الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد فيوم عرفة من الأيام الفاضلة، تجاب فيه الدعوات، وتقال العثرات، ويباهي الله فيه الملائكة بأهل عرفات، وهو يوم عظَّم الله أمره، ورفع على الأيام قدره. وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب والعتق من النيران. ويوم كهذا –أخي الحاج- حري بك أن تتعرف على فضائله، وما ميزه الله به على غيره من الأيام، وتعرف كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه؟ نسأل الله أن يعتق رقابنا من النار في هذا اليوم العظيم. من فضل الله علينا أن جعل لنا أيام ومواسم للطاعات تضاعف فيها الدرجات وتكفر فيها السيئات ومن تلك الأيام يوم عرفه وهو اليوم التاسع من ذي الحجة وهو الركن الأعظم من أركان الحج ، وإن لم يدركه الحاج فلا حج له ويسن صومه لمن لم يكن بعرفة فإنه يكفر ذنوب سنتين ، سنة ماضية وسنة آتية ، وهو اليوم الذي يكثر الله فيه عتق عبيده من النار يوم عرفه عظم الله أمره ، وجعله من الأيام الفاضلة التي رفع قدرها ، ففي هذا اليوم تجاب الدعوات قال عليه الصلاة والسلام : ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة ) صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الحج عرفة ) فالحاج عندما يودع عرفات بعد غروب شمس اليوم التاسع من شهر ذي الحجة يرجع كيوم ولدته أمه خالي من الذنوب باإذن الله قال عليه الصلاة والسلام : ( من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) وليحذر الحاج كل الحذر من التقصير في هذا اليوم العظيم ، فما هو إلا أوقات قصيرة ، وساعات يسيرة ، إن وفق للعمل الصالح فيها أفلح كل الفلاح ، وفاز كل الفوز ، وينبغي للحاج إذا لحقه ملل أو سآمة أن ينوع في العبادة ، وينتقل من حالة إلى حالة ، فتارة يقرأ القرآن ، وتارة يهلل ، وتارة يكبر ، وتارة يسبح ، وتارة يحمد الله ، وتارة يستغفر ، وتارة يدعو .... وهكذا حتى ينقضي يوم عرفه ما هي فضائل يوم عرفة ؟. من فضائل يوم عرفة : 1- أنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة : ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا من اليهود قال له : يا أمير المؤمنين ، آية في كتابكم تقرءونها ، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا . قال أي آية ؟ قال : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " المائدة :3 . قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم : وهو قائم بعرفة يوم الجمعة . 2- أنه يوم عيد لأهل الموقف : قال صلى الله عليه وسلم : " يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام ، وهي أيام أكل وشرب " رواه أهل السنن . وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال : " نزلت - أي آية ( اليوم أكملت ) - في يوم الجمعة ويوم عرفة ، وكلاهما بحمد الله لنا عيد " . 3- أنه يوم أقسم الله به : والعظيم لا يقسم إلا بعظيم ، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى : " وشاهد ومشهود " البروج :3 ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اليوم الموعود يوم القيامة ، واليوم المشهود يوم عرفة ، والشاهد يوم الجمعة .. " رواه الترمذي وحسنه الألباني . وهو الوتر الذي أقسم الله به في قوله : " والشفع والوتر " الفجر :3 ، قال ابن عباس : الشفع يوم الأضحى ، والوتر يوم عرفة . وهو قول عكرمة والضحاك . 4- أن صيامه يكفر سنتين : فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال : " يكفر السنة الماضية والسنة القابلة " رواه مسلم . وهذا إنما يستحب لغير الحاج ، أما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك صومه ، وروي عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة . 5- أنه اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم : فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان - يعني عرفة - وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها ، فنثرهم بين يديه كالذر ، ثم كلمهم قبلا ، قال : " ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من يعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون " الأعراف :172-173 ، رواه أحمد وصححه الألباني ، فما أعظمه من يوم وما أعظمه من ميثاق . 6- أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف : ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ " وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة ، فيقول : انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا " رواه أحمد وصححه الألباني . 7 أنه اليوم الذي أكمل الله فيه للأمة دينها وأتم عليها نعمته عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا. قال: أي آية؟ قال: {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً} [المائدة 8 أن فيه يقع أعظم الأركان الذي به يدرك الحج ألا وهو الوقوف بعرفات. عن عبد الرحمن بن يعمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحج عرفة)) وقال المناوي: "أي: معظمه أو ملاكه الوقوف بها، لفوت الحج بفوته"([8]). وقال السيوطي: "قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه... فإن قيل قوله صلى الله عليه وسلم: ((الحج عرفة)) يدل على أفضلية عرفة؛ لأن التقدير: معظم الحج وقوف عرفة. فالجواب: أن لا نقدر ذلك، بل نقدر أمرًا مجمعًا عليه: وهو إدراك الحج وقوف عرفة، فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه"([9]). وقال السندي: "والمقصود: أن إدراك الحج يتوقف على إدراك الوقوف بعرفة"([10]). وقال الشوكاني: "قوله: ((الحج عرفة)) أي: الحج الصحيح حج من أدرك عرفة"([11]). [size=25]ولله در ابن القيم حين يصور ذلك الموقف العظيم[/size] [size=25] وراحوا إلى التعريف يرجون رحمةً ومغفــــرة ممن يجود ويُكرم فلله ذاك المـوقف الأعظم الذي كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم ويدنو به الجبـار جـل جـلاله يباهـي بهـم أملاكـه فهو أكرم يقـول عبـادي قد أتـوني محبةً وإني بهـم بـرٌّ أجـود وأرحـم فأُشهدكم أني غفـرتُ ذنـوبهم وأعطيتُهـم ما أمَّلـوه وأنعــم فبشراكم يا أهل ذا الموقفِ الذي به يغفر الله الذنـوب ويرحــم فكم من عتيق فيه كمــل عتقه وآخـر يستسـعي وربك أرحم وما رئي الشيطان أغيظَ في الورى وأحقـر منـه عنـدها وهو ألأم وذاك لما قـد رآه فغاظــــه فأقبـل يحثـو الترب غيظًا ويلطم وما عاينتْ عيناه من رحمةٍ أتـت ومغفرة من عند ذي العرش تقسـم بنى ما بنى حتى إذا ظــن أنـه تمكَّن مـن بنيانـه فهـو مُحكـم أتى الله بنيانا له من أساســه فخـر عليــه ساقطًا يتهــدم وكم قدْر ما يعلو البناء وينتهي إذا كان يبنيه وذو العـرش يهـدم[/size] الأعمال المستحبة فيه: 1 ـ الصيام: عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف تصوم؟. .. وذكر الحديث بطوله، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسـنة التي بعده...))([12]). قال النووي: "((صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)) معناه: ذنوب صائمه في السنتين. قالوا: والمراد بها الصغائر، وسبق بيان مثل هذا في تكفير الخطايا بالوضوء, وذكرنا هناك أنه إن لم تكن صغائر، يُرجى التخفيف من الكبائر، فإن لم يكن رُفعت درجات"([13]). قال ابن القيم رحمه الله: "فتفاضل الأعمال عند الله تعالى بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها، وهذا العمل الكامل هو الذي يكفر الذنوب تكفيرًا كاملاً، والناقص بحسبه، وبهاتين القاعدتين تزول إشكالات كثيرة. وهما: تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الإيمان، وتكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه. وبهذا يزول الإشكال الذي يورده من نقص حظه من هذا الباب على الحديث الذي فيه: ((إن صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ويوم عاشوراء يكفر سنة))([14]) قالوا: فإذا كان دأبه دائمًا أنه يصوم يوم عرفة فصامه وصام يوم عاشوراء، فكيف يقع تكفير ثلاث سنين كل سنة؟ وأجاب بعضهم عن هذا بأن ما فضل عن التكفير ينال به الدرجات. ويا لله العجب. فليت العبد إذا أتى بهذه المكفرات كلها أن تكفر عنه سيئاته باجتماع بعضها إلى بعض، والتكفير بهذه مشروط بشروط، وموقوف على انتفاء موانع في العمل وخارجه. فإن علم العبد أنه جاء بالشروط كلها، وانتفت عنه الموانع كلها فحينئذ يقع التكفير. وأما عمل شملته الغفلة أو لأكثره، وفقد الإخلاص الذي هو روحه. ولم يقدره حق قدره. فأي شيء يكفر هذا؟! فإن وثق العبد من عمله بأنه وفاه حقه الذي ينبغي له ظاهرًا وباطنًا ولم يعرض له مانع يمنع تكفيره، ولا مبطل يحبطه من عجب أو رؤية نفسه فيه. أو يمن به، أو يطلب من العباد تعظيمه عليه، ويرى أنه قد بخسه حقه، وأنه قد استهان بحرمته، فهذا أي شيء يكفر؟! ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحسر، وليس الشأن في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه"[size=12]15]).[/size] للصيام فوائد ومزايا كثيرة، ينبغي للمسلم تتبعها وتقصيها، حتى يعمل بها، ففي صيام التطوع من الفضيلة ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز بقوله : " فمن تطوع خيراً فهو خير له " [ البقرة ]، وقوله جل شأنه : " وافعلوا الخير لعلكم تفلحون " [ الحج ] فكل إنسان يحتاج إلى فعل الخير والعمل الصالح تقرباً إلى الله وتعبداً له وزيادة في الأجر والثواب فعطاء الله لا ممسك له، وثوابه لا حدود له، فعلى المسلم أن يكثر من فعل الخير والعمل الصالح يرجو بذلك أحد [size=29]أمرين : الأول : التقرب إلى الله بفعل الخير : فصيام التطوع من الأعمال التي تقرب إلى الله تعالى، وهو من أجلها على الإطلاق كما قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : الصيام أفضل ما تطوع به، لأنه لا يدخله الرياء، والرياء كما تعلمون محبط للأعمال مدخل للنيران والعياذ بالله، فالعبد مأمور بالإخلاص ولهذا قال الله تبارك وتعالى : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " [ البينة ]، وقال تعالى : " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً " [ الفرقان ]، وقال الله تعالى : " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً " [ الإسراء ]، وقال جل وعلا : " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " [ هود ]، وقال صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى : " أنا خير الشركاء من عمل لي عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو للذي أشرك " [ رواه الإمام أحمد ]، فانظر هل سينفعك ذلك الإنسان إذا وضعت في قبرك ويوم محشرك. ولهذا كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة " [ رواه ابن ماجة وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1313 ]. فعموماً فصوم النافلة له مزايا عديدة من أعظمها أنه يباعد وجه صاحبه عن النار، ويحجبه منها ويحاج صومه عنه، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفاً " [ متفق عليه ]، وكثرة الصوم دليل على محبة الله للعبد، ويالها من منزلة عالية ومكانة رفيعة يحظى بها العبد عند ربه فما أن يكثر من الصيام إلا ويحبه ربه، ومن أحبه ربه وضع له القبول الأرض وفي السماء، قال صلى الله عليه وسلم : " ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ". والفضائل كثيرة ونكتفي بما ذكرنا لأن المقام ليس مقام ذكر لفضائل ومزايا الصيام وإنما هو لغرض آخر . [/size] الثاني : جبر الخلل الحاصل في العبادة : فالإنسان لا يخلوا من خطأ ونقص ومعصية، فكانت النوافل تكمل الناقص من الفرائض ومن ذلك الصوم، فهناك مكروهات كثيرة قد يقع فيها صائم الفريضة تنقص أجر صومه، فشرعت النافلة لسد ذلك النقص وترقيع ذلك الخلل . فكل ابن آدم خطاء، والكل يجوز عليه الذنب والخطيئة، فشرع التطوع لجبر ذلك النقص، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة " [ رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وصححه أحمد شاكر في تحقيق المسند ]، فالمسلم يسعى لزيادة الأجر، وتحصيل المثوبة من الله تعالى، ولا يتأتى ذلك إلا بفعل الواجبات والإكثار من المستحبات، ومنها الصوم المستحب، مثل صوم يوم عرفة. وهناك أيام وأشهر رغب النبي صلى الله عليه وسلم في تحري صيامها لما فيها من أجر ومثوبة، وهي من صوم التطوع. ومن ذلك : فضل صوم يوم عرفه : وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وقد أجمع العلماء على أن صوم يوم عرفة أفضل الصيام في الأيام، وفضل صيام ذلك اليوم، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده " [ رواه مسلم ]. فصومه رفعة في الدرجات، وتكثير للحسنات، وتكفير للسيئات . ماذا يكفر صوم يوم عرفة : فعموماً لا ينبغي صيام يوم عرفة للحاج أما غير الحاج فيستحب له صيامه لما فيه من الأجر العظيم وهو تكفير سنة قبله وسنة بعده. والمقصود بذلك التكفير، تكفير الصغائر دون الكبائر، وتكفير الصغائر مشروطاً بترك الكبائر، قال الله تعالى : " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم " [ النساء ]، وقوله صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينها إذا اجتنبت الكبائر/ رواه مسلم يوم عرفة ويوم الجمعة : إذا وافق يوم عرفة أو يوم عاشوراء يوم جمعة جاز إفراده بالصوم، والنهي الوارد عن إفراد صوم يوم الجمعة بدون سبب ولكونه يوم جمعة، أي تعظيماً له أو ما شابه ذلك، أما من صامه لأمر آخر رغب فيه الشرع وحث عليه فليس بممنوع، بل مشروع ولو أفرده بالصوم، ولو صام يوماً قبله بالنسبة ليوم عرفة كان أفضل، عملاً بالحديثين السابقين، أما صيام يوم بعده فلا يمكن لأن اليوم الذي بعده يوم عيد النحر وهو محرم صيامه لجميع المسلمين حجاجاً كانوا أم غير حجاج لحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نهى عن صوم يومين : يوم الفطر ويوم النحر " [ متفق عليه ]، وروى أبو عبيد مولى ابن الأزهر قال : " شهدت العيد مع عمر بن الخطاب، فجاء فصلى، ثم انصرف فخطب الناس، فقال : إن هذين يومين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما ؟ يوم فطركم من صيامكم، والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم " [ رواه البخاري ومسلم ]، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه وتحريمه . وقد أجمع العلماء على تحريم صوم يومي العيدين، نقل الإجماع عنهم ابن حزم فقال : " وأجمعوا أن صيام يوم الفطر، ويوم النحر لا يجوز : [ مراتب الإجماع ص72 ]. وقال ابن هبيرة : " وأجمعوا على أن يوم العيدين حرام صومهما، وأنهما لا يجزئان إن صامهما لا عن فرض ولا نذر ولا قضاء ولا كفارة ولا تطوع " [ الإفصاح 3/174 ]. وقال ابن قدامة : أجمع أهل العلم على أن صوم يومي العيدين منهي عنه، محرم في التطوع والنذر المطلق، والقضاء والكفارة . وكذلك لا يجوز صيام التطوع كالاثنين والخميس أو أيام البيض إذا وافقت أيام التشريق، وهي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة، لحديث نبيشة الهذلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله " [ رواه مسلم وغيره ]، ولم يرخص في صيامها إلا للحاج المتمتع والقارن الذي لم يجد قيمة الهدي فإنه يصوم عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، لحديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما : " لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي " [ رواه البخاري ] وقولهما لم يرخص القول : للنبي صلى الله عليه وسلم والأمر وعدم الترخيص له بعد الله تبارك وتعالى . [size=25]ـ الدعاء:[/size] [size=21] عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) ([16]). قال ابن عبد البر: "وفيه من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره، وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره، ... وفي الحديث أيضًا دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب كله في الأغلب". قال المباركفوري: "قوله: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة)) لأنه أجزل إثابة، وأعجل إجابة، قال الطيبي: الإضافة فيه إما بمعنى اللام، أي: دعاء يختص به، ويكون قوله: ((وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله)) بيانًا لذلك الدعاء، فإن قلت: هو ثناء! قلت: في الثناء تعريض بالطلب"([18]).[/size] وصح كذلك: خير الدعاء يوم عرفة، [size=16]وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير و هو على كل شيء قدير [/size] ============= فهل الدعاء يوم عرفة مستجاب لغير الحاج ؟. عن عائشة رضي الله عنه قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء ) رواه مسلم ( 1348 ) . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ) رواه الترمذي ( 3585 ) وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1536 ) . وعن طلحة بن عبيد بن كريز مرسلا : ( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ) رواه مالك في " الموطأ " ( 500 ) وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " ( 1102 ) . وقد اختلف العلماء هل هذا الفضل للدعاء يوم عرفة خاص بمن كان في عرفة أم يشمل باقي البقاع ، والأرجح أنه عام ، وأن الفضل لليوم ، ولا شك أن من كان على عرفة فقد جمع بين فضل المكان وفضل الزمان . قال الباجي رحمه الله : قوله : " أفضل الدعاء يوم عرفة " يعني : أكثر الذكر بركة وأعظمه ثوابا وأقربه إجابة ، ويحتمل أن يريد به الحاج خاصة ؛ لأن معنى دعاء يوم عرفة في حقه يصح ، وبه يختص ، وإن وصف اليوم في الجملة بيوم عرفة فإنه يوصف بفعل الحاج فيه ، والله أعلم " انتهى . " المنتقى شرح الموطأ " ( 1 / 358 ) . وقد ثبت عن بعض السلف أنهم أجازوا " التعريف " وهو الاجتماع في المساجد للدعاء وذكر الله يوم عرفة ، وممن فعله ابن عباس رضي الله عنهما ، وأجازه الإمام أحمد وإن لم يكن يفعله هو . قال ابن قدامة رحمه الله : قال القاضي : ولا بأس بـ " التعريف " عشية عرفة بالأمصار ( أي : بغير عرفة ) ، وقال الأثرم : سألت أبا عبد الله – أي : الإمام أحمد - عن التعريف في الأمصار يجتمعون في المساجد يوم عرفة ، قال : " أرجو أن لا يكون به بأس قد فعله غير واحد " ، وروى الأثرم عن الحسن قال : أول من عرف بالبصرة ابن عباس رحمه الله وقال أحمد : " أول من فعله ابن عباس وعمرو بن حريث " . وقال الحسن وبكر وثابت ومحمد بن واسع : كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة ، قال أحمد : لا بأس به ؛ إنما هو دعاء وذكر لله . فقيل له : تفعله أنت ؟ قال : أما أنا فلا ، وروي عن يحيى بن معين أنه حضر مع الناس عشية عرفة " انتهى . " المغني " ( 2 / 129 ) . وهذا يدل على أنهم رأوا أن فضل يوم عرفة ليس خاصا بالحجاج فقط ، وإن كان الاجتماع للذكر والدعاء في المساجد يوم عرفة ، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك كان الإمام أحمد لا يفعله ، وكان يرخص فيه ولا ينهى عنه لوروده عن بعض الصحابة ، كابن عباس وعمرو بن حريث رضي الله عنهم . فلاشات تخص هذا اليوم العظيم عرفة عبر وعبرات يوم عرفة 1 يوم عرفة 2 يوم عرفة 3 نسأل الله تعالى بفضله ومنه وكرمه أن يوفقنا جميعاً للعمل الصالح ، والعلم النافع ، وأن يفقهنا في ديننا ، وأن يعلمنا ما ينفعنا ، وأن يزيدنا علماً ، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ، إنه سبحانه خير مسؤول وخير مأمول ، واسأل الله ان يتقبل منا جميعاً صالح الاعمال وأن يسهل للحجاج أداء نسكهم بكل راحه وسهوله ويتقبله منهم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ، والحمد لله رب العالمين . |
4 مشترك
موسم الخيرات : يوم عرفة وفضل الصيام فيه '' لبيك اللهم لبيك ''
الجزائري عبد المعز- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 05/10/2011
الجنسية : جزائر
عدد المشاركات : 3288
مكسب العضو : 40583
نقاط تقييم مواضيع العضو : 21
المزاج : منتديات طموح الجزائر
3d max- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 24/11/2011
الجنسية : فلسطيني
عدد المشاركات : 912
مكسب العضو : 6024
نقاط تقييم مواضيع العضو : 0
شكرا لك على مجهودك
ahmad- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 27/11/2011
الجنسية : algh
عدد المشاركات : 1040
مكسب العضو : 15384
نقاط تقييم مواضيع العضو : 0
موضوع قمة في الروعة
بارك الله فيك
واصل تقدمك وفي انتظار جديد ابداعاتك
بارك الله فيك
واصل تقدمك وفي انتظار جديد ابداعاتك
خليل إبراهيم- صاحب الموقع
- تاريخ الإنضمام : 02/12/2009
الجنسية : أردني وافتخر
عدد المشاركات : 9177
مكسب العضو : 122149
نقاط تقييم مواضيع العضو : 118
العمر : 34
المزاج : رايق
مشكووووووووووووووووووور
» موسم الخيرات : فضل الصيام في التسع من ذي الحجة
» موسم الخيرات : فضل تلاوة القرآن والصدقة في العشر من ذي الحجة
» أخي الحبيب ... قف وانتبه....موسم عظيم من مواسم الخيرات ..... احذر أن يفوتك
» :°:أدعيــة يوم عرفة:°:اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي
» لبيك يا أقصى .. تضامنا مع ابناء شعب فلسطين العظيمة .. اسبوع الأقصى
» موسم الخيرات : فضل تلاوة القرآن والصدقة في العشر من ذي الحجة
» أخي الحبيب ... قف وانتبه....موسم عظيم من مواسم الخيرات ..... احذر أن يفوتك
» :°:أدعيــة يوم عرفة:°:اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي
» لبيك يا أقصى .. تضامنا مع ابناء شعب فلسطين العظيمة .. اسبوع الأقصى