[center]بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ------------- المنهجية في الجمع بين الفقه وأصوله محاضرة مفرغة لمعالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشتري - عضو هيئة كبار العلماء سابقا - ألقاها يوم : 1432-03-18 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد : فحياكم الله في هذا المجلس العلمي الذي يُأمَلُ أن يكون من قَصَدَهُ ممن دخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم : [ مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الجَنَّةِ ])[1](. ويأمل في من حَضَرَهُ أن يكون ممن يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم : [ مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ])[2](. ما معنى [ يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ] ؟ أي يُعَرِّفُهُ بأحكام الشريعة ويُبَيِّنُهَا له و يُوَضِّحُهَا ، فالمراد بالفقه في الدين هنا جميع أحكام الشريعة ؛ فإن كلمة الفقه تطلق ويراد بها في اللغة الفهم كما هو معروف . لكن في الإصطلاح تطلق على أربعة معاني : * المعنى الأول: جميع أحكام الشريعة فإنه يسمى فقها ، ولذلك قال الإمام أبو حنيفة : الفقه معرفة النفس ما لها وما عليها . وهذا المعنى هو المراد بكلمة الفقه في قول الله عزوجل : -(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)- [التوبة/122] ولعله هو المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم : [ مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ])[3](. * المعنى الثاني من معاني كلمة الفقه أن يراد بهذه الكلمة الفقه : الأحكام العملية ، ويقابلها العقيدة ويراد بها أحكام ما في القلوب . مثال ذلك : الخوف والرجاء هذه من أعمال القلوب ، هذه من أمور القلوب وليست من أعمال الجوارج ، ومن ثَمَّ على هذا الإصطلاح الثاني لا تسمى فقها ولا تدخل في الفقه ،وهذا هو الإصطلاح الذي سار عليه أكثر علماء الشريعة أن يسموا الفقه يريدون به الأحكام العملية ، وهو الذي وضعت على أساسه المؤلفات الفقهية . مثال ذلك :لما يأخذ الإنسان كتاب المغني في الفقه، أو يأخذ الكافي في فقه الإمام أحمد،هذه الكتب ألفت في الفقه ، وإذا نظرنا فيها وجدنا أن الأحكام التي اشتمل عليها هاذان الكتابان أحكاما فقهية بمعني أنها أحكام عملية ، ولو كانت مقطوعا بها مثل وجوب الصلاة هذا حكم قطعي لكنه لما كان عمليا أدخلوه في مسمى الفقه . * والإصطلاح الثالث في كلمة الفقه : قصر الفقه على الأحكام الشرعية غير المعلومة بالضرورة يعني غير القطعية ، الأحكام الاجتهادية يسمونها فقه ، وهذا سار عليه الرازيوجماعة ، ولكن يترتب عليه أن بعض المسائل العقدية التي ليس فيها دليل قاطع تعتبر من الفقه ، مثل مسألة هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه في الدنيا أو لا ؟ )[4](فهذه مسألة ليس فيها دليل قاطع وليست من مسائل الفقه ، مما دَلَّ على أنه لا يصح جعل الفقه هو المسائل الاجتهادية الظنية . * الإصطلاح الرابع : أن يراد بالفقه القدرة على الفهم بأن يكون عند الإنسان مَلَكَةً فقهية تُمَكّنُهُ من فهم المسائل ومن استنباط الأحكام من الأدلة ، هذه المَلَكَةُ الفقهية التي هي المعنى الرابع من معاني الفقه إذا وجدت عند شخص من الأشخاص فهو من الفقهاء يصبح حينئذ فقيها ، أما إذا لم يكن عنده هذه المَلَكَة وليس لديه هذه القدرة فإنه ليس من الفقهاء ولا يصح له الاجتهاد بل الواجب عليه سؤال العلماء . هذه الملكة تتكون عند الإنسان من خلال أو بواسطة خمسة أمور : - الأمر الأول : معرفة الأدلة الشرعية وما يصلح أن يكون منها دليلا وما لا يصح أن يكون دليلا . - والأمر الثاني : معرفة قواعد الفهم والاستنباط ، قد يسميها بعضهم قواعد اللغة من مثل قولنا : مفهوم الموافقة حجة، ومن مثل قولنا : دلالة الاقتضاء دلالة صحيحة ، ومن مثل قولنا : إذا تعارضت دلالة الإشارة ودلالة التنبيه قُدِّمت دلالة التنبيه ونحو ذلك .من لم يعرف قواعد الاستنباط لم تتكون لَدَيه المَلَكَةُ الفقهية . - الأمر الثالث : معرفة كيفية تنزيل الوقائع أو تنزيل النصوص على الوقائع ، بحيث يكون قادرا على معرفة هل هذا النص يَصِحُّ استخدامه في هذه المسألة أو لا . - الأمر الرابع : هو فهم المسائل التي يراد البحث والاجتهاد فيها ، ومن لم يكن فاهما للمسائل عارفا بها - المسائل الجديدة النازلة - لم يَصِحَّ له أن يجتهد فيها . - والأمر الخامس : مما نحتاج إليه في تكوين المَلَكَةِ : النظر في اجتهادات الفقهاء لنتعلم منهم كيف نجتهد وكيف نستنبط . إذن هذه قواعد تُكَوِّنُ المَلَكَةَ الفقهية عند الإنسان ومن ثَمَّ يكون من الفقهاء ، من لم توجد فيه هذه الأمور فهو ليس من الفقهاء . إذا تقرر هذا فإن الكلام في هذا الموضوع يَجُرُّنَا على الكلام عن الاجتهاد ؛ والمراد بالاجتهاد استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة هذا هو الإجتهاد . وعلاقته بما نحن فيه أن الاجتهاد ثمرةٌ للملكةِ الفقهيةِ ، وقد يكون عند الإنسان قدرة على الاجتهاد وإن لم تتكون له مَلَكَةٌ فقهية تامة ، لكن لابد أن يكون عنده مَلَكَةٌ فقهية ولو ناقصة . (شروط الاجتهاد) : الاجتهاد يشترط له أربعة شروط : - أولها : معرفة الأدلة في المسألة الـمُجْتَهَدِ فيها . - وثانيها : العلم بقواعد علم الأصول - أصول الفقه - . - وثالثها : معرفة مواطن الإجتهاد والاختلاف لئلا يجتهد في مسألة إجماعية فيخالف الإجماع السابق . - والشرط الرابع : أن يعرف من لغة العرب ما يُمَكِّنُهُ من فهم النصوص الشرعية ، من لم يكن قادرا على فهم النصوص فلا يصح منه الاجتهاد . (فائدة) : وهنا مسألة تتعلق بغير الناطقين باللغة العربية : هؤلاء هل يتمكنون من تحصيل الاجتهاد ؟ نقول : آلة الإجتهاد عندهم آلة ناقصة وذلك لثلاثة أمور : - أولها: أنهم لا يعرفون القرآن والسنة وإنما يعرفون معانيهما بحسب ترجمة مترجم ، والجهد البشري قد يعتريه النقص سواء في التفسير الأول أو في الترجمة بخلاف القرآن فإنه لا يعتريه نقص . - والأمر الثاني : أن المصطلحات الشرعية لا يُتْقِنُهَا من لا يحسن اللغة العربية ، ومن ثَمَّ قد يُنَزِّلُ الحكمَ على خلافِ المراد به . أورد لذلك نموذجا : كان في أحد البلدان الأوربية فأتاه شخص أعجمي يتكلم بلغة مكسرة فقال : أنتم يا أيها الوهابيون تقولون مقالة شنيعة وقولا عظيما وزورا وبهتانا . كيف ذاك ؟أنتم تقولون : الرسول صلى الله عليه وسلم بشر وهذا احتقار لمكانة هذا النبي ، وإنقاص منها ومخالفة للقرآن والسنة . فَسُئلَ عن : أين آية القرآن التي تخالف هذا حتى نأخذ بها ؟ فقال : إن الله عزوجل يقول في آخر سورة الكهف : (قُل إنَّ ما أنا بشر) الله يقول :ما أنا بشر. فنقول : العُجمَةُ أَثَّرَتْ عليه فلم يفهم هذا اللفظ على مراد الله عزوجل منه ، ولذلك يقال له : أكمل الآية . -(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)- (يوحى إلي أنَّ مَا إلهكم إله واحد) . أعوذ بالله لا ، -(أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)- [الكهف/110]. فيقال له : كما قلت في الثانية قل في الأولى . من أين أوتي ؟ من عدم معرفته باللغة . ومن أمثلته أيضا : أن تجد مثلا في التفسير في ترجمة معني القرآن باللغات الأخرى تجد أن فيها نقصا وتجد أن فيها خطأً ، أنا أضرب مثلاً لشيء في كثير من كتب التفسير أو كتب ترجمة معاني القرآن ؛ يقول الله عزوجل مثلا : -(وَالْعَصْرِ)- [العصر/1] نحن نفهم أن الواو للقَسَمِ ، فَيُقْسِمُ الله عزوجل بهذا الجزء من النهار ، قد يوجد في بعض ترجمات معاني القرآن كتبت :" and asr " ، " and " بمعنى حرف الواو العطف حرف العطف ، فيكون تفسيراخاطئا)[5](، من أين أوتي ؟ من عدم معرفة لغة العرب . كذلك من لا يحسن العربية قد تَلتَبسُ عليه الألفاظ لأن اللفظ الواحد يطلق ويراد به معانٍ متعددة يدل عليه السياق بحسب مراد المتكلم ويدل عليه السياق . من أمثلة ذلك ، من يمثل ؟ الكتاب قد يراد به القرآن وقد يراد به اللوح المحفوظ قد يراد به صحائف الأعمال ، فعندما يأتي الأعجمي لهذا اللفظ قد يُنزلُهُ على غير مراد الله فيه ، وإن سَلِمَ من الخَطَإِ في بعض المواطن فلن يَسْلَمَ من الجميع . طيب ، إذا عرفنا أن الأَوْلَى في المَلَكَةِ أن يكون تحصيل الفقهِ بمعرفةِ لغة العرب فَيُحَصِّلُ من لغة العرب ما يُمَكّنُهُ من فهم كلامهِمْ وتَنْزِيله على مراد المُتَكَلِّمِ مِنْهُ . (أنواع المجتهدين) : إذا تقرر هذا فإن المجتهدين على أربعة أنواع ، أهل الاجتهاد قل على خمسة أنواع ، كم نوع ؟ خمسة . هذا التقسيم مبني على ملاحظة مدى الارتباط ارتباط الفقيه بالفقه وأصوله . * أعلالها : - أعلى المجتهدين - رتبة المجتهد المطلق : وهو الذي لا يَتَقَيَّدُ بمذهب إمامٍ لا في الأصول ولا في الفروع ، بحيث يكون قد نَظَرَ في القواعد سابقا وتَمَكَّنَ منها وضَبَطَهَا ، واجتهد فيها ولم يَتَقَيَّد بالمذهب فيها ، فلما وردت عليه مسألة من المسائل اجتهد بناءً على قدرته على الاجتهاد وبالنظر في الأدلة الشرعية ، هذا يسمى المجهد المطلق ، لماذا سمي المجهد المطلق ؟ لأنه لايتقيد بأصول إمام ولا بفروعه . * النوع الثاني - من أنواع المجتهدين - من يُسَمَّوْنَ بأصحاب الوُجُوهِ : أصحاب إيش ؟؟ أصحاب الوُجُوهِ . والمراد بهم من لا يَـخْرُجُ عن مذهب إمامه في الأصول ، القواعد الأصولية لا يخرج عن مذهب الإمام ، لكنه في الفروع قد يجتهد ويختار قولاً مخالفاً للأقوال الواردةِ في المذهب . من هؤلاء ؟ يُسَمَّوْنَ أصحاب الوُجُوهِ ، لأن الأقوال في المذهب إما أن تكون : أ- روايات منسوبة للمذهب . ب- وإما أن تكون وُجُوهاً منسوبة إلى الأصحاب ، وهؤلاء عندهم اجتهادات فتسمى اجتهاداتهم أوجها ، ومن ثم قيل لهم :أصحاب الوُجُوهِ . * النوع الثالث أصحاب التَّرْجِيحِ : وهم الذين يَنظُرُونَ في الروايات الواردة عن الإمام فَيُرَجِّحُونَ بينها بحَسْبِ قواعد الإمام وأصوله ، عندما تأتيهم مسألة ينظرون فيها ويرجحون بين الأقوال بناء على قواعد المذهب ، هؤلاء يسمَّون أصحاب الترجيح . * النوع الرابع أصحاب التَّخْرِيجِ:ما معنى كلمة التَّخْرِيجِ ؟ القياس ، معنى كلمة التَّخْرِيجِ هنا القياس ، أي أنه إذا وردت إليهم مسألة نَازِلَةٌ طَبَقُوهَا على الفروع الواردة عن إمامهم وقَاسُوهَا عليها. مثال ذلك: رَكِبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الجَمَلَ ، وفي عصرنا الحاضر جاءتنا مراكب حديثة ما بين سيارات إلى طائرات إلى غيرها . ما حكم ركوبها ؟ حرام ، صح ولا لا ؟ أقول :مباح . من أين أَخَذْتُ الإِبَاحَةَ ؟ القياس على ماذا ؟ على ركوب الخيل ، هذا القياس يسمى التَّخْرِيجَ ، وأصحابه يُسَمَّوْنَ أصحاب التَّخْرِيجِ وهؤلاء لا يَخْرُجُونَ عن أقوال أئمتِهم . * النوع الأخير أصحاب الحِفْظِ : وهم الذين يَحْفَظُون الأقوال الفقهية والكتب الفقهية . إذن هؤلاء من هم ؟ أصحاب الاجتهاد ، منهم من له الحق أن يجتهد ، ومنهم من لاحق له في الاِجتهاد . (أركان علم الأصول) : إذا نظرنا في هذا فإن تدريس أو إن إيجاد المَلَكَةِ الفقهية والاجتهاد عند الإنسان يرتكز على دراسة علم الأصول ؛ وذلك لأن علم الأصول مبني على أربعة أركان ، كم هي أركان أصول الفقه ؟ أربعة : أ- الركن الأول : تصور الأحكام الشرعية ، وايش معنى صحيح ؟ ما معنى فاسد ؟ ما معنى نافذ ؟ ما معنى معيار وظرف ؟ ما الفرق بين المكروه تنزيها والمكروه تحريما ؟ هذا القسم الأول وهو تصور الأحكام الشرعية . ب- القسم[ الركن ] الثاني : معرفة الأدلة ، أي ما هو الدليل الصالح للاستدلال به في مسائل الفقه ؟ أنت ،أنا أطلب خمسمائة ، لو جاءك إنسان وقال لك أطلب خمسمائة ، وقلنا له : من أين تطلبه ؟ قال : لأني رائي رؤيا منامية إنك تعترف بأنك واخذ مني خمسمائة . أعطه الخمسمائة ... آه يكذب ؟ يمكن صادق ؟ يمكن يراك في المنام وصادق في هذا ؟ نقول الرؤيا المنامية لا يصح الاستدلال بها ، صح الرؤيا المنامية لا يصح الإستدلال بها ، يمكن الشيطان جاءك في المنام وتلاعب بك في منامك ، أليس كذلك ؟ إذن نحن نحتاج إلى معرفة الأشياء التي يصح الاستدلال بها والأشياء التي لا يصح الاستدلال بها . في مسائل الفقه مرات يأتون بأشياء ليست بدليل ولا يصح الاستدلال بها ، على نسق كلام الصوفية : حدثني قلبي عن ربي . وبالتالي يُقَرِّرُحكما شرعيا بناء على ذلك . نقول : ما يَصحُّ هذا . من أين عرفنا أن هذا لا يَصحُّ الاستدلال به ؟ من تدارس علم الأصول . إذن هذا في أصل الدليل ، مرات قد يكون أصل الدليل مقبولا لكن فروعه غير مقبولة . السنة النبوية حجة ودليل ، لكن إذا جاءنا إنسان بحديث ضعيف قلنا ما يصح بناء الأحكام عليه . ومن ذلك بناء الأحكام على القياس فنحتاج إليه فلا يكون الإنسان مجتهدا إلا إذا كان عارفا بالقياس ، ومثل الاستصحاب وسد الذرائع ؛ متى يكون سد الذرائع دليلا ومتى لا ...؟ هناك ضوابط معينة ندرسها في هذا العلم . قد يكون الدليل صحيحا وهذا القسم مما يصح الاستدلال به ، لكن هذه الجزئية لم يصح لأننا قد عرفنا أن الراوي قد أخطأ أو أنه قد سقط بعض طبقات الإسناد . ج- القسم [ الركن ] الثالث : معرفة أصول الفقه يعني قواعد الفهم والاستنباط ، ما نَتَمَكَّنُ من فهم الكتاب والسنة فهما صحيحا إلا بمعرفتهما . د- القسم [ الركن ] الرابع ، إذن قلنا علم الأصول يكون من أربعة أقسام: الأول : تصور الأحكام الشرعية . الثاني : إيش الأدلة ما يصح أن يكون دليلا وما لا يصح . الثالث : قواعد الفهم والاستنباط والتي هي جزء من علم أصول الفقه ؛ الأمر للوجوب ، مفهوم المخالفة حجة ، حجية مفهوم الصِّفَةِ ، دَلَالَةُ التَنْبِيهِ ، الاِقتضاء ... إلى غير ذلك من أنواع الدلالات . د- القسم [ الركن ] الرابع : الاجتهاد والتقليد ، بحيث نعرف من هو صالح لأن يأخذ الأحكام من الأدلة ومن لا يصح ، هناك شروط معينة للمجتهد ، وهناك طرائق للاجتهاد لا يجوز للإنسان أن يخرج عنها . إذن هذا هو القسم [ الركن ] الرابع الاجتهاد والتقليد . من لم يكن مجتهدا وجب عليه سؤال العلماء والرجوع إليهم لقوله : -(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)- [النحل/43] . (طرائق الجمع بين دراسة الفقه وأصوله) : ندخل قليلا في ما يتعلق بموضوع المحاضرة وهو الربط بين الأصول والفقه أو الفروع . إذا نظر الإنسان للتعليم - تعليم الأصول وتعليم الفقه - وجد أن من الضروري ربط هذين العِلْمَيْنِ بِبَعْضِهِمَا . ونتكلم عن أوجه الربط وطرائق الربط ، ثم نتكلم عن أنواع الناس في هذا الباب . * الطريقة الأولى من طرائق الربط : ربط دراسة الأصول بالفروع بحيث إذا درسنا قاعدة أصولية درسنا الفروع الفقهية المترتبة عليها . وهذه يختلف العلماء فيها على طريقتين : 1- الطريقة الأولى : ربط الخلاف الفقهي بالخلاف الأصولي . 2- والطريقة الثانية : ربط الدليل الجُزْئِيِّ بالقاعدة الأصولية . شو الفرق بينهما ؟ أنا أضرب لذلك مثال : أنا أُدرسكم قاعدة : الأمر للوجوب ، جئنا في مسألة صلاة الوتر لما أقول أَرْبِطُ الخلاف بالخلاف فأقول :اختلف الفقهاء في حكم صلاة الوتر ؛ الجمهور يقولون متسحبة والحنفية يقولون واجبة . ما دليل الحنفية ؟ هو قول النبي صلى الله عليه وسلم : [ أوتروا يا أهل القرآن ])[6]( هنا أمر والأصل في الأوامر الوجوب . جاءنا شخص وقال : قاعدة الأمر للوجوب يترتب عليها مسألة وجوب الوتر . نقول : لا هذا الربط فيه ما فيه ، إذن هنا رَبَطْنَا الخلاف الفقهي بالخلاف الأصولي ،وهذا التَخْرِيجُ فيه ما فيه . النوع الثاني ربط الدليل الجزئي هو قوله : [ أوتروا يا أهل القرآن ] بالقاعدة ، ما نربط الخلاف الفقهي وإنما نربط الدليل الجزئي هنا بدليل جزئي . طيب الطريقة الأولى وهي ربط الخلاف الفقهي بالخلاف الأصولي هذه سار عليها أكثر العلماء وكتب فيها أُنَاسٌ كُثُر ، ولذلك لما تجد مثلا كتاب تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ، أو كتاب مفتاح الأصول للتِّلْمِسَانِي، أو كتاب التمهيد للإِسْنَوِيأو غيرها من الكتب ، أو كتاب القواعد والفوائد الأصولية لابن اللَّحَّامِ تجدهم يَبْنُونَ على هذه الطريقة ؛ يأتون بالقاعدة الأصولية ويربطون بين الخلاف الفقهي مع الخلاف الأصولي . هذه الطريقة عليها محاذير كثيرة ، وأنا أورد لكم بعض المحاذير لتَنْتَبِهُوا لها : أ - المحذور الأول : أن المسألة الأصولية كُلِّيَةٌ بَيْنَمَا الفرع الفقهي قد يكون الخلاف فيه ليس ناشئا عن الاختلاف في الأمر الكلي ، يعني مثال ذلك : قبل قليل قلنا قاعدة الأمر للوجوب وجبنا [ أوتروا يا أهل القرآن ])[7](هنا أمر ، الذي يخالف ويقول : الوتر ليس للوجوب ، لا يقول لأن السبب أن الأمر لا يفيد الوجوب ، وإنما يقول لأن هنا مانعٌ يَصْرِفُ الأمر من الوجوب إلى الاستحباب . إذن هو لم يُخَالِفْ في أصل القاعدة وإنما خالف في وجود المانع ، فعندما نربط بين الخلاف الفقهي والخلاف الأصولي نكون في الحقيقة مُخْطِئِينَ . ب - الإشكال الثاني :أن الخلاف الفقهي ترتبط الأقوال فيه بأدلة متعددة ولا تَقْتَصِرُ على دليل واحد ، فإذا ربطنا الخلاف الفقهي بالخلاف الأصولي كأَنَّنَا حصرنا المسألة الفقهية في أحد الأدلة ،واضح ولا نجيب مثال ؟ مثال ؟ طيب . يقول : من المسائل الخلافية مسألة بيع العِينَةِ ، وايش معنى بيع العِينَةِ ؟ بيع العِينَةِ أن أبيعك السلعة كم قيمتها ؟ أبيعك هذه السلعة بعشرة مليون تسددها لي [عبر] سنة ، ثم تُعَاوِد تبيع لي السلعة بثمانية ملايين حَالَّةً هَا الِحين . هذه إيش تسمى ؟ إحنا دَخَّلْنَا هذا الكأس كله علشان بس حيلة ، وَلاَّ نهايةُ المعاملة ثمانية ملايين تُسَلَّمُ حَالَّةً مُقَابِل عشرة ملايين تُسَلَّمُ بعدَ سنةٍ هذا بيع عينة [ أو عكس بيع العينة ] . بيع العِينَةِ اختلف الفقهاء في جوازها ؛ فالجمهور يقولون هي حرام ، والشافعية يقولون هي جائزة ، كان من أدلة الجمهور أن زيد بن ثابت)[8]( بَاعَ بِبَيْعِ عِينَةٍ ، فَأُخْبِرَتْ عائشة بذلك فقالت عائشة رضي الله عنها : أخبري زيداً أنه قد أَبْطَلَ جِهَادَهُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)[9](. فجاءنا إذن وقع خلاف مَنْشَأُهُ اختلفوا في هذا الدليل . جاءنا بعض الفقهاء وقال : هذا الخلاف الفقهي مرتبط بالخِلاف في مسألة حُجِّيَةِ الصحابي ؛ فمن قال بأن قول الصحابي حُجَّةٌ قال بَيْعُ العِينَةِ حرام . ومن قال قول الصحابي ليس بحجة قال : بيع العِينَةِ مباح .هذا الربط رَبْطٌ خاطئٌ ؛ لأن المسألة فيها أدلة أخرى . بعضهم يستدل بقوله تعالى : -(وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)- [المدثر/6] ، وبعضهم يستدل بما ورد في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إذا تبايعتم بالعِينَةِ واتَّبَعْتُمْ أذناب البقر وتَرَكْتُمُ الجهادَ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ - إيش ؟ - عدوا أو ذلا لا يرفعه عنكم حتى تُرَاجِعُوا - إيش ؟- دينكم ])[10](. ولذلك أنا قد أقول : بأن قول الصحابي ليس بحجة ولا أستدل بأثر عائشة لكنني أمنع من العِينَةِ بناءً على هذا الحديث . وفي المقابل قد يقول قائل : أنا أقول بأن قول الصحابي حجة ، لكن بَيْعُ العِينَةِ عندي مباح لأن هذا لم يثبت عن عائشة مثلا . فإذن قد يكون الاختلاف الفقهي ليس مرتبطا بالخلاف الأصولي وإنما يكون لسببِ دليلٍ آخر في المسألة أو بسبب عدم صحة الدليل مثلا . ج - الإشكالية الأخرى : التي سار عليها هؤلاء كثيرا أنهم طَبَّقُوا القواعد الأصولية على الألفاظِ من الإِقْرَارَاتِ والطلاقِ والعقودِ ونحو ذلك ، والمقصود من القواعد الأصولية أَصَالَةً هو الدليل الشرعي . إذن هذه الطريقة عليها هذه المحاذير ولذلك من الأولى ألاَّ نَرْبِطَ الخلاف الفقهي بالخلاف الأصولي ، وإنما نَرْبِطُ الدليلَ الجُزْئِيَّ بالقاعدةِ الكُلِّيَةِ أو القاعدة الأصولية . (فائدة) : هل يناسب عند دراسة الأصول أن نَدْرُسَ الفقه وأَنْ نُبَيِّنَ التَّطْبِيقَاتِ الفقهية أو لا يناسب ؟ عندنا خلاف في هذه المسألة ، هل يناسب وضع تَطْبِيقَاتٍ فقهية عند الدراسة الأصولية أو لا ؟ أكثر العلماء المتقدمين يقولون هذا ما يصح هذا غير مناسب ، ليش ؟ قالوا : لأن هذا من خَلْطِ العلوم ، وبعدين المسائل الفقهية [...])[11](ولا ينبغي أن تبحث في الأصل ، ولذلك ينكرون يقولون هذا ما يفعله إلا البَلِيدُ . وإن كان مرات بعضهم تَكَلَّمَ بمثل هذا يغمز به على طريقة الحَنَفِيَّةِ ، لأن الحَنَفِيَّةَ كانوا يَأْخُذُونَ القواعد الفقهية من الفروع الفقهية الواردة عن أئمتهم ، ولهم طرائقهم الخاصة في الاصطلاحات والاجتهاد ، ولذلك تجد الكتب الأصولية عند علماء الحَنَفِيَّةِ مَلِيئَةً بالفروع الفقهية . بينما طريقة الجمهور أنهم يدرسون القواعد الأصولية مُجَرَّدَةً عن الفروع الفقهية ، وإنما قد يذكرون مسألة على جهة التمثيل لا على جهة التطبيق من أجل الفهم فقط . * الطريقة الثانية من طرائق الحمع بين الدراسة الأصولية والدراسة الفقهية : دراسة القواعد الأصولية من خلال دراسة الفروع الفقهية من خلال أدلتها . مثال ذلك : لما قال الله عزوجل -(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)- [البقرة/278-279] عندما يبحث الإسنان في مسائل الربا في الفقه يقرر أن الفقه حرام ويقول : والأصل في تحريمه : -(وَحَرَّمَ الرِّبَا)- [البقرة/275] ولفظة التحريم صريحة في إثبات حُكم الحرام ، هذه القاعدة لفظة التحريم صريحة في التحريم أو في إثبات لفظ الحرام هذه قاعدة أصولية وبالتالي نتمكن من الربط بين الفقه والأصول من خلال ذلك . ثم يستدل بقوله عزوجل -(اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا)- [البقرة/278] فقوله : -(ذَرُوا)- هذا أمر بالترك والأمر بالترك يفيد التحريم ، وقوله : -(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)- [البقرة/278] فيه دلالة على ان أكل الربا حرام ، لماذا لأنه علق الإيمان - المعنى الكامل - على تركه . فنأخذ من هذا أن ما عُلِّق الإيمان عليه فهو واجب ، وتركه يكون محرما . يعني مثال ذلك الحديث [ أوتروا يا أهل القرآن ]لما يأتي مستدل يتكلم عن مسائل فقهية في باب الوتر ويقول : الوتر ليس بواجب على من ليس من أهل القرآن ، غير حفظة القرآن لا يجب عليهم الوتر استدلالاً بقوله النبي صلى الله عليه وسلم : [ أوتروا يا أهل القرآن ]فإنه لما خاطب أهل القرآن بالأمر بالوتر دل هذا على أن غير أهل القرآن لا يخاطبون بالأمر به ، فإذن الأمر هنا مختص . القاعدة هنا أن الأمر المخصوصبطائفة لا يشمل من لا يماثلهم في المعنى ، أو اختصاص الحكم بالوصف المرافق له وهذا يسمونه دلالة القصر أو بعبارة أخرى دلالة مفهوم المخالفة ، فإنه لما أمر أهل القرآن بالوتر دل ذلك على أن غير أهل القرآن لا يأمرون بالوتر . إذن هذه الطريقة هي طريقة دراسة الفقه ثم بعد ذلك ندرس القاعدة الأصولية ، لكن تلاحظون أن هذا لا يكون إلا عند دراسة الفقه بطريقة الإستدلال ، أما طريقة دراسة الفقه بتحليل الألفاظ بدون أن يكون هناك استدلال فإنه لا يمكن في الربط بين الأصول والفقه . وتلاحظون أيضا أن كثيرا من المؤلفين في الفقه قد يغفل هذا ، تجده مثلا يقول : الأصل في البيع الإباحة لقوله : -(وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ)- [البقرة/275] ولأن النبي صلى الله عليه وسلم باع واشترى . فأسقط وجه الاستدلال وبالتالي قد لا تتنبه إلى القاعدة الأصولية التي استعملت لاستخراج هذا الحكم بواسطتها من الدليل . -(وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ)- هنا تصريح بالإحلال فيدل على جوازه ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم باع في مقدمة أخرى وهي أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم حجة ، وأن الفعل المجرد من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الإباحة . هذه القواعد لم تذكر لكن طالب العلم ينبغي به أن يكون متنبها لها ، وهذه في جميع العلوم وهو أن أهل العلم يحذفون بعض المقدمات لظنهم أنها معلومة ، فيقع اللبس وعدم الفهم عند كثير من القراء . * الطريقة الثالثة من طرائق الربط بين الأصول والفروع : الربط بينهما عند دراسة النصوص الشرعية: يعني عند تفسير القرآن أو شرح الأحاديث النبوية يقوم الفقيه باستنباط الحكم من الدليل ويوضح القاعدة ، فلان في درس تفسير فيقول : هذه الآية تدل على كذا فَيُوَضِّحُ القاعدة التي اسْتَنَدَ عليها في ذلك . إذا نظر الإنسان في المدرسين الذين يُدَرِّسُونَ في الأصول وجد بأنهم على أنواع : 1- النوع الأول: مَن يدرس القواعد الأصولية مُجَرَّدَةً ما معها فروع ، هذا إذا كان فاهماً فهو جيد لأن الفاهم في علم الأصول نوادر صح ولا لا ؟ 2- القسم الثاني من أنواع الأساتذة: من يُدَرِّسُ القواعد الأصولية ويُفَرِّعُ عليها الفُرُوعَ الفقهية المذكورة عند الأصوليين ، وهذا أحسن من الأول . 3- والثالث: من يدرس القواعد الأصولية ويُطَبِّقُهَا على الفروع الفقهية المذكورةِ في كتب الفقهاء ، وهذا أحسن من الذي قبله . 4- والنوع الرابع : من يُطَبِّقُ القواعد الأصوليةَ على المسائل النازلةِ - المسائلُ المعاصرة الجديدة - ، هذا هو الفقيه حَقَّ الفِقْهِ ، لكن هذا نادر أصحابه ما يعدون إلا بالأصابع . إذن هناك من يُدَرِّسُ الأصول بدون ذكر الفروع ، وهناك من يُدَرِّسُ الأصول بِذِكْرِ الفروع التي يَذْكُرُهَا الأصوليون ، وهناك من يُدَرِّسُ الأصول بِذِكْرِ فروع فقهية مبنيةٍ على تلك القاعدة الأصولية من كتب الفقهاء ، وهناك من يُدَرِّسُ القواعد الأصولية ويُنَزِّلُـهَ على المسائلِ الجديدة والنَّازِلَةِ . أُنَبِّهُ إلى قضيةٍ هنا وهي أن عِلْمَ الأصول لا يَقْتَصِرُ على الفقه ، بل القواعد الأصولية كما يأخذ منها أحكام فقهية يُأْخَذُ منها أحكام في كل المجالات في كل العلوم . مثال ذلك : في مسائل العقيدة نأخذ فروعا فقهية من النصوص بواسطة قواعد أصولية ، ما حكم الإيمان ؟ ايش ؟ واجب ، وايش الدليل ؟ -(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا )- [النساء/136] طيب كملوا إحنا قلنا قبل اشوي أن كثيرا من الفقهاء ما يَذْكُرُونَ وَجْهَ الاستدلال وبالتالي لا يربطون بين المسألة الفقهية أو العقدية وبين القاعدة الأصولية ، فتقول هنا : -(آَمِنُوا )- فعل أمر والأمر يدل على الوجوب ، هنا اسْتَنْبَطْنَا حُكْماً عَقَدِياً بواسطة القواعد الأصولية . ولذلك قال المعتزلة بأن الله لا يُرَى)[12](، رَدَّ عَلَيْهِمْ أهل السنة باستدلالات كثيرة ، من تلك الإستدلالات قوله عزوجل : -(كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ)- [المطففين/15] في سورة المطففين ، فإنه قَسَّمَ النَّاسَ إلى قسمين : فُجَّارٌ وأَبْرارٌ ، فذكر أن الفجار مَحْجُوبُونَ عن ربهم جل وعلا فدل ذلك على أن المُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ ربهم لا يُـحْجَبُونَ ، هذا ويش يسمى ؟ مَفْهُومُ المُخَالَفَةِ ولا مَفْهُومُ التَّقْسِيمِ ؟ اللي يقول مَفْهُومُ المُخَالَفَةِ يرفع يده ، بس واحد ، اثنين ثلاثة .... طيب اللي يقول مَفْهُومُ التَّقْسِيمِ يرفع يده . هو الآن قَسَّمَ الناس مؤمن أبرار وفجار ، حَكَمَ على أحد القِسْمَيْنِ بحكمٍ دَلَّ ذلك على أن القسم الآخر لا يُحْكم عليه بهذا الحكم . اه من يقول بأنه مفهوم تَقْسِيمٍ ؟ بس ، لا . غَلَطْ مَفْهُومُ التقسيم أحد أنواع مفهومِ الـمُخَالفة ، فهذا مثال لمفهوم التقسيم وهو في نفس الوقت مفهوم مخالفةٍ لأن مفهوم التقسيم أحد أنواع مفهوم المخالفة . المقصود أننا استدللنا بهذه القاعدة الأصولية في حكم عقدي وهو إثبات رؤية المؤمينن لربهم جل وعلا ، فَدَلَّنَا هذا على أن القواعد الأصولية لا يصح أن تُحْصَرَ في مسائل الفقه العملية ، وإنما طرائق فهم الكتاب والسنة هي قواعد الأصول . (أوجه الترابط بين الفقه والأصول ، ومدى حاجة الفقيه إلى علم أصول الفقه) إذا أردنا أن نَتَعَرَّفَ ما هي أوجهُ الترابطِ بين الفقهِ والأصول ؟ وما مدى حاجة الفقيهِ إلى معرفة الأصول ؟ اللي يبغى يصير فقيها هل يحتاج إلى أن يدرس الأصول ويعرف الأصول أو لا يحتاج ؟ يحتاج ؛ لماذا هو يحتاج ؟ لأمور : - أولها : الاستنباط لأنه لا يَتَمَكَّنُ من استنباط الأحكام الفقهية من الأدلة إلا بواسطة القواعد الأصولية ، فإذا لم يعرف القواعد الأصولية لم يَتَمَكَّنْ من استنباطِ أحكام المسائل الفقهية . - الأمر الثاني : الإِحَاطَةُ بمسائل الفقه ، مسائل الفقه كثيرة متعددة لَكِنَّكَ إذا عرفت قواعد الأصول تَتَمَكَّنُ من الإحاطة بكُلِّهَا أو بأغلبها ، أما إذا دَرَسْتَ الفروع الفقهية بِجُزْئِيَّاتِهَا لن تَتَمَكَّنَ من ضبط الفروع ولن تتمكن من الإحاطة بالفقه ، وهذه تَنْتَبِهُونَ لها كثيرا ، كثيرٌ من الناس يقول أنا دَرَسْتُ ودَرَسْتُ مسائل فقهيةً وأنسى ولا أضبطها ليش ؟ لأنه لم يَرْبِطِ تلك الفروع بقواعدها ، لو رَبَطَهَا لَبَقِيَّتْ في ذهنه ، حتى لو نسي فرعاً فقهياً إذا جائته مسألة هذا الفرع الفقهي عرف القاعدة فأرجعها إلى القاعدة . - الأمر الثالث : تحصيل رتبة الاجتهاد ؛ لا يَتَمَكَّنُ الإنسان من الوُصُولِ إلى رتبة الاجتهاد إلا إذا كان عنده علم بالأصول فلن يجتهد ولا يتمكن من الاجتهاد في الفروع الفقهية إلا بمعرفة القواعد الأصولية ، بل إنه في الحقيقة لن يتمكن من فهم الفروع الفقهية إلا إذا عرف القواعد الأصولية ، لأن الفرع الفقهي يحتاج إلى تصور لتَحْكُمَ عليه ، من طرائق التَّصَوُّرِ فَهْمُ الألفاظ المنقولةُ المسألةُ بها ، إذا ما حَصَّلْتْ تعرفْ الألفاظ ودلالاتها حينئذ لن تَتَمَكَّنَ من فهم المسألة . كذلك إذا عرفتَ الأصول تَمَكَّنْتَ من التمييز بين أنواع اجتهادات السابقين ؛عندك أبو حنيفة يقول كذا ، والشافعي يقول كذا ، ومالك يقول كذا ، وأحمد يقول كذا ، كيف ترجح بينها ؟ وكيف تعرف الراجح من المرجوح ؟ بواسطة النظر في الأدلة الشرعية بالقواعد الأصولية . ومن ثم دراسة الأصول تُعِينُ على الترجيح بين اجتهادات الفقهاء المتقدمين . يمثلون بأمثلة يقولون : الفقيه مثل الصيدلي والأصولي مثل الطبيب ، الطبيب يعرف العلاج بس ما عنده علاج ، يقول : أنت مريض بالمرض الفلاني وعلاجك الدواء الفلاني .من اللي يقوله ؟ الطبيب وهذا مثل الأصولي . طيب أعطني شيء يتعلق به ، قال : نعطيك بس قاعدة تُمَشِّيكَ في الدرب . أما الفقيه فهو بمثابة الصيدلي عنده أنواع الأدوية ، لكن إذا جاءه مريض قال والله ما أدري وايش أعطيك أخاف أعطيك دواء وتموت ، هذا مَثَلُ الفقيه الذي ليس عنده معرفة بالأصول . من مميزات ربط دراسة الفقه بالأصول : التأكد من صحة الاجتهاد والمنع من الخطأ فيه ؛ إذا كنت تعرف القواعد الأصولية فاجتهدت في مسألة ثم رجعت إلى ما لديك من قواعد ونظرت هل اجتهادك صحيح أو اجتهادك خاطئ . مثال هذا : في تصحيح الحديث وتضعيفه : هناك قواعد للتصحيح والتضعيف ، عندما يأتيك حديث وتصححه أو تضعفه ، ثم تنظر في هذه القواعد تتعرف هل حكمك صحيح أو خطأ ، هكذا في الفروع الفقهية ، عندما تحكم على مسألة بحكمٍ ثم تنظر في القواعد الأصولية وتُطَبِّقُهَا على هذه المسألة تَعْرِفُ الحكم الذي توصلت إليه صحيح أو ليس كذلك . كذلك من فوائد ربط الفقه بالأصول معرفة الحِكَمِ والأسرار والمعاني التي تشتمل عليها أحكام الشريعة؛ في الأصول نحن نحتاج إلى إعمال القياس ، إعمال القياس ما يكون إلا باستخراج العلة ، العلة فيها معنى معقول لأنه يحصل من ترتيب الحكم على هذا الوصف مصلحة ، فحينئذ نعرف فضل الله جل وعلا علينا بهذه الشريعة وكيف كانت هذه الشريعة مُحَقِّقَةً لمصالحنا ومصالح الخلق . (فائدة) : وقع اختلاف بين علماء الشريعة هل الأفضل نُقَدِّمْ دراسة الأصول ؟ أو الأفضل نُقَدِّمْ دراسة الفقه ؟ وأحسن الأقوال في هذا أن يقال : أن الإنسان يحتاج في أول أمره إلى عمل ، هذا العمل لابد أن يتعلم هذا العمل هو الفقه ؛ تعرف كيف تصلي ، تعرف كيف تتوضأ هذا الفقه فتُقَدِّمُهُ ، ثم بعد ذلك تَدْرُسُ الأصول التي تُسْتَنْبَطُ بواسطتها الأحكام الشرعية من الأدلة . هل هناك قواعد أصولية لا يَنْبَنِي عليها فقه ؟ أو لا يَنْبَنِي عليها فروع ؟ [
رد: تفريغ محاضرة : المنهجية في الجمع بين الفقه وأصوله لمعالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري حفظهالف شكررررررررررررررر
رد: تفريغ محاضرة : المنهجية في الجمع بين الفقه وأصوله لمعالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري حفظهمشكووووووووووووووووووووووووور على الموضوع الرائع
رد: تفريغ محاضرة : المنهجية في الجمع بين الفقه وأصوله لمعالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري حفظهموضوع متميز جزاك الله خيرا دمت برعاية الله
رد: تفريغ محاضرة : المنهجية في الجمع بين الفقه وأصوله لمعالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري حفظهبارك الله فيك على هذا الموضوع الذي يفيدنا ويحدثنا على حياة الرسول صلى الله عليه واله وسلم
رد: تفريغ محاضرة : المنهجية في الجمع بين الفقه وأصوله لمعالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري حفظهيارك الله فيك طرح مميز ننتظر حديدك يسسلم قلمك المبدع » بعض أحكام الجمع بين صلاتين. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله » التمريض تاريخ وأحكام . لفضيلة الشيخ الدكتور: فالح الصغير - حفظه الله . » محاضرة اليوم ۞ حق الوالدين ۞ للشيخ الدكتور : صالح بن فوزان الفوزان ۩۞۩ » تجميع [حلقات] شرح الاربعين النووية /الشيخ جمال الشيخ حفظه الله/قناة الاثر/متجدد » تحذير أهل السنة من التخاذل أمام الرافضة - محاضرة للشيخ عثمان السالمي -حفظه الله تعالى- 5 ربيع الأول
|
+2
مرتاح بهجرك
الجزائري عبد المعز
6 مشترك
تفريغ محاضرة : المنهجية في الجمع بين الفقه وأصوله لمعالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري حفظه
الجزائري عبد المعز- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 05/10/2011
الجنسية : جزائر
عدد المشاركات : 3288
مكسب العضو : 40583
نقاط تقييم مواضيع العضو : 21
المزاج : منتديات طموح الجزائر
- مساهمة رقم 1