يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « العين حق ويحضرها الشيطان وحسد ابن آدم » ([1]) .
هذا الحديث الشريف يفيد أن كل إنسان حوله شياطين الجن يتربصون الإيقاع به،
فكل إنسان معرض للحسد، ولا يكاد أحد يسلم من العين إلا من عصم الله.
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه السلوك : ( الحسد مرض من أمراض النفس،
وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا القليل من الناس، ولهذا يُقال : ما خلا جسد
من حسد، لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه). ومعنى اللئيم يبديه: أي بوصف
أخيه المسلم دون ذكر الله، ( وقد قيل للحسن البصري: أيحسد المؤمن؟ فقال :
ما أنساك إخوة يوسف، لا أباً لك، ولكن غُمّهُ في صدرك، فإنه لا يضرك ما لم
تَعْدُ به يداً ولا لساناً ) ([2]) . قال بعض السلف: ( الحسد أول ذنب عُصي
به الله في السماء، يعني: حسد إبليس لآدم عليه السلام، وأول ذنب عُصي به
الله في الأرض يعني: حسد ابن آدم لأخيه حتى قتله)([3])، وقال صلى الله عليه
وسلم: « أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين» ([4]) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (من وجد في نفسه حسداً لغيره فعليه أن يستعمل
معه التقوى والصبر فيكره ذلك من نفسه)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«
ثلاث لا ينجو منهن أحد: الحسد، والظن، والطيرة . وسأحدثكم بما يُخرج من
ذلك: إذا حسدت فلا تبغض، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض ». رواه ابن
أبي الدنيا،وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « دبَّ إليكم
داء الأمم قبلكم: الحسد، والبغضاء، وهي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن
تحلق الدين ». فسماه داء أي مرضاً ([5])
نرجع إلى الحديث الذي رواه أبو هريرة مرفوعاً:«العين حق ويحضرها الشيطان وحسد ابن آدم ».
قال ابن حجر: ( وقد أشكل ذلك على بعض الناس فقال: كيف تعمل العين من بُعد
حتى يحصل ضرر المعيون، وكثير من الناس يسقم بمجرد النظر إليه وتضعف قواه،
وكل ذلك بواسطة ما خلق الله تعالى في الأرواح ([6]) من التأثيرات، ولشدة
ارتباطها بالعين نسب الفعل إلى العين، وليست هي المؤثرة وإنما التأثير
للروح، فالذي يخرج من عين العائن سهم معنوي، إن صادف البدن الذي لا وقاية
له أَثّر فيه، وإلاّ لمْ ينفذ السهم، بل رُدَّ على صاحبه: كالسهم الحسي
سواء ) ([7]) .
إذن الذي يخرج من العين هو الوصف (وهو سمّ اللسان) بدليل أن الأعمى يصيب
غيره بالعين ، ويتلقّف الشيطان المتربِّص هذا الوصف الذي لم يذكر الله
عليه، ويؤثر في بدن المحسود ( بإذن لله ) إذ لم يكن ثمّة تحصين .
([1]) أول هذا الحديث «العين حق» صحيح رواه البخاري (10/203) أما زيادة
«ويحضرها الشيطان وحسد ابن ادم » فقد أخرجه أحمد في المسند(21439) بلفظ
«يحضر بها » أي معها وقد جاء ايضاً بلفظ «يحضرها» وعزاه السيوطي في الجامع
الصغير للكجي في سننه من حديث أبي هريرة كما قال الترمذي وغيره وقال
الهيثمي (5/107): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح .وعلى كلٍ فمعناه صحيح ولا
يخالف حديثاً صحيحاً وتشهد له التجربة ويؤيده الواقع ومشايخنا على هذا
المعنى فلله الحمد والمنة ..
([2]) كتاب السلوك لابن تيمية 10/125.
([3]) أدب الدنيا والدين للماوردي ص 260 .
([4]) حديث حسن صحيح ، انظر صحيح الجامع للألباني رقم (1217) .
([5]) السلوك لابن تيمية 10/126.
([6]) أي الأرواح الشيطانية ، وهذا هو الصحيح ويتسق مع الحديث وتشهد له
التجربة وليس مجرد الأرواح الإنسية فهذا وهم من ابن حجر رحمه الله وانظر
إلى تعليق ابن القيم في زاد المعاد 4/163.
([7]) فتح الباري لابن حجر