قال الله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله [1]: (هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي: عبادته المتضمنة لمعرفته ومحبته والإنابة إليه والإقبال عليه والإعراض عما سواه).
وقال في فتح المجيد [2]: (ومعنى الآية أن الله خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له)، (والعبادة كما عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية هي: "طاعة الله بامتثال ما أمر به على ألسنة الرسل) [3].
وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}.
قال العماد بن كثير في هذه الآية [4]: (كلهم أي الرسل يدعو إلى عبادة الله وينهى عن عبادة ما سواه).
فلم يزل سبحانه يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم في قوم نوح الذين أرسل إليهم، وكان أول رسول بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض، إلى أن ختمهم بمحمدصلى الله عليه وسلم الذي طبقت دعوته الإنس والجن في المشارق والمغارب.
وكلهم كما قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}.
فدلت هذه الآيات وغيرها كثير على أن الغاية التي خلق الخلق من أجلها والحكمة التي أرسل الرسل لها هي: عبادة الله وحده والنهي عن عبادة غيره، وأن هذا دين جميع الأنبياء والمرسلين إلا أن الأمر بالعبادة أمر شرعي وليس أمراً كونياً، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته وأمرهم بذلك على ألسنة رسله، ثم الخلق قد يعبدونه وقد لا يعبدونه.
قال تعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}، وقال تعالى: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن}.
فرغم أن الله تعالى أرسل رسله بالبينات والحجج الواضحات، وقع الاختلاف القدري وانقسم الناس إلى مؤمن وكافر، وذلك مصدق لما ورد في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري عن جابر، وفيه: (ومحمد فرق بين الناس)، وهذا باق إلى يوم القيامة.
وبانقسام الخلق إلى مؤمن وكافر انعقدت العداوة بينهما، قال تعالى: {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون}، وقال تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم}، وقال تعالى: {إن الكافرين كانوا لكم عدواً مبينا}، وقال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين}.
وهذا متناول بعمومه لكل أعداء الدين وخاصة من الكفرة الأصليين والمرتدين باختلاف أصنافهم وطوائفهم.
وبانعقاد هذه العدواة الدينية بين الفريقين في الله وعبادته ودينه وقع القتال بينهما ولابد، قال تعالى: {ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد}.
قال سيد قطب رحمه الله [5]: (وحين يصل الاختلاف إلى هذا المدى فيكون اختلاف كفر وإيمان،يتعين القتال، يتعين لدفع الناس بعضهم ببعض، دفع الكفر بالإيمان والضلال بالهدى، والشر بالخير، فالأرض لا تصلح بالكفر والضلال والشر، ولا يكفي أن يقول قوم إنهم أتباع أنبياء إذا وصل الاختلاف بينهم إلى حد الكفر والإيمان وهذه هي الحالة التي كانت تواجهها الجماعة المسلمة في المدينة يوم نزل هذا النص... كان المشركون في مكة يزعمون أنهم على ملة إبراهيم، وكان اليهود في المدينة يزعمون أنهم على دين موسى، كما كان النصارى يزعمون أنهم على دين عيسى، ولكن كل فرقة من هؤلاء كانت قد بعدت بعداً كبيراً عن أصل دينها، وعن رسالة نبيها، وانحرفت إلى المدى الذي ينطبق عليه وصف الكفر، وكان المسلمون عند نزول هذا النص يقاتلون المشركين من العرب، كما كانوا على وشك أن يوجهوا إلى قتال الكفار من أهل الكتاب، ومن ثم جاء هذا النص ليقرر أن الاقتتال بين المختلفين على العقيدة إلى هذا الحد هو من مشيئة الله وبإذنه {ولو شاء الله ما اقتتلوا}، ولكنه شاء، شاء ليدفع الكفر بالإيمان، وليقر في الأرض حقيقة العقيدة الصحيحة الواحدة التي جاء بها الرسل جميعاً فانحرف عنها المنحرفون.
وقد علم الله أن الضلال لا يقف سلبياً جامداً إنما هو ذو طبيعة شريرة، فلابد أن يعتدي، ولابد أن يحاول إضلال المهتدين، ولابد أن يريد العوج ويحارب الاستقامة، فلابد من قتاله لتستقيم الأمور، {ولكن الله يفعل ما يريد}... قدر أن يقع القتال بين الهدى والضلال، وقدر أن يجاهد أصحاب الإيمان لإقرار حقيقته الواحدة الواضحة المستقيمة، وأنه لا عبرة بالانتساب إلى الرسل من أتباعهم إنما العبرة بحقيقة ما يعتقدون وحقيقة ما يعملون، وأنه لا يعصمهم من مجاهدة المؤمنين لهم أن يكونوا ورثة عقيدة وهم عنها منحرفون.
وهذه الحقيقة التي قررها الله للجماعة المسلمة في المدينة، حقيقة مطلقة لا تتقيد بزمان إنما هي طريقة القرآن في اتخاذ الحادثة المفردة المقيدة مناسبة لتقرير الحقيقة المطردة المطلقة). انتهى كلام الأستاذ سيد قطب.
فسبب العداوة إذاً وسبب المعركة والصراع والاقتتال هو الاختلاف العقائدي، الاختلاف بين الانتساب المزعوم لدين الله، وبين الانتساب الحقيقي لهذا الدين، الاختلاف بين صرف العبودية لغير الله من حجر أو شجر أو بشر، وبين صرفها لله وحده لا شريك له.
وهذا السبب هو الذي أفصح عنه القرآن وبينه أتم بيان، ونحن نصدق ربنا ونتهم عقولنا ومن عكس فقد انتكس ورام الضلال، فالله أحكم الحاكمين وأصدق القائلين جعل سبب المعركة العدواة في الدين رغم أن الناس ومنذ القديم يختلفون في مصالحهم المعاشية إلا أن هذا قط لم يكن سبب العداوة والبغضاء كما أخبر عنهم الذي خلقهم وأنزل هذا الكتاب لكل زمان ولكل مكان.
بل سبب العداوة الذي ذكره المولى سبحانه ولم يذكر غيره إنما هو الدين وعبودية رب العالمين ما بقى الفريقان وما تعاقب الملوان، قال تعالى مبيناً منطلق أهل الباطل في صراعهم مع أهل الحق وموضحاً شعارهم الذي يرفعون وحوله يجتمعون {قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم}، انصروا دينكم، انصروا عبادتكم، انصروا عقيدتكم … وهكذا، فهذا منطلق أعداء هذا الدين وشعارهم ورايتهم، فالمعركة بين المعبود بحق والمعبودات بالباطل.
فالمؤمنون ينصرون عبودية الإله الحق، والكافرون ينصرون عبودية الآلهة الباطلة على اختلاف أصنافها، قال تعالى: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا}، وقال تعالى: {إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذاً أبدا}، وقال تعالت: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}.
قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله [6]: (إنها العقدة الدائمة التي نرى مصداقها في كل زمان ومكان، إنها هي العقيدة، هذه حقيقة المعركة التي يشنها اليهود والنصارى في كل أرض وفي كل وقت ضد الجماعة المسلمة، إنها هي معركة العقيدة هي المشبوبة بين المعسكر الإسلامي وهذين المعسكرين اللذين قد يتخاصمان فيما بينهما، وقد تتخاصم شيع الملة الواحدة فيما بينها ولكنها تلتقي دائماً في المعركة ضد الإسلام والمسلمين، إنها معركة العقيدة في صميمها وحقيقتها.
ولكن المعسكرين العريقين في العداوة للإسلام والمسلمين يلونانها بألوان شتى ويرفعان عليها أعلاماً شتى في خبث ومكر وتورية... إنما أعلونها باسم الأرض والاقتصاد والسياسة والمراكز العسكرية... وما إليها وألقوا في روع المخدوعين الغافلين منا أن حكاية العقيدة قد صارت حكاية قديمة لا معنى لها، ولا يجوز رفع رايتها وخوض المعركة باسمها... إنها معركة العقيدة، إنها ليست معركة الأرض ولا الغلة ولا المراكز العسكرية ولا هذه الرايات المزيفة كلها.
إنهم يزيفون علينا لغرض في نفوسهم دفين ليخدعونا عن حقيقة المعركة وطبيعتها، فإذا نحن خدعنا بخديعتهم لنا فلا نلومن إلا أنفسنا ونحن نبعد عن توجيه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأمته، وهو سبحانه أصدق القائلين {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}، فالكافر يعادي المؤمن لإيمانه، وكلما ازداد العبد تمسكاً بإيمانه ودينه كلما ازداد نصيبه من عداء الكافرين).
قال تعالى: {لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة}.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله [7]: (أي لأجل عداوتهم للإيمان وأهله، فالوصف الذي جعلهم يعادونكم لأجله ويبغضونكم هو الإيمان، فذبوا عن دينكم وانصروه واتخذوا من عاداه عدوا ومن نصره لكم ولياً واجعلوا الحكم يدور معه وجوداً وعدماً، لا تجعلوا الولاية والعداوة طبيعة تميلون بها حيث مال الهوى).
وقال تعالى: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}.
قال ابن كثير رحمه الله [8]: (أي وما كان لهم عندهم ذنب إلا إيمانهم بالله العزيز).
ويقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله [9]: (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، حقيقة ينبغي أن يتأملها المؤمنون الداعون إلى الله في كل أرض وفي كل جيل، إن المعركة بين المؤمنين وخصومهم هي في صميمها معركة عقيدة وليست شيئاً آخر على الإطلاق، وإن خصومهم لا ينقمون منهم إلا الإيمان، ولا يسخطون منهم إلا العقيدة، إنها ليست معركة سياسية ولا معركة اقتصادية ولا معركة عنصرية، ولو كانت شيئاً من هذا لسهل وقفها وسهل حل إشكالها، ولكنها في صميمها معركة عقيدة، إما كفر وإما إيمان، إما جاهلية وإما إسلام، ولقد كان كبار المشركين يعرضون على رسول الله صلى الله عليه وسلم المال والحكم والمتاع في مقابل شئ واحد أن يدع معركة العقيدة وأن يدهن في هذا الأمر،ولو أجابهم حاشاه إلى شئ مما أرادوا ما بقيت بينهم وبينه معركة على الإطلاق، إنها قضية عقيدة ومعركة عقيدة.
وهذا ما يجب أن يستيقنه المؤمنون حيثما واجهوا عدواً لهم، فإنه لا يعاديهم لشئ إلا لهذه العقيدة {إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} ويخلصوا له وحده الطاعة الخضوع، وقد يحاول أعداء المؤمنين أن يرفعوا للمعركة راية غير راية العقيدة، راية اقتصادية أو سياسية أو عنصرية كي يموهوا على المؤمنين حقيقة المعركة، ويطفئوا في أرواحهم شعلة العقيدة، فمن واجب المؤمنين ألا يخدعوا ومن واجبهم أن يدركوا أن هذا تمويه لغرض مبيت، وأن الذي يغير راية المعركة إنما يريد أن يخدعهم عن سلاح النصر الحقيقي فيها).
قال الشيخ السعدي [10]: (أخبر تعالى أنهم لن يزالوا يقاتلون المؤمنين وليس غرضهم في أموالهم وقتلهم، وإنما غرضهم إن يرجعوا عن دينهم ويكونوا كفاراً بعد إيمانهم حتى يكونوا من أصحاب السعير، فهم باذلون قدرتهم في ذلك، ساعون بما أمكنهم... وهذا الوصف عام لكل الكفار، لا يزالون يقاتلون غيرهم حتى يردوهم عن دينهم).
يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله [11]: (وهذا التقرير الصادق من العليم الخبير يكشف عن الإصرار الخبيث على الشر وعلى فتنة المسلمين عن دينهم بوصفها الهدف الثابت المستقر لأعدائهم، وهو الهدف الذي لا يتغير لأعداء الجماعة المسلمة في كل أرض وفي كل جيل... وتتنوع وسائل قتال هؤلاء الأعداء للمسلمين وأدواته، ولكن الهدف يظل ثابتاً، أن يردوا المسلمين الصادقين عن دينهم إن استطاعوا، وكلما انكسر في يدهم سلاح انتضوا سلاحاً غيره، وكلما كلت في أيديهم أداة شحذوا أداة غيرها.
والخبر الصادق من العليم الخبير قائم ليحذر الجماعة المسلمة من الاستسلام، وينبهها إلى الخطر... {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}).
وهذا المنطلق العقائدي هو منطلق جميع الكفرة في حربهم للإسلام وأهله كما قررنا قبل، سواء كانوا كفاراً أصليين أو كانوا كفاراً مرتدين، بل ربما كان هذا المنطلق في حرب الإسلام وأهله أقوى وأشد في حق أعداء الله المرتدين، قال تعالى في حديثه عن الكفار كفر نفاق وردة {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً}.
قال سيد قطب رحمه الله [12]: (أنهم قد كفروا على الرغم من أنهم تكلموا بما تكلم به المسلمون، ونطقوا بالشهادة نطقاً يكذبه العمل في مظاهرة أعداء المسلمين، وهم لا يريدون أن يقفوا عند هذا الحد، فالذي يكفر لا يستريح لوجود الإيمان في الأرض ووجود المؤمنين، ولابد له من عمل وسعي، ولابد له من جهد وكيد لرد المسلمين إلى الكفر ليكونوا كلهم سواء).
ولعل هذا من الحكم التي كان من أجلها كفر الردة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي.
* * *
وإذا كان الكفار على اختلاف أصنافهم وأجناسهم يعادون المؤمنين ويقاتلونهم من أجل دينهم وبهدف صرف العبادة لغير الله أو إشراك غيره معه سبحانه، فإن المؤمنين يعادون الكفار على اختلاف أصنافهم وأجناسهم من أجل دينهم وبهدف صرف العبادة بجميع صورها لله وحده لا شريك له.
وهذا هو الهدف الأساسي الذي من أجله شرع الجهاد وسائر الأهداف تنبني عليه ولا توجد بدونه.
قال في "أهمية الجهاد" [13] تحت عنوان "أهداف الجهاد وغايته": (الهدف الرئيسي هو تعبيد الناس لله وحده، وإخراجهم من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد، وإزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعاً، وإخلاء العالم من الفساد، وذلك لأن خضوع البشر لبشر مثلهم وتقديم أنواع العبادة لهم من الدعاء والنذر والذبح والتعظيم والتشريع والتحاكم هو أساس فساد الأجيال المتعاقبة من لدن نوح عليه السلام إلى يومنا هذا).
وقال في "القتال في الإسلام" [14]: (إن الغرض الأساسي من القتال لدى المسلمين هو إقامة منهج الله في الأرض بدعوة الناس إلى عبادة الله والتحاكم إلى شرعه).
ويقول سيد قطب رحمه الله [15]: (جاهد الإسلام ليقيم في الأرض نظامه الخاص ويقرره ويحميه، وهو وحده النظام الذي يحقق حرية الإنسان تجاه أخيه الإنسان، حينما يقرر أن هناك عبودية واحدة لله الكبير المتعال ويلغي من الأرض عبودية البشر للبشر في جميع أشكالها وصورها)... إلى أن قال: (وما يزال هذا الجهاد لإقامة هذا النظام الرفيع مفروضاً على المسلمين {حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله}، فلا تكون هناك ألوهية للعبيد في الأرض ولا دينونة لغير الله).
وهناك جملة من النصوص القرآنية والنبوية تدل على هذا الأصل وتقرره غاية في الوضوح والجلاء، قال تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍ إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعضٍ لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}.
قال ابن كثير: ({إلا أن يقولوا ربنا الله} أي ما كان لهم إلى قومهم إساءة ولا كان لهم ذنب إلا أنهم وحدوا الله وعبدوه لا شريك له، أما عند المشركين فإنه أكبر الذنوب كما قال تعالى: {يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم}، وقال تعالى في قصة أصحاب الأخدود {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}، ولهذا لما كان المسلمون يرتجزون في بناء الخندق ويقولون:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا
إذا أرادوا فتنة أبينا
فيوافقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول معهم آخر كل قافية، فإذا قالوا: إذا أرادوا فتنة أبينا يقول: أبينا، يمد بها صوته).
وقال الشيخ السعدي [16]: ({أن يقولوا ربنا الله} أي: إلا أنهم وحدوا الله وعبدوه مخلصين له الدين)... إلى قوله: (وهذا يدل على حكمة الجهاد، فإن المقصود منه إقامة دين الله أو ذب الكفار المؤذين للمؤمنين، البادئين لهم بالاعتداء عن ظلمهم واعتدائهم، والتمكن من عبادة الله وإقامة الشرائع الظاهرة).
وفي قوله: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعضٍ لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا} دلالة على أن هدف الجهاد هو إخلاص العبادة لله إذ هي العبادة المقبولة وحدها، فتأمل!.
وقال تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصدٍ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم}.
فهذه الآية نص ظاهر في أن القتال مع المشركين ممتد إلى أن يتوبوا من شركهم بتحقيق التوحيد والالتزام به وإقامة شعائر الإسلام.
وقد ذكر ابن كثير في تفسيره [17] عن ابن جرير الطبري بإسناده قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا يشرك به شيئاً فارقها والله عنه راض).
قال أنس: (هو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم قبل هرج الأحاديث واختلاف الأهواء، وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما نزل، قال تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم}، قال: توبتهم خلع الأوثان وعبادة ربهم وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة).
قال ابن العربي [18]: (قوله: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا}... وهذا بين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله}، فانتظم القرآن والسنة واطردا).
وقال الجصاص [19]: ({فاقتلوا المشركين} فمتى زالت عنهم سمة الشرك فقد وجب زوال القتل).
وقال تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون}.
قال ابن العربي [20]: (وسمعت الشيخ الإمام أبا علي الوفاء بن عقيل الحنبلي إمامهم ببغداد يقول: إن قوله تعالى: {قاتلوا} أمر بالقتل، وقوله تعالى: {الذين لا يؤمنون بالله} سبب للقتال، وقوله تعالى: {ولا باليوم الآخر} إلزام للإيمان بالبعث الثابت بالدليل، وقوله تعالى: {ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله} بيان أن فروع الشريعة كأصولها، وأحكامها كعقائدها، وقوله تعالى: {ولا يدينون دين الحق} أمر بخلع الأديان كلها إلا دين الإسلام).
وتحقيقاً، فهذه الآية الشريفة تضمنت المناطات التي أينما وجدت فقد وجب القتال، سواء من أهل الكتاب أم من غيرهم، مع العلم بأن هذه المناطات بعضها مستلزم لبعض.
قال ابن العربي في هذه الآية [21]: (أمر بمقاتلة جميع الكفار، فإن كلهم قد أطبق على هذا الوصف من الكفر بالله واليوم الآخر).
وقال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين}.
قال ابن كثير [22]: (أمر تعالى بقتال الكفار حتى لا تكون فتنة، أي شرك، قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع ومقاتل بن حيان والسدي وزيد بن أسلم، {ويكون الدين لله} أي يكون دين الله هو الظاهر على سائر الأديان).
وقال ابن الجوزي [23]: ({ويكون الدين لله} قال ابن عباس: أي يخلص له التوحيد).
وقال القرطبي [24]: (وهو أمر مطلق لا بشرط أن يبدأ الكفار، ودليل ذلك قوله تعالى: {ويكون الدين لله}، وقال صلى الله عليه وسلم: [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ]، فدلت الآية والحديث على أن سبب القتال هو الكفر، لأنه قال {حتى لا تكون فتنة} أي كفر، فجعل الغاية عدم الكفر، وهذا ظاهر).
وقال ابن العربي [25]: ({وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} يعني كفر، بدليل قوله تعالى: {والفتنة أشد من القتل} يعني الكفر... قال: فجعل الغاية عدم الكفر، … ثم قال {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} إباحة لقتالهم وقتلهم إلى غاية هي الإيمان).
وقال الشوكاني [26]: ({وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة(فيه أمر بمقاتلة المشركين إلى غاية هي ألا تكون فتنة وأن يكون الدين كله وهو الدخول في الإسلام والخروج عن سائر الأديان المخالفة له، فمن دخل في الإسلام وأقلع عن الشرك لم يحل قتاله).
وفي السيرة النبوية لابن هشام [27]: ({وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} أي: لا يفتن مؤمن عن دينه، {ويكون الدين لله} أي: حتى يعبد الله لا يعبد معه غيره).
وقال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير}.
قال ابن كثير [28]: ({وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} يعني: لا يكون شرك، وكذا قال أبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم، وقال محمد بن إسحاق بلغني عن الزهري عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا {حتى لا تكون فتنة} حتى لا يفتن مسلم عن دينه، وقوله: {ويكون الدين كله لله} قال الضحاك عن ابن عباس في هذه الآية، قال يخلص التوحيد لله، وقال الحسن وقتادة وابن جريج {ويكون الدين كله لله} أن يقال " لا إله إلا الله "، وقال محمد بن إسحاق ويكون التوحيد خالصاً لله ليس فيه شرك ويخلع ما دونه من الأنداد، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، {ويكون الدين كله لله} لا يكون مع دينكم كفر).
وقال ابن جرير الطبري في تفسيره لهذه الآية [29]: (فقاتلوهم حتى لا يكون شرك ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض وهو الفتنة، {ويكون الدين كله لله} وحتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره).
وقال سيد قطب [30]: ({وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}، وهذه حدود الجهاد في سبيل الله في كل زمان لا في ذلك الزمان... ولن تنال البشرية الكرامة التي وهبها لها الله، ولن يتحرر الإنسان في الأرض إلا حين يكون الدين كله لله فلا تكون هناك دينونة لسلطان سواه، ولهذه الغاية الكبرى تقاتل العصبة المؤمنة).
وأما نصوص السنة النبوية التي تقرر هذا الأصل كون الجهاد لتحقيق عبودية الله في أرضه، فمنها:
قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان عن ابن عمر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله وحده).
قال الحافظ [31]: (جعل غاية المقاتلة وجود ما ذكر).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله).
قال في فتح المجيد [32]: (وهذان الحديثان أي حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة تفسير الآيتين - آية الأنفال وآية براءة - وقد أجمع العلماء على أن من قال لا إله إلا الله ولم يعتقد معناها ولم يعمل بمقتضاها أنه يقاتل حتى يعمل بما دلت عليه من النفي والإثبات).
ومراد صاحب "فتح المجيد" بآية الأنفال وآية براءة هو قوله تعالى في سورة الأنفال {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}، وقوله تعالى في سورة براءة {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصدٍ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم}.
وقد ذكر الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان من صحيحه حديث ابن عمر السابق (أمرت أن أقاتل الناس...) وترجم له بآية براءة السابقة، فقال [33]: (باب: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم)، ثم ساق الآية بالحديث.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشجعي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل)، وهذا نص في أن عصمة الدم إنما تحصل بتحقيق التوحيد نفياً وإثباتاً مع تسليم سريرة العبد لربه سبحانه وتعالى وعدم التنقيب والتفتيش عن دواخله.
ومن نصوص السنة الموضحة لغاية القتال: قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه يوم خيبر - كما أخرجه الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه -: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، وفي الحديث قول علي رضي الله عنه: (يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟).
قال في فتح المجيد [34]: (الإسلام ؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وما اقتضته الشهادتان من إخلاص العبادة لله وحده، وإخلاص الطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم).
وقد جاء تفسير "الإسلام" بالشهادتين مصرحاً به في رواية مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفيها: (فقال علي رضي الله عنه ؛ يا رسول الله علام أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله).
وقد بوب الإمام البخاري في كتاب الجهاد من صحيحه باباً، فقال: (باب دعوة اليهود والنصارى وعلى ما يقاتلون عليه).
قال ابن حجر [35]: (وقوله "وعلى ما يقاتلون"؛ إشارة إلى ما ذكر في الباب الذي بعده عن علي حيث قال: "أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا"، وفيه أمر صلى الله عليه وسلم له بالنزول بساحتهم ثم دعائهم إلى الإسلام ثم القتال).
ثم عقد الإمام البخاري بعد هذا الباب باباً آخر فقال [36]: (باب "دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام والنبوة وأن لا يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله")، وذكر تحته حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، ثم أورد البخاري نص الكتاب وهو: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين، و {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}).
ومن أصرح نصوص السنة بالإضافة إلى ما سبق على كون الجهاد لم يشرع أساساً إلا لتعبيد الناس لربهم بشتى صور العبادة، قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أحمد: (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري) [37]، وهذه الغاية حتى يعبد الله وحده لا شريك له هي حقيقة دعوة الأنبياء والمرسلين، ومن أجلها خلقت السماوات والأرض، ومن أجلها قام سوق الجنة وسوق النار، ومن أجلها سلت السيوف من أغمادها نصرة لله ورسله.
* * *
بعد أن قمنا في الحلقتين السابقتين بتطواف حول النصوص الواردة في هذا الباب من القرآن والسنة: نحاول أن نقوم بدراسة تطبيقية لما تقرر معنا من كون الجهاد لم يشرع أساساً إلا لتحقيق عبودية الله في أرضه، نقوم بهذه الدراسة التطبيقية من خلال مبحثين:
1) تعريف العلماء للجهاد.
2) تحديد المراد بكونه في سبيل الله، والكلام حول ذلك.
أولاً: تعريف الجهاد:
قال ابن عابدين [38]: (الجهاد... شرعاً ؛ الدعاء إلى الدين الحق، وقتال من لم يقبله).
وجاء في "مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر": (الجهاد ؛ قتل الكفار ونحوه من ضربهم ونهب أموالهم وهدم معابدهم وكسر أصنامهم، والمراد: الاجتهاد في تقوية الدين بنحو قتال الحربيين، والذميين إذا نقضوا، والمرتدين وهم أخبث الكفار للنقض بعد الإقرار، والباغين) [39].
وعند المالكية: كما في "بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك"، قال ابن عرفة: (قتال مسلم كافراً غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله تعالى، أو حضوره له أو دخوله أرضه)، ونفس التعريف [40]، وقوله: " أو حضوره له ": أي للقتال، والمراد حضور المسلم للقتال.
وعند الشافعية: قال في " الإقناع " في تعريف الجهاد: (أي: القتال في سبيل الله).
وعند الحنابلة: (الجهاد: القتال وبذل الوسع منه لإعلاء كلمة الله تعالى) [41].
ثانياً: تحديد المراد بمصطلح "في سبيل الله" هنا:
لم يذكر الجهاد أو القتال في القرآن الكريم غالباً إلا مقيداً بكونه "في سبيل الله"، نذكر من ذلك على سبيل المثال:
قال تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله}، {لايستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم}، {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله}، {انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله}، {يآيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم}، {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم}، {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون}، {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت}، {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون}، {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً}.
والمراد بـ "سبيل الله" في هذه النصوص وغيرها قد نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم - وذلك في الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه - قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟، قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
فالنبي صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق نص نصاً محكماً على أن القتال يكون في "سبيل الله" إذا كان من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا.
و " كلمة الله "، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية [42] هي: (اسم جامع لكلماته التي تضمنها كتابه تعود إلى أصلين أن لا يعبد إلا الله، أن لا يعبد إلا بما شرع، قال تعالى: {وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا}).
قال ابن كثير: (قال ابن عباس: يعنى بكلمة الذين كفروا الشرك، وكلمة الله هي لا إله إلا الله).
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)، ففسر ابن كثير رحمه الله الآية بالحديث، بعد أن نقل عن السلف المراد ب "كلمة الله" وأنها تحقيق التوحيد.
قال في "شرح كتاب التوحيد " [43]: (قوله ؛ " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله "، جواب جامع شامل لما ذكر في السؤال وغيره من الأغراض والدوافع التي قد تدفع الإنسان إلى القتال، فمن كان قصده في قتاله رفع دين الله وإعزازه، وأن لا يعبد معه غيره، ولا يحكم إلا بشرعه فهو في سبيل الله وإلا فليس في سبيل الله).
قال الشيخ محمد رشيد رضا: (سبيل الله" هي الطريق الموصلة إلى مرضاته، وهي التي يحفظ بها دينه ويصلح بها حال عباده، والقتال في سبيل الله هو القتال لإعلاء كلمة الله وتأمين دينه ونشر دعوته والدفاع عن حزبه كي لا يغلبوا على حقهم ولا يصدوا عن إظهار أمرهم) [44].
وقال في "الجهاد سبيلنا " [45]: (ولفظ " في سبيل الله " يعني إعلاء كلمة الله دون غرض آخر، وهذا شرط لصحة الجهاد وقبوله).
وقال الأستاذ سيد قطب رحمه الله [46]: (" في سبيل الله "... في سبيل الله وحده، دون شركة في شارة، ولا هدف، ولا غاية إلا الله، في سبيل هذا الحق الذي أنزله، في سبيل هذا المنهج الذي شرعه، في سبيل هذا الدين الذي اختاره، في هذا السبيل وحده، لا في أي سبيل آخر ولا تحت أي شعار آخر، ولا شركة مع هدف أو شعار... وفي هذا شدد القرآن، وشدد الحديث حتى ما تبقى في النفس شبهة أو خاطر غير الله).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [47]: (والجهاد في سبيل الله مقصوده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وجماع الدين شيئان أن لا نعبد إلا الله، والثاني أن نعبده بما شرع لا نعبده بالبدع كما قال تعالى: {ليبلوكم أيكم أحسن عملاً}، قال الفضيل بن عياض: أخلصه وأصوبه قيل له: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً وصواباً، والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه: اللهم اجعل عملي كله صالحاً واجعله لوجهك خالصاً ولا تجعل لأحد فيه شيئاً، وهذا هو دين الإسلام الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه وهو الاستسلام لله وحده).
وقال رحمه الله كذلك [48]: (أصل ذلك أن تعلم أن جميع الولايات في الإسلام مقصودها أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا، فإن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق لذلك وبه أنزل الكتب وبه أرسل الرسل، وعليه جاهد الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، وقال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}، وقال {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، وقد أخبر عن جميع المرسلين أن كلاً منهم يقول لقومه {اعبدوا الله مالكم من إله غيره}، وعبادته تكون بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم... وهذا الذي يقاتل عليه الخلق كما قال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله").
* * *
إيراد... ودفعه:
بعد أن ذكرنا الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم والأئمة الظاهرة الدلالة في كون الجهاد لم يشرع - أساساً - إلا لتحقيق عبودية الله في أرضه، نذكر إيراداً ذهب إليه البعض معارضة لهذا الأصل الأصيل والركن الركين، ونبين بحول الله وقوته ضعفه وعدم خروجه عما نحن فيه فضلاً عن معارضته.
وهذا الإيراد هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة الغزو مع كل بر وفاجر، فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم، لأنه إذا لم يتفق الغزو إلا مع الأمراء الفجار أو عسكر كثير الفجور فإنه لابد من أحد أمرين: إما ترك الغزو فيلزم من ذلك استيلاء الآخرين الذين هم أعظم ضرراً في الدين والدنيا، وإما الغزو مع الأمير الفاجر، فيحصل بذلك دفع الأفجرين وإقامة أكثر شرائع الإسلام وإن لم يكن إقامة جميعها، فهذا هو الواجب في هذه الصورة وكل ما أشبهها، بل كثير من الغزو الحاصل بعد الخلفاء الراشدين لم يقع إلا على هذا الوجه) [49]. اهـ
ونقول - ولله الحمد أولاً وآخراً - هذا الإيراد مدفوع من وجوه:
أولاً:
أن شيخ الإسلام رحمه الله يتكلم عن الغزو مع الأمراء الفجار أو مع عسكر كثير الفجور، أي أن القضية قضية ذنوب وآثام، وإن كانت من الكبائر والفواحش، وهذا مما لا خلاف فيه، إلا أن ابن تيمية لم يذكر من قريب أو بعيد مقارفة الشرك والوقوع في الكفر، وهذا هو الذي يعنينا إذ هو المخالف لتحقيق العبودية لله رب العالمين.
وقد قال ابن تيمية نفسه: (فالمقصود بالجهاد أن لا يعبد أحد إلا الله فلا يدعو غيره ولا يصلى لغيره، ولا يسجد لغيره ولا يصوم لغيره، ولا يعتمر ولا يحج إلا إلى بيته، ولا يذبح القرابين إلا له ولا ينذر إلا له، ولا يحلف إلا به ولا يتوكل إلا عليه، ولا يخاف إلا إياه ولا يتقى إلا إياه) [50].
ثانياً:
أن المراد بقوله: "إقامة أكثر شرائع الإسلام وإن لم يمكن إقامة جميعها"، الأحكام العملية، إذ هي وحدها التي تتحمل التبعيض والتجزئة دون أصل الدين من تحقيق التوحيد بإخلاص العبادة لله، والبراءة من عبادة ما سواه فبعد تحقيق هذا الأصل يكون الأمر سهلاً في إقامة الشرائع.
قال ابن جرير الطبري: ({وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} ؛ فقاتلوهم حتى لا يكون شرك ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، {ويكون الدين كله لله} ؛ وحتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره) [51]. اهـ
وقال ابن تيمية نفسه: (والجهاد في سبيل الله مقصوده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا وجماع الدين شيئان: أن لا نعبد إلا الله، والثاني: أن نعبده بما شرع لا نعبده بالبدع) [52]. اهـ
بل قال ابن تيمية رحمه الله وهو يتكلم في نفس الموضوع - قتال التتار والتحريض على قتالهم -: (فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله) [53]. اهـ
فقوله رحمه الله "وجب القتال حتى يكون الدين كله لله"، مع قوله " أكثر شرائع الإسلام" يوضح أنه يريد الأحكام العملية دون أصل الدين الذي لا يحتمل - كما صرح هو - التبعيض.
ثالثاً:
أن ابن تيمية رحمه الله استدل على كلامه السابق، أي: مشروعية القتال لإقامة أكثر شرائع الإسلام وإن لم يمكن إقامة جميعها بحديث الطائفة المنصورة (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة) [54]، فهل الطائفة المنصورة غير قائمة - ابتداءً - بأصل الدين من صرف العبادة لله وحده والبراءة من عبادة ما سواه؟، وهل الطائفة المنصورة لا تقاتل من أجل أن يكون الدين كله لله؟ وأن تكون كلمة الله هي العليا؟
رابعاً:
أن ابن تيمية جعل أسباب هزيمة المسلمين أمام التتار ترجع إلى الذنوب والمعاصي، فكيف يصرف العبادة لغير الواحد الديان، قال رحمه الله: (وكانت هزيمة المسلمين في العام الماضي بذنوب وخطايا واضحة من فساد النيات والفخر والخيلاء والظلم والفواحش والإعراض عن حكم الكتاب والسنة، وعن المحافظة على فرائض الله والبغي على كثير من المسلمين الذين بأرض الجزيرة والروم) [55]. اهـ
خامساً:
أن ابن تيمية رحمه الله جعل إخلاص العبادة لله وصدق الاستعانة به أقوى معين على الجهاد في سبيله، فقال: (قال تعالى: {واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا} فأمره باتباع ما أوحي إليه من الكتاب والحكمة التي هي سنته وبأن يتوكل على الله فبالأولى يحقق قوله إياك نعبد وبالثانية يحقق قوله وإياك نستعين، ومثل ذلك قوله: {فاعبده وتوكل عليه} وقوله: {عليه توكلت وإليه أنيب}، وهذا وإن كان مأموراً به في جميع الدين فإن ذلك في الجهاد أوكد لأنه يحتاج إلى أن يجاهد الكفار والمنافقين، وذلك لا يتم إلا بتأييد قوي من الله، ولهذا كان الجهاد سنام العمل، وانتظم سنام الأحوال الشريفة، ففيه سنام المحبة كما في قوله: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم}، وفيه سنام التوكل وسنام الصبر، فإن المجاهد أحوج الناس إلى الصبر والتوكل، ولهذا قال تعالى: {والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون}، وفي الجهاد أيضاً حقيقة الزهد في الحياة الدنيا وفي الدار الدنيا، وفيه أيضاً حقيقة الإخلاص، فإن الكلام فيمن جاهد في سبيل الله لا في سبيل الرياسة ولا في سبيل المال، ولا في سبيل الحمية، وهذا لا يكون إلا لمن قاتل ليكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هي العليا) [56].
فهذا هو جهاد ابن تيمية الذي دعا إليه وحرض عليه.
سادساً:
أن شيخ الإسلام ابن تيمية يذكر لنا واقعة حدثت أيام قتال التتار عظيمة الدلالة في تقرير ما نحن فيه من كون الجهاد لم يشرع إلا لتحقيق العبودية لله رب العالمين، كما أنها تبين حقيقة مراد شيخ الإسلام ابن تيمية من قوله "إقامة أكثر شرائع الإسلام وإن لم يمكن إقامة جميعها"، قال رحمه الله: (إن العدو الخارج عن شريعة الإسلام لما قدم دمشق خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور التي يرجون عندها كشف ضرهم، وقال بعض الشعراء:
يا خائفين من التتر
لوذوا بقبر أبي عمر
أو قال:
عوذوا بقبر أبي عمر
ينجيكم من الضرر
فقلت لهم: هؤلاء الذي تستغيثون بهم لو كانوا معكم في القتال لانهزموا كما انهزم من انهزم المسلمين يوم أحد، فإنه كان قد قضى أن العسكر ينكسر لأسباب اقتضت ذلك ولحكمة كانت لله عز وجل في ذلك، ولهذا كان أهل المعرفة بالدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله به ورسوله، ولما يحصل في ذلك من الشر والفساد، وانتفاء النصرة المطلوبة من القتال فلا يكون فيه ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة لمن عرف هذا وهذا، وإن كان كثير من القائلين الذين اعتقدوا هذا قتالاً شرعياً أجروا على نياتهم.
فلما كان بعد ذلك جعلنا نأمر الناس بإخلاص الدين لله عز وجل والاستعانة به وأنهم لا يستغيثون إلا إياه، لا يستغيثون بملك مقرب ولا نبي مرسل، فلما أصلح الناس أمورهم وصدقوا في الاستغاثة بربهم نصرهم على عدوهم نصراً عزيزاً ولم تهزم التتار مثل هذه الهزيمة قبل ذلك أصلاً لما صح من تحقق توحيد الله تعالى وطاعة رسوله ما لم يكن قبل ذلك، فإن الله تعالى ينصر رسوله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) [57]. اهـ
فتأمل رحمك الله قوله: "ولهذا كان أهل المعرفة بالدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله به ورسوله".
ثم تأمل رحمك الله قوله بعد ذلك: "فلما أصلح الناس أمورهم وصدقوا في الاستغاثة بربهم نصرهم على عدوهم نصراً عزيزاً ولم تهزم التتار مثل هذه الهزيمة قبل ذلك أصلاً لما صح من تحقيق توحيد الله وطاعة رسوله ما لم يكن قبل ذلك؟".
وهنا تنبيه هام وهو أن هذه الحادثة كانت من آحاد الناس وعوامهم، ولم تكن من الأجناد والأمراء فضلاً عن أهل الحل والعقد، ودليل ذلك ما ذكره ابن تيمية نفسه في وصف القوم الذين كان يقاتل ويحرض على القتال معهم.
قال رحمه الله: (أما الطائفة بالشام ومصر ونحوهما فهم في هذا الوقت المقاتلون عن دين الإسلام، وهم من أحق الناس دخولاً في الطائفة المنصورة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الأحاديث الصحيحة المستفيضة عنه: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة)" ومن يتدبر أحوال العالم في هذا الوقت يعلم أن هذه الطائفة هي أقوم الطوائف بدين الإسلام علماً وعملاً وجهاداً عن شرق الأرض وغربها...) [58]. اهـ
وقال أيضاً رحمه الله: (وإن جنود الله المؤيدة وعساكره المنصورة المستقرة بالديار الشامية والمصرية مازالت منصورة على من ناوأها مظفرة على من عاداها).
قال: (فلما انصرف العسكر إلى مصر وبلغه ما عليه هذه الطائفة الملعونة من الفساد وعدم الدين خرجت جنود الله وللأرض منها وئيد، قد ملأت السهل والجبل في كثرة وقوة وعدة وإيمان وصدق، قد بهرت العقول والألباب، محفوفة بملائكة الله التي مازال يمد بها الأمة الحنيفية المخلصة لبارئها، فانهزم العدو بين أيديها ولم يقف لمقابلتها، ثم أقبل العدو ثانيا فأرسل عليه من العذاب ما أهلك النفوس والخيل وانصرف خاسئاً وهو حسير، وصدق الله وعده ونصر عبده... والإسلام في عز متزايد وخير مترافد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة في رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها"، وهذا الدين في إقبال وتجديد) [59]. اهـ
فأنت ترى شيخ الإسلام ابن تيمية يصف هذه الطائفة المقاتلة للتتار بأنها الطائفة المنصورة والطائفة المجددة لهذا الدين وهل يصح التجديد إلا بعد تحقيق التوحيد؟!
ونختم في بيان الصورة الحقيقية لجهاد شيخ الإسلام ابن تيمية وأنه لم يخرج فيه عن هذا الأصل الأصيل والركن الركين لتحقيق عبودية الله في أرضه حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، نختم بهذه الرسالة التي أرسلها شيخ الإسلام ابن تيمية لسلطان زمانه وحامل راية الإسلام في قتالهم مع التتار والذي قاتل معه ومن خلفه شيخ الإسلام ابن تيمية ودعا الناس للقتال معه.
قال رحمه الله: (بسم الله الرحمن الرحيم، من الداعي أحمد بن تيمية إلى سلطان المسلمين ومن أيد الله في دولته الدين وأعز بها عباده المؤمنين، وقمع فيها الكفار والمنافقين والخوارج المارقين، نصره الله ونصر به الإسلام، وأصلح له وبه أمور الخاص والعام، وأحيا به معالم الإيمان، وأقام به شرائع القرآن، وأذل به أهل الكفر والفسوق والعصيان، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو وهو للحمد أهل وهو على كل شيء