بسم الله الرحمن الرحيم العلاقة بين أسباب نزول القرآن وأسباب ورود الحديث لمعرفة العلاقة بين أسباب نزول القرآن وأسباب ورود الحديث لا بد من تعريفهما أولا. وقد سبق التعريف بأسباب الورود في الأحاديث فكان لزامًا تعريف أسباب النزول في القرآن؛ لبيان تلك العلاقة. تعريف سبب النزول في القرآن: هو ذكر كل ما يتصل في سبب نزول الآية أو الآيات مخبرة عنه أو مبينة لحكمه في زمان وقوعه، ويكون إما حادثة وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم في زمانه أو سؤال ورد إليه صلى الله عليه وسلم، وتكون الآية مبينة لتلك الحادثة أو رادة على السؤال الموجه أو نحو ذلك. والمراد بزمان وقوعه: الظروف التي ينزل القرآن يتحدث فيها عن السبب، سواء كان ذلك النزول عقبه مباشرة أو تراخى زمانه لحكمة يعلمها الشارع؛ احترازًا عن الآيات التي نزلت ابتداء من غير سبب تتحدث عن وقائع ماضية أو مستقبلة كقصص الأنبياء ويوم القيامة والساعة وغير ذلك. فوائد معرفة أسباب النزول القرآن: عن إبراهيم التيمى قال: أرسل عمر بن الخطاب إلى ابن عباس فقال: كيف تختلف هذه الأمة وكتابها واحد ونبيها واحد وقبلتها واحدة؟! فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين إنا أنزل علينا القرآن فقرأناه وعَلِمناه فيما نزل، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن ولا يعرفون فيما نزل، فيكون لكل قوم فيه رأي، فإذا كان لكل قوم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا(1). قال السيوطيفي مقدمة كتابه «لباب النقول»: «لمعرفة أسباب النزول فوائد، وأخطأ من قال: لا فائدة له؛ لجريانه مجرى التاريخ، ومن فوائده الوقوف على المعنى، أو إزالة الإشكال»(2). أقسام الآيات من حيث أسباب النزول: 1- قسم نزل ابتداء من غير ارتباط بسبب وهو كثير ظاهر. 2- قسم نزل مرتبطًا بسبب من الأسباب. ذكر بعض الأمثلة على أسباب نزول القرآن: 1- عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كنت في غزاةٍ فسمعت عبد الله بن أبيٍّ يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضُّوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده ليخرجنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ، فذكرت ذلك لعمِّي أو لعمر فذكره للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدعاني فحدَّثته، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبيٍّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا، فكذَّبني رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدَّقه، فأصابني همٌّ لم يصبني مثله قط، فجلست في البيت فقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذَّبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك، فأنزل الله تعالى: ?إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ?، فبعث إليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقرأ فقال: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ»(3). 2- عن علي بن أبي طالب قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوفٍ طعامًا فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منَّا وحضرت الصَّلاة فقدَّموني فقرأت: قل يا أيُّها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون، قال فأنزل الله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ?(4). - وهذا حديث صحيح جامع لعدد من أسباب النزول: عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «نزلت فيّ آياتٌ من القرآن: قال: حلفت أمُّ سعدٍ ألا تكلِّمه أبدًا حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب قالت: زَعَمْتَ أن الله وصَّاك بوالديك وأنا أمُّك وأنا آمرك بهذا، قال: مَكَثَتْ ثلاثًا حتى غُشي عليها من الجهد، فقام ابنٌ لها يُقال له عمارة فسقاها، فجعلت تدعو على سعدٍ، فأنزل الله تعالى في القرآن هذه الآية: ?وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي? وفيها ?وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا?. قال: وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمةً عظيمةً فإذا فيها سيفٌ فأخذته فأتيت به الرسول صلى الله عليه وسلم فقلت: نفِّلني هذا السيف فأنا من قد علمت حاله، فقال: «رُدَّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ»، فانطلقت حتى إذا أردت أن ألقيَه في القبض لامتني نفسي فرجعت إليه فقلت: أعطنيه. قال: فشدَّ لي صوته «رُدَّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ». قال: فأنزل الله تعالى: ?يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ?. قال: ومرضتُ فأرسلت إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأتاني، فقلت: دعني أقسم مالي حيث شئت. قال: فأبى. قلت: فالنصف؟ قال: فأبى. قلت: فالثلث؟ قال: فسكت، فكان بعد الثلث جائزًا. قال: وأتيت على نفرٍ من الأنصار والمهاجرين فقالوا: تعال نطعمك ونسقك خمرًا- وذلك قبل أن تحرم الخمر قال: فأتيتهم في حشٍّ- والحشُّ البستان- فإذا رأس جزورٍ مشويٌّ عندهم وزقٌّ من خمرٍ، قال: فأكلت وشربت معهم، قال: فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم، فقلت: المهاجرون خيرٌ من الأنصار، قال: فأخذ رجلٌ أحد لحيي الرّأس فضربني به فجرح بأنفي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأنزل الله تعالى فيَّ- يعني نفسه- شأن الخمر: ?إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ?(5)» لقد تجلى لنا الآن مدى أهمية معرفة أسباب نزول القرآن وأسباب ورود الحديث في فَهم المعاني للآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وما يتفرع على ذلك من استنباط الأحكام المتعلقة بهما. والقرآن والسنة يحتاج كل منهما للآخر لمعرفة الأحكام الشرعية. قال البيهقي: «ومعنى احتياج القرآن إلى السنة أنها مبينة له ومفصلة لمجملاته؛ لأن فيه لوَجَازته كنوزًا تحتاج إلى من يعرف خفايا خباياها فيبررها، وذلك هو المنزل عليه ?، وهو معنى كون السنة قاضية عليه، وليس القرآن مبينًا للسنة ولا قاضيًا عليها»(1). قال السيوطي: «فعُرف من هذا وجوب احتياج الناظر في القرآن إلى معرفة أسباب نزوله، وأسباب النزول إنما تؤخذ من الأحاديث، والله أعلم»(2). وقال الواحدي: «لا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرّواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها.»(3) نخلص مما سبق من الأقوال إلى أمور: 1- هناك علاقة وثيقة بين معرفة أسباب نزول القرآن وأسباب ورود الأحاديث بين فهم المعنى الصحيح والوقوف عليه. 2- كلّ من أسباب ورود الحديث وأسباب نزول القرآن يعتمد على الرواية. 3- مدار الحكم على الرواية التي في أسباب ورود الحديث وأسباب نزول القرآن يكون على طريقة أهل الحديث دون غيرهم. 4- كلّ ما صحّ من أسباب نزول القرآن وأسباب ورود الحديث يكون حكمه الرفع وإن لم يُنص على ذلك. ارتباط أسباب ورود الأحاديث بأسباب نزول القرآن: والمقصود بذلك أن تنزل آية لقصة وقعت في عهد النبي ?، ويرد الحديث النبوي في القصة نفسها، أو بمعنى آخر أن يكون سبب نزول الآية وسبب ورود الحديث واحد. ومثال على ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَيْهِ وَرَأْسُهُ يَتَهَافَتُ قَمْلًا فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ» قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ «فَاحْلِقْ رَأْسَكَ» قَالَ فَفِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ?فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ? فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةِ أَوْ انْسُكْ مَا تَيَسَّرَ«صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ أَوْ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ»(4) فهذا الحديث يصلح أن يذكر في أسباب نزول القرآن على أنه سبب نزول قوله تعالى: ?فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ?، ويصلح أن يذكر في أسباب ورود الحديث على أنه سبب ورود حديث: « صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ أَوْ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ» في ذكر فدية المحرم إذا حلق رأسه للأذى. (1) «مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة» (ص 44). (2) «مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة» (ص 46). (3)- الواحدي في أسباب النزول (ص- 4) (4) - متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الحج، باب قول الله تعالى: ?فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ?، رقم (1814)، باب قول الله تعالى: ?أَوْ صَدَقَةٍ? وهي إطعام ستة مساكين، رقم (1815)، باب الإطعام في الفدية نصف صاع، رقم (1816)، باب النسك شاة، رقم (1818)، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية، رقم (4159)، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: ?فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ?، رقم (4517)، كتاب الطب، باب الحلق من الأذى، رقم (5703)، كتاب كفارات الأيمان، باب قول الله تعالى: ?فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ?، رقم (6708)، مسلم: كتاب الحج، باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، رقم (1201). [b](1) أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (42- التفسير)، «فضائل القرآن» لأبي عبيد (76)، البيهقي في «شعب الإيمان» (2283). (2) «لباب النقول في أسباب النزول» (ص 3). (3) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب «تفسير القرآن» باب «قوله: ?إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ...?» حديث (4900)، باب «?اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً? يجتنبون بها» حديث (4901)، باب «قوله: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ?» حديث (4092- 4903)، باب «قوله: ?وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ?» حديث (4904)، باب «قوله: ?سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ?» حديث (4905)، مسلم: كتاب «صفات المنافقين وأحكامهم» حديث (2772). (4) أخرجه أبو داود: كتاب «الأشربة» باب «في تحريم الخمر» حديث (3671)، الترمذي: كتاب «تفسير القرآن» باب «ومن سورة النساء» حديث (3026) قال الترمذي: «حديث حسن غريب صحيح». (5) أخرجه مسلم: كتاب «فضائل الصحابة» باب «في فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه» حديث (1748). [/b] |
5 مشترك
العلاقة بين أسباب نزول القرآن وأسباب ورود الحديث
الجزائري عبد المعز- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 05/10/2011
الجنسية : جزائر
عدد المشاركات : 3288
مكسب العضو : 40583
نقاط تقييم مواضيع العضو : 21
المزاج : منتديات طموح الجزائر
- مساهمة رقم 1
العلاقة بين أسباب نزول القرآن وأسباب ورود الحديث
3d max- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 24/11/2011
الجنسية : فلسطيني
عدد المشاركات : 912
مكسب العضو : 6024
نقاط تقييم مواضيع العضو : 0
- مساهمة رقم 2
رد: العلاقة بين أسباب نزول القرآن وأسباب ورود الحديث
مجهودك رائع مشكور
ابداع- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 25/11/2011
الجنسية : aaaaaaaaaaaaaaa
عدد المشاركات : 817
مكسب العضو : 4068
نقاط تقييم مواضيع العضو : 0
- مساهمة رقم 3
رد: العلاقة بين أسباب نزول القرآن وأسباب ورود الحديث
مشكوور على الموضوع
ahmade- عضو ماسي
- تاريخ الإنضمام : 27/11/2011
الجنسية : alg
عدد المشاركات : 2394
مكسب العضو : 14803
نقاط تقييم مواضيع العضو : 0
- مساهمة رقم 4
رد: العلاقة بين أسباب نزول القرآن وأسباب ورود الحديث
يعطيك العافيه على الموضوع
خليل إبراهيم- صاحب الموقع
- تاريخ الإنضمام : 02/12/2009
الجنسية : أردني وافتخر
عدد المشاركات : 9177
مكسب العضو : 122149
نقاط تقييم مواضيع العضو : 118
العمر : 34
المزاج : رايق
- مساهمة رقم 5
رد: العلاقة بين أسباب نزول القرآن وأسباب ورود الحديث
مشكوووووووووووووووووووووور على الموضوع الرائع