تحقيق التوحيد بالبراءة من أهل الشرك والتنديد بقلم؛ جابر بن عبد القيوم الساعدي الشامي إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد : {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [سورة البقرة: آية 132]، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} [سورة النساء: آية 1]، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} [سورة الأحزاب: آية 70 و 71]. فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. قال الحق تبارك وتعالى:{فاعلم انه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} [سورة محمد: آية 19]. اعلم أخي الموحد رحمني الله وإياك: أن أعظم ما بعث به الرسل من أولهم إلى آخرهم الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له (التوحيد) والتحذير، والنهي عن عبادة ما سواه (الشرك والتنديد). كما قال الله تبارك تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [سورة الأنبياء: آية 25]، وكما قال عز وجل: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [سورة النحل: 36]. وهكذا القرآن في كل حديث وقصص يقصها. يـبين أن التوحيد هو الأساس الذي تدعو إليه الرسل قاطبة. وبعد ذلك تأتي الأحكام والشرائع، ويأتي الحلال والحرام. وبذلك أمر الله جميع الناس، وخلقهم لها، كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات 65]، ومعنى يعبدون أي: يوحدون. والتوحيد هو إفراد الله بالعبادة. وفي الحديث، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه قال كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: (يا معاذ أتدري ما حق الله على عباده، وما حق العباد على الله؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً) [ متفق عليه]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (العبادة هي طاعة الله بامتثال ما أمر به على ألسنة الرسل). وقال أيضاً: (العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة). قال الله تبارك وتعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} [سورة الزمر: آية 65]. فانظر أيها الأخ الكريم، أن هذا الخطاب، وهذا الإنذار لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللرسل من قبله، كذلك في سورة الأنعام بعد أن ذكر الأنبياء وقصصهم قال: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} [سورة الأنعام: آية 88]. وقال الحق تبارك وتعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [سورة النساء: آية 48]، وقال الله تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة} [سورة المائدة: آية 72]. فالشرك يدمر الأعمال ويحبطها ويخرج صاحبه من الملة، ويخلده في نار جهنم أبداً ولا تنفعه شفاعة الشافعين. فكل من أثبت لله شريكاً في ألوهيته، وربوبيته، أو في شيء من خصوصياته تعالى وصفاته، فهو مشرك. ولكي تتضح لنا الصورة ، فإنه لابد أن نعرف أقسام التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. أما توحيد الربوبية: هو الذي أقرت به الكفار ولم يكونوا به مسلمين، وهو الإقرار بان الله الخالق الرازق، المحيي المميت، المدبر لجميع الأمور، وهذا الإقرار بالله لم يجعلهم مسلمين لأنهم عبدوا أصناماً أو قبوراً لأناس صالحين فذبحوا لهم، واستغاثوا بهم يريدون بذلك التقرب إلى الله: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [سورة الزمر: من آية 3]. والدليل قوله تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار، ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولن الله فقل أفلا تتقون}. وقال تعالى: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون} [سورة المؤمنون: من آية 84 إلى آية 89]. فالتوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة لله الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد، كما كانوا يدعون الله سبحانه وتعالى ليلاً نهاراً، خوفاً وطمعاً، ثم يدعون الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله عز وجل ليشفعوا لهم، ويدعو رجلاً صالحاً مثل اللات، أو نبياً مثل عيسى عليه السلام. فالرسول صلى الله عليه وسلم قاتلهم على ذلك، ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده،كما قال تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} [سورة الجن: آية 18]، وقال تعالى: {له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} [سورة الرعد: آية 14]. فالرسول صلى الله عليه قاتلهم ليكون الدين كله لله، والذبح كله لله، والاستغاثة كلها لله، وجميع أنواع العبادات كلها لله. فإقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وأن قصدهم الملائكة، والأنبياء، والأولياء: يريدون شفاعتهم، والتقرب إلى الله بهم هو الذي أحل دماءهم، وأموالهم. والمشركون في زماننا قد زادوا الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كفراً، فهؤلاء مشركو الدستور فإنهم سلّموا بأن الله هو الرزّاق، وهو محي الموتى، وهو الذي ينزل المطر من السماء، وينبت الكلأ وهو يشفي، ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوّجهم ذكراناً وإناثاً، ويجعل من يشاء عقيماً نعم، هم يؤمنون بأن الأمر في ذلك كله له، وليس لمليكهم أو أميرهم، لكن التّشريع والأمر والحكم النافذ عندهم هو في الحقيقة لمليكهم طاغوتهم أو إلههم الذي في الأرض، فهم في الشرك مثل كفار قريش إلا أنهم زادوا على كفر أولئك أنهم يعظمون أمر وحكم وتشريع آلهتهم وأربابهم المتفرقة في الأرض أكثر من الله وحكمه وتشريعه، فتباً وسحقاً سحقاً لمن كان أشد كفراً من أبي جهل وأبي لهب {ءإله مع الله تعالى الله عمّا يشركون} [سورة النمل: آية 63]. أما توحيد الألوهية ، أو (توحيد العبادة): وتوحيد العبادة هو الذي جاءت الرسل الكرام لتقريره والدعوة إليه من خلال إلزام الناس بتوحيد الألوهية. وهو إفراد الله بالعبادة، وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل: الصلاة، والزكاة، والصوم والحج، كذلك منه الدعاء لقوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} [سورة غافر آية 60]. والخوف لقوله تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} [سورة آل عمران آية 175]. والرجاء؛ لقوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} [سورة الكهف آية 110]. والتوكل؛ لقوله تعالى: {وعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين} [سورة المائدة آية 23]. والرغبة والرهبة والخشوع؛ لقوله تعالى: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين} [سورة الأنبياء آية 90]. والخشية؛ لقوله تعالى: {فلا تخشوهم واخشوني إن كنتم مؤمنين} [سورة البقرة آية 150]. والإنابة؛ لقوله تعالى: {وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا} [سورة الزمر آية 54]. والاستعانة؛ لقوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} [سورة الفاتحة آية 5]. والاستعاذة؛ لقوله تعالى {قل أعوذ برب الفلق}. {قل أعوذ برب الناس} [من سورتي الفلق والناس]. الاستغاثة؛ لقوله تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم} [سورة الأنفال آية رقم 9]. الذبح؛ لقوله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} [سورة الأنعام آية 162 و 163]. النذر؛ لقوله تعالى: {يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا} [سورة الإنسان آية 7]. الإتباع؛ لقوله تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء} [الأعراف آية 3]. الطاعة؛ لقوله تعالى: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} [سورة آل عمران آية 32]. والتحاكم؛ لقوله تعالى: {لا يشرك في حكمه أحدا} [سورة الكهف آية 26]. فإفراد الله سبحانه وتعالى بالإتباع، والطاعة والتحاكم كل هذا داخل في إفراده بالعبادة -الذي هو توحيد الألوهية- تماماً كإفراد الله بالصلاة والدعاء وغيرها من العبادات المذكورة أعلاه. قال الله عز وجل: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [سورة النساء 65]. وقال تبارك وتعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيداً} [سورة النساء آية 60]، وقال عز وجل: {ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون} [سورة المائدة آية 44]، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [سورة المائدة آية 45]، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [سورة المائدة آية 47]. وقوله: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [سورة المائدة آية 50]، وقوله: {أفغير الله ابتغي حكماً} [سورة الأنعام آية 114]. فكل متبوع أو مطاع أو متحاكم إليه من دون الله من شيطان، أو إنسان، أو حي أو ميت، أو حيوان، أو جماد من شجر أو حجر، أو كوكب من الكواكب، سواء عبد بتقديم القرابين له أو بدعائه له أو بالصلاة له من دون الله، هو طاغوت يعبد من دون الله تعالى [[1]] فكل من اتبع وأطاع أو تحاكم لغير الله فهو عبد للطاغوت [[2]]، فالإيمان بالطاغوت يكون بصرف نوع من أنواع العبادة له أو بالتحاكم إليه،والكفر بالطاغوت يكون بترك عبادته واعتقاد بطلانها، وبترك التحاكم إليه ، وبمعاداة عبيد الطاغوت وتكفيرهم وقتالهم {وقاتلولهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} [سورة الأنفال آية 39]، والفتنة هي الشرك. {الذين آمنوا يُقاتلون في سبيل الله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت، فقاتلوا أولياء الشيطان إنّ كيد الشيطان كان ضعيفاً} [سورة النساء آية 71]. فالكفر بالطاغوت هو الركن الأول من أركان التوحيد بدلالة أمرين: أولاً: النصوص الشرعية قدمت الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله، كما في قوله تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها}، وكما في شهادة التوحيد {لا إله إلا الله} فجانب النفي المتضمن الكفر بالطاغوت مقدم على جانب الإثبات المتضمن الإيمان بالله تعالى. أما الثاني - وهو الأهم - أن الإيمان وغيره من الأعمال الصالحة على غير الكفر بالطاغوت لا ينفع صاحبه في شيء، فإن المؤمن بالله والمؤمن بالطاغوت مثله كمن يأتي بالشيء وضده في آن واحد، وبالتالي فإن صاحبه لا ينتفع من إيمانه ولا بشيء من الأعمال الصالحة إلا بعد الكفر بالطاغوت، كما قال تعالى: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}، وقوله تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة} ولا تحرم الجنة على مؤمن عنده من الإيمان والعمل ما ينفعه. فدل أنه لا بد من أن يتقدم الإيمان الكفر بالطاغوت واجتناب جميع أنواع الشرك، كما قال تعالى: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد} [سورة الزمر آية 17]. فإظهار البراءة من المشركين ومعبوداتهم الباطلة، وإعلان الكفر بهم وبآلهتهم ومناهجهم وقوانينهم وشرائعهم الشركية، وإبداء العداوة والبغضاء لهم ولأوضاعهم ولأحوالهم الكفرية حتى يرجعوا إلى الله، وقتالهم حتى لا تكون فتنة هذا هو طريق الأنبياء وهذا هو دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وملة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {قد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده} [سورة الممتحنة آية 4]. واعلم أخي الموحد رحمك الله: أنه لا بد من تجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في التشريع، في الطاعة، في التحليل والتحريم. وناقض هذا الأصل: أن يعتقد أو يقوم بذلك من غير اعتقاد أحد من الناس أن بإمكانه أن يتبع أي شيء أو أي دين سواء كان ذلك شرعاً منسوخاً وديناً موروثاً، أو ديناً وضعياً وشريعة وضعية. فلو قال قائل: نحن مسلمون، نصوم ونصلي ونحج البيت ، لكن في جوانبنا المالية نريد أن نأخذ شريعة التوراة لأنها سهلة وخفيفة وواضحة. لو قال قائل ذلك فإنه يكون كافراً بالقرآن وبالدين كله، ناقضاً للإيمان مرتداً عن الإسلام. فإذا قال آخر: لا نريد شريعة التوراة لأنها قديمة، لكن نريد شريعة (نابليون) أو القانون الفرنسي أو القانون الأمريكي أو الإنكليزي، أو أي قانون من القوانين... فنأخذه في أمورنا المالية فقط والمعاملات التجارية، أما الصلاة والصيام والزكاة والحج فنحن مسلمون. فنقول: لا ينفع ذلك لأن هذا قد نقض إيمانه باتباعه لغير شريعة الله تبارك وتعالى. وهذا مناقض لشهادة "أن محمدا رسول الله " مناقضة عظيمة، ولهذا في الآية الأولى لما قال تبارك وتعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}. نفى الله تبارك وتعالى الإيمان عنهم حتى يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم. لأن الأمر كما قال: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} [سورة النساء آية 64]. لابد من طاعته {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} [سورة النساء آية 59]. {وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [سورة الحشر آية 7]. {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فان تولوا فان الله لا يحب الكافرين} [سورة آل عمران آية 31 و 32]، فإذا تولى عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفض اتباعه فهو من الكافرين. لا يكون الإنسان مؤمنا إلا بتحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول ابن القيم رحمه الله، في تفسير هذه الآية، {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} [سورة النساء آية 65]: (أقسم سبحانه بنفسه المقدسة قسماً مؤكداً بالنفي قبله عدم إيمان الخلق حتى يُحكموا رسوله في كلّ ما شجر بينهم من الأصول والفروع وأحكام الشرع والمعاد وسائر الصفات وغيرها، ولم يُثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج؛ وهو ضيق الصدر، وتنشرح صدورهم لحكمه كلّ الانشراح، وتنفسح له كلّ الانفساح، وتقبله كلّ القبول، ولم يُثبت لهم الإيمان بذلك أيضاً حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضى والتسليم وعدم المنازعة وانتفاء المعارضة والاعتراض). نأتي إلى النوع الثالث من أنواع التوحيد : وهو توحيد الأسماء والصفات: وهو الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا الواردة في كتابه العزيز، والثابتة عن رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل يجب أن تمر كما جاءت به بلا كيف مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف الله عز وجل، يجب وصفه بها على الوجه اللائق به من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته كما قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [سورة الشورى آية 11]، وقال الله عز وجل: {فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون} [سورة النحل آية 74]. قال الأوزاعي رحمه الله تعالى: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله سبحانه على عرشه ونؤمن بما ورد في السنة من صفات. ولما سئل ربيع بن أبي عبد الرحمن شيخ الإمام مالك رحمة الله عليهما عن الاستواء قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ المبين، وعلينا التصديق.. ولما سئل الإمام مالك رحمه الله عن ذلك قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وقال شيخ المجاهدين في عصره الإمام عبد الله بن المبارك رحمة الله عليه: نعرف ربنا سبحانه بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه. وقال الأوزاعي رحمه الله تعالى: سئل الزهري ومكحول عن آيات الصفات فقالا: (أَمِرُّوها كما جاءت). وقال الوليد بن مسلم رحمه الله تعالى: (سئل مالك، والأوزاعي، والليث ابن سعد، وسفيان الثوري رحمهم الله عن الأخبار الواردة في الصفات، فقالوا جميعاً: أمروها كما جاءت) [[3]]. فأهل السنة والجماعة أثبتوا لله سبحانه ما أثبته لنفسه في كتابه الكريم أو أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة إثباتاً بلا تمثيل، ونزّهوه سبحانه عن مشابهة خلقه تنزيهاً بريئاً من التعطيل، ففازوا بالسلامة من التناقض وعملوا بالأدلة كلها، وهذه سنة الله سبحانه فيمن تمسك بالحق الذي بعث به رسله وبذل وسعه في ذلك وأخلص لله في طلبه أن يوفقه للحق ويظهر حجته كما قال تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق} [سورة الشورى آية 11]. ويكفر الإنسان وينقض إيمانه إذا نفى ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الأسماء والصفات، التي كما قال الله تبارك وتعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}. فالله عز وجل له صفات الكمال ونعوت الجلال وكل ما جاء في الكتاب والسنة من أسماء وصفات فإنما يدل على ذلك . وإن خيل لبعض العقول أن بعضها (أي الأسماء والصفات) ربما كان نقصاً، أو أن نفيه يكون تنـزيها لله (بزعمهم). فنقول: إن من نفى أسماء الله وصفاته ، فلا شك أنه قد خرج عن هذا الدين، وعن هذا الإيمان، ثم أنه بقدر ما ينحرف، يكون خروجه جزئيا حتى يصل به الحال إلى الخروج الكلي، والعياذ بالله. ونقل العماد الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى عن نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال: (من شبه الله بخلقه كفر، ومن حجد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم تشبيه فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله ونفى عن الله تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى). وهذا الأمر قد وقع الخلط فيه قديماً وظهرت الفرق التي ضلت في توحيد الله في جانب الأسماء والصفات كالجهمية الذين نفوا أسماء الله وصفاته، والمعتزلة الذين أثبتوا الأسماء ونفوا الصفات، والأشعرية الذين أثبتوا الأسماء وبعض الصفات ونفوا البعض الآخر. والحق القويم، هو ما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم، من إثبات كل ما أثبته الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تعطيل ولا تكليف ولا تحريف ولا تمثيل، بل يقولون: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}. ثم هناك أمر رابع داخل حتماً في توحيد الألوهية ولكن لأهميته أفردنا له هذا الباب. وهو الولاء والبراء. الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين والبراءة من الكفر والكافرين: وهذا جانب مهم جداً، ولكننا في هذا الزمن نرى الكثير من المسلمين قد وقع فيما يناقض إيمانه حينما والى أعداء الله، وعادى أولياء الله، نسأل الله العفو والعافية، والله تبارك وتعالى يقول: {يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق} [سورة الممتحنة آية 1]، ويقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ومن يتولهم منكم فإنه منهم} [سورة المائدة آية 51]. انظروا: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، وغير ذلك من الآيات كما في سورة الكافرين، وفيها البراءة منهم: {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ... إلى آخرها} [سورة الكافرون]. شرعت قراءة هذه السورة وسورة الإخلاص في راتبة المغرب والصبح . فالإنسان صباح مساء يتبرأ من المشركين ومعبوداتهم. يقول صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قالوا يا رسول الله ولِمَ؟ قال: لا ترايا ناراهما). وفي رواية (ألا لا تراءى ناراهما) [ رواه الترمذي أبو داود والنسائي]. نار المسلم ونار الكافر، لأن كل منهما له طريق وله سبيل مختلف تماما عن الآخر. والذي وقعت فيه الأمة الإسلامية في هذا العصر من نواقض الإسلام: أنها داهنت الكافرين والمشركين وأحبتهم ووالتهم، بل استشارتهم، بل حكمتهم!! والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر} . سبحان الله العظيم ما أكبر انطباق هذه الآية على واقعنا. فهذا (أي الولاء والبراء) أعظم ملازم لتوحيد الله تعالى. وكما نص العلماء: أكثر ما ذكر الله عز وجل بعد توحيده وإفراده بالعبادة: الولاء والبراء من الكافرين. فالبراء أصل من أصول الإسلام. ويجب على كل مسلم أن يحافظ على ولاءه وبراءه. ومن السنة أيضاً ما رواه أبو داود وغيره، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: (من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله). يقول الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله: (في هذا الحديث من جامع المشركين، أي اجتمع معهم وخالطهم وسكن معهم فهو مثلهم، فكيف بمن أظهر لهم الموافقة على دينهم، وآواهم وأعانهم، فإن قالوا خفنا قيل كذبتم) [ الدرر السنية المجلد الثامن صفحة 142]. يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: (لما نهى الله تعالى المؤمنين عن موالاة الكفار اقتضى ذلك معاداتهم والبراءة منهم ومجاهرتهم بالعدوان في كل حال) [ بدائع الفوائد المجلد الثالث صفحة رقم 69]. ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: (اعلم رحمك الله: أن كلام السلف في معاداة أهل البدع والضلالة وتشديدهم في معاداة أهل الضلالات، ونهيهم عن مجالستهم، فما ظنك بمجالسة الكفار والمنافقين، وجفاة الأعراب الذين لا يؤمنون بالله ورسوله، والسعي في مصالحهم، والذب عنهم، وتحسين حالهم؟ مع كونهم بين اثنين، إما كافر أو منافق، ومن يتهم بمعرفة الإسلام منهم قليل، قال تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} [سورة الصافات آية 22]، وقال تعالى: {وإذا النفوس زوجت} [سورة التكوير آية 7]، وقد تقدم الحديث: لا يحب الرجل قوماً إلا حشر معهم) [ الدرر السنية المجلد الثامن صفحة 153]. ويقول الشيخ محمد بن عبد اللطيف: (اعلم وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى أنه لا يستقيم للعبد إسلام ولا دين إلا بمعاداة أعداء الله ورسوله، وموالاة أولياء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان}) [الدرر السنية الطبعة القديمة جزء الجهاد صفحة 208]. ويقول الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد رحمهم الله جميعاً: (قال تعالى: {ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم ان سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون} [سورة المائدة آية 80]، فذكر الله تعالى أن موالاة الكفار موجبة لسخط الله، والخلود في النار بمجردها، وإن كان الإنسان خائفاً، إلا المكره بشرطه، فكيف إذا اجتمع ذلك الكفر الصريح، وهو معاداة التوحيد وأهله، والمعاونة على زوال دعوة الله بالإخلاص، وعلى تثبيت دعوة غيره؟!) [الدرر السنية المجلد الثامن صفحة 128]. ويقول رحمه الله تعالى رحمة واسعة: (إن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، وأن الله افترض على المؤمنين عداوة المشركين، من الكفار والمنافقين، وجفاة الأعراب، الذين يعرفون بالنفاق، ولا يؤمنون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الله أمر بجهادهم، والإغلاظ عليهم بالقول والفعل، وتوعدهم باللعن والقتل بقوله: {ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا} [سورة الأحزاب آية 61]، وقطع الموالاة بين المؤمنين وبينهم، وأخبر أن من تولاهم فهو منهم، وكيف يدعي رجل محبة الله، وهو يحب أعداءه الذين ظاهروا الشياطين على عدوانهم، واتخذوهم أولياء من دون الله) [ الدرر السنية المجلد الثامن صفحة 144]. نكتفي بهذا القدر لكثرة الأدلة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العاملين بقلم؛ جابر بن عبد القيوم الساعدي الشامي المراجع: - كتاب ربنا سبحانه وتعالى. - أحاديث حبيبنا محمد صلى الله عليها وسلم. - أقوال السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين. - كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية. للأئمة الأعلام من أهل نجد. - كتاب الإنتصار لأهل التوحيد. للشيخ أبو بصير الشامي. - كتاب قواعد في التكفير للشيخ أبو بصير الشامي. - كتاب الجامع في طلب العلم الشريف. للشيخ عبد القادر عبد العزيز. - رسالة نواقض الإيمان. للدكتور سفر الحولي. [1] هو طاغوت إن كان راضيا بالعبادة. [2] ونقل عن الإمام مالك أن الطاغوت: هو كل ما عبد من دون الله عز وجل. وقال ابن القيم رحمه الله: الطاغوت: كل ما تجاوز العبد حدّه من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دونه، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم عدلوا من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته -أعلام الموقعين المجلد الأول صفحة 50. وقال الشيخ سليمان بن سحمان النجدي: الطاغوت ثلاثة أنواع: طاغوت حكم، وطاغوت عبادة، وطاغوت طاعة ومتابعة -الدرر السنية المجلد الثامن صفحة 272-. وألخص ما سبق فأقول: إن أجمع قول في معنى الطاغوت: هو قول من قال: إن الطاغوت هو كل ما يعبد من دون الله -وهذا قول الإمام ملك- وقول من قال: إن الطاغوت هو الشيطان -وهو قول جمهور الصحابة والتابعين-. وما عدا هذين القولين فروع منهما، وهذان القولان يرجعان إلى أصل واحد له ظاهر وحقيقة، فمن نظر إلى الظاهر قال: الطاغوت كل ما يعبد من دون الله، ومن نظر إلى الحقيقة قال الطاغوت الشيطان، وذلك لأن الشيطان هو الداعي إلى عبادة ما يعبد من دون الله كما أنه الداعي إلى كل كفر، قال تعالى: {ألم ترى أنا أرسلنا الشياطين إلى الكافرين تؤزّهم أزّا}-سورة مريم آية 83-. فكل من كفر وكل من عبد غير الله فبتزيين الشيطان، وكل من عبد غير الله فهو إنما يعبد الشيطان على الحقيقة كما قال تعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان}-سورة يس آية 60-. وقال تعالى: -عن إبراهيم عليه السلام- {يا أبت لا تعبد الشيطان} سورة مريم آية 44.، مع أن أباه كان يعبد الأصنام كما قال تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة}-سورة الأنعام آية 74.-، فالشيطان هو الطاغوت الأكبر، فكل من عبد صنماً من حجر أو شجر أو بشر فهو إنما يعبد الشيطان، وكل من تحاكم إلى بشر أو قانون أو دستور من دون الله فهو إنما يتحاكم إلى الشيطان وهذا هو معنى تحاكمه إلى الطاغوت. [3] كلام الأئمة في هذا الباب كثير، ومن أراد الوقوف على كثير من ذلك فليراجع ما كتبه علماء السنة في هذا الباب مثل كتاب "السنة" لعبد الله ابن الإمام أحمد، وكتاب "التوحيد" لمحمد بن خزيمة، وكتاب "السنة" لأبي القاسم اللالكائي الطبري، وكتاب "السنة" لأبي بكر بن أبي عاصم، "والرسالة التدمرية" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله جميعاً. |
2 مشترك
تحقيق التوحيد
الجزائري عبد المعز- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 05/10/2011
الجنسية : جزائر
عدد المشاركات : 3288
مكسب العضو : 40583
نقاط تقييم مواضيع العضو : 21
المزاج : منتديات طموح الجزائر
- مساهمة رقم 1
تحقيق التوحيد
خليل إبراهيم- صاحب الموقع
- تاريخ الإنضمام : 02/12/2009
الجنسية : أردني وافتخر
عدد المشاركات : 9177
مكسب العضو : 122149
نقاط تقييم مواضيع العضو : 118
العمر : 34
المزاج : رايق
- مساهمة رقم 2
رد: تحقيق التوحيد
مشكووووور على الموضوع المميز