علمتني
الحياة
الاشتغال بإصلاح عيوب
النفس
قَالَ الله تَعَالَى :وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا
عَنْهُ [ القصص
: 55 ] ، وقال تَعَالَى :والَّذينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [ المؤمنون : 3 ]
،
وقال تَعَالَى :
إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً
[ الإسراء : 36
] ،
وقال تَعَالَى :
وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ
يَخُوضُونَ في آيَاتِنا فَأعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ
وإمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَومِ
الظَّالِمِينَ [
الأنعام : 68 ] .
عن أَبي الدرداء رضي
الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أخيهِ ، رَدَّ اللهُ
عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَومَ القيَامَةِ )) .
رواه الترمذي ، وقال :
(( حديث حسن )) .
علمتني الحياة في ظل العقيدة أن لا أعيبَ أحداً
ما استطعت إلى ذلك سبيلا. وأن أشتغلَ بإصلاحِ عيوبي،
وإنها لكبيرة جد كبيرة، أما يستحي من يعيبَ الناس وهو
معيب.
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها.. كفى المرء نبلا
أن تعد معايبه
من ذا الــــــذي ما ساء قط.. ومن لــــــه
الحسنى فقــــط
تريد مبرأ لا عيب فيه .. وهل نار تفوح بلا
دخان
ها هو عمر أبنُ عبد العزيز عليه رحمة الله
ورضوانه يختار جلاسه اختيارا ، ويشترطُ عليهم شروطا،
فكان من شروطه
أن لا تغتابوا ولا تعيبوا أحدا في مجلسي حتى تنصرفوا.
واحفظ لسانك تسترح......فلقد
كفى ما قد جرى
ها هوَ ابنُ سيرين عليه
رحمةُ الله كان إذا ذُكرَ في مجلسه رجل بسيئةٍ
بادر فذكرَه بأحسنِ ما يعلمُ من أمره، فيذبُ عن عرضه فيذبُ اللهُ عن عرضه ...
سمع يوما أحد جلاسه يسبُ الحجاجَ بعد وفاته، فأقبل مغضباً
وقال:
صه يا أبن أخي فقد
مضى الحجاج إلى ربِه، وإنك حين تقدُمُ على اللهِ ستجدُ أن أحقرَ ذنبٍ ارتكبتَه في
الدنيا
أشدَ على نفسِك من
أعظمِ ذنبٍ اقترفَه الحجاج و لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ .
واعلم
يا أبن أخي أن اللهَ عز وجل سوف يقتصُ من الحجاجِ لمن ظلمَهم، كما سيقتصُ للحجاجِ
ممن ظلموه،
فلا تشغلنا نفسك بعد
اليومِ بعيبِ أحد ولا تتبعَ عثراتِ أحد.
ومَن
لا يُغَمِّضْ عَيْنَهُ عن صَدِيقِهِ .. وعَنْ بَعْضِ ما فِيهِ يَمُتْ وهْوَ
عاتِبُ
مَن يَتَتَبَّعْ جاهـــداً
كُــــلَّ عَثْــــرَةٍ .. يَجِدْها ولا يَسْلَمْ له الدَّهْرَ
صاحبُ
يا عائبَ الناسِ وهو معيب اتقِ الله، أعراضُ المسلمينَ حفرةٌ
من حُفرِ النار.
وخواص المسلمين هم العلماء والوقيعة فيهم عظيمة
جد عظيمة، لحومهم مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم
معلومة،
ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت
القلب.
وكمْ من عائِبٍ قوْلاً
صَحيحاً .. وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيمِ
ومَنْ
يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ .. يَجدْ مُرّاً بهِ المَاءَ
الزُّلالا
فإن عبت قوما بالذي فيك
مثلُه..فكيف يعيبُ الناسَ من هو أعورُ
وإن
عبتَ قوما بالذي ليسَ فيهمُ .. فذلك عند اللهِ والنــــاسِ
أكبرُ
من طلبَ أخا بلا عيبٍ صار بلا أخ، ألا فانظر لإخوانك بعين
الرضى:
فعين الرضا عن كلِّ عيبٍ
كليلةٌ .. ولكنَّ عين السخط تبدي المساويا
فكيف
ترى في عينِ صاحبك القذى .. ويخفى قذى عينيــك وهو
عظيمُ
بعض الأخوة ظلمة، بعضُ الأخوة غيرُ منصفين، يرون القذاةَ في
أعين غيرهم ولا يرونَ الجذعَ في أعينِهم.فحالُهم كقولُ
القائل:
إن يسمعوا ُسبةً طاروا بها
فرحا..مني وما يسمعوا من صالحٍ دفنوا
صمُ
إذا سمعوا خيرا ذكرت به .. وإن ذكرتُ بسوءٍ عنــــدهم
أذنوا
إن يعلموا الخيرَ أخفوه......وإن علموا شرا أذاعوا... وإن لم
يعلموا كذبوا.
طوبى لمن شغلته عيوبُه عن عيوبِ غيره. وكان
حالُه:
لنفسي أبكي لستُ أبكي
لغيرها.. لنفسيَ عن نفس من الناسِ شاغلُ
والكيس من دان نفسه وعمل
لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.