إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليماً كثيراً. وبعد... فإن الكبر داء خطير واسع الانتشار قلَّ من يسلم منه ومن شره، بل وكثير ممن هم مصابون بالكبر قد لا يعلمون أنهم مصابون بهذا الداء الخبيث، وكثير منهم يظن أو يفسر الكبر تفسيراً خاطئاً يحصرونه في حرص الإنسان على الملبس الجميل، والمركب الهنيء، والمطعم الطيب، ومنهم من يحصر الكبر في أشخاص الحكام أو الطواغيت، أو في أشخاص الأغنياء المترفين دون غيرهم، وربما يكون هو من المتكبرين وهو لا يدري، وفريق آخر يتكلف التقشف والعيش الخشن، والتواضع للمساكين وهو في حقيقته إمام من أئمة الكبر والمتكبرين، لذا نجد من الضرورة بمكان أن نتناول هذا الموضوع الهام - الواسع الأثر والانتشار - لنجيب فيه على بعض ما يتعلق بالكبر من مسائل وفروع وأحكام. ما هو الكبر وما هو معناه، وما أثره على دين وأخلاق صاحبه، ومتى يبلغ درجة الكفر ومتى يكون دون ذلك، وهل الكبر يمكن أن يصيب الدعاة وطلاب العلم، والعاملين للإسلام، وهل الكبر محصور في طبقة معينة من المترفين أم أنه يمكن أن يصيب جميع شرائح الناس من العوام والفقراء، ثم كيف ومتى يكون الإنسان متكبراً ومتى يكون غير ذلك؟ هذه المسائل وغيرها سنجتهد - إن شاء الله - في أن نجيب عليها بشيء من التفصيل والتحقيق، راجياً من الله تعالى العون، والسداد، والتوفيق. الكبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر: هو رد الحق ودفعه، وعدم قبوله، واحتقار الخلق والاستخفاف بهم، وازدراؤهم والترفع عليهم، كما في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنةَ من في قلبه مثقالُ ذرةٍ من كِبرٍ. فقال رجل: إن الرجل يُحبُّ أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنةً؟ فقال: إن الله جميلٌ يُحبُّ الجمال، الكبر بطَرُ الحق وغمطُ الناس) [مسلم]. وبطر الحق؛ هو رده ودفعه، وغمط الناس؛ احتقارهم والاستخفاف بهم. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره: (التكبر هو رد الحق، واحتقار الخلق، وضد ذلك التواضع، فقد أمر به وأثنى على أهله، وذكر ثوابه؛ فهو قبول الحق ممن قاله، وأن لا يحتقر الخلق، بل يرى فضلهم، ويحب لهم ما يحب لنفسه) اهـ. والحديث الآنف الذكر قد أخرج كون الرجل يحب أن يكون مظهره جميلاً نظيفاً حسناً، من دائرة الكبر والمتكبرين. والكبر نوعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان: فالكبر الذي يكون كفراً وسبباً إلى الكفر هو الكبر الذي يحمل صاحبه على رد الحق أو الأمر الشرعي وعلى دفعه والإعراض عنه، وعلى احتقار الخلق لدينهم وإسلامهم،وعلى أنهم ليسوا على شيء! فمن وقع في هذا النوع من الكبر فقد وقع في الكفر البواح المخرج من الملة، وهو المعني من قوله تعالى: {بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين} الزمر: 59، وقوله تعالى: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم} البقرة: 87، وقوله تعالى: {وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذاباً أليماً} النساء: 173، وقوله تعالى: {وقالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون. قال وما علمي بما كانوا يعملون. إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون. وما أنا بطارد المؤمنين} الشعراء: 111 – 114، فالذي حملهم على رد الدعوة وعدم الدخول في الدين الحق أنه يوجد من أتباع هذا الدين؛ الضعفاء والفقراء والمساكين الذين أطلقوا عليهم وصف الأراذل الذين لا يستحقون أن يكونوا من جلساء المستكبرين، أو يجمع بينهما دين أو حتى مكان! والمستكبر كفره ككفر إبليس وفرعون اللذَين حملهما الكبر على الكفر ورد الحق، وهو قرين لهما في الكفر والكبر والعناد، كما قال تعالى: {إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} البقرة: 34. وقال عن فرعون: {واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق} القصص: 39، ومن صفات فرعون الطاغوتية استخفافه بالعباد كما قال تعالى عنه: {فاستخف قومه فأطاعوه} الزخرف: 54. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقالُ حبة من خردلٍ من كبر). قال ابن الأثير في النهاية: (يعني كبر الكفر والشرك، كقوله تعالى: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}، ألا ترى أنه قابله في نقيضه بالإيمان فقال: "لا يدخل النار من في قلبه مثل ذلك من الإيمان" أراد دخول تأبيدٍ) اهـ. أما الكبر الذي هو دون الكفر ويكون كبيرة من الكبائر، هو الكبر الذي يحمل صاحبه على رد الحق في الأمور المعيشية الدنيوية التي لا علاقة لها مباشرة بالحق الشرعي من تحليل أو تحريم أو غير ذلك من الأحكام، كما يحمله على احتقار الخلق لا لدينهم وإسلامهم وإنما لميزة يراها في نفسه دون الآخرين! فهذا النوع من الكبر يدخل في معنى ومسمى الكبر، وهو خطير جداً على دين وأخلاق صاحبه، وهو بريد إلى الكبر الأكبر، لكن لا يرقى به إلى درجة الكفر الأكبر الذي يخرجه من الملة، كما في الحديث عن سلمة بن الأكوع: (أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال: كل بيمينك. قال: لا أستطيع! قال صلى الله عليه وسلم: لا استطعت ، ما منعه إلا الكبر. قال: فما رفعها إلى فيه) [مسلم]، أي ما قدر أن يرفع يده إلى فيه. والشاهد أن هذا الرجل رغم أنه امتنع عن الأكل باليمين كبراً، لكنه تستر بالعجز وعدم الاستطاعة، فإنه لم يكفر بذلك، ولم يحمله النبي صلى الله عليه وسلم على التوبة والدخول في الإسلام من جديد. |
2 مشترك
احذر الكبر أو أن تكون من المتكبرين
الجزائري عبد المعز- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 05/10/2011
الجنسية : جزائر
عدد المشاركات : 3288
مكسب العضو : 40583
نقاط تقييم مواضيع العضو : 21
المزاج : منتديات طموح الجزائر
- مساهمة رقم 1
احذر الكبر أو أن تكون من المتكبرين
خليل إبراهيم- صاحب الموقع
- تاريخ الإنضمام : 02/12/2009
الجنسية : أردني وافتخر
عدد المشاركات : 9177
مكسب العضو : 122149
نقاط تقييم مواضيع العضو : 118
العمر : 34
المزاج : رايق
- مساهمة رقم 2
رد: احذر الكبر أو أن تكون من المتكبرين
بارك الله فيك