وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم (2)
يقول الإمام ابن قيم الجوزية : لا يعذَّب أحدٌ إلا بعد قيام الحجة عليه ، وهؤلاء لم تُقَم عليهم حجة الله في الدنيا ، فلا بُدَّ أن يقيم حجته عليهم ، وأحق المواطن أن تُقام فيه الحجة :
يوم يقوم الأشهاد ، وتُسمع الدعاوى ، وتُقام البينات ، ويَختصم الناس بين يدي رب العالمين، وينطق كلُّ واحد بحجته ، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ؛ قال سبحانه : (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (الروم:57) وقال جلَّ شأنه : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (غافر:52) يقول الإمام الطبري في تفسيره : لا ينفع أهل الشرك اعتذارهم ؛ لأنهم لا يعتذرون إلا بباطل 0
وابن قيم الجوزية (691-751) هجرية أبو عبدالله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز بن مكي زيد الدين الزُّرعي ثم الدمشقي الحنبلي الشهير بابن قيم الجوزية 0
وقيم الجوزية هو والده ـ رحمه الله ـ فقد كان قَيِّمَاً على المدرسة الجوزية بدمشق مدة من الزمن ، واشتهر به ذريته وحفدتهم من بعد ذلك0
وابن قيم من أعلام الإصلاح الديني الإسلامي في القرن الثامن الهجري. ولد في دمشق ودرس على يد الإمام ابن تيمية (661- 728) هجرية وتأثر به0
وقد اختلف العلماء في مصير أهل الفترة – وهم كما ذكرنا من عاش في زمن لم يأتهم فيه رسول ، أو كانوا في مكان لم تصلهم فيه الدعوة – ومن في حكمهم – كأطفال المشركين - على أقوال ، وأرجح هذه الأقوال : أنهم يُمتحنون يوم القيامة ، فمن أطاع أمر الله نجا ، ومن عصاه هلك 0
وقيل : يرسل إليهم رسول من عند الله فيدعوهم إلى شهادة التوحيد والإيمان فمن آمن دخل الجنة ومن كفر كان من أهل النار 0
وقيل أيضاً : يرسل إليهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؛ فمن آمن دخل الجنة ومن كفر دخل النار 0
وهنا قضية في غاية الخطورة بخصوص والدي النبي صلى الله عليه وسلم حيث قيل _ ظلماً وبهتاناً وزوراً _ إنهما في النار 0
ونحن نقول : لقد توفي عبد الله ؛ وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مازال جنيناً في بطن أمه ؛ وماتت السيدة آمنة والنبي صلى الله عليه وسلم ابن ست سنين ؛ وعلى ذلك فهما من أهل الفترة ؛ فلن يعذبهم الله تعالى على عدم امتثالهم لدعوة التوحيد والإيمان بالله ؛ لأنهم لم يكونوا مكلفين باتباع شريعة من الشرائع 0
وقال بعض العلماء : لقد أحيا الله تعالى والِدَي النبي صلى الله عليه وسلم فآمنا به ثم ماتا ؛ واستشهدوا بقوله تعالى : (ولسوف يعطيك ربك فترضى) فكيف يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون في الفردوس الأعلى ويكون أبواه في جهنم؟ونحن نؤيد هذا الرأي ونقول به 0
وعلى أسوأ الظروف يحييهم الله تعالى يوم القيامة كما يحيي جميع أهل الفترة ويرسل لهم من يدعوهم إلى الله فمن آمن نجا ومن كفر دخل النار؛ وعبد الله بعقله الراجح ؛ والسيدة آمنة بما رأت من آيات عظام أثناء حملها بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم ووضعها له وما صاحبه من مكرمات ربانية حتى وفاتها سيكونون بمشيئة الله من المؤمنين والله أعلم 0
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني(773-852) هجرية :إن أهل الفترة يُمتحنون في الآخرة بأن ترفع لهم نارفمن دخلها : كانت عليه برداً وسلاماً ، ومن أَبَى : عُذِّب 0
وأمرهم بدخول النار ليس عقوبة لهم ، وكيف يعاقبهم الله تعالى وهو أحكم الحاكمين على غير ذنب ؟
بل هو امتحان واختبار لهم ، هل يطيعونه أم يعصونه ، فلو أطاعوه ودخلوها : لم تضرهم ، وكانت عليهم برداً وسلاماً ، فإذا عصوه وامتنعوا من دخولها : استوجبوا عقوبةَ مخالفةِ أمرِه 0
وقد أمر الله سبحانه خليله إبراهيم بذبح ولده إسماعيل عليهما السلام ، ولم يكن مراد الحق جلَّ شأنه سوى توطين نفس خليله على الامتثال والتسليم ، وتقديم محبة الله على محبة الولد ، فلما فعل ذلك : رَفع عنه الأمر بالذبح
وكافأه بالذبح العظيم كما ورد في القرآن الكريم 0
وجهل المؤمن ببعض أمور دينه لا يعذر عليه يوم القيامة طالما أنه كان في زمنه علماء عاملون ودعاة صادقون بلَّغوا ونشروا دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم 0
بقلم الكاتب السوري
فؤاد الدقس
المصدر : جريدة عقيدتي
يقول الإمام ابن قيم الجوزية : لا يعذَّب أحدٌ إلا بعد قيام الحجة عليه ، وهؤلاء لم تُقَم عليهم حجة الله في الدنيا ، فلا بُدَّ أن يقيم حجته عليهم ، وأحق المواطن أن تُقام فيه الحجة :
يوم يقوم الأشهاد ، وتُسمع الدعاوى ، وتُقام البينات ، ويَختصم الناس بين يدي رب العالمين، وينطق كلُّ واحد بحجته ، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ؛ قال سبحانه : (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (الروم:57) وقال جلَّ شأنه : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (غافر:52) يقول الإمام الطبري في تفسيره : لا ينفع أهل الشرك اعتذارهم ؛ لأنهم لا يعتذرون إلا بباطل 0
وابن قيم الجوزية (691-751) هجرية أبو عبدالله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز بن مكي زيد الدين الزُّرعي ثم الدمشقي الحنبلي الشهير بابن قيم الجوزية 0
وقيم الجوزية هو والده ـ رحمه الله ـ فقد كان قَيِّمَاً على المدرسة الجوزية بدمشق مدة من الزمن ، واشتهر به ذريته وحفدتهم من بعد ذلك0
وابن قيم من أعلام الإصلاح الديني الإسلامي في القرن الثامن الهجري. ولد في دمشق ودرس على يد الإمام ابن تيمية (661- 728) هجرية وتأثر به0
وقد اختلف العلماء في مصير أهل الفترة – وهم كما ذكرنا من عاش في زمن لم يأتهم فيه رسول ، أو كانوا في مكان لم تصلهم فيه الدعوة – ومن في حكمهم – كأطفال المشركين - على أقوال ، وأرجح هذه الأقوال : أنهم يُمتحنون يوم القيامة ، فمن أطاع أمر الله نجا ، ومن عصاه هلك 0
وقيل : يرسل إليهم رسول من عند الله فيدعوهم إلى شهادة التوحيد والإيمان فمن آمن دخل الجنة ومن كفر كان من أهل النار 0
وقيل أيضاً : يرسل إليهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؛ فمن آمن دخل الجنة ومن كفر دخل النار 0
وهنا قضية في غاية الخطورة بخصوص والدي النبي صلى الله عليه وسلم حيث قيل _ ظلماً وبهتاناً وزوراً _ إنهما في النار 0
ونحن نقول : لقد توفي عبد الله ؛ وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مازال جنيناً في بطن أمه ؛ وماتت السيدة آمنة والنبي صلى الله عليه وسلم ابن ست سنين ؛ وعلى ذلك فهما من أهل الفترة ؛ فلن يعذبهم الله تعالى على عدم امتثالهم لدعوة التوحيد والإيمان بالله ؛ لأنهم لم يكونوا مكلفين باتباع شريعة من الشرائع 0
وقال بعض العلماء : لقد أحيا الله تعالى والِدَي النبي صلى الله عليه وسلم فآمنا به ثم ماتا ؛ واستشهدوا بقوله تعالى : (ولسوف يعطيك ربك فترضى) فكيف يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون في الفردوس الأعلى ويكون أبواه في جهنم؟ونحن نؤيد هذا الرأي ونقول به 0
وعلى أسوأ الظروف يحييهم الله تعالى يوم القيامة كما يحيي جميع أهل الفترة ويرسل لهم من يدعوهم إلى الله فمن آمن نجا ومن كفر دخل النار؛ وعبد الله بعقله الراجح ؛ والسيدة آمنة بما رأت من آيات عظام أثناء حملها بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم ووضعها له وما صاحبه من مكرمات ربانية حتى وفاتها سيكونون بمشيئة الله من المؤمنين والله أعلم 0
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني(773-852) هجرية :إن أهل الفترة يُمتحنون في الآخرة بأن ترفع لهم نارفمن دخلها : كانت عليه برداً وسلاماً ، ومن أَبَى : عُذِّب 0
وأمرهم بدخول النار ليس عقوبة لهم ، وكيف يعاقبهم الله تعالى وهو أحكم الحاكمين على غير ذنب ؟
بل هو امتحان واختبار لهم ، هل يطيعونه أم يعصونه ، فلو أطاعوه ودخلوها : لم تضرهم ، وكانت عليهم برداً وسلاماً ، فإذا عصوه وامتنعوا من دخولها : استوجبوا عقوبةَ مخالفةِ أمرِه 0
وقد أمر الله سبحانه خليله إبراهيم بذبح ولده إسماعيل عليهما السلام ، ولم يكن مراد الحق جلَّ شأنه سوى توطين نفس خليله على الامتثال والتسليم ، وتقديم محبة الله على محبة الولد ، فلما فعل ذلك : رَفع عنه الأمر بالذبح
وكافأه بالذبح العظيم كما ورد في القرآن الكريم 0
وجهل المؤمن ببعض أمور دينه لا يعذر عليه يوم القيامة طالما أنه كان في زمنه علماء عاملون ودعاة صادقون بلَّغوا ونشروا دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم 0
بقلم الكاتب السوري
فؤاد الدقس
المصدر : جريدة عقيدتي