آثار الفتن:في زمن الفتن ترخص دماء المسلمين محاضرة للدكتور/ عبد الرزاق البدر ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر الفقيه والعالم المعروف والأستاذ في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة محاضرة قيمة بجامع الراجحي بالرياض تناول فيها العواقب الوخيمة والآثار المدمرة لتفشي الفتن بين الناس. وقال فضيلته في أول هذه الآثار إنها سبب لانصراف العبد عن العبادة التي خلق لأجلها والطاعة التي أوجد لتحقيقها والاشتغال بها، انصرف عنها وانصرف عن ذكر الله تبارك وتعالى لتصبح حياته وأيامه وأوقاته مشغولة بالقيل والقال والأمور التي تثار والفتن التي تتأجج وقلبه يكون مشوشاً مضطرباً مشغولاً فلا يهدأ ولا يطمئن ولا يتحقق منه ذكر لله تبارك وتعالى على وجه الطمأنينة فيكون مضطرب القلب مشوش البال منشغل الخاطر منصرفاً عن العبادة التي خلقه الله تبارك وتعالى لأجلها وأوجده لتحقيقها ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: "عبادة في الهرج كهجرة إلي" الهرج هو ما يكون في الناس من اضطراب وعندما تموج الأمور وتضطرب وينشب بين الناس الفتن والقتل ونحو ذلك من يكون في مثل هذا الوقت مشتغلاً بعبادة الله تبارك وتعالى فهو كالمهاجر إلى النبي عليه الصلاة والسلام. اشتغل بالعبادة وهذا يبين أن من كان في الهرج مشتغلاً بالعبادة فإنه موفق سالم من أوضار الفتنة، أيضاً في الوقت نفسه يدل أن الذي ينبغي على الإنسان في الفتن هو الإقبال على العبادة وتجنب الفتن ليفوز بالسعادة والراحة والطمأنينة ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال "إن السعيد من يتجنب الفتن" وكررها عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات، فالسعادة بتجنب الفتن والاشتغال بالعبادة والذكر والطاعة لله سبحانه وتعالى والتقرب إليه جلَّ وعلا بما شرع من أنواع العبادات وأنواع الأذكار وأنواع القربات وقد جاء في الصحيح من حديث أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: "استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعاً يقول سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن؟ ماذا أنزل الله من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجرات؟ يعني أزواجه يصلين" فأرشد عليه الصلاة والسلام عند نزول الفتن إلى ماذا؟ إلى الصلاة إلى عبادة الله تبارك وتعالى إلى التقرب إليه "قال من يوقظ صواحب الحجرات يصلين، رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة" وأيضاً يدل على هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام: "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم" فأرشد إلى ماذا قال: "بادروا بالأعمال" أي الصالحة بالعبادات بأن يقبل الإنسان إلى طاعة الله إلى الصلاة إلى الذكر إلى الدعاء إلى تلاوة القرآن، قال بادروا بالأعمال أرشد إلى الأعمال الصالحة وعندما تموج الفتن يُشغل الناس عن الأعمال وعن العبادات إلا القليل ممن يكتب لهم تبارك وتعالى توفيقاً وتسديداً وتأييداً.. اعتزال الفتن وأضاف الشيخ عبدالرزاق البدر: لما وقعت الفتنة في زمن التابعين قال الحسن البصري رحمه الله وممن اعتزل الفتن قال {يا أيها الناس.. } استمعوا إلى وصيته العظيمة قال: (يا أيها الناس ما سلط الله الحجاج عليكم إلا عقوبة فلا تعارضوا عقوبة الله بالسيف ولكن عليكم بالسكينة والتضرع فإن الله يقول: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76] أي أن الواجب على الإنسان هو الاستكانة إلى الله والتضرع إليه وملازمة ذكره وأن يصلح حاله ونفسه وبيته وأن يستقيم على طاعة ربه على الوجه الذي يرضي الله تبارك وتعالى وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه في هذا المعنى أنه قال: "تكون فتنة لا ينجي منها إلا دعاءٌ كدعاء الغريق" ويعرف كل منا كيف يكون دعاء الغريق الذي أدركه الغرق كيف يكون دعاؤه، يقول تكون فتنة لا ينجي منها إلا دعاء الغريق أنت تقبل على الله تبارك وتعالى إقبالاً صادقاً بأن ينجيك ويجيرك ويسلمك ويحفظك. ترك العلم وذكر الشيخ البدر أن من آثار الفتن وعواقبها أنها تصرف الناس عن مجالس العلم ومجالسة العلماء وتعلم الأحكام ومعرفة الدين وتكون القلوب فيها نار الفتنة متأججة فلا يطمع لطلب علم ولا يقبل على مجالسة علماء، بل يكون منصرفاً عن ذلك كله، بل أزيد من ذلك وأعظم أنها تفضي أي الفتنة بكثير من الناس إلى انتقاص العلماء واحتقارهم وعدم معرفة أقدارهم والوقيعة فيهم وفي أعراضهم والنيل منهم وقد جاء في الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه" ففي الفتنة يقع كثير من الناس بانتقاص العلماء واحتقارهم ولمزهم وهمزهم والطعن فيهم والتقليل من شأنهم ورميهم بالأوصاف العظيمة ويتجرأ على مقام العلماء جرأة ساخرة جرأة سيئة وذلك كله من آثار الفتن والعياذ بالله.. ماذا قال الحسن البصري؟ ومما جاء في هذا المعنى من الأخبار التي تروى في التاريخ أنه لما كانت فتنة عبد الرحمن بن الأسعد وقد دخل في هذه الفتنة عدد من القراء وكثير من الناس لما كانت هذه الفتنة انطلق نفر من الناس فدخلوا على الحسن البصري وهو إمام من أئمة أهل العلم وفقيه من كبار فقهاء الإسلام فقالوا: ما تقول في هذا الطاغية - أي الحجاج - ما تقول في هذا الطاغية الذي سفك الدم الحرام وأخذ المال الحرام وترك الصلاة وفعل وفعل وذكروا له من أفعال الحجاج، فقال الحسن البصري -رحمه الله تعالى- أرى ألا تقاتلوه فإنها ان تكن عقوبة من الله أي تسليط الحجاج هذا التسليط ان تكن عقوبة من الله فما أنتم برادي عقوبة الله بأسيافكم وان يكن بلاء فاصبروا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين، فخرجوا من عنده وهم يقولون: نطيع هذا العلج، فلما تأججت الفتنة في نفوسهم عندما قال العالم قولاً لا يوافق أهواءهم ولا يمشي مع ميولاتهم وتوجهاتهم رأساً يطعنون به والطعون ممن اشربوا الفتنة في أهل العلم لا حد لها في قديم الزمان وحديثه وربما رموه بمداهنة وربما رموه بعمالة وربما رموه بأوصاف وألقاب لا حد لها فالفتن تجرئ الناس على مقام العلماء وانتقاص العلماء وتحقير العلماء والوقيعة في أهل العلم وهذا من أخطر ما يكون على الإنسان حمانا الله جميعاً من ذلك.. وأشار البدر إلى أن هؤلاء النفر الذين قالوا للحسن هذه المقالة ولم يستجيبوا لنصحه خرجوا مع ابن الأسعد فقتلوا جميعاً ولم يحصلوا خيراً ولم يستفيدوا أيضاً من نصائح أهل العلم لأن أهل العلم أصبح ليس لهم مقام عندهم وليس لكلامهم أي اعتبار أو أي شأن. تصدر السفهاء وأوضح الشيخ البدر أيضاً من آثار الفتن أنها يترتب عليها تصدر السفهاء ومن لا علم عندهم ومن لا فقه لهم في دين الله يتصدرون بالحماسة فقط بدون فقه في دين الله وبدون دراية وبدون أناة ولا تؤدة فيتصدرون ويلقون الأحكام جزافاً ويقررون الأقوال ويرجحون ويتدخلون في أمر الفتيا وفي غيرها وهم لا يعرفون بعلم ولا يعرفون بحلم ولا يعرفون بروية لكنهم يدفعهم في ذلك حماسة تجرهم إليها الفتن ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه "المنهاج": الفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء وهذا شأن الفتن كما قال الله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } [الأنفال: 25] وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يسلمنا أجمعين. عواقب مردية وقال الشيخ البدر من آثار الفتن وعواقبها أن من يدخل الفتنة ويتورط فيها يبوء بالعواقب المردية ولا ينال منها خيراً والمآلات السيئة وفي الوقت نفسه لا يحصل خيراً وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى تتبع جملة من الفتن التي ثارت في أزمنة قبله ورفضها رحمه الله وذكر في كتابه منهاج السنة خلاصة جميلة نافعة مفيدة لمآلات تلك الفتن فقال رحمه الله: "كل من خرج على إمام ذي سلطان كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير" وذكر أمثلة كثيرة لفتن حصلت ثم لخص نتاج وآثار تلك الفتن فقال رحمه الله تعالى: "فما أقاموا ديناً ولا أبقوا دنيا" ما أقاموا ديناً أي من تصدروا تلك الفتن وسعوا فيها ما أقاموا ديناً ولم يبقوا دنيا لأن الفتنة إذا ثارت يقع القتل ويكثر الهرج ويموج الناس وتحصل الفتن والعواقب السيئة ولا يحصل مُثير الفتن أي خير ومر قريباً معنا قصة النفر الذين لم يعبأوا بنصيحة الإمام أحمد وكذلك قصة النفر الذين لم يعبأوا بنصيحة الحسن البصري رحمه الله وكانت النتيجة عند أولئك وعند هؤلاء أنهم ما أقاموا ديناً وكانت مآلاتهم إما إلى حبس أو إلى قتل أو هروب أو غير ذلك من المآلات والنهايات وهذا متكرر في التاريخ في المجلد الثامن من سير أعلام النبلاء في ترجمة الحكم الحسن بن هشام الداخل الأموي وكان أمير الأندلس. المشاركون في الفتن يقول الذهبي في قصة طويلة لا يسع المقام لذكرها ولكن يمكن ان تراجع في سير أعلام النبلاء بدأها الذهبي رحمه الله بقوله: "كثر العلماء بالأندلس في دولته أي دولة الحكم حتى قيل إنه كان بقرطبة أربعة آلاف متلقب متزيي بزي العلماء -يعني كثر أهل العلم وطلبة العلم والمتزيين بزي أهل العلم- قال فلما أراد الله فناءهم عز عليهم انتهاك الحكم للحرمات وائتمروا ليخلعوه ثم جيشوا لقتاله وجرت بالأندلس فتنة عظيمة على الإسلام وأهله فلا قوة إلا بالله، ثم سرد القصة رحمه الله وفي نهايتها أن كثيراً من هؤلاء قُتلوا ومنهم من فر ومنهم من سجن دون أن يقيموا ديناً بمثل هذه الفتن التي تشعل وتأجج والسعيد -كما يقال- من اتعظ بغيره، بل إن عدداً كبيراً ممن شاركوا في الفتن ودخلوا فيها كانت نهايتهم فيها الندم وتمنوا أن لو لم يدخلوا تلك الفتن وسطر من ذلك شيء كثير في كتب التاريخ والتراجم لأولئك الذين شاركوا في الفتن وكانت نهايتهم الندم على ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهكذا عامة السابقين ندموا على ما دخلوا فيه من الفتن والقتال ويقول أيوب السختياني رحمه الله على ذكر القراء الذين خرجوا مع ابن الأسعد: "لا أعلم أحد منهم قُتل إلا وقد رغب عن مصرعه ولا نجا أحداً منهم إلا حمد الله الذي سلم وندم على ما كان منه" رؤى تتساقط وذكر الشيخ البدر أن من الأخبار المفيدة واللطيفة في هذا الباب قصة الزبير بن الحارث اليامي وهو من رجال الكتب الستة ومن علماء الإسلام وهو ممن دخل في فتنة ابن الأسعد ولكنه سلم منها وسلم من القتل واستمعوا إلى هذا الخبر قال محمد بن طلحة: رآني الزبير مع العلاء بن العبدالكريم ونحن نضحك فقال: لو شهدت الجماجم ما ضحكت - والجماجم الذي يشير إليها جماجم المسلمين، رؤوس للمسلمين تطيح هنا وتطيح هناك، رؤوس المسلمين تتساقط بأيدي المسلمين أنفسهم، يقتل بعضهم بعضاً، هذه الفتنة- قال: لو شهدت الجماجم ما ضحكت. ثم قال الزبير: ولا وددت أن يدي أو قال يميني قطعت من العضد ولم أكن شهدت ذلك. ثم جاءت بعد ذلك فتنة ودعي إلى المشاركة فيها لكنه رأى الآثار والعواقب وانتبه فاسمعوا جوابه الطريف اللطيف الذي هو جواب مجرب ماذا قال؟ جاء في بعض الروايات أن منصور بن المعتمر كان يختلف إلى الزبير فذكر أن أهل البيت يقتلون ويريد من الزبير أن يخرج مع زيد بن علي في فتنة أخرى فماذا قال الزبير رحمه الله؟ قال ما أنا بخارج إلا مع نبي وما أنا بواجده - أي لن أجد نبياً أخرج معه هذه قالها عن ماذا؟ قالها عن معرفة وعن تجربة ومعاينة للآثار التي حصدتها أو حصدت من تلك الفتن. نقص القدر وسقوط الشأن واستطرد البدر قائلاً: من آثارها أن من يدخل فيها وهو من أهل العلم ربما تؤدي به إلى نقص قدره وسقوط شأنه ومن سلم من تلك الفتن تكون سلامته منها رفعة له وسبباً لانتفاع الناس بعلمه ومضي الخير وجريانه على يديه بتوفيق من الله تبارك وتعالى ولهذا قال عبدالله بن عون .... كان مسلم بن يسار عند الناس ارفع من الحسن البصري فلما وقعت الفتنة خف مسلم فيها وأبطأ عنها الحسن أي تأخر واعتزل الفتن فأما مسلم فإنه استضع أي عند الناس وأما الحسن فإنه ارتفع.. مسلم بن يسار الذي قال عنه عبدالله بن عون ما سمعنا ما هي مشاركته في الفتنة؟ وهو ممن ادخل فتنة ابن الأسعد لكن لما انتهت كان يحمد الله ويقول في حمده لله تبارك وتعالى يقول إني أحمد الله إني لم أرم بسهم ولم أضرب فيها بسيف -معنى كلامه أنا مشيت معهم لكنني ما رميت بسهم وما ضربت بسيف، فكان يقول هذا الكلام يحمد الله وكان عنده أبو قلابة رحمه الله فماذا قال له ابو قلابة؟ قال: فكيف بمن رآك بين الصفين - أنت عالم ومعروف بين الناس ومكانتك معروفة فكيف بمن رآك بين الصفين فقال هذا مسلم بن اليسار لن يقاتل إلا على حق وقوفك بين الصفين وحضورك بنفسك وقيامك مع هؤلاء ووجودك نفسه هذا مما يزيد الفتنة. فيقول له ابو قلابة ماذا تقول فيمن شاهدك ورآك في هذا المقام وقال ان مسلم بن اليسار لم يحضر هنا إلا لأن الأمر حق فدخل وقاتل حتى قتل فما أنت الصانع بهؤلاء؟ فبكى مسلم بن يسار لما نبهه على هذا الأمر بكى يقول أبو قلابة: فبكى والله حتى وددت أن الأرض انشقت من تحتي ولم أحدثه بهذا الكلام - يعني تأثر للحالة التي آل بها أمر مسلم عندما ذكره بخطورة وقوفه حتى بدون مشاركة فكيف بمن شارك؟ اختلاط الأمور ومن آثار الفتن وعواقبها أن الأمور تشتبه فيها على الناس وتختلط ولا يميز كثير من الناس بين حق وباطل ويُقتل الرجل ولا يدري فيما قُتل ويقتله قاتله ولا يدري فيما قتل لكنها فتنة مضطرمة ويموج الناس وتتغير النفوس وتعظم الأخطار وتحدق الشرور بالناس وتصبح الأمور مشتبهة يقول ابو موسى الأشعري رضي الله عنه: (إن الفتنة إذا أقبلت شبهت وإذا ادبرت تبينت) الفتنة إذا اقبلت على الناس شبهت تصبح أمرها مشتبهاً على الناس غير متضح وإذا أدبرت عرف الناس حالها وتبين لهم أمرها ويقول مطرف بن عبدالله بن الشخير "إن الفتنة لا تجيء حين تجيء لتهدي الناس ولكن لتقارع المؤمن على دينه" ولنعتبر في هذا الباب بفتنة المسيح الدجال التي هي أعظم الفتن والنبي عليه الصلاة والسلام ذكر لأمته فيها حقائق جلية وأمور واضحة تكشف عور الدجال وتبين حقيقته ومع ذلك يتبعه خلق لا يحصيهم إلا الله يقول عليه الصلاة والسلام "من سمع بالدجال فلينأى عنه" أي يبتعد عنه ولا يقترب من مكانه قال: "من سمع بالدجال فلينأى عنه فوالله ان الرجل ليأتيه وهو يحسب انه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات" فيتبعه أي يتبع الدجال مما يبعث به من الشبهات أي مما يثيره الدجال من الشبهات التي تخطف القلوب وتأسر النفوس... وجاء في الحديث في صحيح مسلم ان النبي عليه الصلاة والسلام قال: "من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو لعصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية" وقوله عمية أي الأمر الأعمى لا يستبين حاله ولا يتضح أمره وهذا حال الفتن وشأنها أنها يصبح الناس يموجون فيها ولا يتضح لهم فيها أمر ولا تستبين لهم فيها جادة. كلام فيه حكمة ومن لطيف ما يذكر في هذا المقام أشار الشيخ عبدالرازق البدر إلى قصة الصحابي الجليل سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه وأرضاه يقول ابن سيرين قيل لسعد بن ابي وقاص الا تقاتل؟ يقصدون في الفتنة التي كانت والقتال الذي كان بين معاوية وعلي بن ابي طالب وكان سعد ممن اعتزل ذلك وابتعد عنه. فقالوا له الا تقاتل فإنك من أهل الشورى وأنت أحق بهذا الأمر من غيرك، ينبغي أن تدخل معنا أنت أحق بهذا الأمر من غيرك فقال: لا أقاتل - واسمعوا كلامه فيه حكمة - قال: لا أقاتل حتى تأتوني بسيف له عينان ولسان وشفتان يعرف المؤمن من الكافر - تأتوني بسيف يعرف المؤمن من الكافر ان ضربت مسلماً نبأ عنه (لا يقتله) وأن ضربت كافراً قتله ثم قال لقد جاهدت وأنا أعرف الجهاد - أما مثل هذا القتال الذي تتساقط فيه رؤوس المسلمين ويقتل بعضهم بعضاً لا أدخل في ذلك الا ان تأتوني بسيف هذه صفته ثم ضرب مثلاً عجيباً قال فيه رضي الله عنه: "مثلنا ومثلكم كمثل قوم كانوا على محجة بيضاء فبينما هم كذلك يسيرون هاجت ريح عجاجة فضلوا الطريق فاشتبه الطريق بسبب العجاج والريح والتبس عليهم فقال بعضهم الطريق ذات اليمين فأخذوا فيها فتاهوا وضلوا وقال آخرون الطريق ذات الشمال فأخذوا فيه فتاهوا وضلوا وقال آخرون كنا في الطريق حيث هاجت الريح فنيخ فأناخوا فأصبحوا فذهب الريح وتبين الطريق فهؤلاء هم الجماعة قالوا نلزم ما فارقنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نلقاه ولا ندخل في شيء من الفتن. وكان منهج سعد بن ابي وقاص وعبدالله بن عمر وجماعة من الصحابة ان الحل في الأمر الذي كان بين معاوية وبين علي ليس بالسيف إنما الحل السعي في الصلح والتروي في الأمور ونحو ذلك وعلي رضي الله عنه كان له اجتهاده ومعاوية رضي الله عنه كان له اجتهاده ولا يعدم من كان مجتهداً ومتحرياً الحق والصواب من أجر الاجتهاد والإصابة أو من أجر الاجتهاد والخطأ وذنبه مغفور كما قال عليه الصلاة والسلام "إذا حكم الحاكم فاجتهد وأصاب فله أجران وإذا أجتهد فأخطأ فله أجر واحد وذنبه مغفور" لكن جماعة من الصحابة رأوا أن الحل في مثل ذلك ليس بالسيف والقتال وإنما بالسعي في الصلح والبعد عن القتال وجمع الكلمة إلى غير ذلك من الأمور. التغرير بحدثاء السن وأكد الشيخ البدر أن من آثار الفتن وما يترتب عليها أن الفتن تكون سبباً ووسيلة لاستدراج الناس أو صغار الأسنان والتغرير بهم من خلال خطوط وقنوات ومسارات إلى أن يصلوا إلى عواقب وخيمة ونهايات مؤلمة وهنا ينبغي على الشاب ألا يغتر بالدعايات التي ترفع والشعارات التي تثار والعبارات ونحو ذلك بل إذا دعي إلى شيء يرجع إلى أكابر أهل العلم، قال عليه الصلاة والسلام: "البركة مع أكابركم" إذا دعي إلى طريق أو مسار أو مسلك يرجع إلى الأكابر أكابر أهل العلم الراسخين فيه الذين طالت قدمهم في العلم ومدارسته ومذاكرته وطالت قدمهم في الفتوى والبيان والتوجيه والنصيحة والتعليم يرجع إليهم فيسأل لكن في الفتن قد يستدرج بعض الناشئة ويأخذون عبر خطوات إلى أن يدخلوا في أمور عظيمة وورطات ربما لا يجدون لأنفسهم منها مخرجاً وتكون البدايات مع الصغار من مثيري الفتن في أشياء مألوفة وأمور معروفة مثل أن يجتمع جماعة ويتعاهدون على أشياء معروفة ومقررة وقد يقولون مثلاً نجتمع على الإيمان بالله وملائكته وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ونتعاهد على ذلك ويضيفون لها بعض الأشياء التي تجعل الشاب فيما بعد يلتزم بعهده وربما دخل في حزب أو سلك في تنظيم أو دخل في بيعة أو نحو ذلك ويجد نفسه في مسار يحتار فيه وربما يصعب عليه الرجوع وقد قطع فيه شوطاً وتورط في ذلك المسلك والمسار، بينما إذا كان الشاب موفقاً ومنَّ الله عليه بالتوفيق فإنه يسلم من ذلك ومثل هذه الأمور كانت توجد من قديم في زمن التابعين، يروي لنا مطرف بن عبدالله بن الشخير قصة له لما كان غلاماً يقول: كنا نأتي زيد بن صوحان فكان يقول "يا عباد الله اكرموا واجملوا فإنما وسيلة العباد الى الله بخصلتين: الخوف والطمع" كان واعظاً يعظ ويذكر ويخوفهم بالله ويرغبهم في العبادة والطاعة فيقول فأتيته ذات يوم وقد كتبوا كتاباً فنسقوا كلاماً من هذا النحو إن الله ربنا ومحمد نبينا صلى الله عليه وسلم والقرآن إمامنا ومن كان معنا كنا وكنا ومن خالفنا كانت يدنا عليه وكنا وكنا كتبوا كتاباً بهذه المعاني وبهذه المضامين، قال فجعل يعرض الكتاب عليهم رجلاً رجلاً وكلما عرضوا على رجل يقولون له: أقررت يا فلان يقول نعم أقررت يعرضون عليه هذا الكتاب الله ربنا، الإسلام ديننا، محمد نبينا والقرآن إمامنا من كان معنا كنا له ومن كان علينا وخالفنا كنا وكنا في ظاهرها أنها أمر لا إشكال فيه عند كثير من الناس، يقول مطرف لما وصلوا إلي فقالوا: أقررت يا غلام، يعني بهذه الأمور قلت: لا، قالوا أقررت يا غلام: قلت لا ما أقررت قال زيد بن صوحان: لا تعجلوا على الغلام ما تقول يا غلام قال: قلت ان الله قد أخذ علي عهداً في كتابه فلن أحدث عهداً سوى العهد الذي أخذه الله علي في كتابه. قال: فرجع القوم عن آخرهم ما أقر منهم أحد وكان زهاء ثلاثين نفساً، فالفتن ربما يستدرج فيها كثير من الشباب وصغار السن في تنظيمات أو في تحزبات أو بيعات أو في نحو ذلك من الأمور مما يترتب عليه ما لا تحمد عاقبته. تفكك المجتمعات وأوضح الشيخ البدر أن من آثار الفتن ومآلاتها المردية أنها تفكك المجتمعات وتضعف الأخوة الإيمانية والرابطة الدينية وتنشر بين الناس الضغائن والأحقاد والعداوات ولهذا جاء في الحديث الذي في صحيح البخاري، حديث حذيفة ابن اليمان قال "كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه، فقلت يا رسول الله كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الخير فهل من بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. فقلت: يا رسول الله وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن" وجاء في بعض الروايات انه قال نعم وفيه بقية أو على أقذاء وفي رواية يقول القلوب لا تعود كما كانت.. فالفتن عندما تتأجج تغير النفوس وربما تخلخلت معاني الأخوة والرابطة الإيمانية والله تبارك وتعالى يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10] والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: "وكونوا عباد الله أخواناً، المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يظلمه ولا يحقره، التقوى ها هنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم" والاحاديث في هذا المعنى كثيرة. استرخاص الدماء وقال البدر: من عواقب الفتن ومآلاتها أيضاً أنها ترخص فيها دماء المسلمين أي بينهم ترخص بينهم الدماء وتتجرأ النفوس على القتل ويستحل الناس دماء بعضهم بعضاً وقد جاء عن عبدالله بن عمر انه قال "في الفتنة لا ترون القتل شيئاً" وكان رضي الله عنه عظيم النهي عن الدخول في إراقة الدماء واستلاب الاموال والتعدي على الأعراض وله في هذا كلمة عظيمة جميلة ينبغي ان تحفظ ويحافظ عليها ألا وهي أن رجلاً كتب إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن أكتب إلي بالعلم فكتب إليه إن العلم كثير ولكن ان استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء المسلمين، خليص البطن من أموالهم، كاف اللسان عن اعراضهم، لازم لأمر جماعتهم افعل" وهي وصية من أعظم الوصايا وأجمعها للعلم كله والخير كله. اختلال الأمن أيضاً أشار إلى أن من آثار الفتن أنها تؤدي إلى اختلال الأمن والأمن من أعظم النعم التي منَّ الله تعالى على أمة الإيمان: {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 4]. فالأمن نعمة عظيمة، أمن الإنسان على دمه، أمنه على ماله وأمنه على نفسه، على عرضه، إلى غير ذلك، هذه من النعم الكبيرة ولكن إذا اضطربت الأمور وشبت الفتن واشتعلت اريقت دماء واتلفت أموال وازهقت أرواح ويُتم أطفال ورُمل نساء إلى غير ذلك من العواقب التي لا تحمد. أيضاً من آثار الفتن أنها تفتح على الناس أبواباً من الانحراف سواء في الجوانب العقدية او الجوانب الأخلاقية ويتجرأ أهل الانحلال والفساد في نشر باطلهم وفسادهم لأن أصحاب الحق شغلتهم الفتنة واشتغلوا بها وضيعت أوقاتهم وصرفتهم عن باب الإفادة والنفع والانتفاع فيستغل أهل الفساد وأهل الشر ذلك فيبدؤون في بث باطلهم ونشر شرهم ودعوتهم للرذيلة والفساد أو دعوتهم إلى الانحلال العقدي والمذاهب الفاسدة المنحرفة ويجدون لأنفسهم فرصة عند اشتغال الناس وأهل الخير بالفتن وهذا مما يؤكد على كل مسلم أن يكون في غاية الحذر من الفتن وعوائدها. وأخيراً قال الأستاذ في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر: إن من الآثار أنها تؤدي أو تفضي إلى تسلط الأعداء عندما يتنازع أهل الحق ويفشو فيهم الهرج والقتل ويموج أمرهم وتضطرب كلمتهم يستغل الأعداء هذه الفرصة ويتسلطون على أهل الإيمان ويضغطون عليهم بأنواع من الضغوطات لأنه قد أصبح فيهم شيء من التفكك وضعف الرابطة وضعف الكلمة والقوة والله تبارك وتعالى يقول: { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } [الأنفال: 46] فالواجب على أهل الإيمان أن يكونوا في غاية الحذر من الفتن وأخطارها وأن يكونوا في حيطة من ذلك وأن يقبلوا على الله سبحانه وتعالى إقبالاً صادقاً بأن يعيذهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يصلح لهم أحوالهم وأن يجمع كلمتهم على الحق والهدى. المصدر شبكه طريق السلف |
2 مشترك
آثار الفتن:في زمن الفتن ترخص دماء المسلمين
الجزائري عبد المعز- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 05/10/2011
الجنسية : جزائر
عدد المشاركات : 3288
مكسب العضو : 40583
نقاط تقييم مواضيع العضو : 21
المزاج : منتديات طموح الجزائر
- مساهمة رقم 1
آثار الفتن:في زمن الفتن ترخص دماء المسلمين
مرتاح بهجرك- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 22/09/2011
الجنسية : العراق
عدد المشاركات : 1082
مكسب العضو : 4717
نقاط تقييم مواضيع العضو : 21
- مساهمة رقم 2
رد: آثار الفتن:في زمن الفتن ترخص دماء المسلمين
الف شكرررررررررررررررر