الصبر فضيلة يحتاج إليها المسلم في دينه ودنياه، وهو الذي يشعُّ للمسلم النور العاصم من التخبُّط، والهداية الواقية من القنوط، قال
: "الصَّبْرُ ضِيَاءٌ"[1]. وعلى الإنسان أن يستعدَّ للحوادث الجسام دائمًا.
والصبر يعتمد على حقيقتيْن؛ أولاهما تتعلَّق بطبيعة الحياة الدنيا، فهي
دار امتحان وتمحيص، وليست بدار جزاء. والحقيقة الأخرى تتعلَّق بطبيعة
الإيمان، قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ
يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ
فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ
صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2، 3].
والصبر من معالم العظمة وإشارات الكمال، ومن دلائل هيمنة النفس على ما
حولها، كما أنه من عناصر الرجولة الناضجة والبطولة الفارعة، ومن ثَمَّ كان
نصيب القادة من العناء والبلاء مكافِئًا لما أُوتُوا من مواهب، ولِمَا
أدّوا من أعمال، سُئل
أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: "الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ"[2]. فاختلاف أنصبة الناس من الجهد والتبعة والهموم الكبيرة يعود إلى طاقاتهم في التحمُّل والثبات.
ومِن ثَمَّ كان المتعرِّض لآلام الحياة يدافعها وتدافعه، أرفعَ عند
الله درجاتٍ من المنهزم القاعد بعيدًا، لا يخشى شيئًا ولا يخشاه شيءٌ.
إنَّ مصاعب الحياة تتمشَّى مع هِمَمِ الرجال علوًّا وهبوطًا، والإسلام
يحمد لأهل البلوى وأصحاب المتاعب رباطة جأشهم، وحسن يقينهم، ولا يعنيه من
الآلام والمتاعب إلاَّ ما تنطوي عليه من امتحان يجب اجتيازه بقوة وتسليم، {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء: 147].
إنَّ التريُّث والمصابرة والانتظار خصال تتَّسق مع سنن الكون القائمة
ونُظُمه الدائمة؛ ولأن الزمن ملابس لكل حركة وسكون في الوجود، وجب
المصابرة وإلاَّ اكتوينا بنار الجزع، ثم لم نُغَيِّر شيئًا.
أنواع الصبر
والصبر أنواع: صبر على الطاعة، وصبر على المعصية، وصبر على النوازل.
فالصبر على الطاعات أساسه أن أركان الإسلام اللازمة تحتاج في القيام بها
والمداومة عليها إلى تحمُّل ومعاناة، قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]. أمَّا الصبر على المعاصي فهو عنصر المقاومة للمُغَوَّيات، التي بُثَّتْ في طريق الناس، قال
: "حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ"[3].
وهناك الصبر على ما يُصيب المؤمن في نفسه، أو ماله، أو منزلته، أو
أهله، وتلك كلها أعراض متوقَّعة، هيهات أن تخلو الحياة منها! غير أن على
المسلم أن يحتمي بالله ويلجأ إليه؛ حتى لا يزيغ يقينه، ولا يضعف دينه، مع
دوام التذكُّر أن كلَّ ما لدى الإنسان إنما هو مِلك لله، يستردُّه متى
شاء؛ فرباطه به أوثق، وحقُّه فيه أسبق، وعلى الإنسان الصبر والاحتساب.
[1] مسلم: كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء (223) عن أبي مالك الأشعري، والترمذي (3517)، والنسائي (2437)، وأحمد (22953).
[2] الترمذي: كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء (2398) عن سعد بن أبي وقاص t،
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد (1481)، وابن ماجه (4024)،
والدارمي (2783)، وقال حسين سليم أسد: إسناده حسن، والحديث صحيح.
[3] مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2822) عن أنس بن مالك t، والترمذي (2559)، وأحمد (8931)، والدارمي (2843).
كان الخط غير واضح تم تعديل من قبل مسلم المراقب العام