عوامل إنحراف الشباب:
بعد التعرّف على بعض المفاهيم التي ترتبط بموضوع الآفات التي تفتك بالشباب، لابدّ أيضاً من التعرّف على العوامل التي تؤدِّي إلى إنحراف الشباب بصفة عامّة، بحيث يلجأون إلى الأساليب الملتوية والضارّة لمعالجة انحـرافهم، وهي عوامل كثيرة نلتقط أهمّها:
1- التربية الأسرية:فالبيت الذي يضطهد أبناءه، والذي تنخر فيه الخلافات والصراعات الدائمة بين الأبوين، والذي يقع فيه الإنفصال والطلاق، والذي ينشغل عنه أحد الأبوين أو كلاهما في أعمال تستهلك الوقت، أو الذي لا يمارس فيه الأب والأم مسؤولية المتابعة والمراقبة والمحاسبة، والذي يدمن فيه الأب المخدّرات، بيت مرشّح لتسرّب وتسيّب أبنائه وبناته ووقوعهم في أحضان الإنحراف.
2- رفاق السُّوء:ولهم التأثير الأكبر بعد الأسرة، فإذا وقع الشاب أو الفتاة في قبضة شباب منحرفين أو فتيات منحرفات، فإنّ عدوى الإنحراف سـتنتقل إليهم إن عاجلاً أو آجلاً. ويزداد الطين بلّة إذا كان البيت متصدّعاً من الداخل، فإنّ شلّة (الأصدقاء) ستقوم بدور التعويض السلبي لقيادة الشاب إلى التهلكة.
فمن خلال قراءتنا لقصص المدمنين اتّضح أنّ أحد أهمّ الأسباب الدافعة إلى الادمان كانت علاقات الصداقة السيِّئة التي زيّنت لهم المنكر.
3- وسائل الإعلام: وذلك من خلال ما تبثّه أحياناً من أفلام العنف والسرقة والعري والجنس والبحث عن المجد الفارغ، والسلطة القائمة على القهر والابتزاز، وما تروّج له من صور سيِّئة عن واقع الشباب وانغماسهم في الملذّات، وما تبثه من قصص بعض المتشائمين واليائسـين والمحـبطين الذين يجدون ملاذهم في التهام المخدّرات والإقبال عليها بشراهة، وانعدام وسائل التوعية الرشيدة في المقابل.
4- الوضع المادي:لقد اتّضح من خلال دراسات ميدانية أجريت على عينات من المدمنين أنّ (الغنى) و(الفقر) كلاهما عاملان من عوامل الإدمان، ففي حين يجد الثري المال مبذولاً للاغراق في الشهوات والإقبال على المخدّرات، يبحث الفقير عما يهرب فيه من واقعه، وإذا تورط في تعاطي المخدّرات لسبب أو لآخر فإنّه سيجد نفسه مضطراً للسرقة حتى يحصل على المال الذي يؤمّن له المخدّر الذي أدمنه.
5- الوضع النفسي المضطرب:والناتج عن فشل في علاقة عاطفية، أو فشل دراسي، أو عقدة نمت وترعرعت في بيت يمارس سلطة خانقة، أو ازدواجية سلوكية، أو إنسحاق أمام سلطة سياسية باغية، أو تكرّر الاحباطات والخيبات، وما إلى ذلك من عوامل الضغط النفسي التي تدفع إلى الإنحراف.
لائحـة الآفات:
1ـ آفة التدخين:
ونبتدئ بالتدخين لا لأنّه الأخطر بين الآفات الأخرى، فكلّ آفة لها درجتها من الخطورة، لكنّ التدخين كثيراً ما كان منفذاً للإدمان على آفات أخرى، فهو النار الصغيرة التي تتلوها خطوات نحو جهنّم.
ونبدأ به نظراً لشـيوعه بين الشـباب، حتّى أصبح جزءاً من (موضة العصر) أن يدخّن الشـاب ليماشي نظراءه من المدخنين، وليثبت لهم أنّه قد أصبح كبيراً، وها هو يدخل عالم الكـبار من باب الدخان!!
وللأسف فإنّ الشاب الذي يتصوّر أنّ الرجولة هي (دخان) فانّ رجولته سرعان ما تندثر في الجوّ الإجتماعي كما يندثر الدخان في أوّل هبّة ريح. فللرجولة مقاييس واعتبارات نأمل من كلّ شاب التعرّف عليها من خلال نظرة الدين إلى الرجل، ونظرة المجتمع الواعي المنصف إلى الرجل، فالرجولة علم وأخلاق وعمل وإبداع وبطولة ومروءة، وليس دخاناً تتناثر حلقاته في الفضاء.
وقبل أن نتعرّف على مضارّ التدخين، دعونا نتعرّف على فوائده.
فهل في التدخين فوائد؟
يقول بعض المدخنين إنّه يجلب الراحة النفسية، فأنت حينما تنفث دخان السيجارة، فكأنّك تنفث همومك معها.
ويقول آخرون أنّ التدخين يساعد على الإنتاج والإبداع والمذاكرة خاصّة بالنسبة للكتّاب والأدباء والطلبة، أي أنّها تخلق جوّاً مساعداً.
ويقول صنف ثالث، أنّها ـ أي السيجارة ـ عامل من عوامل التسلية والإستمتاع.
وهذه الفوائد المدّعاة إن هي إلاّ أوهام نفسية يتخيّلها المدخنون، أو يضعونها كمبررات لإستعمال التبغ، وإلاّ ما علاقة نفث الهموم باحتراق السيجارة؟
ألا يمكن أن نحصل على الراحة النفسية بأساليب أكثر حضارية، وأنفع للصحّة، وأوفر للجيب؟ أليس إستنشاق الهواء الطلق النقي والقيام بعمليات شهيق وزفـير تساعدان على تنقية الرئتين من هوائهما الفاسـد، وبالتالي تنقِّي الدم وتنزاح بعض الهمـوم وينشرح الصّدر؟ هذا فضلاً عن أنّ الأدلّة العلمية تؤكِّد أنّ التدخين لايسبب الإسترخاء ـ كما يتوهّم المدخنون ـ بل يؤدِّي إلى القلق والعصبية والتململ، وكلّها مظاهر تجدها عند عامّة المدخنين.
ثمّ أين وجه الربط بين الإبداع وبين الدخان؟ وهل كان المبدعون دائماً مدخـنين؟ وهل الإبـداع عملية تأمّل داخلي أم إحتراق خارجي؟ إنّ لحظات الصفاء والتأمّل والتفكير قد تحتاج إلى أجواء نقيّة لا يلفّها ضباب الدخان، فما هي إلاّ العادة تجعل الأديب أو الكاتب يتخيّل أنّ ابداعه قرين سيجارته.
وهكذا بالنسبة لمن يراها شكلاً من أشكال الإستمتاع في جلسة أو مناسبة عائلية أو اخوانية، فهل عدم المدخن وسائل الإستمتاع الأخرى، فلم يبق إلاّ هذا التسميم للجوّ المحيط وللجوّ الداخلي للرئتين؟!
مضارّ التدخين ومخاطره:
1- إنّ مكوّنات السيجارة ـ كما يقول الخبراء ـ هي: (الاسبتين والأمونيا) اللتان تدخلان في تكوين المنظفات، و(البوتان) وهو نوع من أنواع الوقود الخفيف، و(الميثانول) الذي يدخل في صناعة وقود الصواريخ، و(أوّل أوكسيد الكربون) الذي يخرج من عادمات السيارات، و(النيكوتين) وهو المادّة المسؤولة عن حدوث الإدمان في التدخـين، كما ثبت أنّها مادّة مسرطنة، و(القار) وهو المادة المستخدمة في رصف الشوارع!!
2- التدخين يزيد من خطر الإصابة بما يلي: السكتة الدماغية، الأزمات القلبية، الربو الشعبي، التهاب الشعب الهوائية، النفاخ الرئوي، تمدّد الشعب والحويصلات الهوائية في الرئة، وسرطان الرئة.
3- التدخـين يسهم في الإصابة بتصلّب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، ويزيد من خطرهما على القلب والمخ، ومختلف أجهزة الجسم.
4- التدخين يسبب فقدان الشهية.
أرقام مخيـفة:
- إنّ الأمراض التي يسببها ألف طن من التبغ تتطلّب علاجاً تقدّر تكاليفه المادية بحدود (11) مليون دولار أميركي.
- يؤكّد أطباء الرئة في برلين أنّ شخصاً واحداً يموت في العالم كلّ ثمان ثوان بسبب التدخـين. كما أنّ هناك حوالي (4) ملايين شخص يموتون سنوياً في سن مبكرة من جرّاء ذلك. جاء ذلك في مؤتمرهم السنويّ الأخير.
- يقدّر علماء بريطانيون من فريق علمي تابع لجامعة بريستول في انجلترا أنّ كلّ سيجارة تقتطع في المتوسط (11) دقيقة من عمر المدخنين الذكور. وأشار الفريق إلى أنّ أعمار المدخنين تقلّ بنحو ستّة أعوام ونصف عن أعمار غير المدخنين.
- خطر التدخين يشتد بدرجة كبيرة لدى الشباب والصبية الذين يتورّطون في هذه العادة السـيِّئة تقليداً للكبار وإثباتاً للرجولة، ذلك أنّهـم يتعرّضون للأزمات القلبية، والسكتات الدماغية في الثلاثينيات والأربعينيات.
- الدخان المنبعث من أنوف المدخنين وأفواههم يلوّث الهواء الذي يستنشقه غير المدخنين، فيتعرّضون لنفس المخاطر التي تهدّد حياة المدخنين. ويعرف ذلك بـ(التدخين السلبي)، وهو يمثِّل إعتداءً صارخاً على حقّ غير المدخنين في إستنشاق هواء نظيف خال من التلوّث، ويجعلهم مدخنين رغم أنوفهم.
- ازداد عدد المدخنات عشرات الأضعاف، حيث تتصور المرأة أنّ التدخين مظهر من مظاهر الحرِّيّة الشخصية، وأنّه يضعها على قدم المساواة مع الرجل.
- ينفق الكثيرون حوالي نصف دخلهم في شراء السجائر التي يدخنونها.
- تشير الأدلّة إلى أنّ السجائر التي تباع في الدول النامية تحتوي على ما يقرب من ضعف كمِّية القطران والنيكوتين الموجودة في مثيلاتها في أوروبا وأميركا.
- تؤكِّد البحوث أنّ ثلث المدخنين ـ على الأقل ـ يلقون حتفهم بسبب التدخين.
- يقول الخبراء: ليس هناك أيّ أمل في العثور على سيجارة مأمونة العواقب.
- إنّ الوقت الإضافي الذي يضيّعه المدخنون يقلّص معدل الإنتاج.
- حسب منظمة الصحّة العالمية، فإنّ التدخين مسؤول بشكل مباشر عن نسبة 30% من الوفيات بالسرطان.
- توصّل عدد من الباحثين الأميركيين إلى أدلّة جديدة على أنّ تدخين الاُم أثناء الحمل يزيد من إحتمالات أن يدخّن طفلها في سن صغيرة!
- تحتوي السجائر على أعلى تركيز من القطران، يليها السيجار، ثمّ دخان الغليون والنارجيلة.
كيف يحدث الإدمان؟
يقول الخبراء المختصّون والأطبّاء: «خلال عشر ثوان فقط من إستنشاق الدخان من السيجارة تدخل جرعة من النيكوتين مباشرة وبسرعة إلى المخ. وهذا الإندفاع يؤدِّي إلى إفراز عدد من المواد في المخ. ومع مرور الوقت يودِّي وجود هذه المواد في المخ، خاصّة الدويامين والنورأدرينالين، إلى أن يصبح المدخّن مدمناً على النيكوتين».
يقول د. كريس سيتل وهو ممارس عام في مدينة مانشيستر البريطانية، وخبير في التدخين، أنّ معظم المدخنين لا يواصلون التدخين بحكم العادة، ولكنّهم يفعلون ذلك لأنّهم أصبحوا مدمنين على النيكوتين.
إنّك حين تضعف فلا تقول (لا) لمدخّن يقدّم لك سيجارة.. فإنّك تقضي على نفسك بأن تضع قدمك على طريق الإدمان.
لا تقل: (واحدة فقط) أو (القليل لا يضرّ) أو (هذه المرّة لا بأس) أو (هذا مجرّد تسلية) أو (الكثير من أصدقائي يفعل هذا.. هل بقيت عليَّ ؟) فهذه هي المقدّمات التي جرّت إلى الإدمان.
مكافحة التدخين وتحريمه:
هناك عدّة إجراءات اتّخذت لمكافحة التدخين، لكنّنا لا نعتبر الإجراء الذي اتّخذته شركات الدخان في الكتابة على علبة السجائر (التدخين يضرّ بصحّتك ننصحك بالإمتناع عنه) منها، ذلك أنّ هذه العبارة ـ إذا كان هناك مَن يقرأها من المدخنين ـ ليست إلاّ عبارة ترغيب.
فمن الإجراءات المتّخذة، محاصرة المدخنين في كلّ مكان، حيث تتّسع رقعة الأماكن التي تحظر التدخين ولم تعد المواصلات والمطارات والمدارس ودورات المياه وحدها التي لا تسمح بالتدخـين، بل المصانع والمتاجر والمساجد وغيرها، وهو إجراء جدير بالتقدير على الأقل بالنسبة لحديثي العهد بالتدخين، وإلاّ فالمرء حريص على ما مُنع..
ومنها إعلانات تلفزيونية تظهر مضار التدخين بشكل مصوّر وحيّ، ومنها خطوط هاتفية مجانية، ومواقع على شبكة الانترنيت، لتقديم المساعدة للأشخاص الراغبين في الانقطاع عن التدخين. ومنها اخـتراع لعلبة سجائر ناطقة تطلق تحذيراً للمـدخِّن من الإصابة بالسرطان فور فتح العلبة. ومنها وضع صور لأعضاء بشرية تالفة جرّاء التدخين على علب السجائر، ومنها زيادة أسعار السجائر لتقليل مبيعاتها.
ومع تحفّظنا على الإجراءات التي لم تتخلّ عن (علبة السجائر) فإنّنا نرى أنّ هذه المكافحة الإعلامية لا تفعل فعلها، أو ربّما تؤدِّي إلى نتائج متواضعة محدودة، ما لم يبادر المدخن نفسه إلى اتّخاذ القرار المناسب وهو العزم على الإقلاع عن التدخين، وتنفيذ العزم وعدم التراجع عنه، فهذا هو الإجراء الأهم.
أمّا الرأي الشرعي في مسألة التدخين، فنأخذ منه القول بالحرمة، حيث يستند القائلون بالتحريم إلى قوله تعالى: (يحلّ لهم الطّيِّبات ويحرِّم عليهم الخبائث)(الأعراف/ 157). معتبرين التدخين من الخبائث.
ومنهم مَن يستند إلى قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قُل فيهما إثم كبير ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما) (البقرة/ 219). فكلّ ما كان إثمه وضرره أكبر من نفعه فهو حرام. وضرر التدخين ـ كما هو ثابت طبِّياً ـ أكبر بكثير من منافعه. وإذا عرف الإنسان بأنّ التدخين سوف يوقعه في مرض مميت ولو بعد عشر سنين، بحيث صار لدى الأطباء واضحاً أنّ التدخين يؤدِّي إلى التهلكة فعندئذ يحرم إستعماله.
وقد وصل الأمر ببعض الفقهاء إلى إصدار فتوى يحق للزوجة فيها الطلاق إذا تضرّرت من تدخين زوجها.
ويشير الفقهاء أيضاً إلى مخاطر التدخين السلبي، وهو إستنشاق الدخان من قبل غير المدخنين، والذي يقال إنّ ضرره أكثر من التدخين ذاته، ويرون أنّ الحرمة تأتي من ضررين: ضرر شخصي يصيب المدخن نفسه، وضرر إجتماعي يصيب المحيطين به. فلو كان المدخن في غرفة أو سيارة أو مصعد ومعه شخص أو شخصان أو أكثر فلا يجوز له التدخين لأنّ المكان مشترك، فكما أنّ له حقاً فيه فإنّ لهم فيه حقاً أيضاً.
والغريب أنّ أغلب المدخنين يدركون خطر التدخين، وتراودهم الرغبة في الإقلاع عنه، وقد يحاولون ذلك مراراً لكنّهم يضعفون أمام السيجارة، الأمر الذي يعني الترك غير الجاد،
وغير النابع من الإرادة، وإلاّ ففي الحديث «ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النيّة». والنيّة هنا هي الإرادة.
وقد وضع بعض المهتمين في علاج التدخين طريقة للإمتناع عنه تقوم على التخطيط للإقـلاع، وتحـديد تأريخ لهذا الإقلاع، والتفكير الدائم بالأمور التي تجعله تقلع عنه، كأن يكتب الأشياء التي يكرهها في التدخين، والأخرى التي يحبّها فيه، والأخرى التي يكسبها منه ليوازن ويقارن بينها. وأن يتحدّث مع مَن يستطيعون مساعدته كالطبيب والصيدلي والمرشد الصحّي.
وإذا كنتَ تدخن مع القهوة فجرّب مشروباً آخر حتى لا تحصل حالة اقتران، وابحث عن المنتجات التي تحلّ محل النيكوتين، وتفاخر بإقلاعك عن التدخين، بل وكافئ نفسك على تركه.. أطفئ السيجارة بسحق عقبها، وارم بعيداً مطفأة السجائر والولاعات.
هذا وقد أكّدت دراسة طبّية عالمية أنّ التحسّن في صحّة الفرد يبدأ فور إقلاعه عن التدخين، وأنّ هناك تغييرات فسيولوجية واكلينيكية إيجابية تطرأ على الدم ووظائف الجسم بعد عشرين دقيقة فقط من إطفائه للسيجارة، وانّ الدم يتخلّص من النيكوتين بعد (8) ساعات، موضّحة إنّ الآثار السلبية للتدخين تختفي تماماً من جسم المقلع عن التدخين بعد عشر سنوات، حيث يصبح كما لو أنّه لم يدخّن من قبل.
2- آفة الخمر:
الآفة الثانية التي تفتك بالشباب، فتعطّل عقولهم وتتركهم في غيبوبة، هي الخمر، وهو في اللّغة «كلّ ما خامر العقل وحجبه». وقد حرّمها القرآن في قوله تعالى: (إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه) (المائدة/ 90). والرجس كلّ ما اشتدّ فحشه وقبحه.
هذا الرجس وهذه الآفة والطامّة الكبرى، لها أضرار كثيرة، نذكر منها:
أ. يساعد على تسبب جلطات القلب والذبحة الصدرية وخاصّة مع التدخين، فكلتا المادتين تساهم في انسداد الشرايين التاجية، فالخمر يرسّب الدهون والكلوليسترول، والدخان يسبب إنقباض الشرايين وتضييق مجراها، والخمر، علاوة على ذلك، يصيب عضلة القلب بالتسمّم.
ب. يقضي على حيويّة المعدة حيث يصيبها بالقرحة، ويؤذي الكبد أيضاً.
ج. يؤدِّي أحياناً إلى الإصابة بالجنون وإلى الإنتحار لما يسبّبه من آلام عصبية.
د. يكسـب الطبع صفة الخبث ويذهب الحشمة والوقار والإحترام.
هـ. يوقع العداوة والبغضاء، ويصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة وعن الواجبات الدينـية الأخرى، وذلك قوله تعالى: (إنّما يريدُ الشّـيطانُ أن يوقعَ بينكم العـداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر الله وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون) (المائدة/ 91)؟!
و. الهلوسات التي تعتري المخمور .
ز. الرجفة والصرع والقيء والأرق.
ح. إلتهاب المخ والإصابة بضعف الذاكرة.
ط. الشكّ في الزوجة الفاضلة.
ي. الإعتقاد بأنّ كلّ الناس ضدّه.
ك. الضعف الجنسي.
ل. يتسبّب في أمراض العضلات.
م. يتسبّب في العمى.
ن. وإذا شربته الحامل فإنّ الجنين يمكن أن يصاب باضطرابات مختلفة وتشوّهات، وتأخير في النمو الجسمي والنفسي والذكاء.
أرقام مخيـفة:
- إنّ شرب القليل من الكحول، ولو على فترات متباعدة، يؤدِّي مع مرور الوقت إلى الإنحدار إلى هوّة الإدمان.
- يقول د. أوبري لويس ـ رئيس قسم الأمراض النفسية في جامعة لندن ـ وذلك في أكبر وأشهر مرجع بريطاني (مرجع برايس الطبّي): «إنّ الكحول هو السمّ الوحيد المرخّص بتداوله على نطاق واسع في العالم كلّه. ويجده تحت يده كلّ مَن يريد أن يهرب من مشاكله، ولهذا يتناوله بكثرة كلّ مضطرب الشخصية، ويؤدِّي هو إلى اضطراب الشخصية ومرضها».
إنّ جرعة من الكحول قد تسبّب التسمّم. أمّا شاربو الخمر المدمنون فسيتعرّضون للتحلل الأخلاقي الكامل مع الجنون.
- كان الأطباء في الأزمنة الغابرة يزعمون أنّ للخمر بعض المنافع الطبّية، ثمّ أبطلت الإكتشافات العلمية تلك المزاعم، وتبيّن أنّها أوهام.
- تستخدم الخمرة في بعض البلدان كفاتح للشهيّة لأنّها تزيد من إفراز حامض المعدة، لكنّها بعد فترة تسبب إلتهاب المعدة.
- إنّ الدفء الذي يستشعره شارب الخمر ليس إلاّ وهماً، فالخمرة توسّع الأوردة الدمويّة التي تحت الجلد فيشعر المخمور بالدفء الكاذب.
- إنّ أولاد مدمني الخـمر يكونون في الغالب مدمنين وتكثر فيهم نزعة الإجرام، كما يكثر فيهم الخلل العقلي والعته والجنون.
- المدمنون للخمور في العالم يعدّون بعشرات الملايين.
أليست خسارة فادحة أن تتعطّل عقول بهذا الكمّ الهائل في حين يمكن أن تقدّم ـ لو كانت في كامل وعيها ـ خدمات نافعة وجليلة للبشرية؟!
خطر الخمر وتحريمه:
وكما عرفنا من رئيس قسم الأمراض النفسية في بريطانيا من أنّ الكحول أو (الغول) كما يحبّ البعض أن يسمِّيه، هو السمّ الوحيد المرخّص بتداوله عالمياً، الأمر الذي يجعله سمّاً مسموحاً، ولذلك تراه يباع في أسواق المسلمين بحجّة أنّه يقدّم لغير المسلمين، وكأنّنا مسؤولون عن تقديم الخـمر لمن يستحلّه؟! ثمّ مَن قال إنّ ذلك لا يشجع بعض المسلمين على تعاطيه؟!
والخمر محرّم بنصّ القرآن الكريم، وقد لعن (صلى الله عليه وآله وسلم) الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها وشاريها وساقيها وآكل ثمنها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه. وقد أمر المسلم بمقاطعة مجالس الخمر، ومجالسة شاربيها، وذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا لم يستطع إزالة المنكر فليبتعد عن المنكر.
إنّ عقلك هو أثمن ما فيك، وإذا رأيت مجنوناً حمدت الله أن لم يبتلك بما ابتلاه به، لما تراه من أثر الجنون الذي يقلب الإنسان إلى هيئة مثيرة لضحك الآخرين وشفقتهم.. عقلك هذا يندثر ويغيب أثناء السكر، فتصبح كالمجنون بل أسوأ.
فهل عاقلٌ يرضى أن يبيع عقله بالجنون؟
ذلك هو شارب الخمرة؟
والجدير بالذكر، انّ الولايات المتّحدة الأميركية نظّمت في القرن الثامن عشر حمـلة على المشروبات الكحولية، فأصدرت قانوناً بحظرها، وكان من نتائج ذلك المساعدة على: أ. السلامة العامّة. ب. سعادة المجتمع. ج. تطور الصناعة. د. زيادة القدرة الشرائية. هـ. تقلّص حوادث السير. و. إنخفاض عدد السجناء. ز. إنخفاض عدد الأطفال سيِّئي السلوك. ح. إنخفاض نسبة الوفيات.
هذه تجربة..
لكنّ تجـّار الخـمور، ومثلهم تجّار المخدّرات بصفة عامّة لم يسـتطيعوا الصبر على ما يجنـونه من أرباح طائلة في مقابل منح الشباب الجنون، فبذلوا قصارى جهدهم ليعيدوا لهذا السمّ اعتباره.. وما للخمر من اعتبار أو قيمة.
بعد التعرّف على بعض المفاهيم التي ترتبط بموضوع الآفات التي تفتك بالشباب، لابدّ أيضاً من التعرّف على العوامل التي تؤدِّي إلى إنحراف الشباب بصفة عامّة، بحيث يلجأون إلى الأساليب الملتوية والضارّة لمعالجة انحـرافهم، وهي عوامل كثيرة نلتقط أهمّها:
1- التربية الأسرية:فالبيت الذي يضطهد أبناءه، والذي تنخر فيه الخلافات والصراعات الدائمة بين الأبوين، والذي يقع فيه الإنفصال والطلاق، والذي ينشغل عنه أحد الأبوين أو كلاهما في أعمال تستهلك الوقت، أو الذي لا يمارس فيه الأب والأم مسؤولية المتابعة والمراقبة والمحاسبة، والذي يدمن فيه الأب المخدّرات، بيت مرشّح لتسرّب وتسيّب أبنائه وبناته ووقوعهم في أحضان الإنحراف.
2- رفاق السُّوء:ولهم التأثير الأكبر بعد الأسرة، فإذا وقع الشاب أو الفتاة في قبضة شباب منحرفين أو فتيات منحرفات، فإنّ عدوى الإنحراف سـتنتقل إليهم إن عاجلاً أو آجلاً. ويزداد الطين بلّة إذا كان البيت متصدّعاً من الداخل، فإنّ شلّة (الأصدقاء) ستقوم بدور التعويض السلبي لقيادة الشاب إلى التهلكة.
فمن خلال قراءتنا لقصص المدمنين اتّضح أنّ أحد أهمّ الأسباب الدافعة إلى الادمان كانت علاقات الصداقة السيِّئة التي زيّنت لهم المنكر.
3- وسائل الإعلام: وذلك من خلال ما تبثّه أحياناً من أفلام العنف والسرقة والعري والجنس والبحث عن المجد الفارغ، والسلطة القائمة على القهر والابتزاز، وما تروّج له من صور سيِّئة عن واقع الشباب وانغماسهم في الملذّات، وما تبثه من قصص بعض المتشائمين واليائسـين والمحـبطين الذين يجدون ملاذهم في التهام المخدّرات والإقبال عليها بشراهة، وانعدام وسائل التوعية الرشيدة في المقابل.
4- الوضع المادي:لقد اتّضح من خلال دراسات ميدانية أجريت على عينات من المدمنين أنّ (الغنى) و(الفقر) كلاهما عاملان من عوامل الإدمان، ففي حين يجد الثري المال مبذولاً للاغراق في الشهوات والإقبال على المخدّرات، يبحث الفقير عما يهرب فيه من واقعه، وإذا تورط في تعاطي المخدّرات لسبب أو لآخر فإنّه سيجد نفسه مضطراً للسرقة حتى يحصل على المال الذي يؤمّن له المخدّر الذي أدمنه.
5- الوضع النفسي المضطرب:والناتج عن فشل في علاقة عاطفية، أو فشل دراسي، أو عقدة نمت وترعرعت في بيت يمارس سلطة خانقة، أو ازدواجية سلوكية، أو إنسحاق أمام سلطة سياسية باغية، أو تكرّر الاحباطات والخيبات، وما إلى ذلك من عوامل الضغط النفسي التي تدفع إلى الإنحراف.
لائحـة الآفات:
1ـ آفة التدخين:
ونبتدئ بالتدخين لا لأنّه الأخطر بين الآفات الأخرى، فكلّ آفة لها درجتها من الخطورة، لكنّ التدخين كثيراً ما كان منفذاً للإدمان على آفات أخرى، فهو النار الصغيرة التي تتلوها خطوات نحو جهنّم.
ونبدأ به نظراً لشـيوعه بين الشـباب، حتّى أصبح جزءاً من (موضة العصر) أن يدخّن الشـاب ليماشي نظراءه من المدخنين، وليثبت لهم أنّه قد أصبح كبيراً، وها هو يدخل عالم الكـبار من باب الدخان!!
وللأسف فإنّ الشاب الذي يتصوّر أنّ الرجولة هي (دخان) فانّ رجولته سرعان ما تندثر في الجوّ الإجتماعي كما يندثر الدخان في أوّل هبّة ريح. فللرجولة مقاييس واعتبارات نأمل من كلّ شاب التعرّف عليها من خلال نظرة الدين إلى الرجل، ونظرة المجتمع الواعي المنصف إلى الرجل، فالرجولة علم وأخلاق وعمل وإبداع وبطولة ومروءة، وليس دخاناً تتناثر حلقاته في الفضاء.
وقبل أن نتعرّف على مضارّ التدخين، دعونا نتعرّف على فوائده.
فهل في التدخين فوائد؟
يقول بعض المدخنين إنّه يجلب الراحة النفسية، فأنت حينما تنفث دخان السيجارة، فكأنّك تنفث همومك معها.
ويقول آخرون أنّ التدخين يساعد على الإنتاج والإبداع والمذاكرة خاصّة بالنسبة للكتّاب والأدباء والطلبة، أي أنّها تخلق جوّاً مساعداً.
ويقول صنف ثالث، أنّها ـ أي السيجارة ـ عامل من عوامل التسلية والإستمتاع.
وهذه الفوائد المدّعاة إن هي إلاّ أوهام نفسية يتخيّلها المدخنون، أو يضعونها كمبررات لإستعمال التبغ، وإلاّ ما علاقة نفث الهموم باحتراق السيجارة؟
ألا يمكن أن نحصل على الراحة النفسية بأساليب أكثر حضارية، وأنفع للصحّة، وأوفر للجيب؟ أليس إستنشاق الهواء الطلق النقي والقيام بعمليات شهيق وزفـير تساعدان على تنقية الرئتين من هوائهما الفاسـد، وبالتالي تنقِّي الدم وتنزاح بعض الهمـوم وينشرح الصّدر؟ هذا فضلاً عن أنّ الأدلّة العلمية تؤكِّد أنّ التدخين لايسبب الإسترخاء ـ كما يتوهّم المدخنون ـ بل يؤدِّي إلى القلق والعصبية والتململ، وكلّها مظاهر تجدها عند عامّة المدخنين.
ثمّ أين وجه الربط بين الإبداع وبين الدخان؟ وهل كان المبدعون دائماً مدخـنين؟ وهل الإبـداع عملية تأمّل داخلي أم إحتراق خارجي؟ إنّ لحظات الصفاء والتأمّل والتفكير قد تحتاج إلى أجواء نقيّة لا يلفّها ضباب الدخان، فما هي إلاّ العادة تجعل الأديب أو الكاتب يتخيّل أنّ ابداعه قرين سيجارته.
وهكذا بالنسبة لمن يراها شكلاً من أشكال الإستمتاع في جلسة أو مناسبة عائلية أو اخوانية، فهل عدم المدخن وسائل الإستمتاع الأخرى، فلم يبق إلاّ هذا التسميم للجوّ المحيط وللجوّ الداخلي للرئتين؟!
مضارّ التدخين ومخاطره:
1- إنّ مكوّنات السيجارة ـ كما يقول الخبراء ـ هي: (الاسبتين والأمونيا) اللتان تدخلان في تكوين المنظفات، و(البوتان) وهو نوع من أنواع الوقود الخفيف، و(الميثانول) الذي يدخل في صناعة وقود الصواريخ، و(أوّل أوكسيد الكربون) الذي يخرج من عادمات السيارات، و(النيكوتين) وهو المادّة المسؤولة عن حدوث الإدمان في التدخـين، كما ثبت أنّها مادّة مسرطنة، و(القار) وهو المادة المستخدمة في رصف الشوارع!!
2- التدخين يزيد من خطر الإصابة بما يلي: السكتة الدماغية، الأزمات القلبية، الربو الشعبي، التهاب الشعب الهوائية، النفاخ الرئوي، تمدّد الشعب والحويصلات الهوائية في الرئة، وسرطان الرئة.
3- التدخـين يسهم في الإصابة بتصلّب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، ويزيد من خطرهما على القلب والمخ، ومختلف أجهزة الجسم.
4- التدخين يسبب فقدان الشهية.
أرقام مخيـفة:
- إنّ الأمراض التي يسببها ألف طن من التبغ تتطلّب علاجاً تقدّر تكاليفه المادية بحدود (11) مليون دولار أميركي.
- يؤكّد أطباء الرئة في برلين أنّ شخصاً واحداً يموت في العالم كلّ ثمان ثوان بسبب التدخـين. كما أنّ هناك حوالي (4) ملايين شخص يموتون سنوياً في سن مبكرة من جرّاء ذلك. جاء ذلك في مؤتمرهم السنويّ الأخير.
- يقدّر علماء بريطانيون من فريق علمي تابع لجامعة بريستول في انجلترا أنّ كلّ سيجارة تقتطع في المتوسط (11) دقيقة من عمر المدخنين الذكور. وأشار الفريق إلى أنّ أعمار المدخنين تقلّ بنحو ستّة أعوام ونصف عن أعمار غير المدخنين.
- خطر التدخين يشتد بدرجة كبيرة لدى الشباب والصبية الذين يتورّطون في هذه العادة السـيِّئة تقليداً للكبار وإثباتاً للرجولة، ذلك أنّهـم يتعرّضون للأزمات القلبية، والسكتات الدماغية في الثلاثينيات والأربعينيات.
- الدخان المنبعث من أنوف المدخنين وأفواههم يلوّث الهواء الذي يستنشقه غير المدخنين، فيتعرّضون لنفس المخاطر التي تهدّد حياة المدخنين. ويعرف ذلك بـ(التدخين السلبي)، وهو يمثِّل إعتداءً صارخاً على حقّ غير المدخنين في إستنشاق هواء نظيف خال من التلوّث، ويجعلهم مدخنين رغم أنوفهم.
- ازداد عدد المدخنات عشرات الأضعاف، حيث تتصور المرأة أنّ التدخين مظهر من مظاهر الحرِّيّة الشخصية، وأنّه يضعها على قدم المساواة مع الرجل.
- ينفق الكثيرون حوالي نصف دخلهم في شراء السجائر التي يدخنونها.
- تشير الأدلّة إلى أنّ السجائر التي تباع في الدول النامية تحتوي على ما يقرب من ضعف كمِّية القطران والنيكوتين الموجودة في مثيلاتها في أوروبا وأميركا.
- تؤكِّد البحوث أنّ ثلث المدخنين ـ على الأقل ـ يلقون حتفهم بسبب التدخين.
- يقول الخبراء: ليس هناك أيّ أمل في العثور على سيجارة مأمونة العواقب.
- إنّ الوقت الإضافي الذي يضيّعه المدخنون يقلّص معدل الإنتاج.
- حسب منظمة الصحّة العالمية، فإنّ التدخين مسؤول بشكل مباشر عن نسبة 30% من الوفيات بالسرطان.
- توصّل عدد من الباحثين الأميركيين إلى أدلّة جديدة على أنّ تدخين الاُم أثناء الحمل يزيد من إحتمالات أن يدخّن طفلها في سن صغيرة!
- تحتوي السجائر على أعلى تركيز من القطران، يليها السيجار، ثمّ دخان الغليون والنارجيلة.
كيف يحدث الإدمان؟
يقول الخبراء المختصّون والأطبّاء: «خلال عشر ثوان فقط من إستنشاق الدخان من السيجارة تدخل جرعة من النيكوتين مباشرة وبسرعة إلى المخ. وهذا الإندفاع يؤدِّي إلى إفراز عدد من المواد في المخ. ومع مرور الوقت يودِّي وجود هذه المواد في المخ، خاصّة الدويامين والنورأدرينالين، إلى أن يصبح المدخّن مدمناً على النيكوتين».
يقول د. كريس سيتل وهو ممارس عام في مدينة مانشيستر البريطانية، وخبير في التدخين، أنّ معظم المدخنين لا يواصلون التدخين بحكم العادة، ولكنّهم يفعلون ذلك لأنّهم أصبحوا مدمنين على النيكوتين.
إنّك حين تضعف فلا تقول (لا) لمدخّن يقدّم لك سيجارة.. فإنّك تقضي على نفسك بأن تضع قدمك على طريق الإدمان.
لا تقل: (واحدة فقط) أو (القليل لا يضرّ) أو (هذه المرّة لا بأس) أو (هذا مجرّد تسلية) أو (الكثير من أصدقائي يفعل هذا.. هل بقيت عليَّ ؟) فهذه هي المقدّمات التي جرّت إلى الإدمان.
مكافحة التدخين وتحريمه:
هناك عدّة إجراءات اتّخذت لمكافحة التدخين، لكنّنا لا نعتبر الإجراء الذي اتّخذته شركات الدخان في الكتابة على علبة السجائر (التدخين يضرّ بصحّتك ننصحك بالإمتناع عنه) منها، ذلك أنّ هذه العبارة ـ إذا كان هناك مَن يقرأها من المدخنين ـ ليست إلاّ عبارة ترغيب.
فمن الإجراءات المتّخذة، محاصرة المدخنين في كلّ مكان، حيث تتّسع رقعة الأماكن التي تحظر التدخين ولم تعد المواصلات والمطارات والمدارس ودورات المياه وحدها التي لا تسمح بالتدخـين، بل المصانع والمتاجر والمساجد وغيرها، وهو إجراء جدير بالتقدير على الأقل بالنسبة لحديثي العهد بالتدخين، وإلاّ فالمرء حريص على ما مُنع..
ومنها إعلانات تلفزيونية تظهر مضار التدخين بشكل مصوّر وحيّ، ومنها خطوط هاتفية مجانية، ومواقع على شبكة الانترنيت، لتقديم المساعدة للأشخاص الراغبين في الانقطاع عن التدخين. ومنها اخـتراع لعلبة سجائر ناطقة تطلق تحذيراً للمـدخِّن من الإصابة بالسرطان فور فتح العلبة. ومنها وضع صور لأعضاء بشرية تالفة جرّاء التدخين على علب السجائر، ومنها زيادة أسعار السجائر لتقليل مبيعاتها.
ومع تحفّظنا على الإجراءات التي لم تتخلّ عن (علبة السجائر) فإنّنا نرى أنّ هذه المكافحة الإعلامية لا تفعل فعلها، أو ربّما تؤدِّي إلى نتائج متواضعة محدودة، ما لم يبادر المدخن نفسه إلى اتّخاذ القرار المناسب وهو العزم على الإقلاع عن التدخين، وتنفيذ العزم وعدم التراجع عنه، فهذا هو الإجراء الأهم.
أمّا الرأي الشرعي في مسألة التدخين، فنأخذ منه القول بالحرمة، حيث يستند القائلون بالتحريم إلى قوله تعالى: (يحلّ لهم الطّيِّبات ويحرِّم عليهم الخبائث)(الأعراف/ 157). معتبرين التدخين من الخبائث.
ومنهم مَن يستند إلى قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قُل فيهما إثم كبير ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما) (البقرة/ 219). فكلّ ما كان إثمه وضرره أكبر من نفعه فهو حرام. وضرر التدخين ـ كما هو ثابت طبِّياً ـ أكبر بكثير من منافعه. وإذا عرف الإنسان بأنّ التدخين سوف يوقعه في مرض مميت ولو بعد عشر سنين، بحيث صار لدى الأطباء واضحاً أنّ التدخين يؤدِّي إلى التهلكة فعندئذ يحرم إستعماله.
وقد وصل الأمر ببعض الفقهاء إلى إصدار فتوى يحق للزوجة فيها الطلاق إذا تضرّرت من تدخين زوجها.
ويشير الفقهاء أيضاً إلى مخاطر التدخين السلبي، وهو إستنشاق الدخان من قبل غير المدخنين، والذي يقال إنّ ضرره أكثر من التدخين ذاته، ويرون أنّ الحرمة تأتي من ضررين: ضرر شخصي يصيب المدخن نفسه، وضرر إجتماعي يصيب المحيطين به. فلو كان المدخن في غرفة أو سيارة أو مصعد ومعه شخص أو شخصان أو أكثر فلا يجوز له التدخين لأنّ المكان مشترك، فكما أنّ له حقاً فيه فإنّ لهم فيه حقاً أيضاً.
والغريب أنّ أغلب المدخنين يدركون خطر التدخين، وتراودهم الرغبة في الإقلاع عنه، وقد يحاولون ذلك مراراً لكنّهم يضعفون أمام السيجارة، الأمر الذي يعني الترك غير الجاد،
وغير النابع من الإرادة، وإلاّ ففي الحديث «ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النيّة». والنيّة هنا هي الإرادة.
وقد وضع بعض المهتمين في علاج التدخين طريقة للإمتناع عنه تقوم على التخطيط للإقـلاع، وتحـديد تأريخ لهذا الإقلاع، والتفكير الدائم بالأمور التي تجعله تقلع عنه، كأن يكتب الأشياء التي يكرهها في التدخين، والأخرى التي يحبّها فيه، والأخرى التي يكسبها منه ليوازن ويقارن بينها. وأن يتحدّث مع مَن يستطيعون مساعدته كالطبيب والصيدلي والمرشد الصحّي.
وإذا كنتَ تدخن مع القهوة فجرّب مشروباً آخر حتى لا تحصل حالة اقتران، وابحث عن المنتجات التي تحلّ محل النيكوتين، وتفاخر بإقلاعك عن التدخين، بل وكافئ نفسك على تركه.. أطفئ السيجارة بسحق عقبها، وارم بعيداً مطفأة السجائر والولاعات.
هذا وقد أكّدت دراسة طبّية عالمية أنّ التحسّن في صحّة الفرد يبدأ فور إقلاعه عن التدخين، وأنّ هناك تغييرات فسيولوجية واكلينيكية إيجابية تطرأ على الدم ووظائف الجسم بعد عشرين دقيقة فقط من إطفائه للسيجارة، وانّ الدم يتخلّص من النيكوتين بعد (8) ساعات، موضّحة إنّ الآثار السلبية للتدخين تختفي تماماً من جسم المقلع عن التدخين بعد عشر سنوات، حيث يصبح كما لو أنّه لم يدخّن من قبل.
2- آفة الخمر:
الآفة الثانية التي تفتك بالشباب، فتعطّل عقولهم وتتركهم في غيبوبة، هي الخمر، وهو في اللّغة «كلّ ما خامر العقل وحجبه». وقد حرّمها القرآن في قوله تعالى: (إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه) (المائدة/ 90). والرجس كلّ ما اشتدّ فحشه وقبحه.
هذا الرجس وهذه الآفة والطامّة الكبرى، لها أضرار كثيرة، نذكر منها:
أ. يساعد على تسبب جلطات القلب والذبحة الصدرية وخاصّة مع التدخين، فكلتا المادتين تساهم في انسداد الشرايين التاجية، فالخمر يرسّب الدهون والكلوليسترول، والدخان يسبب إنقباض الشرايين وتضييق مجراها، والخمر، علاوة على ذلك، يصيب عضلة القلب بالتسمّم.
ب. يقضي على حيويّة المعدة حيث يصيبها بالقرحة، ويؤذي الكبد أيضاً.
ج. يؤدِّي أحياناً إلى الإصابة بالجنون وإلى الإنتحار لما يسبّبه من آلام عصبية.
د. يكسـب الطبع صفة الخبث ويذهب الحشمة والوقار والإحترام.
هـ. يوقع العداوة والبغضاء، ويصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة وعن الواجبات الدينـية الأخرى، وذلك قوله تعالى: (إنّما يريدُ الشّـيطانُ أن يوقعَ بينكم العـداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر الله وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون) (المائدة/ 91)؟!
و. الهلوسات التي تعتري المخمور .
ز. الرجفة والصرع والقيء والأرق.
ح. إلتهاب المخ والإصابة بضعف الذاكرة.
ط. الشكّ في الزوجة الفاضلة.
ي. الإعتقاد بأنّ كلّ الناس ضدّه.
ك. الضعف الجنسي.
ل. يتسبّب في أمراض العضلات.
م. يتسبّب في العمى.
ن. وإذا شربته الحامل فإنّ الجنين يمكن أن يصاب باضطرابات مختلفة وتشوّهات، وتأخير في النمو الجسمي والنفسي والذكاء.
أرقام مخيـفة:
- إنّ شرب القليل من الكحول، ولو على فترات متباعدة، يؤدِّي مع مرور الوقت إلى الإنحدار إلى هوّة الإدمان.
- يقول د. أوبري لويس ـ رئيس قسم الأمراض النفسية في جامعة لندن ـ وذلك في أكبر وأشهر مرجع بريطاني (مرجع برايس الطبّي): «إنّ الكحول هو السمّ الوحيد المرخّص بتداوله على نطاق واسع في العالم كلّه. ويجده تحت يده كلّ مَن يريد أن يهرب من مشاكله، ولهذا يتناوله بكثرة كلّ مضطرب الشخصية، ويؤدِّي هو إلى اضطراب الشخصية ومرضها».
إنّ جرعة من الكحول قد تسبّب التسمّم. أمّا شاربو الخمر المدمنون فسيتعرّضون للتحلل الأخلاقي الكامل مع الجنون.
- كان الأطباء في الأزمنة الغابرة يزعمون أنّ للخمر بعض المنافع الطبّية، ثمّ أبطلت الإكتشافات العلمية تلك المزاعم، وتبيّن أنّها أوهام.
- تستخدم الخمرة في بعض البلدان كفاتح للشهيّة لأنّها تزيد من إفراز حامض المعدة، لكنّها بعد فترة تسبب إلتهاب المعدة.
- إنّ الدفء الذي يستشعره شارب الخمر ليس إلاّ وهماً، فالخمرة توسّع الأوردة الدمويّة التي تحت الجلد فيشعر المخمور بالدفء الكاذب.
- إنّ أولاد مدمني الخـمر يكونون في الغالب مدمنين وتكثر فيهم نزعة الإجرام، كما يكثر فيهم الخلل العقلي والعته والجنون.
- المدمنون للخمور في العالم يعدّون بعشرات الملايين.
أليست خسارة فادحة أن تتعطّل عقول بهذا الكمّ الهائل في حين يمكن أن تقدّم ـ لو كانت في كامل وعيها ـ خدمات نافعة وجليلة للبشرية؟!
خطر الخمر وتحريمه:
وكما عرفنا من رئيس قسم الأمراض النفسية في بريطانيا من أنّ الكحول أو (الغول) كما يحبّ البعض أن يسمِّيه، هو السمّ الوحيد المرخّص بتداوله عالمياً، الأمر الذي يجعله سمّاً مسموحاً، ولذلك تراه يباع في أسواق المسلمين بحجّة أنّه يقدّم لغير المسلمين، وكأنّنا مسؤولون عن تقديم الخـمر لمن يستحلّه؟! ثمّ مَن قال إنّ ذلك لا يشجع بعض المسلمين على تعاطيه؟!
والخمر محرّم بنصّ القرآن الكريم، وقد لعن (صلى الله عليه وآله وسلم) الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها وشاريها وساقيها وآكل ثمنها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه. وقد أمر المسلم بمقاطعة مجالس الخمر، ومجالسة شاربيها، وذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا لم يستطع إزالة المنكر فليبتعد عن المنكر.
إنّ عقلك هو أثمن ما فيك، وإذا رأيت مجنوناً حمدت الله أن لم يبتلك بما ابتلاه به، لما تراه من أثر الجنون الذي يقلب الإنسان إلى هيئة مثيرة لضحك الآخرين وشفقتهم.. عقلك هذا يندثر ويغيب أثناء السكر، فتصبح كالمجنون بل أسوأ.
فهل عاقلٌ يرضى أن يبيع عقله بالجنون؟
ذلك هو شارب الخمرة؟
والجدير بالذكر، انّ الولايات المتّحدة الأميركية نظّمت في القرن الثامن عشر حمـلة على المشروبات الكحولية، فأصدرت قانوناً بحظرها، وكان من نتائج ذلك المساعدة على: أ. السلامة العامّة. ب. سعادة المجتمع. ج. تطور الصناعة. د. زيادة القدرة الشرائية. هـ. تقلّص حوادث السير. و. إنخفاض عدد السجناء. ز. إنخفاض عدد الأطفال سيِّئي السلوك. ح. إنخفاض نسبة الوفيات.
هذه تجربة..
لكنّ تجـّار الخـمور، ومثلهم تجّار المخدّرات بصفة عامّة لم يسـتطيعوا الصبر على ما يجنـونه من أرباح طائلة في مقابل منح الشباب الجنون، فبذلوا قصارى جهدهم ليعيدوا لهذا السمّ اعتباره.. وما للخمر من اعتبار أو قيمة.