معهد ون ويب لتطوير المواقع | 1weeb.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ستايلات مجانية FREE STYLES


+2
مرتاح بهجرك
الجزائري عبد المعز
6 مشترك

    تزكية النفس في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف

    الجزائري عبد المعز
    الجزائري عبد المعز
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    تاريخ الإنضمام : 05/10/2011

    الجنسية : جزائر

    عدد المشاركات : 3288

    مكسب العضو : 40583

    نقاط تقييم مواضيع العضو : 21

    المزاج : منتديات طموح الجزائر

     تزكية النفس في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف Empty تزكية النفس في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف

    مُساهمة من طرف الجزائري عبد المعز 3/12/2011, 02:25


    [center]بسم الله الرحمن الرحيم

    تزكية النفس أمر خطير، وهو من مداخل الشيطان، وقد نهى الشارع الحكيم عنه، والله سبحانه وتعالى أعلم بنفوسنا، فقد قال الله تعالى: ﴿ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى[4].

    أي لا تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم، هو أعلم بمن اتقى.

    قال الحسن: قد علم الله سبحانه كل نفس ما هي عاملة، وما هي صانعة، وإلى ما هي صائرة. اهـ[5].

    وقال القرطبي: - قوله تعالى -: ﴿ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ أي لا تمدحوها ولا تثنوا عليها، فإنه أبعد من الرياء وأقرب إلى الخشوع، هو أعلم بمن اتقى، أي أخلص العمل واتقى عقوبة الله.

    وعن يزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال: "سميت
    ابنتي برة، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نهى عن هذا الاسم، وسميت برة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزكوا
    أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم، فقالوا: بم نسميها؟ قال: سموها زينب
    "[6].


    والتزكية: هي المدح والثناء.

    وفي اللغة: النماء.

    وأصل
    الزكاة الزيادة في الخير، ومنه يقال: زكا الزرع، وزكا المال إذا نما، ولن
    ينمو الخير إلا بترك الشر، والزرع لا يزكو حتى يزال عنه الدغل، فكذلك
    النفس، والأعمال لا تزكوا حتى يزال عنها ما يناقضها، ولا يكون الرجل
    متزكيًا إلا مع ترك الشر. اهـ[7].


    وقال
    الأَزهري: الزَّكاةُ الصلاحُ، ورجل تقيٌّ زَكِيٌّ أَي زاكٍ من قوم
    أَتْقياء أَزْكِياء، وقد زكا زَكاءً وزُكُوًّا وزَكِيَ وتَزَكَّى، وزَكَّاه
    اللَّه زَكَّى نفسه تَزْكِيةً مدَحها، وفي حديث زينبَ كان اسمُها بَرَّةَ
    فغيَّره، وقال تُزَكِّي نفسها، زَكَّى الرجل نفسَه إِذا وصفها وأَثنى
    عليها. وأَصل الزكاة في اللغة الطهارة والنَّماء والبَركةُ والمَدْح، وكله
    قد استعمل في القرآن والحديث، وقوله تعالى: ﴿
    والذين هم للزَّكاةِ فاعلون[8]؛
    فالزَّكاة طُهرةٌ للأَموال، وزَكاةُ الفُطْرِ طهرةٌ للأَبدان، وفي حديث
    الباقر أَنه قال: زَكاةُ الأَرض يُبْسُها، يريد طَهارَتَها من النجاسة،
    كَالبول وأَشباهه بأَن يجف ويذهب أَثَرُه. اهـ[9].


    والله سبحانه وتعالى هو الذي يزكي النفوس وليس لأحد غيره سبحانه.

    قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً[10].

    أي:
    ذلك إليه سبحانه، فهو العالم بمن يستحق التزكية من عباده، ومن لا يستحقها
    فليدع العباد تزكية أنفسهم ويفوضوا أمر ذلك إلى الله سبحانه، فإن تزكيتهم
    لأنفسهم مجرد دعاوى فاسدة تحمل عليها محبة النفس، وطلب العلو، والترفع،
    والتفاخر[11].


    وقال القرطبي رحمه الله تعالى أيضاً: وقوله تعالى: ﴿ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ
    ﴾ يقتضي الغض من المزكي لنفسه بلسانه، والإعلام بأن الزاكي المزكي من حسنت
    أفعاله، وزكاه الله عزوجل فلا عبرة بتزكية الإنسان نفسه، وإنما العبرة
    بتزكية الله له، وفي صحيح مسلم عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال
    سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة إن رسول الله صلى الله عليه
    وسلم نهى عن هذا الاسم، وسميت برة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا
    تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم، فقالوا بم نسميها ؟ فقال سموها
    زينب، فقد دل الكتاب والسنة على المنع من تزكية الإنسان نفسه، ويجري هذا
    المجرى ما قد كثر في هذه الديار المصرية من نعتهم أنفسهم بالنعوت التي
    تقتضي التزكية كزكي الدين ومحي الدين، وما أشبه ذلك، لكن لما كثرت قبائح
    المسمين بهذه الأسماء ظهر تخلف هذه النعوت عن أصلها فصارت لا تفيد شيئا
    . اهـ[12].


    وعن خالد الحذاء عن عبدالرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال:أثنى
    رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ويلك قطعت عنق صاحبك
    قطعت عنق صاحبك". مرارا ثم قال: "من كان منكم مادحا أخاه لا محالة فليقل
    أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم
    ذلك منه
    "[13].


    قوله:
    "أثنى": مدح، "ويلك": الويل الحزن والهلاك، ويستعمل بمعنى التفجع والتعجب،
    "قطعت عنق صاحبك" تسببت بهلاكه لأنه ربما أخذه العجب بسبب مدحك له،
    "مرارا" أي كرر قوله مرات، "لا محالة" لا بد منه ألبتة، "أحسب" أظن،
    "حسيبه" كافيه، "لا أزكي على الله أحدا" لا أقطع له ولا أجزم على عاقبة أحد
    بخير أو غيره.


    فتزكية
    النفس من أخطر الأمراض القلبية، وهو من أكبر العوائق أمام إصلاح الفرد
    والمجتمع ؛ فالنظر إلى النفس بعين الكمال يُعمي القلب عن رؤية عيوبها
    وأمراضها التي يجب معالجتها، وهو منبع الكبر والعجب والحسد ؛ لأن الناظر
    إلى نفسه بعين الكمال يشعر أنه يستحق مِن الناس مِن تقديرهم وتعظيمهم
    وثنائهم أكثر مما أخذه، فيترتب على ذلك احتقارهم وازدراؤهم؛ لكونهم لم
    يُعطوه حقه ولم يقدروه حق قدره! وإذا وجدهم يثنون على غيره ضاق بذلك وما
    استساغه؛ فوقع في تمني زوال النعمة عن أخيه ليتفرد هو - في وهمه وظنه-
    بالكمال؛ فهي أمراض متلازمة ربما تظهر في جملة واحدة كما ظهرت من إبليس حين
    أبى واستكبر وكان من الكافرين، ظهرت كل هذه الأمراض في قوله لربه -عز وجل-
    عن آدم -عليه السلام:- ﴿
    أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ﴾ [الأعراف: 12].


    وظهرت من فرعون في قوله عن موسى - عليه السلام: ﴿ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ ﴾ [الزخرف: 52].

    وقد وردت أحاديث في جواز المدح في الوجه، وأحاديث تنهى عن المدح في الوجه، فكيف الجمع بينها ؟

    قال النووي رحمه الله تعالى: باب
    النهى عن المدح إذا كان فيه إفراط وخيف منه فتنة على الممدوح، ذكر مسلم في
    هذا الباب الأحاديث الواردة في النهى عن المدح، وقد جاءت أحاديث كثيرة في
    الصحيحين بالمدح في الوجه
    [14]،
    قال العلماء وطريق الجمع بينها أن النهى محمول على المجازفة في المدح
    والزيادة في الأوصاف أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب ونحوه إذا سمع
    المدح وأما من لا يخاف عليه ذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته فلا نهى في
    مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كنشطه
    للخير والازدياد منه أو الدوام عليه أو الاقتداء به كان مستحبا والله أعلم
    [15].


    وتزكية
    النفس تكون على درجات متفاوتة فأحياناً تكون داخل النفس دون أن يظهر في
    الكلام ويرى الإنسان القشة التي تظهر في عين أخيه ولا يرى الجذع الذي في
    عينه.


    وأحيانًا يكون في الحال والسلوك، فيقول المرء بلسان حاله: يا أرض انهدي ما في حد عليك قدي.

    وأحيانًا
    تزداد حتى تظهر على اللسان؛ فيمدح المرء نفسه، ويعدد كمالاته ورجحان عقله
    وفكره وقيادته، وأحيانًا يزداد حتى يُسخِّر من تحته لمدحه، ويجنِّد من يذكر
    فضائله وينادي في الناس بتفرده، ويكون مقدار المدح والثناء له الذي يبذله
    منافقوه والقدح في غيره هو المؤهل الأساسي للتقديم والتقريب وتولية
    المسئوليات! فيوسد الأمر إلى غير أهله؛ فيخرب العمل وتضيع الأمانة، وكثيرًا
    ما يتستر مرض تزكية النفس وراء ستار مدح المنهج الذي ينتمي إليه الشخص أو
    مدح الجماعة والطائفة التي ينتسب إليها والدعوة التي يدعو بها، وهو يخفي عن
    نفسه حقيقة الداء ويغور دفن أعراضه في الأعماق؛ حتى لا يبحث عن العلاج ولا
    يأخذ الدواء، فيتمكن المرض ويزداد حتى يهلك"!


    النظر إلى النفس بعين الكمال يُعمي القلب عن رؤية عيوبها وأمراضها التي يجب معالجتها، وهو منبع الكبر والعجب والحسد[16].

    فعلى المرء أن لا يزكي نفسه ولا يحب من الآخرين أن يمدحوه.

    والنفس تزكو بفعل ما أمر الله عز وجل به من الطاعات، وبترك ما نهى الله عنه من المحرمات.

    وتزكية
    النفس بإتباع الكتاب والسنة بالعمل الصالح، وإيتاء الزكاة والصوم، وإعطاء
    الصدقات، وتقوى الله خير تزكية للنفس لقوله تعالى: ﴿
    وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ﴾.


    وقال الله تعالى: ﴿ قد أفلح من زكاها[17].

    وقال تعالى: ﴿ قد أفلح من تزكى [18].

    وقال الله تعالى: ﴿ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ﴾ .

    وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"اتق الله حيث ما كنت..." الحديث.

    قال الإمام الطبري: أي: لقد
    منّ الله عليكم يا أهل الإيمان إذ بعث فيكم رسولا من أنفسكم يتلو عليكم
    آياته ويزكيكم فيما أحدثتم وفيما عملتم، ويعلمكم الخير والشر لتعرفوا الخير
    فتعملوا به والشر فتتقوه، ويخبركم برضاه عنكم إذا أطعتموه لتستكثروا من
    طاعته، وتجتنبوا ما سخط منكم من معصيته، فتتخلصوا بذلك من نقمته، وتدركوا
    بذلك ثوابه من جنته،
    ﴿
    وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ﴾ أي: في عمياء من الجاهلية لا تعرفون حسنة، ولا تستغفرون من سيئة، صم عن الحق، عمي عن الهدي.


    وقال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: ﴿ ويزكيهم ﴾ أي يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لتزكو نفوسهم، وتطهر من الدنس والخبث الذي كانوا متلبسين به في حال شركهم وجاهليتهم، ﴿ ويعلمهم الكتاب والحكمة ﴾ يعني القرآن والسنة، ﴿ وإن كانوا من قبل ﴾ أي من قبل هذا الرسول، ﴿ لفي ضلال مبين ﴾ أي لفي غي وجهل ظاهر جلي بين لكل أحد.

    فزكاة النفس تكون بفعل الأوامر، وترك النواهي كما ذكرنا آنفا.

    وأعظم الغفلة غفلة العبد عن ربه عز وجل، وغفلته عن أوامره، وغفلته عن آداب معاملته.

    قال قتادة، وابن عيينة، وغيرهما قد أفلح من زكى نفسه بطاعة الله، وصالح الأعمال.

    وقال ابن المبارك: إن الصالحين كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفوا، وإن أنفسنالا تواتيها إلا كرها[19].

    جاء في كتاب إرشاد العباد للاستعداد ليوم المعاد:

    ذم
    الإنسان نفسَه واحتقارُهُ لها لِما يتحققه من عُيوبها وآفاتها مطلوب منه
    لأنه يؤديهِ إلى التفتيش عليها ومحاسبتها بِدقة، ويؤدِيه أيضاً إلى الحذَرِ
    مِن غُرُورها وشرورها.


    فتصلح
    بسبب ذلك أعمالُه وتصدقُ أحواله وتستقيم بإذن الله أموره وإلآ فسدتْ عليه
    واعتلّت لدخول الآفات عليها ولا يصُدنه عن ذلك مدح المادحين وثناء
    المتملقين لأنه يعلم من عيوب نفسه ما لا يعلمه غيره.




    وكان
    عبدالله بن المبارك في غزوة، فنزلَ عند نهر، ونصَبَ رُمْحَه، ورَبَط
    فرسهُ، وتوضأ وشرعَ يُصلي، فلما سلم وجدَ فرسه أنها انفلتت وأكلت من الزرع،
    فقال: أكلت فرسي حراماً فلا ينبغي لي أن أغزو عليها فتركها لصاحب الزرع واشترى غيرها وغزا عليها[20].


    وعن زيد العمى عن عون بن عبدالله قال كان أهل الخير يكتب بعضهم إلى بعض بهؤلاء الكلمات الثلاث ويلقى بها بعضهم بعضا:

    من
    عمل لآخرته كفاه الله عز وجل دنياه، ومن أصلح ما بينه وبين الناس أصلح
    الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته
    [21].


    وقال سفيان بن عيينة: كان
    أهل الصلاح يكتب بعضهم إلى بعض بهذه الكلمات: من أصلح سريرته أصلح الله
    علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن
    عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه
    [22].


    العلم من أسباب تزكية النفس.

    ومن علامات المعرفة بالله القيام بحقوق الله، والتخلص من حقوق العباد، ومن علامات محبة العبد لله إتباع محمد صلى الله عليه وسلم.

    قال
    ابن مسعود رضي الله عنه كفى بخشية الله علما، وبالاغترار بالله جهلا،
    قالوا فهذا القرآن والسنة، وإطلاق السلف من الصحابة والتابعين يدل على إن
    العلم والمعرفة مستلزم للهداية، وإن عدم الهداية دليل على الجهل، وعدم
    العلم، قالوا ويدل عليه إن الإنسان ما دام عقله معه لا يؤثر هلاك[23].




    وقال ابن قيم الجوزية: ومن
    المعلوم أيضاً أن الأرواح منها الخبيث الذى لا أخبث منه، ومنها الطيب،
    وبين ذلك، وكذلك القلوب منها القلب الشريف الزكى، والقلب الخسيس الخبيث،
    وهو سبحانه خلق الأضداد كما خلق الليل والنهار والبرد والحر والداء والدواء
    والعلو والسفل وهو أعلم بالقلوب الزاكية والأرواح الطيبة التى تصلح
    لاستقرار هذه النعم فيها، وإيداعها عندها، ويزكو [بذروها] فيها، فيكون
    تخصيصه لها بهذه النعم كتخصيص الأرض الطيبة القابلة [للبذر] بالبذر، فليس
    من الحكمة أن يبذر البذر فى الصخور والرمال والسباخ، وفاعل ذلك غير حكيم
    فما الظن ببذر الإيمان والقرآن والحكمة ونور المعرفة والبصيرة فى المحال
    التى هى أخبث المحال
    [24].


    وقال إبراهيم الخواص: ليس العالم بكثرة الرواية، وإنما العالم من اتبع العلم واستعمله، واقتدى بالسنن وإن كان قليل العلم.



    وقال ابن تيمية رحمه الله: والأدب
    هو الدين كله، فإن ستر العورة من الأدب، وغسل الجنابة من الأدب، والتطهر
    من الخبث من الأدب، حتى الوقوف بين يدي الله طاهراً، ولهذا كانوا يستحبون
    أن يتجمل الرجل في صلاته للوقوف بين يدي الله
    [25].




    فعَنْ
    أَبي الْعَبَّاسِ سَهْلٍ بنِ سَعْدٍ السَّاعَدَيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، دُلَّنِي عَلى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ
    أَحَبَّنِي اللهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ، فَقَالَ: (( إِزْهَدْ في الدُّنْيَا يُحِبُّكَ اللهُ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبُّكَ النَّاسُ ))[27].


    وعَنْ
    عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: نَامَ رَسُولُ
    اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ
    أَثَّرَ في جَنْبِهِ، فَقُلنَا يَا رَسُولَ اللهِ لَو اِتَّخَذْنَا لَكَ
    وِطَاءً، فَقَالَ: (( مَالِي وَلِلدُّنْيَا مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا ))[28].


    والزهد هو ترك ما لاينفع في الآخرة.

    قال ابن الجلاّء: الزهد هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال لتصغر في عينك فيسهل عليك الإعراض عنها[29].

    وقيل: الزهد عزوف النفس عن الدنيا بلا تكلف[30].

    وقال
    شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: الزهد المشروع ترك ما لا ينفع في
    الدار الآخرة، وأما كل ما يستعين به العبد على طاعة الله فليس تركه من
    الزهد المشروع، بل ترك الفضول التي تشغل عن طاعة الله ورسوله هو المشروع[31].


    وقال: والورع: ترك ما تخاف ضرره في الآخرة. وهذه العبارة من أحسن ما قيل في الزهد والورع وأجمعها.

    وقال سفيان الثوري: الزهد في الدنيا قصر الأمل ليس بأكل الغليظ ولا لبس العباء[32].

    وقال
    إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: الزهد فراغ القلب من الدنيا لا فراغ
    اليد، وهذا زهد العارفين، وأعلى منه زهد المقربين فيما سوى الله تعالى من
    دنيا وجنة وغيرهما، إذ ليس لصاحب هذا الزهد إلا الوصول إلى الله تعالى
    والقرب منه"[33].




    ومن
    أحسن ما قيل في الزهد كلام الحسن أو غيره: ليس الزهد في الدنيا بتحريم
    الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في
    يدك، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها أرغب منك فيها لو لم تصبك،
    فهذا من أجمع كلام في الزهد وأحسنه، وقد روي مرفوعا[34].


    وقال
    الإمام أحمد: الزهد في الدنيا قصر الأمل، وعنه رواية أخرى: أنه عدم فرحه
    بإقبالها ولا حزنه على إدبارها، فإنه سئل عن الرجل يكون معه ألف دينار هل
    يكون زاهدا؟ فقال: نعم على شريطة أن لا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت.


    وقد قال رحمه الله: الزهد على ثلاثة أوجه:

    الأول: ترك الحرام، وهو زهد العوام.

    والثاني: ترك الفضول من الحلال، وهو زهد الخواص.

    والثالث: ترك ما يشغل عن الله، وهو زهد العارفين.

    وهذا
    الكلام من الإمام أحمد يأتي على جميع ما تقدم من كلام المشايخ مع زيادة
    تفصيله وتبيين درجاته، وهو من أجمع الكلام، وهو يدل على أنه رضي الله عنه
    من هذا العلم بالمحل الأعلى، وقد شهد الشافعي رحمه الله بإمامته في ثمانية
    أشياء أحدها الزهد.


    وَالْحَدِيثُ الآتِي يَحُثُّنَا عَلى الْقَنَاعَةِ:

    عَنْ
    عُبيدِاللهِ بنِ محصن الأَنْصَارِيِّ الْخُطَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ
    أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً في سِرْبِهِ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ
    قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرهَا
    ))[35].


    وَعَنْ سعد بنِ أَبي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا
    رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي وَأَوْجِزْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
    عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( عَلَيْكَ بِالإِيَاسِ مِمَّا في أَيْدِي النَّاسِ،
    وَإِيَّاكَ وَالطَّمَعُ فَإِنَّهُ فَقْرٌ حَاضِرٌ، وَإِيَّاكَ وَمَا
    يُعْتَذَرُ مِنْهُ
    ))[36].


    قوله:
    "من أصبح منكم آمنا في سربه" أي في مسلكه وقيل بفتحتين أي في بيته، "معافى
    في جسده" أي صحيحا بدنه، "عنده قوت يومه"، أي غذاؤه وعشاؤه الذي يحتاجه في
    يومه ذلك، يعني من جمع الله له بين عافية بدنه وأمن قلبه حيث توجه وكفاف
    عيشه بقوت يومه وسلامة أهله فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا
    لم يحصل على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها بأن يصرفها
    في طاعة المنعم لا في معصية ولا يفتر عن ذكره، "فكأنما حيزت له الدنيا" أي
    ضمت وجمعت، "بحذافيرها" أي بجوانبها أي فكأنما أعطي الدنيا بأسرها[37].


    ومن أسباب تزكية النفس الخلوة مع الله تعالى وقلة الأكل.

    جاء في الزبور: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام أن العاقل الحكيم لا يخلو من أربع ساعات:

    1- ساعة فيها يناجي ربه.

    2- وساعة فيها يحاسب نفسه.

    3- وساعة يمشي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه.

    4- وساعة يُخَلِّي بين نفسه وبين لذاتها الحلال[38].

    وقال الشافعي رحمه الله: من أحب أن يفتح الله قلبه، أو ينوِّره فعليه بالخلوة، وقلة الأكل، وترك مخالطة السفهاء، وبغض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب[39].

    وعن الحسين بن إسماعيل، عن ابيه، قال: كان يجتمع في مجلس أحمد زهاء خمسة الآف أو يزيدون، نحو خمس مئة يكتبون والباقون يتعلمون منه حسن الادب والسمت[40].

    وقال عبدالله بن الإمام أحمد لأبيه يوماً: أوصني يا أبتِ، فقال: يا بني أنوِ الخيرَ، فإنك لا تزالُ بخير مذ نويتَ الخير.

    قال ابن مفلح: وهذه
    وصية عظيمة سهلة على المسؤول، سهلة الفهم والامتثال على السائل، وفاعلُها
    ثوابُه دائمٌ مستمر لدوامها واستمرارها، وهي صادقة على جميع أعمال القلوب
    المطلوبة شرعاً، سواء تعلقت بالخالق أو بالمخلوق، وأنها يُثَاب عليها، ولم
    أجد في الثواب عليها خلافاً
    [41].


    ومجامع الهوى خمس: وهي في قول الله جل وعلا: ﴿ أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ[42].



    وبهذا تم البحث، ولله الحمد والمنَّة، وله الحمد على توفيقه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

    فنسألُ الله العظيم أن يزكي نفوسنا وأن يغفر لنا خطايانا، وأن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين.إنه سميع ذلك والقادر عليه...

    اللهم آمين



    وآخرُ دَعْوانا أنِ الحَمْدُ لله رَبِّ العالمينَ

    والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمُرسلين محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبِه أَجْمَعينَ.

    سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.







    [1] سورة آل عمران الآية (102).

    [2] سورة النساء الآية (1).

    [3] سورة الأحزاب الآية (70-71).

    [4] سورة النجم الآية (32).

    [5] تفسير القرطبي (17/110).

    [6] رواه مسلم برقم (2142)، باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن وتغيير اسم برة إلى زينب وجويرية ونحوهما.

    [7] مجموع الفتاوى (10/625).

    [8] سورة المؤمنون الآية (4).

    [9] لسان العرب (14/358).

    [10] سورة النساء الآية (49).

    [11] فتح القدير (1/720).

    [12] تفسير القرطبي (5/246).

    [13]
    أخرجه البخاري برقم (2519)، باب إذا زكى رجل رجلا كفاه، وأخرجه مسلم في
    الزهد والرقائق، برقم (3000)، باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط.


    [14]
    عن عكرمة، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه
    الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة، فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم
    قال: "إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة
    ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن خلة الإسلام أفضل
    سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر".صحيح البخاري برقم
    (455). قوله خوخة أي موضع المرور كالباب.


    [15] شرح النووي (18/126).

    [16] محاضرة لياسر برهامي.

    [17] سورة الشمس الآية (9).

    [18] سورة الأعلى الآية (14).

    [19] مختصر منهاج القاصدين لابن قدامه المقدسي (ص427).

    [20] تهذيب الأسماء واللغات (1/74).

    [21] صفة الصفوة (3/103).

    [22] صفة الصفوة (3/103).

    [23] مفتاح دار السعادة (1/89).

    [24] طريق الهجرتين وباب السعادتين (1/163).

    [25] مدارج السالكين (2/115).

    [26] الآداب الشرعية (4/208) طبعة الرسالة.

    [27] صحيح ابن ماجة رقم (3310)، والسلسلة الصحيحة رقم (944)، وصحيح الجامع رقم (922)، وصحيح الترغيب برقم (3213).

    [28] السلسلة الصحيحة رقم (438-439)، وصحيح الترغيب برقم (3282).

    [29] الرسالة القشيرية (ص56).

    [30][col
    مرتاح بهجرك
    مرتاح بهجرك
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    تاريخ الإنضمام : 22/09/2011

    الجنسية : العراق

    عدد المشاركات : 1082

    مكسب العضو : 4717

    نقاط تقييم مواضيع العضو : 21

     تزكية النفس في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف Empty رد: تزكية النفس في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف

    مُساهمة من طرف مرتاح بهجرك 6/12/2011, 01:31

    رررررررروعه

    يسلمووووووو
    خليل إبراهيم
    خليل إبراهيم
    صاحب الموقع


    تاريخ الإنضمام : 02/12/2009

    الجنسية : أردني وافتخر

    عدد المشاركات : 9177

    مكسب العضو : 122149

    نقاط تقييم مواضيع العضو : 118

    العمر : 34

    المزاج : رايق

     تزكية النفس في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف Empty رد: تزكية النفس في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف

    مُساهمة من طرف خليل إبراهيم 17/1/2012, 02:12

    مشكوووووووووووووووووور على الموضوع الرائع
    المخلص الموعود
    المخلص الموعود
    المراقب العام
    المراقب العام


    تاريخ الإنضمام : 26/03/2012

    الجنسية : ذكر

    عدد المشاركات : 1045

    مكسب العضو : 2044

    نقاط تقييم مواضيع العضو : 19

     تزكية النفس في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف Empty رد: تزكية النفس في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف

    مُساهمة من طرف المخلص الموعود 6/4/2012, 00:41

    شكرا
    بارك الله فيك
    ننتظر منك كل جديد
    مشكور
    هيرودوت
    هيرودوت
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    تاريخ الإنضمام : 10/04/2012

    الجنسية : يمنية

    عدد المشاركات : 878

    مكسب العضو : 1010

    نقاط تقييم مواضيع العضو : 20

     تزكية النفس في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف Empty رد: تزكية النفس في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف

    مُساهمة من طرف هيرودوت 12/4/2012, 13:46

    بارك الله فيك



    شكرا لمحهودك


    جزاك الله الجنه

    eddirasa-dz.com
    eddirasa-dz.com
    الــمــديــر الــعــام
    الــمــديــر الــعــام


    تاريخ الإنضمام : 27/07/2011

    الجنسية : ذكر

    عدد المشاركات : 2239

    مكسب العضو : 8070

    نقاط تقييم مواضيع العضو : 6

    العمر : 27

    المزاج : ^_^

     تزكية النفس في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف Empty رد: تزكية النفس في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف

    مُساهمة من طرف eddirasa-dz.com 12/4/2012, 13:55

    بارك الله فيك يا الاخ الكريم

    و جزاك الله كل الخير

      الوقت/التاريخ الآن هو 22/9/2024, 12:29