قال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء:30) .
نزل القرآن الكريم على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مجتمع ساد فيه الجهل والخرافة وانحط فيه التفكير حتى وصل بهم أن يعبدوا حجارة ينحتون منها أصناماً ويقدمون لها القرابين والنذور ؟ وفي هذه الأجواء يتكلم القرآن الكريم عن أعقد حقائق الكون وأهمها وهي حقيقة خلقه من عدم بوساطة حدث هائل يسميه علماء الفلك الضربة الكبرى والقرآن يسميه الفتق وهذا الاكتشاف التي لم يتوصل الإنسان إلى كن حقيقتها إلا بعد سنوات طويلة من البحث المضني وإنفاق الأموال الطائلة وإن هذه الحقائق التي أشار إليها القرآن الكريم إن دلت على شيء فهي تدل على أن هذا لقرآن الكريم هو من عند خالق السماوات والأرض ..
معاني الألفاظ:
يقول ابن منظور وغيره من علماء اللغة العربية : والرتق ضد الفتق أي بمعنى الشق والفصل بين شيئين ملتصقين، أي أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين ببعضها ثم فتقها الله سبحانه وتعالى أي جعلها منفصلين عن بعضهما .
و لقد جاء علم الفلك ليظهر هذه الحقيقة التي ذكرها الله في كتابه وتلاها نبيه على المسلمين قبل ألف وأربعمائة سنة :
يرجع العلماء الفلكيون نشأة الكون إلى 13.7 مليار عام وذلك طبقاً لما أعلنته إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) مؤخراً حيث حدثت حادثة تعرف باسم الضربة الكبرى (Big bang) وهي حادثة بداية الكون .
و يعدون أن حدوث مثل هذه الحادثة كان أمراً واقعاً، إذ كانت المادة الموجودة حالياً في الكون مركزة بكثافة عالية جداً في هيئة بيضة كونية تتركز فيها كتلة الكون .
و من الأدلة على صحة نظرية الضربة الكونية الكبرى(Big bang) لنشأة الكون :
1. حركة التباعد المجرية الظاهرة فقد أعلن العالم عالم الفلك الأمريكي المشهور هابل عام 1929 بأن المجرات تبتعد بسرعة عنا في جميع الاتجاهات و تخضع لعلاقة طردية ( استطرادية ) مباشرة بين المسافة و الزحزحة الطيفية نحو الأحمر و استنتج وفقاً لظاهرة دوبلر[1] أن الكون يتمدد ولقد تمكن هابل في عام 1930من إيجاد هذه العلاقة و سميت باسمه وهي تنص بأن " سرعة ابتعاد المجرات الخارجية تتناسب طردياً مع بعدها عنا" وتفسير قانون هابل هو أن الأجرام السماوية في الكون تبتعد بسرعة عنا في جميع الاتجاهات، أي أن الكون في حالة تمدد أينما كان موقعنا في الكون[2] ، قال تعالى : (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ {47}[سورة الذاريات]، وإذا عُدنا بهذا الاتساع الكوني الراهن إلى الوراء مع الزمن فإن كافة ما في الكون من صور المادة والطاقة والمكان والزمان لابد أن تلتقي في جرم واحد, متناه في ضآلة الحجم.
2. اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون المدرك:
وقد اكتشفها بمحض المصادفة باحثان بمختبرات شركة بل للتليفونات بمدينة نيوجرسي هما أرنو أ.بنزياس(ArnoA.Penzias)وزميله روبرت و. ويلسون (RobertW.Wilson) في سنة1965 م على هيئة إشارات راديوية منتظمة وسوية الخواص, قادمة من كافة الاتجاهات في السماء, وفي كل الأوقات دون أدني توقف أو تغير, ولم يتمكنوا من تفسير تلك الإشارات الراديوية, المنتظمة, السوية الخواص إلا بأنها بقية للإشعاع الذي نتج عن عملية الانفجار الكوني العظيم, وقد قدرت درجة حرارة تلك البقية الإشعاعية بحوالي ثلاث درجات مطلقة( أي ثلاث درجات فوق الصفر المطلق الذي يساوي ـ273 درجة مئوية).
وفي نفس الوقت كانت مجموعة من الباحثين العلميين في جامعة برنستون تتوقع حتمية وجود بقية للإشعاع الناتج عن عملية الانفجار الكوني الكبير, وإمكانية العثور على تلك البقية الإشعاعية بواسطة التليسكوبات الراديوية, وذلك بناء على الاستنتاج الصحيح بأن الإشعاع الذي نتج عن عملية الانفجار تلك قد صاحب عملية التوسع الكوني, وانتشر بانتظام وسوية عبر كل من المكان والزمان في فسحة الكون, ومن ثم فإن بقاياه المنتشرة إلى أطراف الجزء المدرك من الكون لابد أن تكون سوية الخواص, ومتساوية القيمة في كل الاتجاهات, ومستمرة ومتصلة بلا أدني انقطاع, وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا الإشعاع الكوني لابد أن يكون له طيف مماثل لطيف الجسم المعتم, بمعني أن كمية الطاقة الناتجة عنه في مختلف الموجات يمكن وصفها بدرجة حرارة ذات قيمة محددة, وأن هذه الحرارة التي كانت تقدر ببلايين البلايين من الدرجات المطلقة عند لحظة الانفجار الكوني لابد أن تكون قد بردت عبر عمر الكون المقدر بعشرة بلايين من السنين على الأقل, إلى بضع درجات قليلة فوق الصفر المطلق. وانطلاقا من تلك الملاحظات الفلكية والنظرية كان في اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون دعم عظيم لنظرية الانفجار الكوني, وقضاء مبرم على نظرية ثبات الكون واستقراره التي اتخذت لتكون لنفي الخلق, وإنكار الخالق( سبحانه وتعالى) منذ مطلع القرن العشرين.