضائله وآثاره أنّه يكفّر
    الذنوب هو أنْ تعلَم معنى هذه الشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله،
    وأنْ تشهد بها مُعْلِنا غير مستخْفٍ بهذه الشهادة العظيمة، لهذا ثبت في
    الصحيحين من حديث عُبَادة بن الصامت رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه
    وسلم قال «مَنْ شَهِد أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله, وَأَنّ مُحَمّدا
    عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, وَأَنّ عِيسَىَ عَبْدُ اللّهِ وَرَسُوله
    وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا عَلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ, وَأَنّ الْجَنّةَ
    حَقّ, وَأَنّ النّارَ حَقّ, أَدْخَلَهُ الله الْجَنّةَ عَلَى مَا كَانَ
    مِن العَمَل»، وفي رواية قال « حَرّمَ الله عَلَيْهِ النَّار» فـمن شهد أن
    لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فأول هذه الفضائل بأن حقق التوحيد
    أو يعني شهد شهادة التوحيد بأقل درجاتها كما سيأتي بيانه، فإن فضل التوحيد
    عليه أن الله جل وعلا يُدخله الجنة وَعْدًا منه جل وعلا ووعده الحق
    والصدق، وأنّ الله يحرم عليه النار وعدا منه جل وعلا ووعده الحق والصدق،
    وجاء في الصحيحين أيضا من حديث عِتبان بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى
    الله عليه وسلم قال في بيان فضل الشهادتين «إنّه مَنْ قال لا إله إلا الله
    أو من شهد أنه لا إله إلا الله وأني رسول الله حرم الله عليه النار» وفي
    لفظ أيضا «أدخله الله الجنة على ما كان من العمل» من جنس ما جاء في حديث
    عُبادة، وهذا كله من الفضل العظيم والأثر الكبير للتوحيد.
    وهنا وقفة في هاتين المسألتين:
    (أما
    الأولى: فما معنى كوْن هذا التوحيد -وهو عبادة الله وحده لا شريك له،
    والبراءة من الشرك وأهله، والكفر بالطاغوت، وترك الشرك كبيره وصغيره- ما
    معنى أنّه يَدخل الجنة على ما كان من العمل؟
    (وما معنى أن الله حرّم عليه النار؟
    هاتان مسألتان.
    أما
    الأولى وهي أنّه يدخل الجنّة على ما كان من العمل، فإن أهل التوحيد مآلهم
    إلى الجنة؛ والتوحيد أهله فيه أصناف: منهم من حقق التوحيد، منهم من خلط مع
    التوحيد عملا صالحا وآخر سيئا، ومنهم من جاء بالتوحيد ومعه ذنوب كثيرة جدا.
    (أما
    الأول: فمن حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، وتحقيق التوحيد
    معناه تكميله؛ من أن يكون إخلاصه لربه، وخوفه منه، ورجاؤه فيه، أن يكون في
    نقص بوجه من الوجوه.
    ومعنى تحقيق التوحيد: أن يكون متخلصا وخالصا من
    الشرك الأكبر والأصغر، ووسائل الشرك الأكبر والأصغر، ومن البدع صغيرها
    وكبيرها، ومنَ المعاصي والذنوب الكبائر والصغائر، إلا من تاب، والعمل
    بالصالحات كما أمر الله جل وعلا.
    فهذا التوحيد فضله عليه أنّه يدخل
    الجنة بلا حساب ولا عذاب، وهؤلاء الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب
    عِدَّتهم سبعون ألفا بنص الحديث أنّه في هذه الأمة سبعون ألفا؛ يعني إذا
    أتوا يوم القيامة فيهم؛ في هذه الأمة سبعون ألفا يدخلون الجنة بلا حساب
    ولا عذاب، ومنّة من الله جل وعلا وكرم أنه مع كل ألف سبعون ألفا، وهذا
    ميدان يتنافس فيه المتنافسون، وأعظِم به أمنا وأمانا، وأعظِم به أثرا
    وفضلا في الدنيا والآخرة.
    ( أما القسم الثاني من الناس: فَهُم الذين
    عملوا بالتوحيد؛ شهدوا شهادة التوحيد وآمنوا واعتقدوا الاعتقاد الحق في
    الله جل وعلا في توحيده؛ في إلهيته، وربوبيته، وفي أسمائه وصفاته، عبدوه
    وحده لا شريك له، وتخلصوا من الشرك امتثالا لقوله ?فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا
    لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ
    بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا?[الكهف:110]، ولكنهم خلطوا عملا صالحا وآخر
    سيئا، فهؤلاء التوحيد فضله عليهم:
    1. أنهم إنْ تابوا تاب الله عليهم.
    2. وإن لقوا الله جل وعلا بكبائر بغير توبة فإنه يغفر سبحانه وتعالى ذلك لمن يشاء؛ يعني بدون محاسبة لهم يغفر لمن يشاء.
    3. ومنهم من يكون عمله السيئ بالموازنة ويرجح التوحيد بأعماله السيئة فضلا من الله جل وعلا وتكرم.
    (وأما
    الصنف الثالث: فهؤلاء الذين أتوا بالتوحيد، وقوي إخلاصهم، وقوي توحيدهم
    وقويت حميتهم لتوحيد الله، وبراءتهم من الشرك، وبغضهم للشرك والكفر ولأهل
    الشرك والكفران، وكفرهم بالطاغوت وهو كراهتهم لعبادة غير الله، وبغضهم
    للشرك بالله جل وعلا وللكفر بأنواعه، عَظُم ذلك عندهم، ولكن كثرت سيئاتهم
    وذنوبهم، فهؤلاء مَثَلُهم مَثَل الرجل الذي يؤتى به يوم القيامة كما ثبت
    بذلك الحديث «يؤتى برجل يوم القيامة بين الخلائق، وينشر له تسعة وتسعون
    سجلا، كل سجل مد البصر فيها سيئاته وذنوبه، فإذا رأى ذلك خاف وأصابه
    الهلع، فيقول الله له: أتنكر من هذا شيئا؟ فيقول: لا أنكر من هذا شيئا.
    فتوضع هذه السجلات في كِفّة السيئات، ترجح كِفّة السيئات، ثم يقول الله
    له: ألك عمل؟ فيقول: لا يا رب. فيقول الله له: بلى. فيؤتى ببطاقة، فيقول:
    ما هذه يا رب؟ فتوضع في كِفّة الحسنات، فتطيش تلك السجلات» يعني من قوة
    رجحانها، كفة الميزان رجح بقوة، فارتفعت الكفة الأخرى، فطاشت السجلات
    وتناثرت من قوة ثقل هذه البطاقة، هذه البطاقة مكتوب فيها لا إله إلا الله
    محمد رسول الله.
    لكن هل هذا الفضل لكل من قال لا إله إلا الله محمد
    رسول الله؟ لو كان الأمر كذلك لما دخل النار أحد من أهل التوحيد، والله جل
    وعلا قد توعد أهل التوحيد من أهل الكبائر وأهل الذنوب بأنهم يدخلون النار
    ويُنَقَّون فيها، ثم مصيرهم إلى الجنة، لكن هذه حالة خاصة لمن كان التوحيد
    في قلبه عظيما، وحُبُّه لله جل وعلا ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإخلاصه
    لله؛ بأنه مؤمن بتوحيد الله بربوبيته وبماهيته وبأسمائه وصفاته، وأنّ هذا
    التوحيد بأنه لا يعبد إلاّ الله ولا يشرك بالله جل وعلا شيئا، وأنه يحبّ
    التوحيد، ويحب أهله، ويبغض الشرك ويُبغض أهله، فتكون هذه البطاقة
    مَيَّزَتْه عن سائر الأمة، فطاشت سجلات السيئات، مقابلة بعظم التوحيد وعظم
    شأنه، والتوحيد في القلب أيضا إذا عظم، إذا عَظُم التوحيد في القلب فإنه
    لا يكاد يكون معه إقدام على سيئة أو إصرار على كبيرة من كبائر الذنوب،
    فتكون حالة خاصة لعبد يُخرج من بين الخلائق أو لمن هو مِثْلُه ممن كثرت
    سيئاته لكن عظم توحيده وإخلاصه لله جل وعلا.
    وهذا يُرَغَّب فيه كلُّ
    أحد، ويَرْغَب فيه كل أحد منّا ممن لا يأمن على نفسه المعصية والذنب وممن
    يغشى الذنوب أو تَقِلُّ عنده الحسنات، وكلما زاد علم العبد بربه كلما علم
    أنه محتاج لما يخلصه من الذنوب والآثام، ومن قلة الامتثال للواجبات، وأعظم
    ذلك هو الإخلاص وتوحيد الله جل وعلا علما وعملا وانقيادا، لهذا «قال موسى
    عليه السلام لربه جل وعلا: يا ربّ علمني دعاء أدعوك به أو أذكرك به، قال:
    يا موسى قل لا إله إلا الله. فقال موسى عليه السلام: يا رب كل عبادك يقول
    هذا -أو يقولون هذا، يعني أراد شيئا يختص به؛ لأنّه ظنّ أنه كما أنه من
    أولي العزم من الرسل، وأنه كليم الله، وأن الله أعطاه التوراة، فإنّ هناك
    شيئا خاصا يدعو الله ويذكر الله به – فقال جل وعلا له: يا موسى لو أنّ
    السموات السبع وعامرهن غيري، والأراضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في
    كفة، ما لت بهن لا إله إلا الله» وهذا الحديث فيه فوائد عظيمة، الفائدة
    الأولى: فيه بيان فضل كلمة التوحيد، وأنّ الله جل وعلا من منته وكرمه
    وتفضله جعل الكلمة العظيمة ذات الفضل العظيم التي ترجح بالسموات ومن
    يعمرها وترجح بالأرض ومن فيها، جعلها كلمة سهلة متاحة للجميع لمن علمها
    وشهد بها شهادة الحق، وهذا من رحمة الله جل وعلا المتصلة بربوبيته
    والمتصلة بألوهيته والمتصلة بأسمائه وصفاته، كيف ذاك؟ رحمة الله جل وعلا
    بعباده في آثار كونه، سبحانَ ربًّا لهم أنْ جعل الرِّزق الذي به قوام
    حياتهم ليس مختصا بفئة منهم، الرِّزق الذي به قوام الحياة شائع؛ يناله
    الغني ويناله الفقير، الماء والحب، البُرّ والتمر ونحو ذلك بحسب البلد،
    يكون شائعا؛ ليس نادرا في بلد أو في أرض حتى لا يُدرك هذا الشيء إلا
    الأغنياء أو إلا الشرفاء أو إلا قلة الناس، ربوبية الله جل وعلا على خلقه
    العامّة جعلت ما يحتاجونه بما به قوام حياتهم جعلته شائعا بينهم؛ يمكن
    تحصيله، وكذلك في توحيد إلهيَّته جعل من رحمته أنّ ما به يُحقّق العباد،
    توحيد الإلهية يشترك فيه الجميع بأبسط شيء وهو كلمة لا إله إلا الله،
    ونبّه الله موسى عليه السلام على ذلك ليبيّن له أنّ ما يحتاجه العباد من
    فضل التوحيد لا يختص به الأنبياء، ولا يختص به الرسل، ولا يختصّ به أولي
    العزم، ولا يختصّ به كليم الله جل جلاله، وإنما هذا شائع، (قال موسى: يا
    رب كل عبادك يقولون هذا) فدل هذا أن رحمة الله بعباده أدركتهم في ربوبيته
    لهم وفي ألوهيته لهم وفي أسمائه وصفاته لهم؛ في أنّ ما به حياتهم؛ قيام
    حياتهم البدنية، وما به قيام دينهم، وقيام نجاتهم في الدنيا والآخرة، أنّ
    هذا شيء مشاع دائما.
    حديث موسى عليه السلام رواه ابن حبان في صحيحه،
    والحاكم، ورواه النسائي أيضا من حديث أبي سعيد الخدري في إسناد حسن، وصحح
    الإسناد الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وله روايات أخر يصير مجموعها حسنا
    أو صحيحا.
    إذا تبين هذا تبين لك عظم هذا الشأن، وهو شأن التوحيد،
    وسهولته وفضله، وأنّ العلم به أعظم المهمات، أعظم المهمات، ولهذا يُعلم
    الصغير التوحيد؛ لأنّ هذا أعظم الإحسان لهذا الصغير، وترك الصّغير أو حتى
    ترك الكبير من تعلّم وتعليم التوحيد هذا نقص وسعي فيما هو دونه، لهذا
    تنتبه لأصل من الأصول، وهو أن في حديث موسى عليه السلام أنّ التذكير بفضل
    التوحيد يحتاجه حتى أُولي المقامات العالية في الدين، لهذا لا يستغني أحد،
    يقول أحد أنا تعلمتُ، درستُ التوحيد، وعرفتُ فضله، ما يحتاج أكرر هذا، ما
    يحتاج أعطيه الناس، ليس الأمر كذلك؛ لأن هذا إذا علمته، أول من سيدرك هذا
    الفضل أنتَ، ومن ذلك الفضل أنه يكفِّر الذنوب؛ لأنه يزيد عند العلم
    الاعتقاد بتكريره، كما أنَّه يُنسى بعدم تعليمه وتدريسه.
    إذن تحصّل لنا مما ذُكر أنّ من فضل التوحيد ومن أثره:
    ( أنّه يكفّر الله به الذنوب.
    ( وأن به ترجح كِفة الحسنات على كفة السيئات.
    ( أما الأمر الثالث فإنه يمنع الخلود في النار وهو الذي ذكرته لك في الأحاديث السابقة (حَرّمَ الله عَلَيْهِ النَّار).
    والتحريم في النصوص؛ تحريم الجنة أو تحريم النار على نوعين؛ في النصوص:
    ( تحريم أبدي.
    ( وتحريم أمدي.
    (حَرّمَ
    الله عَلَيْهِ النَّار) من شهد شهادة التوحيد حرم الله عليه النار، يعني
    أنْ يكون خالدا مخلّدا فيها، قد يدخلها، وقد لا يدخلها، بحسب ذنوبه، وحسب
    ما عنده، لكنه متعرض للوعيد، لكن هل يَخْلُد فيها صاحب التوحيد؟ لا، بوعد
    الله جل وعلا لا.
    حرم الله الجنة على الكفار هذا تحريم أيضا أبدي، الكافر لا يمكن أنْ يدخل الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط.
    المؤمن
    هل تَحْرُم عليه الجنة؟ جاء في بعض النصوص أنّ بعض المسلمين بسبب الذنوب
    أنه حرم الله عليه الجنة، مثل «حرّم الله الْجَنّةَ على قَاطِعِ الرَحِمِ»
    «لا يجد ريح الجنة وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا » هذا التحريم ليس
    تحريما أبديا على أهل التوحيد، ولكنّه تحريم مؤقت؛ لأنّهم يُنَقَّون من
    ذنوبهم قبل ذلك، ثمّ بعد ذلك يتأخر دخولهم للجنة حتى يصيبهم ما شاء الله
    جل وعلا من العذاب بعدله وحكمته.
    فإذن من فضل التوحيد أن أهله تَحْرُم عليهم النار أن يخلّدوا فيها.
    (
    الرابع أنّ من فضل التوحيد على أهله أنّ التوحيد أعظم الأسباب لنيل شفاعة
    محمد بن عبد الله النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام، سأل أبو هريرة النبي
    صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك. قال النبي
    صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة «لقد علمت أنّه لا يسألني أحد قبلك يا أبا
    هريرة عنْ هذا، لما علمت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي من قال
    لا إله إلا الله خالصا منْ قلبه ونفسه»، ومعنى (أسعد الناس بشفاعتي) يعني
    سعيد الناس بشفاعتي؛ السعيد من الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خاصا
    من قلبه ونفسه، مَن قال لا إله إلا الله مخلصا فيها من قلبه ونفسه، شاهدا
    شهادة الحق، عالما بمعناها، فإنه أحق الناس بشفاعة محمد عليه الصلاة
    والسلام، وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم تنال بوسائل كثيرة عد العلماء
    منها –أمور كثيرة تزيد على العشرة- ما جاء في الأحاديث الصحيحة ولكن أسعد
    الناس بها الموحد الذي أخلص في توحيده، وهو أول الناس نيلا لهذه الشفاعة.
    ( أما الخامس فهو أنّ التوحيد هو السبب الأعظم لتفريج الكُرُبات في الدنيا وفي الآخرة:
    قال
    جل وعلا ?الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا
    مُبْعَدُونَ(101)لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ
    أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ(102)لَا يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ
    وَتَتَلَقَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ?[الأنبياء:101-103]الآية، هؤلاء الذين
    سبقت لهم من الله الحسنى، من هم؟ هم أهل التوحيد؛ أهل الإيمان بالله الحق،
    بتوحيد الله جل وعلا، والإيمان فيه بأنه هو المستحق للربوبية وحده، وهو
    المستحق لإلهية، وهو المستحق لأسماء والصفات، والإيمان بملائكته وكتبه
    ورسله واليوم الآخر والقدر، وعمل صالحا، هؤلاء هم الذين سبقت لهم من الله
    الحسنى، حالتهم بالآخرة لا يحزنهم الفزع الأكبر.
    وأما في الدنيا
    ?مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
    فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً?[النحل:97] فلهم الحياة الطيبة
    وتفريج الكربات في الدنيا وفي الآخرة.
    قد قال نبينا صلى الله عليه
    وسلم لابن عباس رضي الله عنهما «يَا غُلاَمُ, إِنّي أُعَلّمُكَ كِلمَاتٍ:
    احْفَظِ الله يَحْفَظْكَ» (اِحْفَظِ الله يَحْفَظْكَ)، ثم قال له «إِذَا
    سَأَلْتَ فَاسْأَلِ الله» هذا توحيد «وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ
    بالله» توحيد، ثم قال له «وَاعْلَمْ أَنّ الأُمّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى
    أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ
    الله لَكَ, ولو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرّوكَ
    إِلاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ, رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ
    وَجَفّتِ الصّحُف» وفي رواية «واعلم أن الفرج مع الصبر وأن النصر مع
    الكرب»(2) وهذا كله لأهل التوحيد الذين أخلصوه.
    ( الأمر أو الفضل
    السادس أنّ صاحب التوحيد الذي وحّد الله وتخلص من الشرك قولا وعملا
    واعتقادا، له الأمن والهدى في الدنيا والآخرة، قال جل وعلا ? الَّذِينَ
    آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ
    الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ?[الأنعام:82]، لما نزلت هذه الآية شقّ ذلك
    على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله أينا لم
    يظلم نفسه. كل أحد لابد يظلم نفسه بأيّ شيء، إما أن يفرط في واجب، أو أنه
    يرتكب منهي عنه، فإذا تذكر تاب من التفريط، وإذا ذُكر أيضا انتبه لتفريطه
    في أداء الواجب أو في عمله بعض المحرمات، أينا لم يظلم نفسه؟ فقال النبي
    صلى الله عليه وسلم «ليس هذا التي تذهبون إليه، الظلم الشرك، ألم تسمعوا
    إلى قول العبد الصالح ?إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ?[ لقمان: 13]»،
    وذلك أن الظلم ثلاثة أنواع:
    ( ظلم العبد في حق نفسه بالذنوب.
    ( وظلم العبد لغيره بالاعتداء على حقوق الناس وأموالهم وأعراضهم.
    ( وظلم العبد في حق ربه جل وعلا بالشرك بالله جل وعلا.
    فنبههم
    النبي صلى الله عليه وسلم على أنّ العموم في هذه الآية عموم مراد به
    الخصوص، وهو أحد الأنواع الثلاثة وهو ظلم العبد في حق ربه بالشرك بالله جل
    وعلا، الذي هو أعظم أنواع الظلم (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، وهذا
    هو معنى الإتيان بالتوحيد والبراءة والخلوص من الشرك، فإنّ هذا يحصل للعبد
    به الأمن والاهتداء.
    لكن الناس في التوحيد درجات، كذلك في الأمن
    والاهتداء هم أيضا درجات، فكلما كمَّل العبد توحيدَه، وكمَّل العبد خلوصه
    وبراءته من الشرك علما وعملا في التوحيد، وعلما وعملا في براءته في خلوصه
    من الشرك، كلّما كمّل الله له الأمن في الدنيا وفي الآخرة وكمل الله له
    الاهتداء في الدنيا والاهتداء في الآخرة.
    يأتي قائل ويقول: الأمن في
    الدنيا فهمناه؛ الأمن النفسي، والأمن ألاّ يعتدي عليه أحد، وقوّة القلب،
    والأمن في المجتمع، وأمن الدولة، وأمن البلد، هذه كله يدخل فيه، كذلك
    الهداية في الدنيا بالتوفيق إلى الصالحات، ورؤية الحق حقا، والمنّة من
    الله على عبده باتّباعه، ورؤية الباطل باطلا، والمنّة من الله لعبده
    باجتنابه، هذا أيضا مفهوم، الأمن في الآخرة بعدم الفزع، وعدم الحُزن
    والحَزن وبعدم دخول النار أيضا مفهوم، لكن كيف تكون الهداية في الآخرة؟
    ألم ينقطع التكليف؟ انقطع التكليف، فهل في الآخرة هداية، لأننا نقول أمن
    وهداية في الدنيا والآخرة، كيف تكون الهداية في الآخرة؟ قال جل وعلا
    ?وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ
    أَعْمَالَهُمْ(4)سَيَهْدِيهِمْ? يعني بعد القتل ?وَيُصْلِحُ
    بَالَهُمْ(5)وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ?[محمد:4-6]، جعل
    هنالك ثلاث مراتب:
    1. أولا القتل.
    2. ثم يهديهم الله جل وعلا.
    3. ثم يدخلهم الجنة.
    هذه
    الهداية هي الهداية في الآخرة، فسَّرها أهل العلم بالتفسير وأهل العلم
    بالتوحيد، بأنّها الهداية بسلوك الصراط حين وُرود الظلمة؛ لأنه قبل الصراط
    هناك الظلمة التي يلتبس فيها الطريق، فربما مرّ الإنسان أو ذهب يريد هذا
    الطريق؛ يريد طريق الصراط لكنه يسقط في النار -والعياذ بالله-، أو يمشي في
    الصراط قليلا ثم يضل، لا يعرف كيف يتجه؛ لأنه فيه ظلمة وليس عنده نور تام،
    ينقطع منه النور الذي هو بسبب توحيده، ثم بعد ذلك يسقط.
    فإذن هناك
    هداية لطريق الجنة في الآخرة هذه تحصل بحسب قوة التوحيد، فكلَّما قوي
    التوحيد كلما قويت الهداية وقوي النور في الدنيا وفي الآخرة(3).
    ( أما
    السابع فمن فضل التوحيد أنّ التوحيد إذا قوي وإذا أحبّ العبد توحيد ربه
    وعلِمه وتعلمه، فإنه يوفق لكل قول وعمل صالح، سواءٌ أكان هذا القول والعمل
    ظاهرا أم باطنا، في نفسه أو في غيره، وهذه من أعظم المهمات؛ لأن العبد لا
    يخلو:
    * إما أن يتعامل مع نفسه.
    * أو أن يتعامل مع غيره.
    * أو أن يتعامل مع ربه جل وعلا، وتعامله مع الله جل وعلا عبادة؛ يعني بالعبادات.
    وتعامله مع نفسه، في شأن هوى نفسه، وما يَرغَب فيه وما لا يرغب وكيف يمتثل الشرع في نفسه.
    ومع
    غيره في تأديته لحقوق الناس والعباد، ابتداء بحق والديه، وحق زوجه، وحق
    أولاده، وحق جيرانه، وحق زملائه، ومن يخالطه، وحق العلماء، وحق ولاة
    الأمر، وحق الصحابة رضوان الله عليهم، وحق أهل الإيمان بعامة، وهكذا في
    هذا الشأن.
    التوحيد سبب من أسباب التوفيق لحسن تعامل العبد مع نفسه، ومع الخلق، ومع ربه جل وعلا.
    أمّا
    مع الله جل وعلا: فأهل التوحيد يحبون عبادة الله جل وعلا، يحبون الإخلاص،
    أيضا يحبون أنواع العبادات؛ تجد الموحّد الحق يصلي، تجد الموحّد يعطي
    الزكاة، تجد الموحّد يصوم رغبة واختيارا، تجده يحجّ رغبة، كلما قوي
    التوحيد قوي تعلق العبد في الصلاة؛ تعلقه بالصلاة الفرض وبالنوافل، تعلقه
    بصيام الفرض وبالنوافل، وهكذا ففي تعامله وعبادته لربه بحسَب توحيده وقوته
    يُقبل على ذلك ويوفَّق لهذا الأمر، لهذا فانظروا إلى نفسك في أيّ من
    المجالات، إذا أحسست في نفسك تقصيرا في الفرائض أو حتى في النوافل، ففتِّش
    فستجد أن بعض الدنيا والخلق زاحموا محبة الله جل وعلا في القلب ولا بد،
    يجتمع في القلب واردان؛ وارد محبة الله جل وعلا وتوحيده، ووارد محبة
    الدنيا والخلق والرغبة فيها، فيتزاحمان، فإذا قوي التوحيد أضعف الشيء
    الآخر، وإذا قوي الآخر أضعف التوحيد بحسبه، ولهذا العلم بالتوحيد وتعليم
    التوحيد وإرشاد الناس إليه هو أعظم البر والإحسان إلى الخلق؛ لأنه به
    ينفتح ذلك إذا أُحسن تقريره وشرحه للناس وترغيب الناس فيه.
    أمّا
    تعامل العبد مع نفسه: فإن العبد له هوى وله رغبة؛ له هوى في بعض المحرمات،
    لا أحد يسلم من ذلك، له هوى ورغبة في ترك بعض الفرائض؛ تتثاقل عليه، ذلك
    تعامله مع نفسه فيما يأتي وفيها يذر، كلّما قوي توحيد الله في القلب،
    وعِلْم العبد بربه، بربوبيته وأنّه سبحانه هذه الأرض جميعا، والقلوب جميعا
    بين أصبع من أصابعه، الأرض قبضته يوم القيامة، وأنّ هذه الدنيا لا تساوي
    عند الله جناح بعوضة، وأنه سبحانه هو الذي يدبر هذا الملكوت، وأنه هو الذي
    يعطي ويمنع، وينفع ويضر سبحانه وتعالى، ويخفض ويرفع، ويقبض ويبسط، ويخلق
    سبحانه، ويحيي ويميت، ويصح ويمرض، ويغني ويفقر، وأنَّه سبحانه ما شاء كان
    وما لم يشأ لم يكن، فحينئذ يقوى في قلبه العلم بالله جل وعلا، يقوى في
    قلبه التوكل على الله جل وعلا، يقوى في قلبه محبة الله جل وعلا، كذلك
    العلم بأنّه هو المستحق للعبادة وحده، هو المستحق للطاعة سبحانه وتعالى
    طاعة العبادة وحده، هو المستحق لكذا، وكذا، وكذا من أنواع العبادات، فإنّه
    حينئذ يعظُم في قلبه محبة الله وتوحيده، وتضعف نوازع الشر في نفسه.
    أما
    تعامله مع الخلق: فإنّ الموحّد لا يغيب عن باله إذا قوي توحيده، أنّ أنسه
    بالله فوق كل أنس، وأنّ رضا الله جل وعلا عنه فوق كل رضا، ومن التمس رضا
    الناس بسخط الله، من التمس رضا الناس مهما كانوا؛ كبارا أو صغارا، رعاة أو
    رعية، ملوكا أو مملوكين، ومن كانوا، من التمس رضا الناس بسخط الله، سخط
    الله عليه وأسخط عليه الناس. ومن التمس رضا الله ولم ينظر إلى الناس أن
    يسخطون أم يرضون رضي الله عنه وأرضى عنه الناس. وهذه مجربة فيمن سار على
    شرع الله بالحكمة والموعظة الحسنة في هذا الأمر.
    فالتعامل مع الناس إذا
    تعلق القلب بالله فإنه سيعاملهم والله جل وعلا بين عينه، يرجوه ويخافه
    ويتّقيه ويحبه، يخشى أن يتغير قلبه عليه بظلم عبد من العباد، فلهذا يصلح
    علمه في نفسه ومع الخلق.
    فإذن أهل التوحيد يوفَّقون للأعمال الظاهرة
    والباطنة المتنوعة، وللأقوال الظاهرة والباطنة في تعامل العبد مع نفسه ومع
    الخلق وفي عبادة الله الواحد الأحد.
    ( الثامن من آثار التوحيد وفضائله
    وحسناته أنّ التوحيد يحرّر العبد من الرِّق للخلق والمبالغة في مراعاتهم،
    إلى عزّة الرّق والعبودية للواحد الأحد السميع البصير جل جلاله وتقدست
    أسماؤه. العباد عند الله جل وعلا سواسية، ابتلى الله العباد وجعل بعضهم
    لبعض فتنة كما قال سبحانه ?وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً
    أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا?[الفرقان:20]، ما معنى
    (أَتَصْبِرُونَ)؟ جعل الله الفقير فتنة للغني، والغني فتنة للفقير.
    الفقير
    فتنة للغني هل يتعاظم ويعظم، وينظر أنه إذا حصل ألف أو ألفين أو مائة ألف
    أو مليون أو عشرات الملايين أو المئات أنّه عظُم وعظُم حتى صار عند نفسه
    أنه فوق الخلق، أُبتلي بالفقير ماذا يعمل معه، وهل يترفّع عليه أم لا؟
    لهذا نبينا صلى الله عليه وسلم ماذا قال الله له؟ قال الله له ? وَاصْبِرْ
    نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
    يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ
    الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ
    ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا?[الكهف:28]، حتى
    لما رغِب عليه الصلاة والسلام في إسلام بعض الأغنياء والأثرياء وترك
    الفقير؛ لأنه في تقديره عليه الصلاة والسلام أنّه إذا أسلم الغني فإنه
    سينفع الإسلام أكثر وأكثر وترك الفقير، عاتبه الله جل وعلا، وقال له
    ?عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى(2)وَمَا يُدْرِيكَ
    لَعَلَّهُ يَزَّكَّى(3)أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى(4)أَمَّا
    مَنْ اسْتَغْنَى(5)فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى(6)وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا
    يَزَّكَّى(7)وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى(8)وَهُوَ يَخْشَى(9)فَأَنْتَ
    عَنْهُ تَلَهَّى(10)كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ?[عبس:1-11] له عليه الصلاة
    والسلام وللناس جميعا.
    جعل الله أيضا الغني فتنة للفقير، هل يحسد
    الفقير الغني، أو يسأل اله جل وعلا السلامة؟ هل ينظر إليه بحنق وحقد وكذا،
    أم يعظم رغبته في الله؟
    أيضا المريض والصحيح جعل الله بعضهم فتنة لبعض.
    أيضا الملك والرعية جعل الله جل وعلا بعضهم فتنة لبعض.
    وهذا
    كله كما قال جل وعلا (أَتَصْبِرُونَ)، (جعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ
    فِتْنَةً) لاحظ كلمة (فِتْنَةً) فتان (أَتَصْبِرُونَ) من يصبر ممن لا
    يصبر، من حقق التوحيد من أخذ بالتوحيد، من عمل بالتوحيد، نظر إلى الخلق
    نظرا صحيحا وتخلّص من الرّق للخلق ومن كثرة مراعاة الخلق، وعظُم في قلبه
    ربه جل جلاله وتقدست أسماؤه، وكان عزيزا لله الواحد الأحد، وكان مرتفعا
    لله والواحد الأحد، وكان عظيما لله الواحد الأحد، كما قال سبحانه ?وَلَا
    تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ
    مُؤْمِنِينَ?[آل عمران:139] (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا) أوش تقدير
    الآية؟ بعض الناس يظن تفسير الآية وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن تكونوا
    مؤمنين فلستم بالأعلون، ليس هذا هو التفسير، تفسير الآية ولا تهنوا ولا
    تحزنوا إن كنتم مؤمنين وأنتم الأعلون لأنكم في حال إيمانكم، ما دام أنكم
    مؤمنون فلا تهنوا ولا تحزنوا فأنتم الأعلون. (وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ)
    هذه جملة من المبتدأ والخبر حاليا؛ يعني ولا تحزن ما دامك مؤمن لا تهن ولا
    تحزن فإنك أنت العالي .
    إذن من فوائد التوحيد في القلب أنه يخلصه من
    الرّق للمخلوق، ومن الذل له، وإنما يعامل الموحد المخلوق بما أمر الله جل
    وعلا؛ لا يتكبر عليه، ولا يهينه وإنما يعامله لأنه مؤمن أو يعامله بحسب
    شأنه –نستمع للأذان-
    وبعد هذا فضائل التوحيد وآثاره، كما أنها متعلقة
    بأفراد المؤمنين، فهي أيضا متعلقة بالبلد المسلم الموحِّد والمجتمع
    والدولة، قال جل جلاله ?وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ
    إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ
    قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ?[الأعراف:56] والإفساد في الأرض بعد إصلاحها
    هي أن يُسلَك فيها بما يناقض التوحيد، أو بما يُنقص كمالَه بالشرك الأكبر
    أو بالشرك الأصغر، هذا هو الإفساد أعظم الإفساد في الأرض، وكذلك ما يحصل
    من التعديات على الخلق هذا إفساد في الأرض، وقال أيضا جل وعلا في بيان ذلك
    في سورة النور ?وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا
    الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ
    الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي
    ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا
    يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا?[النور:55] هنا وعد وموعود
    وحالة يكون عليها الوعد.
    أما الموعود أولا فهم أهل الإيمان (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) هؤلاء هم الموعودون.
    أما ما وُعدوا به فجاء في ثلاثة أشياء:
    *
    أولا (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ) يعني إنْ لم يكن لهم غلبة
    ومنعة واستخلاف فالله يعدهم طال الزمان أو قصر أنْ يستخلفهم في الأرض كما
    استخلف الذين من قبلهم.
    * ثم قال الوعد الثاني (وَلَيُمَكِّنَنَّ
    لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ) أعظم شيء يختاره المؤمن ويريده
    أنْ يكون يعبد الله جل وعلا بتمكين؛ لا يَسْتَخْفِ بدين الله، ولا يكون
    مُهانا وهو يَدِينُ بدين الله؛ بل يكون مرفوع الرأس، يكون بما وعد الله جل
    وعلا له.
    * أما الوعد الثالث بقوله (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ
    بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) يعني بعد أن كانوا قلة يخافون، استخلفهم ومكّن
    لهم دينهم، فصاروا بعد الخوف أَمْنَى؛ آمنين على أنفسهم، على دينهم، على
    أنفسهم، وعلى أولادهم، وعلى أعراضهم، وعلى أموالهم، هذه كلها مِنَن، ووعد
    من الله جل وعلا له.
    ما حالتهم؟ بين الحالة في الجملة الفعلية بقوله
    (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) يعني إذا استخلفهم وبدّلهم
    ومكّن لهم دينهم وبدّلهم بعد الخوف أمنا، ما حالتهم في هذا كلِّه وقبله؟
    أنهم (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)، وهذا أعظم أثر
    للتوحيد على الناس في دولتهم وفي مجتمعه، أنهم إذا عبدوه ولم يشركوا به
    شيئا وأقروا التوحيد ونبذوا الشرك فإنهم موعودون بفتح فضل الله جل وعلا
    لهم بهذه الثلاث، وكذلك بأنهم تُفتح لهم بركات من السماء ومن الأرض،
    فيوسِّع الله عليهم في الأرزاق، ويكونون في حياة طيبة مطمئنة.
    وبعد هذا
    كله يظهر لك أنّ فضائل التوحيد وآثاره وحسناته على الناس؛ على أهل الإيمان
    وعلى غيرهم، وعلى الأفراد، وعلى الدولة والمجتمع كبير جدا جدا، فلهذا يعظم
    حينئذْ الواجب، وتشتدّ حينئذن التبعة في أن نهتم بالتوحيد في أنفسنا وفيما
    حولنا إن رغبنا في هذا الخير العظيم، وإلاّ فليس هو من باب الفضائل، هو من
    لم يأخذ بالتوحيد ويجتنب الشرك فقد قال الله جل وعلا في شأنه ?إِنَّهُ
    مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
    وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ?[المائدة:76].
    أسأل
    الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم من أهل توحيده الذين علموه واعتقدوه وشهدوا
    به وعملوا به ودعوا إليه وأعلنوه، إنه سبحانه ولي الصالحين، وهو ذو الفضل
    والإحسان.
    كما أسأله سبحانه أن يجعلنا جميعا ممن حاز هذه الفضائل،
    اللهم لا تحرمنا فضلك بذنوبنا ولا بتقصيرنا وبإسرافنا في أمرنا، اللهم
    اجعل عاقبة أمرنا إلى خير، واجعل لنا فواتح الأمر من الخير وخواتمه إنك
    على كل شيء قدير رحمن رحيم.
    كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمورنا
    لما فيه رضاه، وأن يجعلنا وإياهم من المتعاونين على البر والتقوى، وصلى
    الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
    نأخذ بعض الأسئلة ثم الإقامة لننصرف بعد الصلاة إن شاء الله:
    1/
    صاحب الفضيلة أسئلة تواردت عن التوجيه لقضاء الإجازة الصيفية سيما مع
    اقترابها ومع كثرة الذين حزموا حقائبهم استعدادا للسفر وللضرب في الأرض،
    ولعل معاليكم أنْ يوجه توجيها لهؤلاء ولشباب المسلمين جميعا، جزاكم الله
    خيرا.
    أولا كلُّ شيء تجده في الكتاب والسنة؛ إخبارا وحكما وبيانا لأثره
    وآثاره. والسفر من ذلك في عدة آيات، ومنها قوله جل وعلا لما ذكر قصة سبأ
    ممتنا عليهم في بلادهم بقوله ?وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى
    الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ
    سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا آمِنِينَ?[سبإ:18] هذا الأمر
    (سِيرُوا) للامتنان ”أمر امتنان“ وهو أحد معاني الأمر السبعة والعشرين كما
    هو معروف عند الأصوليين، (سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا آمِنِينَ)
    يعني امتن الله عليهم بأن يسيروا مسافرين آمنين ليالي وأياما، ثم عابهم
    بقوله ? فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا
    أَنفُسَهُمْ?[سبإ:19]، عاب الله عليهم أنهم لما سافروا ظلموا أنفسهم في
    أسفارهم.
    فالسفر مباح وإذا خالطته أو صار القصد منه معصية، القصد من
    السفر أنشئ لمحرم صار سفرا محرما، وإذا كان أصله سفر طاعة فخالطته معصية
    أو ذنوب فإن هذا من جنس الذنوب التي يغشاها الإنسان.
    إذن السفر
    المباح كما هو معلوم وقد يكون الإنسان يختار ذلك لأنسه أو لأنس أولاده أو
    نحو ذلك مما أباحه الله جل وعلا، لكن الإجازة فرصة عظيمة وهذا الفراغ بأن
    يكسب الإنسان فيها، هي طويلة قد لا يسافر فيها كلها، حتى لو سافر يكسب
    فيها ما يؤنسه وما يستفيده في دينه، أما أن تكون لهوا ولعبا بدون أن يعود
    له منها فائدة هذه ليست من سيمات عباد الله جل وعلا الصالحين، قال جل وعلا
    لنبيه ?فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ(7)وَإِلَى رَبِّكَ
    فَارْغَبْ?[الشرح:7-8]، وقال نبينا عليه الصلاة والسلام «نِعْمَتَانِ
    مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِن النّاسِ الصّحّةُ وَالْفَرَاغُ»
    (مَغْبُونٌ فِيهِمَا) يعني أنّ الناس يتمنون أن عندهم فراغ مثل ما عند هذا
    الذي عنده فراغ فإذا كان الأمر كذلك، فالمطلوب من الجميع أن يتقوا الله جل
    وعلا في أي أمر يكونون فيه إذا كانوا في حضر أو في سفر أو إذا عزموا أن
    يقتفوا نيتهم صالحة «إنما الأعمال بالنيات» وأن يكون قصدهم حسنا، وأن لا
    يعزموا على شيء فيه مضرة لأنفسهم لدينهم أو في دنياهم.
    الأمر الثاني
    ألاّ يتركوا أنفسهم من نفعها، الفراغ فرصة تنفع نفسك وأولادك بالعلم
    النافع، التعويد على العبادة بإلحاقهم بدورات علمية، أو بإحسان القرآن، أو
    إحسان القراءة عَشَان قراءة القرآن أو بإحسان القراءة العامة أو بتحبيبهم
    للمطالعة للكتب، أو الصلة بأهل العلم، أو بالصالحين حتى يكون هناك تربية
    صالحة هذا من أعظم ما يصلح.
    أما الأمر الثالث فإن كل إنسان قدوة في
    بيته، وقدوة لمن تحت رعيته، فلذلك ينبغي له أن يقبل على الخير، وأن يدعو
    من تحت يده للإقبال على الخير سواء في العلم أو في العمل. وفق الله الجميع
    لما فيه رضاه .
    2/ أحسن الله إليكم معالي الشيخ كثرت الدعاوى في هذه
    الأيام إلى ما يسمى وحدة الأديان، وأن تجتمع المئذنة بجانب الكنيسة، أو ما
    يسمى التسامح الديني، فما تعليكم أحسن الله إليكم؟
    أولا الأديان
    كثيرة ?لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ?[الكافرون:6]، لكن الدين الذي أنزله
    الله من السماء واحد لا يتعدد ?إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ
    الْإِسْلَامُ?[آل عمران:19]، ?إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ
    أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(131)وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ
    بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ
    فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ?[البقرة:131-132] الإسلام
    العام هو الذي جاء من عند الله، الشرائع مختلفة، لهذا يثقل شرعا قول من
    يقول الديانات السماوية، فليس ثَم ديانات سماوية إنما الدين الذي من
    السماء واحد، والشرائع هي التي تختلف قال جل وعلا ?لِكُلٍّ جَعَلْنَا
    مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا?[المائدة:48] وقال نبينا صلى الله عليه
    وسلم فيما رواه معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «الأنبياء
    إخوة لعلات الدين واحد والشرائع شتى».
    فإذن من هذا نخلص إلى بطلان قول
    من قال الديانات السماوية، ويوجد ديانات لكن لا يصح أن يقال أنها سماوية؛
    لأن من السماء لم يأتِ إلا دين واحد وهو دين الإسلام فالنصرانية واليهودية
    من السماء شرائع، لكن الدين هو الإسلام، يجوز أن تقول دين النصرانية ودين
    اليهودية على اعتبار أن المقصود بالدين هنا الشريعة، كما قال جل وعلا ?مَا
    كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ?[يوسف:76] يعني في شريعة
    الملك، لكن إذا أضيف إلى السماء فهذا لا يصح ولا يصلح، هذه المسألة
    الأولى.
    أما المسألة الثانية فقول القائل هنا في السؤال (كثر) هذا
    ليس بصحيح لم يكثر؛ تكثر هذه الدعوى وإنما وجدت هذه الدعوى من جهة أو من
    جهتين في العالم، ولكن الإعلام هو الذي أكثر ترديدها وذِكرها، وهذا الذي
    يسمى التسامح الديني، التسامح كلمة مجملة، قد تحتمل صوابا، وقد تحتمل خطأ:

    أما صوابها فأن يكون هذا التسامح على وفق شرع الله جل وعلا بأنه لا
    يجبر أحد على دين؛ لا يكره أحد على دين، كما قال جل وعلا ?إِكْرَاهَ فِي
    الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ?[البقرة:256]، وكما قال
    جل وعلا ?لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ?[الكافرون:6]، ووجود الكنيسة
    بجانب المسجد هذا وُجد في زمن الصحابة رضوان الله عليهم في البلاد التي
    فيها أهل الذمة، وكانوا يتعبدون في كنائسهم، ولكن لا يعلنونها في شارع
    المسلمين -كما هو معروف من الشروط العمرية- ويسمح لهم بذلك في البلاد التي
    كان فيها أهل الذمة، التسامح في هذا المعنى تسامح جاء به الشرع وهو صحيح،
    أما في جزيرة العرب فقد روى الإمام مالك في الموطأ والإمام أحمد في المسند
    وغيرهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال «لاَ يَجْتَمِعُ فِي جَزِيرَةِ
    العَرَبِ دِينَانِ» يعني لا يجتمع في هذه الجزيرة دينان ظاهران، لا يظهر
    فيها إلا دين الإسلام، أما وجود غير المسلمين فلهم أن يتعبدوا في بيوتهم،
    وأن يمارسوا شعائرهم في أماكنهم دون أن يُظهروا ذلك، هذا المعنى من
    التسامح صحيح شرعا، وهو وفق الأحكام الشرعية.
    أما الثاني التسامح وهو
    المعنى المرقوب والباطل، وهو أنْ يكون التسامح تسامحا مخالفا لأمر الله جل
    وعلا وأمر رسوله وما جاء في نصوص الكتاب والسنة، أن يكون التسامح بأن
    يوالي المسلم غير المسلم، وأن يودّ المسلم الكافر أو
    خليل إبراهيم
    خليل إبراهيم
    صاحب الموقع


    تاريخ الإنضمام : 02/12/2009

    الجنسية : أردني وافتخر

    عدد المشاركات : 9177

    مكسب العضو : 122149

    نقاط تقييم مواضيع العضو : 118

    العمر : 34

    المزاج : رايق

     فَضْلُ التَّوحيد وتكفيرُه للذُّنوب Empty رد: فَضْلُ التَّوحيد وتكفيرُه للذُّنوب

    مُساهمة من طرف خليل إبراهيم 19/12/2011, 08:42

    مشكووووووووووووووووووووووووووووووور على الطرح المفــيد

      الوقت/التاريخ الآن هو 27/11/2024, 21:53