بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنت رفيع المقام ، عالي الشأن !
عَنْ عُبَادَةَ بن الصامت - رضي الله عنه - عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ، أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ ».
وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَمُعَاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ قَالَ « يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ». قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ « يَا مُعَاذُ ». قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. ثَلاَثًا. قَالَ « مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا قَالَ « إِذًا يَتَّكِلُوا ». وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا.
لا شك أن المسلم يفرح فرحا شديدا عندما يقرأ هذه الأحاديث، وسبب فرحه أمران:
الأمر الأول: فرحه بنعمة الله عليه أن جعله من أهل شهادة أن لا إله الله وأن محمدا رسول الله، ومن أتباع ملة الإسلام، فإنه بهذا موعود بدار السلام والأمن التام، والنعيم المقيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
الأمر الثاني: أن كلمة التوحيد والعمل بها ترفع من شأن المسلم، وتعلي من مقامه.
ولما كان المولى- تبارك وتعالى - قد أعلى مقام المسلم، ورفع قدره وشأنه، كان من المحرمات في شريعة الإسلام الاستهزاء بالمسلمين واحتقارهم. قال - تعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ الحجرات11.
إن الإنسان بسخريته من أخيه المسلم واحتقاره له، يكون قد ارتكب خطأ كبيرا، وأتى إثما عظيما، وذلك لأمور:
أحدهما: أن هذا المستهزئ بإخوانه إنما استهزأ بهم لما يظهر عليهم من الصور والأشكال والأوضاع والأطوار التي يدور عليها أمر السخرية غالبا، وواقع الحال أن ذلك ليس مناط الخيرية عند الله - سبحانه وتعالى -، فإن الخيرية عند الله إنما تكون بما في القلوب؛ كما قال - تعالى -: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ الحجرات13، وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ».
ولعل المستهزأ به يكون خير من المستهزئ وأَجْمَعُ مِنْهُ لِمَا نِيطَ بِهِ الْخَيْرِيَّةُ عِنْدَهُ - تعالى -، فَيَظْلِمُ نَفْسَهُ بِتَحْقِيرِ مَنْ وَقَّرَهُ اللَّهُ، وَالِاسْتِهَانَةِ بِمَنْ عَظَّمَهُ اللَّهُ - تعالى -.
الثاني: أن هذا المستهزئ قد غفل عن عظم الذنب الذي ارتكبه، ولم يلتفت إلى مقدار الأذى الذي ألحقه بأخيه المسلم.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ".
ففي هذا الحديث " تحذير عظيم من احتقار المسلم؛ لأن الله - تعالى - لم يحقره إذ خلقه ورزقه ثم أحسن تقويم خلقه، وسخر ما في السموات وما في الأرض جميعاً لأجله، وإن كان له ولغيره فله من ذلك حصة.
ثم إن الله - سبحانه - سماه مسلماً ومؤمناً وعبداً، وبلغ من أمره إلى أن جعل الرسول منه إليه محمداً - صلى الله عليه وسلم -، فمن حقر مسلماً من المسلمين، فقد حقر ما عظم الله - عز وجل -، وكافيه ذلك ".
ثالثا: أن الإنسان لا يحتقر أخاه المسلم إلا لتكبُّره عليه، والكِبْرُ من أعظمِ خِصالِ الشَّرِّ، ففي صحيح مسلم عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبرٍ! فقال رجلٌ: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنةً، فقال: إن الله جميلٌ يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس ".
رابعا: إن الإنسان بتكبره على أخيه المسلم يكون منازعا لله صفاته التي لا تليق بالمخلوق؛ فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ قَالاَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: « الْعِزُّ إِزَارُهُ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِى عَذَّبْتُهُ » وروى ابن حبان في صحيحه عن فَضالة بنِ عُبيدٍ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: " ثلاثة لا يُسأل عنهم: رجلٌ يُنازعُ الله إزاره، ورجلٌ يُنازع الله رداءه، فإنَّ رداءه الكبرياء، وإزاره العزُّ، ورجلٌ في شكٍّ من أمر الله - تعالى - والقُنوطِ من رحمة الله ".
"فمن تكبر من المخلوقين أو تعزز فقد نازع الخالق - سبحانه - رداءه وإزاره الخاصين به، فله في الدنيا الذل والصغار، وفي الآخرة عذاب النار".
خامسا: أن المستهزئ بإخوانه غفل عن أن عاقبة فعله تعود عليه؛ فإنه في واقع الحال إنما يستهزئ بنفسه ويحقرها.
قال الغزالي - رحمه الله -: " وأما الاستهزاء فمقصودك منه إخزاء غيرك عند الناس بإخزاء نفسك عند الله - تعالى -وعند الملائكة والنبيين -عليهم الصلاة والسلام-، فلو تفكرت في حسرتك وجنايتك وخجلتك وخزيك يوم القيامة يوم تحمل سيئات من استهزأت به، وتساق إلى النار، لأدهشك ذلك عن إخزاء صاحبك! ولو عرفت حالك لكنت أولى أن تضحك منك، فإنك سخرت به عند نفر قليل وعرضت نفسك لأن يأخذ يوم القيامة بيدك على ملأ من الناس ويسوقك تحت سيئاته كما يساق الحمار إلى النار، مستهزئاً بك وفرحاً بخزيك ومسروراً بنصرة الله - تعالى - إياه عليك وتسلطه على الانتقام منك".
سادسا: أن بعض المستهزئين بإخوانهم إنما يستهزئون بهم لأمور لا دخل لهم فيها، وليست من كسبهم، بل هي جبلة وخلقة خلقهم الله عليها، فيكون ذلك المستهزئ كمن يعترض على خلق الله وإرادته ومشيئته.
وذلك كمن يحتقر الناس لأنسابهم، ومعلوم أن الإنسان لا يختار نسبه، ولا إرادة له في كونه من قبيلة أو عائلة كذا، أو ابن فلان وإنما ذلك محض خلق الله - سبحانه وتعالى -.
فتجد بعض الناس يستهزئ بشخص لأنه من دولة كذا، أو قبيلة كذا، أو من عائلة كذا، أو من منطقة كذا، فيكون بذلك الاستهزاء قد عظم إثمه، وكبرت خسارته، لأنه لم يستهزئ بفرد واحد، بل بعدد من الناس وكل يأتيه يوم القيامة يحاجه ويخاصمه.
ويزداد الإثم وتعظم الخسارة عندما يصوغ ذلك الاستهزاء بأسلوب مضحك ويقوم بتعميمه على الناس عن طريق رسائل الجوال، أو البريد الإلكتروني، أو منتديات الإنترنت.
فيكون بذلك قد انتهك حرمات كثيرة: الاستهزاء بالمسلمين، والطعن في الأنساب، وتعميم القول المنكر، واستعمال نعمة الله في معصيته، وإنفاق وقته وماله فيما حرم الله عليه، والكذب من أجل إضحاك الناس، وكل واحدة من هذه معصية، فكيف بها إذا اجتمعت؟! والطعن في الأنساب من كبائر الذنوب، وهي من أمور الجاهلية التي جاء الإسلام بمحاربتها وتنفير الناس عنها. ومما يدل على ذلك ما رواه مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: « اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ؛ الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ ».
وقال - صلى الله عليه وسلم -: « أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ؛ الْفَخْرُ فِي الأَحْسَاب، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ ».
والطعن في النسب هو التنقص لأنساب الناس وعيبها على قصد الاحتقار لهم والذم.
دمتم برعاية الرحمن وحفظه
موقع المختار الاسلامي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنت رفيع المقام ، عالي الشأن !
عَنْ عُبَادَةَ بن الصامت - رضي الله عنه - عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:« مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ، أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ ».
وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَمُعَاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ قَالَ « يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ». قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ « يَا مُعَاذُ ». قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. ثَلاَثًا. قَالَ « مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا قَالَ « إِذًا يَتَّكِلُوا ». وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا.
لا شك أن المسلم يفرح فرحا شديدا عندما يقرأ هذه الأحاديث، وسبب فرحه أمران:
الأمر الأول: فرحه بنعمة الله عليه أن جعله من أهل شهادة أن لا إله الله وأن محمدا رسول الله، ومن أتباع ملة الإسلام، فإنه بهذا موعود بدار السلام والأمن التام، والنعيم المقيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
الأمر الثاني: أن كلمة التوحيد والعمل بها ترفع من شأن المسلم، وتعلي من مقامه.
ولما كان المولى- تبارك وتعالى - قد أعلى مقام المسلم، ورفع قدره وشأنه، كان من المحرمات في شريعة الإسلام الاستهزاء بالمسلمين واحتقارهم. قال - تعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ الحجرات11.
إن الإنسان بسخريته من أخيه المسلم واحتقاره له، يكون قد ارتكب خطأ كبيرا، وأتى إثما عظيما، وذلك لأمور:
أحدهما: أن هذا المستهزئ بإخوانه إنما استهزأ بهم لما يظهر عليهم من الصور والأشكال والأوضاع والأطوار التي يدور عليها أمر السخرية غالبا، وواقع الحال أن ذلك ليس مناط الخيرية عند الله - سبحانه وتعالى -، فإن الخيرية عند الله إنما تكون بما في القلوب؛ كما قال - تعالى -: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ الحجرات13، وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ».
ولعل المستهزأ به يكون خير من المستهزئ وأَجْمَعُ مِنْهُ لِمَا نِيطَ بِهِ الْخَيْرِيَّةُ عِنْدَهُ - تعالى -، فَيَظْلِمُ نَفْسَهُ بِتَحْقِيرِ مَنْ وَقَّرَهُ اللَّهُ، وَالِاسْتِهَانَةِ بِمَنْ عَظَّمَهُ اللَّهُ - تعالى -.
الثاني: أن هذا المستهزئ قد غفل عن عظم الذنب الذي ارتكبه، ولم يلتفت إلى مقدار الأذى الذي ألحقه بأخيه المسلم.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ".
ففي هذا الحديث " تحذير عظيم من احتقار المسلم؛ لأن الله - تعالى - لم يحقره إذ خلقه ورزقه ثم أحسن تقويم خلقه، وسخر ما في السموات وما في الأرض جميعاً لأجله، وإن كان له ولغيره فله من ذلك حصة.
ثم إن الله - سبحانه - سماه مسلماً ومؤمناً وعبداً، وبلغ من أمره إلى أن جعل الرسول منه إليه محمداً - صلى الله عليه وسلم -، فمن حقر مسلماً من المسلمين، فقد حقر ما عظم الله - عز وجل -، وكافيه ذلك ".
ثالثا: أن الإنسان لا يحتقر أخاه المسلم إلا لتكبُّره عليه، والكِبْرُ من أعظمِ خِصالِ الشَّرِّ، ففي صحيح مسلم عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبرٍ! فقال رجلٌ: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنةً، فقال: إن الله جميلٌ يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس ".
رابعا: إن الإنسان بتكبره على أخيه المسلم يكون منازعا لله صفاته التي لا تليق بالمخلوق؛ فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ قَالاَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: « الْعِزُّ إِزَارُهُ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِى عَذَّبْتُهُ » وروى ابن حبان في صحيحه عن فَضالة بنِ عُبيدٍ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: " ثلاثة لا يُسأل عنهم: رجلٌ يُنازعُ الله إزاره، ورجلٌ يُنازع الله رداءه، فإنَّ رداءه الكبرياء، وإزاره العزُّ، ورجلٌ في شكٍّ من أمر الله - تعالى - والقُنوطِ من رحمة الله ".
"فمن تكبر من المخلوقين أو تعزز فقد نازع الخالق - سبحانه - رداءه وإزاره الخاصين به، فله في الدنيا الذل والصغار، وفي الآخرة عذاب النار".
خامسا: أن المستهزئ بإخوانه غفل عن أن عاقبة فعله تعود عليه؛ فإنه في واقع الحال إنما يستهزئ بنفسه ويحقرها.
قال الغزالي - رحمه الله -: " وأما الاستهزاء فمقصودك منه إخزاء غيرك عند الناس بإخزاء نفسك عند الله - تعالى -وعند الملائكة والنبيين -عليهم الصلاة والسلام-، فلو تفكرت في حسرتك وجنايتك وخجلتك وخزيك يوم القيامة يوم تحمل سيئات من استهزأت به، وتساق إلى النار، لأدهشك ذلك عن إخزاء صاحبك! ولو عرفت حالك لكنت أولى أن تضحك منك، فإنك سخرت به عند نفر قليل وعرضت نفسك لأن يأخذ يوم القيامة بيدك على ملأ من الناس ويسوقك تحت سيئاته كما يساق الحمار إلى النار، مستهزئاً بك وفرحاً بخزيك ومسروراً بنصرة الله - تعالى - إياه عليك وتسلطه على الانتقام منك".
سادسا: أن بعض المستهزئين بإخوانهم إنما يستهزئون بهم لأمور لا دخل لهم فيها، وليست من كسبهم، بل هي جبلة وخلقة خلقهم الله عليها، فيكون ذلك المستهزئ كمن يعترض على خلق الله وإرادته ومشيئته.
وذلك كمن يحتقر الناس لأنسابهم، ومعلوم أن الإنسان لا يختار نسبه، ولا إرادة له في كونه من قبيلة أو عائلة كذا، أو ابن فلان وإنما ذلك محض خلق الله - سبحانه وتعالى -.
فتجد بعض الناس يستهزئ بشخص لأنه من دولة كذا، أو قبيلة كذا، أو من عائلة كذا، أو من منطقة كذا، فيكون بذلك الاستهزاء قد عظم إثمه، وكبرت خسارته، لأنه لم يستهزئ بفرد واحد، بل بعدد من الناس وكل يأتيه يوم القيامة يحاجه ويخاصمه.
ويزداد الإثم وتعظم الخسارة عندما يصوغ ذلك الاستهزاء بأسلوب مضحك ويقوم بتعميمه على الناس عن طريق رسائل الجوال، أو البريد الإلكتروني، أو منتديات الإنترنت.
فيكون بذلك قد انتهك حرمات كثيرة: الاستهزاء بالمسلمين، والطعن في الأنساب، وتعميم القول المنكر، واستعمال نعمة الله في معصيته، وإنفاق وقته وماله فيما حرم الله عليه، والكذب من أجل إضحاك الناس، وكل واحدة من هذه معصية، فكيف بها إذا اجتمعت؟! والطعن في الأنساب من كبائر الذنوب، وهي من أمور الجاهلية التي جاء الإسلام بمحاربتها وتنفير الناس عنها. ومما يدل على ذلك ما رواه مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: « اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ؛ الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ ».
وقال - صلى الله عليه وسلم -: « أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ؛ الْفَخْرُ فِي الأَحْسَاب، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ ».
والطعن في النسب هو التنقص لأنساب الناس وعيبها على قصد الاحتقار لهم والذم.
دمتم برعاية الرحمن وحفظه
موقع المختار الاسلامي