معهد ون ويب لتطوير المواقع | 1weeb.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ستايلات مجانية FREE STYLES


2 مشترك

    سلسلة تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ح2..*تعريف السنة إصطلاحا *...

    الجزائري عبد المعز
    الجزائري عبد المعز
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    تاريخ الإنضمام : 05/10/2011

    الجنسية : جزائر

    عدد المشاركات : 3288

    مكسب العضو : 40583

    نقاط تقييم مواضيع العضو : 21

    المزاج : منتديات طموح الجزائر

     سلسلة تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ح2..*تعريف السنة إصطلاحا *... Empty سلسلة تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ح2..*تعريف السنة إصطلاحا *...

    مُساهمة من طرف الجزائري عبد المعز 14/10/2011, 01:10

     سلسلة تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ح2..*تعريف السنة إصطلاحا *... 2



     سلسلة تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ح2..*تعريف السنة إصطلاحا *... Bism

     سلسلة تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ح2..*تعريف السنة إصطلاحا *... 090



    ان الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله

    من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له

    و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا

    عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم

    بإحسان الى يوم الديـــن و سلم تسليما كثيرا ، أما بعد ...
     سلسلة تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ح2..*تعريف السنة إصطلاحا *... 090



     سلسلة تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ح2..*تعريف السنة إصطلاحا *... Untitled-1



    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    تعريف السنة اصطلاحاً

    [center]السنة اصطلاحًا

    يختلف
    تعريف السنة في الاصطلاح تبعًا لاختلاف أغراض العلماء من بحوثهم حسب
    تخصصاتهم المختلفة، وفيما يلي تعريفها عند المحدثين، والأصوليين، والفقهاء.


    السنة في اصطلاح المحدثين:

    للمحدثين تعريفات متعددة للسنة، من هذه التعريفات:

    1. هي أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخَلقية والخُلقية، وسائر أخباره سواء كان ذلك قبل البعثة أم بعدها.

    هذا هو المشهور عند جمهور المحدثين، وكأن السنة عندهم خاصة بالحديث المرفوع فقط، أما الموقوف والمقطوع فلا.

    ولعل
    سند هؤلاء فيما ذهبوا إليه هو: تسمية النبي صلى الله عليه وسلم لكل ما جاء
    به في مقابلة القرآن بالسنة مثل قوله في خطبته في حجة الوداع: " يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا: كتاب الله وسنتي"(1).


    وعلى
    هذا القول يحمل تسمية كثير من المحدثين لكتبهم في الحديث باسم السنن مثل:
    سنن أبي عيسى الترمذي المتوفى سنة 279هـ، وسنن الإمام أبي داود السجستاني
    المتوفى سنة 275هـ، وسنن النسائي المتوفى سنة 303هـ، وسنن ابن ماجه
    القزويني المتوفى سنة 373هـ، أو سنة 275هـ.


    2. وقيل:
    هي - أي السنة- أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وتقريراته، وصفاته
    الخَلقية والخُلقية، وسائر أخباره سواء كان ذلك قبل البعثة أم بعدها، وكذلك
    أقوال الصحابة وأفعالهم.


    وممن
    ذهب إلى هذا القول الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه المتوفى
    سنة 150هـ، فقد ورد عنه أنه قال: " ما جاءنا عن الصحابة اتبعناهم وما
    جاءنا عن التابعين زاحمناهم".


    وقال: " إذا لم أجد في كتاب الله ولا سنة رسوله أخذت بقول أصحابه من شئت، وأدع قول من شئت ثم لا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم"(2).

    وكأن
    السنة عند أبي حنيفة مخصوصة بالمرفوع والموقوف فقط، أما ما عداهما من
    المقطوع فلا، ولعل سنده فيما ذهب إليه قوله صلى الله عليه وسلم: " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ"(3).


    3. وقيل:
    هي - أي السنة- أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته
    الخَلقية والخُلقية وسائر أخباره سواء كان ذلك قبل البعثة أم بعدها، وكذلك
    أقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم.


    وممن
    ذهب إلى هذا القول الحافظ أبوبكر أحمد بن الحسين المعروف بالبيهقي المتوفى
    سنة 458هـ، حيث أسمى كتابه - الذي جمع فيه ما جاء عن النبي صلى الله عليه
    وسلم وفتاوى الصحابة والتابعين وأفعالهم - بالسنن الكبرى، وكأن السنة عنده
    تشمل: المرفوع، والموقوف، والمقطوع.


    ولعله
    استند فيما ذهب إليه إلى: أن الصحابة خالطوا رسول الله صلى الله عليه
    وسلم، وشاهدوا الوحي والتنزيل، وكذلك خالط التابعون الصحابة وجالسوهم،
    وسمعوا منهم، فكان قولهم وفعلهم أولى بالقبول من غيرهم، وأصبح داخلاً في
    مفهوم السنة.


    السنة في اصطلاح الأصوليين:

    عرف الأصوليون السنة بأنها: أقوال النبي صلى الله عليه وسلم غير القرآن، وأفعاله وتقريراته التي يمكن أن تكون دليلاً لحكم شرعي(4).

    كأن
    ما صدر عنه من الأقوال والأفعال والتقريرات التي تعد من خصائصه صلى الله
    عليه وسلم ليست داخلة في تعريف السنة عند الأصوليين، وكذلك صفاته صلى الله
    عليه وسلم؛ لأنها لا تفيد حكمًا شرعيًا يتعبد الناس به.


    لذلك
    ترى الأصوليين غالبًا ما يغفلون الكلام عن الأمور التي هي من خصائصه صلى
    الله عليه وسلم، ومن تكلم منهم عنها فمن باب بيان أنها ليست ملزمة للناس.


    السنة في اصطلاح الفقهاء:

    1. هي
    كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن مفروضًا ولا واجبًا مثل
    تثليث الوضوء، ومثل المضمضة، والاستنشاق عند بعضهم، ومثل تقديم اليمنى على
    اليسرى، ومثل الركعتين قبل فرض الصبح ونحو ذلك.


    2. وقد
    يطلقها الفقهاء ويعنون بها، ما يقابل البدعة كقولهم فيمن طلق زوجته في غير
    حيض وفي غير طهر التقيا فيه - هذا طلاق سني - في مقابلة الطلاق البدعي،
    وهو الذي يحدث في طهر التقيا فيه، أو يحدث في حيض، حيث يأبى الإسلام بنظامه
    العام أن يشق على المطلقات بإطالة العدة(5).


    ومرد هذا الاختلاف في الاصطلاح إلى اختلاف الأغراض التي تعنى بها كل فئة من أهل العلم.

    فعلماء الحديث: إنما
    بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام الهادي الذي أخبر الله عنه
    أنه أسوة لنا وقدوة، فنقلوا كل ما يتصل به من سيرة وخلق، وشمائل وأخبار،
    وأقوال وأفعال، سواء أثبت ذلك حكمًا شرعيًا أم لا.


    وعلماء الأصول: إنما
    بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المشرع الذي يضع القواعد للمجتهدين
    من بعده، ويبين للناس دستور الحياة، فعنوا بأقواله وأفعاله وتقريراته التي
    تثبت الأحكام وتقررها.


    وعلماء الفقه: إنما
    بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا تخرج أفعاله عن الدلالة
    على حكم شرعي، وهم يبحثون عن حكم الشرع على أفعال العباد وجوبًا أو حرمةً
    أو إباحةً، أو غير ذلك(6).


    والذي نعنيه بالسنة هنا: هو اصطلاح المحدثين؛ لأننا سنعالج جهودهم في خدمتها، وعطاءهم في حفظها وصيانتها.

    شرح التعريف:

    انتهينا فيما سبق إلى أن السنة عند المحدثين: "هي
    أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخَلقية
    والخُلقية، وسائر أخباره، سواءً كان ذلك قبل البعثة أم بعدها".
    وإليك شرح هذا التعريف.


    يقصد بأقواله صلى الله عليه وسلم: كل ما تلفظ به في مختلف الظروف والمناسبات، ويسميه العلماء أيضًا بالسنة القولية، ويجمع فيقال: سنن الأقوال، ومثاله:

    1. قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: " إنما الأعمال بالنيات وإنما
    لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله،
    ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"
    (7)
    .


    2. وقوله - صلى الله عليه وسلم-: "إن
    الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من
    القطيعة؟ قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلكِ وأقطع من قطعكِ؟ قالت: بلى
    يا رب، قال: فهو لكِ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرءوا إن شئتم: "
    فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم"
    (8)
    .


    3. وقوله - صلى الله عليه وسلم-: " ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده"(9)، وغير ذلك.

    ويقصد بأفعاله صلى الله عليه وسلم: سلوكه وتطبيقه العملي لوحي الله تعالى المنزل عليه، ومثاله:

    1. ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: كان
    رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر
    حين يركع، ثم يقول: " سمع الله لمن حمده" حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول
    وهو قائم: " ربنا ولك الحمد" ثم يكبر حين يهوي، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم
    يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى
    يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس"
    (10)
    .


    2. ما رواه أنس بن مالك قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وأنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه"(11).

    3. ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما: "كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول يخب ثلاثة أطواف، ويمشي أربعة، وأنه كان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة"(12) وغير ذلك.

    ويقصد بتقريراته صلى الله عليه وسلم

    كل ما صدر عن بعض أصحابه من قول أو فعل, وأقره صلى الله عليه وسلم إما بسكوت منه وعدم إنكار، وإما بموافقة وإظهار استحسان.

    وقد يسأل سائل: كيف يكون الإقرار من السنة وهي واجبة الاتباع مع أنه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا من فعله؟

    والجواب: أن
    الإقرار صار من السنة الشريفة بموافقة النبي صلى الله عليه وسلم, فهو عليه
    السلام لا يقر باطلاً ولا يسكت على منكر, فما أقره دلّ على أنه لا حرج
    فيه, - وذلك كما قال ابن حزم -: لأن الله – عز وجل – افترض عليه التبليغ
    وأخبره أنه يعصمه من الناس، وأوجب عليه أن يبين للناس ما نزّل إليهم؛ فمن
    ادعى أنه عليه السلام علم منكرًا فلم ينكره فقد كفر؛ لأنه جحد أن يكون عليه
    السلام بلّغ كما أمر، ووصفه بغير ما وصفه ربه تعالى، وكذّبه في قوله عليه
    السلام: " اللهم هل بلغت"؟ فقال الناس: نعم. فقال: " اللهم اشهد". قال ذلك في حجة الوداع(13)


    ومن أمثلة الإقرار:

    1. إقراره صلى الله عليه وسلم لأصحابه على اجتهادهم في شأن صلاة العصر في غزوة بني قريظة:

    حين قال لهم: " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"(14)

    فقد
    فهم بعضهم من هذا النهي أنه على حقيقته وأنه تحرم صلاة العصر إلا في بني
    قريظة، فأخرها إلى هناك حتى خرج وقتها، وفهم البعض الآخر من هذا النهي: أنه
    ليس على حقيقته وأن المقصود منه الحث على الإسراع، فصلاها في وقتها، ولما
    علم النبي صلى الله عليه وسلم بما صنع الفريقان لم يعنف واحدًا منهما ولم
    ينكره عليه، فكان ذلك منه صلى الله عليه وسلم إقرارًا بصواب صنيعهما، وصار
    ذلك سنة تقريرية عنه صلى الله عليه وسلم.


    2. ما رواه عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال: "
    احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك،
    فتيمّمت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم،
    فقال: يا عمرو! صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال
    وقلت: إني سمعت الله يقول: ((
    وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا))، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا(3)
    .


    3. ما رواه عروة بن الزبير أن عائشة قالت: " لقد
    رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا على باب حجرتي والحبشة يلعبون في
    المسجد, ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم"(15)
    .


    وقد
    علق الأستاذ الدكتور أديب صالح على ذلك قائلاً: " فهذا إقرار منه لا يجوز
    لأحد بعده أن يعتبر اللعب في المسجد بالسلاح – تمرينًا على الحرب
    واستعدادًا للقتال إن احتيج إلى ذلك – أمرًا مخالفًا للسنة"(16).


    ويقصد بصفاته – صلى الله عليه وسلم – الخَلقية: ما يتعلق بذاته وتكوينه، ومن أمثلة ذلك:

    1. حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهًا، وأحسنهم خلقًا، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير"(17).

    2. حديث البراء أيضًا، قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعًا، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء، لم أر شيئًا قط أحسن منه"(18).

    3. حديث أنس رضي الله عنه، قال: "
    ما مسست حريرًا ولا ديباجًا ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم، ولا
    شممت ريحًا قط أو عرفًا قط أطيب من ريح أو عرف النبي صلى الله عليه وسلم"(19)
    .


    ويطرح أستاذنا الدكتور مروان شاهين سؤالاً له وجاهته، ويجيب عنه فيقول – حفظه الله-: " قد يسأل سائل:
    كيف نعتبر الصفات الخَلقية له صلى الله عليه وسلم من السنة مع أنه لا يمكن
    الاقتداء بها؛ لأنها من قدر الله تعالى, ونحن لا نتعلم السنة إلا لكي
    نقتدي برسولنا صلى الله عليه وسلم ونتبعه في هديه كله؟


    والجواب من عدة وجوه:

    أولاً: لكي
    نعلم الصفاتِ الخَلقية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يعقل أن يكون
    هو رسولنا الذي هدانا الله تعالى به، وأخرجنا به من الظلمات إلى النور ثم
    لا نعلم ما هي الهيئة الخَلقية التي أوجده الله تعالى عليها.


    ثانيًا:
    حتى يتأكد لنا أن الله تعالى قد خلقه على أحسن هيئة وأكمل صورة بشرية –
    كما خلقه أيضًا بريئًا من العيوب الخلقية – حتى تجتمع القلوب حوله، وهذا
    يعتبر من الأدلة على صدق رسالته صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى قد برأ
    الأنبياء جميعًا من أيِّ عيب خَلقي.


    ثالثًا:
    لكي يتأكد لنا أن الله تعالى قد أوجده على نفس الهيئة وبنفس الصفات التي
    ذكرت في الكتب السابقة، وفي هذا دليل واضح على صدق رسالته صلى الله عليه
    وسلم، ولعل ما ورد في كتب السيرة من قصة بحيرا الراهب الذي رأى النبي صلى
    الله عليه وسلم في صباه في الثانية عشرة من عمره أثناء رحلته إلى الشام مع
    عمه أبي طالب، وعرف بحيرا الراهب أنه النبي المنتظر بجملة من العلامات ذكرت
    له في الكتب السابقة، من بينها خاتم النبوة بين كتفيه صلى الله عليه وسلم،
    والخاتم هذا أمر خَلقي عرف به بحيرا أنه صلى الله عليه وسلم هو النبي
    المنتظر.


    وقد ذكر القرآن الكريم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مكتوبًا في التوراة والإنجيل، فقال عزّ من قائل: ((الَّذِينَ
    يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ
    مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ
    بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ
    الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ
    إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا
    بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ
    مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
    ))
    [سورة الأعراف: 157].


    وقد
    نعى الله تعالى على أهل الكتاب عدم اتباعهم للرسول صلى الله عليه وسلم مع
    تأكدهم من صدق رسالته، بل ومعرفتهم به كما يعرفون أبناءهم, ومع ذلك كتموا
    الحق الواضح الصريح وهم يعلمون، قال تعالى: ((الَّذِينَ
    آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ
    وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
    ))
    [سورة البقرة: 46].


    يقول
    الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يخبر تعالى أن أهل الكتاب يعرفون
    صحة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرف أحدهم أولاده، ثم أخبر
    تعالى أنهم مع هذا التحقيق والإتقان العلمي ((لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ))، أي: ليكتمون الناس ما في كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم " وهم يعلمون"(20).


    رابعًا: ومن
    الأسباب التي تجعلنا نعتبر الصفات الخَلقية له صلى الله عليه وسلم من
    السنة أيضًا، ما حاوله بعض أعداء الإسلام من إلصاق بعض الصفات غير الحقيقية
    به صلى الله عليه وسلم.


    ومعرفتنا بصفاته الخَلقية تجعلنا ندافع عنه ونحن في موقف القوة والثبات لأنه ثبت بكل الأدلة كمال خلقته صلى الله عليه وسلم.

    خامسًا: نتعلم صفاتِه الخَلقية ونعتبرها من السنة حتى نقتدي بكل ما يمكن الاقتداء به منها، مثل صفة لحيته صلى الله عليه وسلم"(21).

    ويقصد بصفاته الخُلقية: ما يتعلق بأخلاقه الشريفة صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلة ذلك:

    1. قول السيدة عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت للسائل: " ألست تقرأ القرآن؟ فقال: بلى، قالت: فإن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن"(22).

    2. ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها"(23).

    3. ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قال: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا"(24).

    هذه
    بعض أخلاقه صلى الله عليه وسلم، ولقد وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم
    إلى درجة الكمال البشري فاتصف بكل صفات هذا الكمال البشري، ووجدت فيه كل
    صفة على أعلى درجاتها وكمال هيئتها.


    وامتدحه رب العزة قائلاً: ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [سورة القلم: 4].

    ولله در القائل:

    يا مصطفى من قبل نشأة آدم والكون لم تفتح له أغلاق

    أيروم مخلوق ثناءك بعدهـا أثنى على أخلاقك الخلاق

    ويقصد بسائر أخباره

    ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم في كل أحواله حركةً وسكونًا ويقظةً ومنامًا سواءً كان ذلك قبل البعثة أم بعدها.

    أما حركاته: فهي وسائل تربوية: يقصد من ورائها شدّ انتباه المتلقي ولفت نظره إلى أهمية ما يلقى عليه، ومن الأمثلة على ذلك:

    1. قوله - صلى الله عليه وسلم - " التقوى هاهنا، وأشار إلى صدره ثلاثًا"(25).

    فهذه الحركة المتمثلة في الإشارة أفادتنا أن محل التقوى هو القلب.

    2. قوله - صلى الله عليه وسلم-: "
    ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله،
    وعقوق الوالدين، قال الراوي: وكان متكئًا فجلس، ثم قال: ألا وقول
    الزور، ألا وشهادة الزور ثلاثًا, حتى قلنا: ليته سكت"(26). فتغيير النبي صلى الله عليه وسلم من وضعه وحركته أفادت خطورة ما جاء بعدها حتى يحذره القوم ويقدرونه قدره.


    3. قول عبد الله بن مسعود: خطّ
    رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خطًا مستقيمًا، ثم قال: " هذا سبيل الله
    مستقيمًا, وخطّ عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السبل ليس منها إلا عليه
    شيطان يدعو إليه" ثم قرأ: ((وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا
    السبل فتفرق بكم عن سبيله))
    (27)
    [الأنعام:153].


    4. وعن ابن مسعود أيضًا قال: "خطّ
    النبي - صلى الله عليه وسلم- خطاً مربعًا، وخطّ خطاً في الوسط خارجًا منه،
    وخطّ خطوطًا صغارًا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال:
    هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به - أو قد أحاط به -، وهذا الذي هو خارج
    أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا
    نهشه هذا"
    (28)
    .


    ففي
    هذين الحديثين استخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الرسم كوسيلة إيضاح
    لإيصال ما يريده إلى ذهن أصحابه، وهذا ما يأخذ به علماء التربية اليوم في
    التعليم والتلقي، وقد سبقهم إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- منذ
    خمسةَ عشرَ قرنًا من الزمان.


    وأما سكوته: فإننا نستفيد منه أحكامًا شرعيةً، ومثال ذلك:

    ما رواه البراء بن عازب - رضي الله عنه- قال: " خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فانتهينا إلى القبر، فجلس كأن على رءوسنا الطير"(29).

    ففي هذا الحديث مشروعية السكون والسكوت عند دفن الموتى من أجل العظة والاعتبار.

    وأما ما كان في يقظته فلا إشكال فيه - كما يقول أستاذنا الدكتور موسى شاهين - لأن أمر النبوة واضح أثناء اليقظة.

    لكن الذي يستشكل على البعض فهو ما يراه - صلى الله عليه وسلم - في نومه،
    وكيف هو من الوحي؟ بل كيف هو من السنة الواجبة الاتباع؟ خصوصًا وأن النبي -
    صلى الله عليه وسلم - قد علمنا أن النائم غير مكلف في ما ورد من قوله -
    صلى الله عليه وسلم-: " رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يصِح، وعن الصبي حتى يحتلم"(30).


    وإليك الجواب:

    قامت
    الأدلة من القرآن والسنة - على أن ما يراه الأنبياء في نومهم هو من وحي
    الله تعالى إليهم، ففي القرآن الكريم نجد غلامًا حليمًا في أوائل العقد
    الثاني من عمره، قد فقه بالبداهة والفطرة: أن الرسول رسول حتى في نومه،
    فالنوم لا يمكن أن يخرج الرسول عن رسالته ولو قال الرسول: إني أرى منامًا،
    فقل له: هذا أمر من الله واجب التنفيذ والطاعة والتسليم، كما قال الغلام
    الحليم إسماعيل لأبيه الخليل إبراهيم عليهما السلام وعلى جميع المرسلين
    الصلوات والتسليم حين قال له كما حكى القرآن: ((يا بنيّ إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين)) [الصافات:102].


    ومما يختص برسولنا - صلى الله عليه وسلم- مما جاء في القرآن الكريم، قول الله تعالى في سورة الأنفال: (( إذ يريكهم الله في منامك قليلاً....)) الآية. [لأنفال:43].

    فالآية واضحة الدلالة في أنّ ما يراه النبي - صلى الله عليه وسلم- في نومه من رؤيا إنما هو من عند الله تعالى وليس من أي جهة أخرى، (إذ يريكهم الله).

    ومن الأدلة على ذلك أيضًا قول الله تعالى في سورة الفتح:

    (( لَقَدْ
    صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ
    الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ
    رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا
    فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً
    ))
    [الفتح:27].

    فإذا انتقلنا إلى السنة المطهرة فسنجد أدلةً كثيرةً على ذلك.

    من بينها ما جاء في صحيح البخاري رحمه الله تعالى بسنده إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: " أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح"(31).

    فالحديث ينص صراحةً على أن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي وأنه كان لا يرى شيئًا إلا جاء واضحًا جليًا مثل ضوء النهار.

    ولقد
    لفت نظري وأنا أتتبع ما أراه الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - في
    نومه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبدأ حديثه غالبًا عن الرؤيا في
    نومه بقوله: " أُريت كذا" أو " أُريتكم..."
    فالفعل في أول الحديث يأتي بالبناء للمجهول ليدلنا على أن النبي صلى الله
    عليه وسلم لا يرى من قبل نفسه، وإنما هناك من يريه وهو الله تعالى.


    فمن أمثلة ذلك ما روته السيدة عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- مخاطبًا السيدة عائشة -: "
    أُريتك في المنام مرتين: إذ رجل يحملك في سرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك
    فأكشفها فإذا هي أنتِ، فأقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه"
    (32)
    .


    ولقد كانت هذه الرؤيا- وغيرها - من عند الله تعالى فأمضاها سبحانه، وكانت السيدة عائشة من أزواجه أمهات المؤمنين.

    ومن أمثلة ذلك أيضًا ما خاطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه قائلاً فيما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر: " أُريتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد" وزاد مسلم من حديث جابر " أن ذلك كان قبل موته - صلى الله عليه وسلم - بشهر"(33).

    فالحديث كما نلاحظ قد بدأ بقوله: " أُريتكم" بالبناء للمجهول، ولأن علماء الحديث - وكل علماء الإسلام - يعلمون أن ما يراه الرسول - صلى الله عليه وسلم- في
    نومه هو من وحي الله تعالى، فقد أخذوا من الحديث المذكور درسًا عظيمًا،
    وهو أن من بين الأدلة على إثبات الصحبة أن يكون الصحابي قد عاش قبل عشرة
    ومائة للهجرة، فمن جاء بعدها وزعم أنه صحابي فإننا نردّ قوله أخذًا من هذا
    الحديث الشريف.


    على أنه صلى الله عليه وسلم قد يبدأ حديثه مما يراه في نومه بقوله: " رأيت" وذلك في القليل النادر.

    ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم- في رؤيته عن هجرته إلى المدينة "رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر؛ فإذا هي المدينة يثرب"(34). ووهلي أي: ظني.

    ورغم التعبير بقوله: "رأيت"
    إلا أن ذلك أيضًا من الله تعالى؛ بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم- ما كان
    له أن يحيد عن المدينة (كدار) للهجرة ويهاجر إلى غيرها؛ لأن المدينة هي
    المكان الذي اختاره الله تعالى له، فلا يتركه أبدًا إلى غيره.


    وقد وردت هذه الرواية عند البيهقي مبتدئة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: " أُريت دار هجرتكم" وهي بذلك تتلقى مع الأمثلة التي ذكرناها سابقًا.

    إن
    كل ما سبق يعطينا الدليل الأكيد على أن ما يراه رسول الله صلى الله عليه
    وسلم والأنبياء جميعًا أثناء النوم هو من الوحي الذي نلتزم به.


    ومن الأدلة العقلية على ذلك: أن
    ما يراه الناس في نومهم إما أن يكون من الله تعالى أو من الشيطان؛ كما ورد
    بذلك الحديث الصحيح الذي رواه أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه: " الرؤيا الحسنة من الله والحلم من الشيطان، فمن رأى شيئًا يكرهه، فلينفث عن شماله ثلاثًا وليتعوذ من الشيطان، فإنها لا تضره"(35).


    والشيطان
    - كما نعلم- ليس له سلطان على الأنبياء؛ لأن الله تعالى قد عصمهم من كيده
    فلن يأتيهم في نومهم، ولقد نزع الله تعالى حظ الشيطان من نبينا - صلى الله
    عليه وسلم - في مرحلة مبكرة من عمره- وهو طفل رضيع في بادية بني سعد، فحفظه
    بذلك من وسوسة الشيطان.


    فقد
    روى مسلم بسنده إلى أنس بن مالك: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان, فأخذه فصرعه فشق عن قلبه
    فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسل في طست
    من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه
    يعني ظئره فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس:
    وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره(36).


    فنحن
    نرى أن الله تعالى قد طهر قلب نبيه - صلى الله عليه وسلم - منذ صغره, فلم
    يكن للشيطان عليه سبيل، وما دام الأمر كذلك فإن ما يراه في نومه ليس من
    قبيل الشيطان أبدًا، وإنما هو وحي من الله تعالى(37).


    بقي من جزئيات التعريف قولنا:

    " سواء كان ذلك قبل البعثة أم بعدها".

    أي:
    أن ما صدر عنه - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة أم بعدها داخل في إطار
    السنة، وقد لا يستشكل الأمر بالنسبة لما كان بعد البعثة؛ لأنه - صلى الله
    عليه وسلم - صار بعدها رسولاً، وصرنا مأمورين بالاقتداء به امتثالاً لقوله
    تعالى: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
    اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ
    الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا))
    [الأحزاب:21]. أما قبل البعثة، فلم يكن الوحي ينزل عليه، ولم نكن مأمورين بالاقتداء به، فكيف تعد أحواله قبل البعثة من السنة؟


    والجواب:

    أن
    أحواله وصفاتِه وأخلاقه قبل البعثة دليل أكيد على نبوته وأمارة صدق على
    رسالته فهي داخلة في مفهوم السنة، فقد كان يتحنّث (يتعبد) في الجاهلية في
    غار حراء، وكانت الأحجار والأشجار تسلم عليه، واشتهر بالصدق والأمانة.


    وهذه الصفات وتلك الأخلاق كانت الركائز الأساسية التي اعتمد عليها وهو يدعو قومه.

    فمثلاً
    شهرته بالصدق والأمانة قبل بعثته كان دليلاً قويًا على صدق رسالته، وجعل
    الكفار يعجزون عن اتهامه بضد هذه الصفات، ولقد قالوا عنه: إنه ساحر، أو
    كاهن، ولكنهم لم يجرءوا أبدًا على اتهامه بعكس الصدق والأمانة، وهذا ما
    اعتمد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه في إثبات صدق نبوته حينما نزل
    عليه الأمر الإلهي: ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ))[الشعراء:214].


    فقد صعد على الصفا ونادى قبائل قريش جميعًا- حتى إذا اجتمعوا - بدأ حديثه معهم قائلاً: "أرأيتم
    لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم،
    ما جربنا عليك إلا صدقًا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد...."(38)
    .


    فالنبي
    صلى الله عليه وسلم لم يبدأ حديثه معهم بالإنذار مباشرةً، وإنما أخذ منهم
    إقرارًا بصدقه - صلى الله عليه وسلم- قبل بعثته، إذن فهو صادق اليوم في
    رسالته.


    وهذا
    - أيضًا - هو الذي اعتمد عليه هرقل ملك الروم في إثباته لصدق نبوة الرسول -
    صلى الله عليه وسلم- في قصة طويلة ذكرها البخاري وغيره - أثناء حديث هرقل
    مع أبي سفيان - حينما سأل أبا سفيان الذي كان لا يزال حتى وقت سؤال هرقل له
    مشركًا(39).


    لقد
    جاء كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام - فأراد أن
    يعرف بعض أحوال هذا النبي الجديد - فجاءوا له بأبي سفيان فسأله هرقل عن
    كثير من أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة، وأيضًا سأل عمّا
    يدعو إليه بعد البعثة، وفي نهاية اللقاء قال هرقل لأبي سفيان: "فإن
    كان ما تقول حقًا فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن
    أظنّ أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده
    لغسلت عن قدمه"(3)
    .


    ولقد
    صدقت توقعات هرقل، فبعد مضي ما لا يزيد على سبع سنوات فتح الله بلاد الشام
    للمسلمين بعد أن كان يحكمها الروم، وخرج هرقل من حمص التي كان يقيم بها.


    والمهم
    في ذلك كله أن كثيرًا من أحواله - صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة تعطي
    الأدلة الواضحة على صدق رسالته بعد البعثة، وهذا ما جعل العلماء يعتبرونها
    جزءًا من السنة.


    وإذ
    قد انتهينا من تعريف السنة وشرح متعلقاتها، فإننا - بعون الله وتوفيقه-
    ننتقل إلى التعريف ببقية المصطلحات الأخرى التي تشترك معها لنكشف عن
    معناها، ونوضح علاقتها بالسنة اتفاقًا واختلافًا، وتلك المصطلحات هي:
    الحديث - الخبر - الأثر.


    أ‌- معنى الحديث(40):

    الحديث في اللغة له معان ثلاثة:

    الأول: الحديث بمعنى الجديد الذي هو ضد القديم، تقول: لبستُ ثوبًا حديثًا، أي: جديدًا، وركبتُ سيارةً حديثةً، تعني: سيارةً جديدةً.

    الثاني: الحديث بمعنى الكلام، ومنه قوله تعالى: ((اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا)) [الزمر:23]، أي: نزل أحسن الكلام، وقوله تعالى: ((فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)) [المرسلات:50]، أي: إن لم يؤمنوا بالقرآن الكريم، فبأي كلام بعده يؤمنون.

    الثالث: الحديث بمعنى الخبر والنبأ، ومنه قوله تعالى: ((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى)) [النازعات:15]، وقوله تعالى: ((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)) [الغاشية:1].

    الحديث اصطلاحًا: للعلماء في تعريفه أقوال:

    1. قال جمهور المحدثين: هو:
    أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى القرآن، وأفعاله وتقريراته،
    وصفاته الخَلقية، والخُلقية، وسائر أخباره سواءً كان ذلك قبل البعثة أم
    بعدها، وكذلك أقوال الصحابة والتابعين، وأفعالهم(41).


    وعليه يكون الحديث شاملاً للمرفوع، والموقوف، والمقطوع، ويكون مرادفًا للسنة على القول الثالث.

    2. وقيل هو: أقواله صلى الله عليه وسلم خاصةً(42).

    فيكون مقابلاً لتعريف السنة على رأي من يعرفها بأنها: الطريقة العملية المتواترة التي بين بها النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن(43). وكأن صاحب هذا التعريف استند في تقريره إلى المعنى اللغوي الثاني.

    وهو: أن الحديث يطلق على الكلام قلّ أم كثر.

    3. وقيل هو: أقواله - صلى الله عليه وسلم- سوى القرآن، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته خاصةً(44).

    وعليه
    يكون مقصورًا على المرفوع فقط، ويكون مرادفًا للسنة على القول الأول، لكن
    جرى اصطلاح المحدثين على أن الحديث إذا أطلق ينصرف إلى ما جاء عنه - صلى
    الله عليه وسلم-، ولا يستعمل في غيره إلا مقيدًا.


    ب- معنى الخبر:

    الخبر لغةً: مأخوذ من الفعل " خبر" بفتح الخاء المعجمة والباء المنقوطة بواحدة من تحت، ومعناه علم الشيء على حقيقته.

    وقيل:
    هو مشتق من " الخبار"، وهي الأرض الرخوة، لأن الخبر يثير الفائدة كما أن
    الأرض الخبار تثير الغبار إذا قرعها الحافر ونحوه، وهو عند أهل اللغة: اسم
    لما ينقل ويتحدث به، والجمع أخبار، مثل: سبب وأسباب(45).


    الخبر اصطلاحًا: للعلماء في تعريفه أقوال:

    1. قال جمهور المحدثين: هو: أقوال النبي صلى الله عليه وسلم - سوى القرآن -، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته، وأقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم(46).

    وعليه يكون شاملاً للمرفوع، والموقوف، والمقطوع، ويكون مرادفًا للسنة على القول الثالث، وللحديث على القول الأول.

    2. وقيل هو: أقواله - صلى الله عليه وسلم- سوى القرآن، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته خاصة(47).

    وعليه يكون مقصورًا على المرفوع، ويكون مرادفًا للسنة على القول الأول، وللحديث على القول الثالث.

    3. وقيل هو:
    ما جاء عن غير النبي - صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين من هذه
    الأمة أو غيرها من الأمم السابقة، كأن الخبر في هذا الحال خاص بالتاريخ،
    وليس من الألفاظ المستعملة في اصطلاح المحدثين.


    ومن هنا شاع إطلاق "الإخباري" على المشتغل بالتواريخ، بينما شاع إطلاق اسم "المحدث" على المشتغل بالسنة النبوية(48).

    وعلى هذا المعنى الأخير تكون العلاقة بين الخبر، والسنة، والحديث هي التباين والتضاد.

    4. وقيل هو: ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم-، وعن غيره من الصحابة والتابعين فمن بعدهم(49).

    وعليه يكون شاملاً للمرفوع، والموقوف، والمقطوع، وسائر أنواع الحديث الأخرى، ويكون أعم من السنة والحديث.

    ج- معنى الأثر:

    الأثر لغةً: مأخوذ
    من أثرت الشيء - بفتح الهمزة والثاء المثلثة- أي: نقلته أو تتبعته، ومعناه
    عند أهل اللغة: ما بقي من رسم الشيء وضربة السيف، ويجمع على آثار، مثل:
    سبب وأسباب(50).


    الأثر: اصطلاحًا: للعلماء في تعريفه أقوال:

    1. قال جمهور المحدثين: هو أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم- سوى القرآن، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته، وأقوال الصحابة، والتابعين، وأفعالهم(51).

    وعليه يكون شاملاً للمرفوع، والموقوف، والمقطوع، ويكون مرادفًا للسنة على القول الثالث، وللحديث وللخبر على القول الأول.

    وبهذا المعنى سمى الحافظ الطحاوي كتابه: " شرح معاني الآثار المختلفة المأثورة".

    2. وقال فقهاء خراسان: يطلق الأثر على أقوال الصحابة، والتابعين وأفعالهم فقط(52).

    وعليه يكون مقصورًا على الموقوف والمقطوع فقط، ويكون أخص من السنة على القول الثالث، ومن الحديث، و
    3d max
    3d max
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    تاريخ الإنضمام : 24/11/2011

    الجنسية : فلسطيني

    عدد المشاركات : 912

    مكسب العضو : 6024

    نقاط تقييم مواضيع العضو : 0

     سلسلة تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ح2..*تعريف السنة إصطلاحا *... Empty رد: سلسلة تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ح2..*تعريف السنة إصطلاحا *...

    مُساهمة من طرف 3d max 28/11/2011, 07:49

    مشكووور

      الوقت/التاريخ الآن هو 22/9/2024, 04:25