جريمة على متن قطار السهم الأحمر
قضية مستر رينالدو بيروزي ... بقلم محمود غسان
عندما انتهيت من قصة في مسرح الجريمة او قتل خطأ التي قد حازت على إعجاب الكثيرون بدأت في كتابة جزء جديد و كأنها سلسة لنفس الأبطال , و اليوم ها قد انتهيت من كتابة الجزء الجديد و أتمنى ان تنال إعجابكم لأني قد بذلت جهد كبير في إخراجها . . . .
محمود غسان
* * * * *
( سيتم طرح القصة على سبع حلقات )
الحلقة الأولى
سافر المحقق دانيال واتسون و زميلته الآنسة كليرا الى ايطاليا لإلقاء دروس في الجريمة في روما , و كان في انتظارهم المخبر ريناتو زميل المحقق دانيال و صديقه منذ أكثر من خمس سنوات .....
في هذه القصة تدور إحداثها على متن قطار فراتشي أروسا ( السهم الأحمر ) في ايطاليا بين ميلانو و روما حيث تقع جريمة قتل غامضة , يكاد المحقق دانيال واتسون ان يشيب شعره , هذا لان الجاني احكم الخـُطة و لم يدع للثغرات أساس ....
* * * * * * * * *
ايطاليا , ميلانو ....
الساعة السادسة مساءا ...
جلس المحقق دانيال على كرسيه في مقهى محطة ميلانو و في انتظار قدوم النادل , أخذ يقلـّب في محتوى الصحيفة التي أمامه حتى شد نظره نحو خبر سرقة احد البنوك في فاريزي , صـٌدم من هذا الخبر فرمى الصحيفة أمامه بهدوء على الطاولة حتى رأى النادل قادم نحوه ....
اعتذر عن التأخير بعبارة روتينية مؤدبة و قدم له فنجان القهوة و انصرف على الفور , فأخذ رشفه من فنجانه ثم أعاده مكانه بهدوء حتى لمح شخص قادم نحوه و كانت آنسة حسناء طويلة القامة , عاقدة شعرها كذيل الحصان كعادتها و في رفقتها رجل إيطالي الملامح و يحمل بين يديه حقيبة صغيرة ...
صرخ هذا الرجل الإيطالي بلهفة و قال :
" ايها المحقق دانيال واتسون أعظم محقق في ساكرامنتو "
ابتسم المحقق دانيال و نهض فورا لمبادلته التحية ..
ريناتو باريزي رجل طويل القامة , بشرته بيضاء , شعره كثيف و هو رئيس مكتب الشرطة في ميلانو و هو أيضا صديق مقرب لمحقق دانيال منذ خمس سنوات ...
اتخذ ريناتو مقعدا له و كذلك الآنسة كليرا مساعدة المحقق دانيال ,
فقال ريناتو له : " هل تعلم يا سيادة المحقق بأن كان هناك رجـل يود مقابلتك ؟ "
فأجاب باستغراب بعد ثواني : " من ؟؟ هل هو ايطالي ؟؟ "
ابتسم و قال : " بلى ... المفتش فيجو كونيري "
حاول يتذكر الاسم قليلا ثم قال : " هل هو الرجل ذاته الذي حقق في قضية السيدة سليفا كالو في مقتل زوجها العربي ؟؟ , أليس كذلك ؟؟ "
ضحك ريناتو و قال بإشارة بيده : " بلى هو "
فقالت الآنسة كليرا مسرعة : " أتذكر تلك القضية جدا , مدام سليفا كالو كانت تعـُتبر شخصية عامة و علاقتها بالجيش العسكري سبب توتر هذه القضية أكثر "
ابتسم المحقق دانيال و قال : " و أين هو إذن ؟؟ "
أومأ ريناتو برأسه و قال :
" انا أخبرته بأننا سوف ننطلق الى روما , و لكن يبدو و انه انشغل في بعض الأمور "
فنظر المحقق الى ساعة يده و قال : " حسنا هيا بنا , حان موعد تحرك القطار "
اخذ دانيال آخر رشفة من فنجانه ثم دفع الفاتورة للنادل و اخذ حقيبته الصغيرة و تحرك مع رفقته نحو رصيف المحطة ...
فقال ريناتو عندم تحركوا : " مقاعدنا في العربة الثانية "
سكت ثم قال : " ها هي " و أشار إليها بيده ,
فصعد المحقق دانيال واتسون و الآنسة كليرا و ريناتو باريزي الى العربة الثانية , حيث كانت مشغولة جميعها بالركاب و بالكاد استطاعوا تحديد مقاعدهم ..
فاتخذ الجميع أماكنهم و في انتظار تحرك القطار ..
اختلس ريناتو النظر نحو العربة المجاورة ثم قال للمحقق دانيال : " هل تعرف من هنا ؟؟ "
أجاب باستغراب : " من ؟؟ "
- " لا ظن انك تعرفه , اسمه مستر رينالدو بيروزي "
افتعل المحقق دانيال حركة على عدم معرفته له , فقالت الآنسة كليرا : " من هذا ؟؟ "
عدل ريناتو موضعه و قال : " انه رجل غني جدا , زار ايطاليا منذ ستة أعوام تقريبا , افتتح عدة مشاريع في روما و نابولي و جنوة , مشاريع مختلفة , و قام بتوظيف الآلاف من المواطنين و هو الآن يعـُتبر شخصية عامة "
سكت ثم قال : " و لكنه بالطبع ليس إيطالي "
فقال المحقق دون ان ينظر إليه : " و كيف عرفت ؟؟ "
ضحك و قال : " عاداته و تقاليده لا تمس الإيطاليين بتاتا "
فسمع صوت صفارة القطار ثم بدأ بالتحرك نحو فلورنسا عند السادسة و الربع ..
فقرر المحقق و صديقه ان يضيعا الوقت في أمور هادفة حتى وصول القطار , فدار بينهم عن ما حدث في أمريكا في الآونة الأخيرة و الإضرابات و حملات الاعتقال الواسعة للعمال و غير ذلك تحدثا عن عملية اغتيال بن لادن و كيف استطاع قوات كوماندوز مداهمة قصر بن لادن و اغتياله بالتعاون مع القوات الباكستانية ...
و في تمام الساعة الثامنة مساءا توقف القطار في محطة سانتا ماريا نوفيلا في فلورنسا فقال هذا الإيطالي بإبتهاج :
" محطة سانتا ماريا نوفيلا "
التفت الى المحقق دانيال و قال : " فلورنسا مدينة جميلة جدا , لها طابع خاص بالنسبة لي "
فتوقف القطار تماما , فبدأ جميع الركاب بمغادرة القطار بينما المخبر ريناتو اعتذر لهم لدخوله دورة المياة ..
فلم يتبقى احد في العربة الثانية سوى المحقق و مساعدته , فالتفت إليها و قال لها :
" تعالي معي ننتظر على الرصيف قليلا "
غادر المحقق دانيال القطار و انتظر عند حافة رصيف المحطة , ثم أشعل غيلونا وبقيّ واقفا بالقرب من القطار , فاقتربت إليه الآنسة كليرا و هي تقول باستغراب :
" منذ متى و أنت تدخن ؟؟ "
ابتسم المحقق و قال : " لقد اشتريت هذا الغيلون من ميلان , انه بنكهة النعناع "
ضحكت و قالت : " هذا ضار لصحتك "
بعد ثواني قليلة جاء إليهم المخبر ريناتو و هو يمسح يديه من الماء بمنشفة صغيرة :
" لماذا تركتم مقاعدكم "
التفت المحقق إليه و قال : " كم بقيّ على تحرك القطار ؟ "
فنظر ريناتو الى ساعة يده و قال : " لا أعلم , ربما نصف ساعة "
فتحرك المحقق و هو يقول : " حسنا انا ذاهب الى مقهى المحطة قليلا "
فلحقت به الآنسة كليرا و هي تقول : " سوف أأتي معك "
* * * * * * * * *
جلس المحقق دانيال و الآنسة كليرا على و اتخذوا مقاعد لهم في مقهى المحطة ثم طلب من النادل فنجاني من الشاي و عندما لاحظت الآنسة السكون الذي حلّ عليه فجأة حاولت أن تكسر ذلك الحاجز , فأصدرت صوتا كما يكن هناك كارثة ..
فقالت بصوت عالي : " ما الأمر ؟؟ "
ابتسم المحقق دانيال و قال : " لا شيء لقد تذكرت فقط آخر قضية قمت بالتحقيق بها معك "
فقطبت حاجبيها و قالت : " تقصد روبيرت باندريك ؟؟ كان هذا منذ عامين .... "
سكت لثانية ثم قال مبتسما و بإشارة بيده : " لا عليك "
فجاء النادل و هو يحمل صينية الشاي فقدمها لهما ثم قال للمحقق بهدوء :
" هل تريد شيئا آخر سيدي ؟؟ "
نظر إليه و قال : " لا , أشكرك "
فالتفت النادل حوليه ثم مال نحو المحقق و قال بهمس : " سيدي هناك رجل يود مقابلتك ؟؟ "
تغيرت ملامحه بشدة ثم قال بإستغراب : " مقابلتي انا ؟؟ من ؟ "
فسمع صوت غليظ من خلفه يقول بالإنجليزية : " أنا ... "
فنظر المحقق خلفه لتتبع مصدر الصوت حتى وجد رجل ابيض اللون شعره ابيض و له شارب ابيض و لحية بيضاء , قوي البنية , و عمره لا يتعدى الستون ...
نهض المحقق على الفور , و كذلك مساعدته الآنسة كليرا , فأقترب المحقق نحوه و قال :
" مرحبا بك سيدي , هل أستطيع مساعدتك ؟؟ "
فنظر هذا الرجل إلى النادل و قال له بالإيطالية : " انصرف أنت "
أحنى رأسه احتراما له و ذهب على الفور ..
فاقترب هذا الرجل أكثر ثم تناول مقعدا و اتخذه مجلسا له ..
فاستغربت الآنسة كليرا له فنظرت الى المحقق دانيال بالخفاء و حركت شفاها و كأنها تريد معرفة من هذا المتطفل .. ..
فجلس المحقق دانيال ثم مساعدته , ثم قال له مجددا : " هل أستطيع مساعدتك .. سيدي ؟؟ "
ابتسم هذا الرجل و قال : " لا يا سيد دانيال , لقد جئت إليك كي أتحدث معك قليلا "
ثم أضاف : " أنا رينالدو ... , رينالدو بيروزي "
يتبع , . . . . . .
الحلقة الثانية
* * * * *
فقال المحقق بهدوء بابتسامة مصطنعة : " مرحبا سيدي "
فمد يداه الى جيبه و قام بإشعال غيلونا ثم قال : " ماذا تفعل في ايطاليا سيد دانيال ؟ "
نظر دانيال الى الآنسة كليرا ثم أعاد نظره الى مستر بيروزي و قال :
" أنا و مساعدتي سوف نزور روما الآن , لإلقاء دروس في الجريمة في الدراسات العليا لكلية الشرطة "
أصدر مستر بيروزي صوت همهما ثم قال : " و متى سوف تغادر ايطاليا ؟؟ "
فأجاب بعدم يقين : " لا اعلم ربما أسبوعان او أكثر "
فقال رينالدو ببطء : " حسنا , سوف اعقد معك صفقة و أتمنى ان تقبل بها "
فقال المحقق بتأني : " و ما هي هذه الصفقة ؟؟ "
نظر رينالدو حول نظرة سريعة ثم التفت الى المحقق و قال : " احتاج رجل أمن يرافقني دوما , يكون لي حامي من الأعداء , يتصدى لمن يريد النيل مني "
فقال باستغراب : " ماذا ؟؟ "
فجاب مسرعا : " لا لا لا لا , أرجوك لا تفهمني خطأ "
سكت ثم قال بهدوء :
" هناك أناس يريدون قتلي , يريدون النيل مني , لأجل خطأ ارتكبته منذ ستة سنوات "
و هنا عدل المحقق موضعه ثم قال بحذر : " أي خطأ هذا ؟؟ , ما الذي تتحدث عنه ؟ "
ثم أضاف المحقق مسرعا : " اعتذر لك , ماذا تود ان اقدم لك من الشراب "
فقال بيأس : " لا وقت لهذا ان حياتي معرضة للخطر "
بينما الآنسة كليرا تراقب تلك الأحداث بشغف و تريد ان تشاطرهم الحوار و لكن لم يكن في وسعها ذلك , حتى قال لها :
" يا آنستي , اذا كنتي تعلمين ان هناك شخص يريد النيل منك و يريد ان يفتك بك اليوم قبل الغد و لا تأخذين احتياطك تكوني اذن قد فقدت عقلك .. , أليس كذلك "
ثم التفت الى المحقق مجددا و قال :
" ماذا قلت سيدي , إذا وافقت سوف ادفع لك خمسة ألاف يورو شهريا , ماذا قلت ؟؟ "
قالها و ابتسم ...
فقال المحقق : " سيدي , لقد قلت انك في خطر و هناك أناس تريد النيل منكم , من هم ؟؟ "
فجأة تقدم شاب طويل القامة مرتب و مهذب و يرتدي نظارة رفيعة , مال نحو مستر بيروزي و همس في آذانه ببضعة كلمات حتى نهض على الفور ثم نهض المحقق أيضا و مساعدته و قال لهما :
" المعذرة عليّ الذهاب , انا في العربة الرابعة , أتمنى ان تفكر بالعرض جيدا , بعد إذنكم "
و غادر مع هذا الشاب دون ان ينظر إليهما ...
التفت المحقق الى مساعدته و قال : " هذا غريب "
ضحكت الآنسة كليرا و قالت : " لا عجب من هؤلاء البشر "
و بعد مرور الدقائق الأخيرة صعد المحقق و مساعدته القطار للتحرك نحو روما ...
* * * * * * * * *
أصدر القطار صفارته و انطلق متجه نحو روما ....
بينما المحقق يجلس في مقعد منعزل و مشتت التفكير , يحاول معرفة أكثر عن هذا الرجل , حتى ترك مقعده و جلس مع مساعدته و صديقه المخبر و ريناتو و عرض الأمر عليهم فقال الأخير له : " دعك من هذا الرجل , يبدو ان به جنة "
فقال المحقق على الفور : " لا , يبدو حقا ان هناك من يخطط لمقتله "
حتى سمع فجأة صوت رجل يصرخ و حالة من الهلع في عربات القطار حتى رأى رجل بزي العاملين فأمسكه و قال : " ماذا هناك ؟؟ "
فوقف بسرعة و التقط نفسه ثم قال بتقطع :
" هناك رجل مـُسن في العربة الرابعة قد توفيّ للتو "
اصفر وجه و ارتعدت يداه و قال بصراخ يعلو صوت الركاب : " مااااذا ؟ "
فتركه و ركض مسرعا نحو العربة الرابعة فلحقت به مساعدته و صديقه الإيطالي , فظل يركض و يركض و يرتطم بالركاب و يعتذر لهم دون النظر إليهم حتى وصل العربة الرابعة فوجد مستر بيروزي ملقي رأسه على الطاولة و أمامه صحن عليه قطعة دجاجة و صحن آخر من شوربة و كأس من الماء يملأه النصف ....
أصبح جميع الركاب في حالة ذهول من موقف , فقال المحقق للشاب الذي رآه معه بصراخ :
" ماذا حدث , أخبرني ؟؟ "
حاول ان يتمالك نفسه ثم بلع ريقه و قال بهدوء :
" انا كنت في دورة المياة , عندما عدت رأيته ملقى هكذا "
فأقترب المحقق من الضحية و قال كأنه يحدث نفسه : " ماذا حدث هنا "
ثم سمع صوت زميله المخبر ريناتو يقول للركاب :
" من فضلكم يا سادة أرجو من الجميع التوجه إلى مقاعدكم الآن "
فنظر المحقق خلفه و قال له : " اطلب الشرطة فورا "
تعجب المخبر ريناتو ثم قال : " و أنت ما دورك هنا ؟ "
اقتربت الآنسة كليرا كي تشاركهم الحوار فقالت له : " ايها المخبر ريناتو , لا وقت لهذا الآن , اخبر سائق القطار ان يتوقف و اتصل بالشرطة كي تأتي للتحقيق "
بينما المحقق يحاول ان يفحص الجثة ف قال كأنه يحدث نفسه :
" لا يوجد بقايا طعام في عنقه "
ثم نظر إليه بشدة و قال : " يجدر بك ان تتصل بالشرطة , أنا انتظرك في عربتي "
و انطلق مسرعا نحو العربة الثانية بينما المخبر ريناتو ظل يصرخ و يقول :
" انتظر , انتظر ! "
ثم التفت مسرعا الى الشاب و قال : " لا تدع احد يقترب من هنا , و لا تلمس أي شيء "
ثم لحق بالمحقق دانيال ...
جلس ريناتو أمامه في المقعد المباشر له و قال : " ما هي مشكلتك ؟ "
ثم نظر الى ساعة يده و قال : " باقي على وصول القطار ساعة و نصف ... "
فقاطعه المحقق مسرعا : " لماذا لا تحقق أنت في موته ؟؟ "
ثم أضاف : " يجب وصول الشرطة كي لا ندخل أنفسنا في مسؤولية كهذي "
فقال المخبر ريناتو : " أنا مجرد مخبر غير مخول للتحقيق في جرائم القتل و السطو , ثم ... "
فقاطعه المحقق دانيال بطريقة عشوائية :
" قد يكون انتحر , او اصيب بمرض ما , نحتاج الى خبير بصمات , وطبيب جنائي ... "
لم يكمل كلامه حتى رأى أمامه رجل يرتدي بذلة سوداء لا يتعدى الأربعين من عمره يقول بالإيطالية: " ما الأمر ايها المخبر ؟ "
فالتفت المخبر ريناتو نحو مصدر الصوت فأثار انتباهه ، فقال : " مرحبا سيدي "
فالتفت مجددا الى المحقق دانيال و قال :
" انه مستر اندريا زاتيكسي , مشرف قطارات فراتشي اروسا ( السهم الأحمر ) "
ثم نظر الى اندريا و قال : " و هذا المحقق دانيال واتسون من ساكرامنتو "
و هنا ضرب المحقق جبينه بيده ,
فقال مشرف القطار لهم بحذر : " هناك حالة من الهلع في القطار بسبب موت رجل الأعمال مستر رينالدو بيروزي و اخبرني مدير أعماله أنكم أهملتم الموقف و وقفتم تتشاجرون بدل من اتخاذ أجراء حازم "
ارتبك المخبر ريناتو قليلا ثم اقترب منه و أخذه بعيدا كي يتحدث معه منفردا به ...
فجلست أمامه الآنسة كليرا و قالت مبتسمة : " يبدوا انك تورطت في هذا "
نظر إليها نظرة المتعجب من الموقف , فلم يمضي دقيقة حتى اقترب المخبر ريناتو و معه مشرف القطار , فقال ريناتو للمحقق دانيال :
" سيد دانيال , أرجوك ان تقبل التحقيق في هذه الجريمة "
صاح مسرعا و قال : " أسميتها جريمة دون ان تعرف ما حدث "
فقال مستر اندريا بأدب وهو يغمض عينه : " ايها المحقق دانيال , اعلم ان لديك يوم حافل , و لكن اطلب منك التحقيق بهذه الجريمة او القتل او الموت ... أي ما تسميها ... "
و قبل ان يكمل كلامه قاطعه المحقق دانيال ببطء : " سيدي , يجدر بك الاتصال بالشرطة كي نخلي مسؤوليتنا عن الحادث , لان هذا يعــُتبر عبث في مسرح الجريمة "
فقال مستر اندريا بثقة : " بصفتي مشرف قطارات فراتشي أروسا ( السهم الأحمر ) التابعة لشركة ترينيتاليا أفوضك بالتحقيق بهذه الجريمة , و عندما نصل رومـا سوف نسلـّم الجاني للشرطة و نشرح لهم معطيات الجريمة "
قالها و ابتسم ...
سكت المحقق و شعر انه لا مفر , فقال بعد وهلة مبتسما :
" يبدوا أن المشاكل تلاحقني أينما كنت .... "
* * * * * * * * *
قضية مستر رينالدو بيروزي ... بقلم محمود غسان
عندما انتهيت من قصة في مسرح الجريمة او قتل خطأ التي قد حازت على إعجاب الكثيرون بدأت في كتابة جزء جديد و كأنها سلسة لنفس الأبطال , و اليوم ها قد انتهيت من كتابة الجزء الجديد و أتمنى ان تنال إعجابكم لأني قد بذلت جهد كبير في إخراجها . . . .
محمود غسان
* * * * *
( سيتم طرح القصة على سبع حلقات )
الحلقة الأولى
سافر المحقق دانيال واتسون و زميلته الآنسة كليرا الى ايطاليا لإلقاء دروس في الجريمة في روما , و كان في انتظارهم المخبر ريناتو زميل المحقق دانيال و صديقه منذ أكثر من خمس سنوات .....
في هذه القصة تدور إحداثها على متن قطار فراتشي أروسا ( السهم الأحمر ) في ايطاليا بين ميلانو و روما حيث تقع جريمة قتل غامضة , يكاد المحقق دانيال واتسون ان يشيب شعره , هذا لان الجاني احكم الخـُطة و لم يدع للثغرات أساس ....
* * * * * * * * *
ايطاليا , ميلانو ....
الساعة السادسة مساءا ...
جلس المحقق دانيال على كرسيه في مقهى محطة ميلانو و في انتظار قدوم النادل , أخذ يقلـّب في محتوى الصحيفة التي أمامه حتى شد نظره نحو خبر سرقة احد البنوك في فاريزي , صـٌدم من هذا الخبر فرمى الصحيفة أمامه بهدوء على الطاولة حتى رأى النادل قادم نحوه ....
اعتذر عن التأخير بعبارة روتينية مؤدبة و قدم له فنجان القهوة و انصرف على الفور , فأخذ رشفه من فنجانه ثم أعاده مكانه بهدوء حتى لمح شخص قادم نحوه و كانت آنسة حسناء طويلة القامة , عاقدة شعرها كذيل الحصان كعادتها و في رفقتها رجل إيطالي الملامح و يحمل بين يديه حقيبة صغيرة ...
صرخ هذا الرجل الإيطالي بلهفة و قال :
" ايها المحقق دانيال واتسون أعظم محقق في ساكرامنتو "
ابتسم المحقق دانيال و نهض فورا لمبادلته التحية ..
ريناتو باريزي رجل طويل القامة , بشرته بيضاء , شعره كثيف و هو رئيس مكتب الشرطة في ميلانو و هو أيضا صديق مقرب لمحقق دانيال منذ خمس سنوات ...
اتخذ ريناتو مقعدا له و كذلك الآنسة كليرا مساعدة المحقق دانيال ,
فقال ريناتو له : " هل تعلم يا سيادة المحقق بأن كان هناك رجـل يود مقابلتك ؟ "
فأجاب باستغراب بعد ثواني : " من ؟؟ هل هو ايطالي ؟؟ "
ابتسم و قال : " بلى ... المفتش فيجو كونيري "
حاول يتذكر الاسم قليلا ثم قال : " هل هو الرجل ذاته الذي حقق في قضية السيدة سليفا كالو في مقتل زوجها العربي ؟؟ , أليس كذلك ؟؟ "
ضحك ريناتو و قال بإشارة بيده : " بلى هو "
فقالت الآنسة كليرا مسرعة : " أتذكر تلك القضية جدا , مدام سليفا كالو كانت تعـُتبر شخصية عامة و علاقتها بالجيش العسكري سبب توتر هذه القضية أكثر "
ابتسم المحقق دانيال و قال : " و أين هو إذن ؟؟ "
أومأ ريناتو برأسه و قال :
" انا أخبرته بأننا سوف ننطلق الى روما , و لكن يبدو و انه انشغل في بعض الأمور "
فنظر المحقق الى ساعة يده و قال : " حسنا هيا بنا , حان موعد تحرك القطار "
اخذ دانيال آخر رشفة من فنجانه ثم دفع الفاتورة للنادل و اخذ حقيبته الصغيرة و تحرك مع رفقته نحو رصيف المحطة ...
فقال ريناتو عندم تحركوا : " مقاعدنا في العربة الثانية "
سكت ثم قال : " ها هي " و أشار إليها بيده ,
فصعد المحقق دانيال واتسون و الآنسة كليرا و ريناتو باريزي الى العربة الثانية , حيث كانت مشغولة جميعها بالركاب و بالكاد استطاعوا تحديد مقاعدهم ..
فاتخذ الجميع أماكنهم و في انتظار تحرك القطار ..
اختلس ريناتو النظر نحو العربة المجاورة ثم قال للمحقق دانيال : " هل تعرف من هنا ؟؟ "
أجاب باستغراب : " من ؟؟ "
- " لا ظن انك تعرفه , اسمه مستر رينالدو بيروزي "
افتعل المحقق دانيال حركة على عدم معرفته له , فقالت الآنسة كليرا : " من هذا ؟؟ "
عدل ريناتو موضعه و قال : " انه رجل غني جدا , زار ايطاليا منذ ستة أعوام تقريبا , افتتح عدة مشاريع في روما و نابولي و جنوة , مشاريع مختلفة , و قام بتوظيف الآلاف من المواطنين و هو الآن يعـُتبر شخصية عامة "
سكت ثم قال : " و لكنه بالطبع ليس إيطالي "
فقال المحقق دون ان ينظر إليه : " و كيف عرفت ؟؟ "
ضحك و قال : " عاداته و تقاليده لا تمس الإيطاليين بتاتا "
فسمع صوت صفارة القطار ثم بدأ بالتحرك نحو فلورنسا عند السادسة و الربع ..
فقرر المحقق و صديقه ان يضيعا الوقت في أمور هادفة حتى وصول القطار , فدار بينهم عن ما حدث في أمريكا في الآونة الأخيرة و الإضرابات و حملات الاعتقال الواسعة للعمال و غير ذلك تحدثا عن عملية اغتيال بن لادن و كيف استطاع قوات كوماندوز مداهمة قصر بن لادن و اغتياله بالتعاون مع القوات الباكستانية ...
و في تمام الساعة الثامنة مساءا توقف القطار في محطة سانتا ماريا نوفيلا في فلورنسا فقال هذا الإيطالي بإبتهاج :
" محطة سانتا ماريا نوفيلا "
التفت الى المحقق دانيال و قال : " فلورنسا مدينة جميلة جدا , لها طابع خاص بالنسبة لي "
فتوقف القطار تماما , فبدأ جميع الركاب بمغادرة القطار بينما المخبر ريناتو اعتذر لهم لدخوله دورة المياة ..
فلم يتبقى احد في العربة الثانية سوى المحقق و مساعدته , فالتفت إليها و قال لها :
" تعالي معي ننتظر على الرصيف قليلا "
غادر المحقق دانيال القطار و انتظر عند حافة رصيف المحطة , ثم أشعل غيلونا وبقيّ واقفا بالقرب من القطار , فاقتربت إليه الآنسة كليرا و هي تقول باستغراب :
" منذ متى و أنت تدخن ؟؟ "
ابتسم المحقق و قال : " لقد اشتريت هذا الغيلون من ميلان , انه بنكهة النعناع "
ضحكت و قالت : " هذا ضار لصحتك "
بعد ثواني قليلة جاء إليهم المخبر ريناتو و هو يمسح يديه من الماء بمنشفة صغيرة :
" لماذا تركتم مقاعدكم "
التفت المحقق إليه و قال : " كم بقيّ على تحرك القطار ؟ "
فنظر ريناتو الى ساعة يده و قال : " لا أعلم , ربما نصف ساعة "
فتحرك المحقق و هو يقول : " حسنا انا ذاهب الى مقهى المحطة قليلا "
فلحقت به الآنسة كليرا و هي تقول : " سوف أأتي معك "
* * * * * * * * *
جلس المحقق دانيال و الآنسة كليرا على و اتخذوا مقاعد لهم في مقهى المحطة ثم طلب من النادل فنجاني من الشاي و عندما لاحظت الآنسة السكون الذي حلّ عليه فجأة حاولت أن تكسر ذلك الحاجز , فأصدرت صوتا كما يكن هناك كارثة ..
فقالت بصوت عالي : " ما الأمر ؟؟ "
ابتسم المحقق دانيال و قال : " لا شيء لقد تذكرت فقط آخر قضية قمت بالتحقيق بها معك "
فقطبت حاجبيها و قالت : " تقصد روبيرت باندريك ؟؟ كان هذا منذ عامين .... "
سكت لثانية ثم قال مبتسما و بإشارة بيده : " لا عليك "
فجاء النادل و هو يحمل صينية الشاي فقدمها لهما ثم قال للمحقق بهدوء :
" هل تريد شيئا آخر سيدي ؟؟ "
نظر إليه و قال : " لا , أشكرك "
فالتفت النادل حوليه ثم مال نحو المحقق و قال بهمس : " سيدي هناك رجل يود مقابلتك ؟؟ "
تغيرت ملامحه بشدة ثم قال بإستغراب : " مقابلتي انا ؟؟ من ؟ "
فسمع صوت غليظ من خلفه يقول بالإنجليزية : " أنا ... "
فنظر المحقق خلفه لتتبع مصدر الصوت حتى وجد رجل ابيض اللون شعره ابيض و له شارب ابيض و لحية بيضاء , قوي البنية , و عمره لا يتعدى الستون ...
نهض المحقق على الفور , و كذلك مساعدته الآنسة كليرا , فأقترب المحقق نحوه و قال :
" مرحبا بك سيدي , هل أستطيع مساعدتك ؟؟ "
فنظر هذا الرجل إلى النادل و قال له بالإيطالية : " انصرف أنت "
أحنى رأسه احتراما له و ذهب على الفور ..
فاقترب هذا الرجل أكثر ثم تناول مقعدا و اتخذه مجلسا له ..
فاستغربت الآنسة كليرا له فنظرت الى المحقق دانيال بالخفاء و حركت شفاها و كأنها تريد معرفة من هذا المتطفل .. ..
فجلس المحقق دانيال ثم مساعدته , ثم قال له مجددا : " هل أستطيع مساعدتك .. سيدي ؟؟ "
ابتسم هذا الرجل و قال : " لا يا سيد دانيال , لقد جئت إليك كي أتحدث معك قليلا "
ثم أضاف : " أنا رينالدو ... , رينالدو بيروزي "
يتبع , . . . . . .
الحلقة الثانية
* * * * *
فقال المحقق بهدوء بابتسامة مصطنعة : " مرحبا سيدي "
فمد يداه الى جيبه و قام بإشعال غيلونا ثم قال : " ماذا تفعل في ايطاليا سيد دانيال ؟ "
نظر دانيال الى الآنسة كليرا ثم أعاد نظره الى مستر بيروزي و قال :
" أنا و مساعدتي سوف نزور روما الآن , لإلقاء دروس في الجريمة في الدراسات العليا لكلية الشرطة "
أصدر مستر بيروزي صوت همهما ثم قال : " و متى سوف تغادر ايطاليا ؟؟ "
فأجاب بعدم يقين : " لا اعلم ربما أسبوعان او أكثر "
فقال رينالدو ببطء : " حسنا , سوف اعقد معك صفقة و أتمنى ان تقبل بها "
فقال المحقق بتأني : " و ما هي هذه الصفقة ؟؟ "
نظر رينالدو حول نظرة سريعة ثم التفت الى المحقق و قال : " احتاج رجل أمن يرافقني دوما , يكون لي حامي من الأعداء , يتصدى لمن يريد النيل مني "
فقال باستغراب : " ماذا ؟؟ "
فجاب مسرعا : " لا لا لا لا , أرجوك لا تفهمني خطأ "
سكت ثم قال بهدوء :
" هناك أناس يريدون قتلي , يريدون النيل مني , لأجل خطأ ارتكبته منذ ستة سنوات "
و هنا عدل المحقق موضعه ثم قال بحذر : " أي خطأ هذا ؟؟ , ما الذي تتحدث عنه ؟ "
ثم أضاف المحقق مسرعا : " اعتذر لك , ماذا تود ان اقدم لك من الشراب "
فقال بيأس : " لا وقت لهذا ان حياتي معرضة للخطر "
بينما الآنسة كليرا تراقب تلك الأحداث بشغف و تريد ان تشاطرهم الحوار و لكن لم يكن في وسعها ذلك , حتى قال لها :
" يا آنستي , اذا كنتي تعلمين ان هناك شخص يريد النيل منك و يريد ان يفتك بك اليوم قبل الغد و لا تأخذين احتياطك تكوني اذن قد فقدت عقلك .. , أليس كذلك "
ثم التفت الى المحقق مجددا و قال :
" ماذا قلت سيدي , إذا وافقت سوف ادفع لك خمسة ألاف يورو شهريا , ماذا قلت ؟؟ "
قالها و ابتسم ...
فقال المحقق : " سيدي , لقد قلت انك في خطر و هناك أناس تريد النيل منكم , من هم ؟؟ "
فجأة تقدم شاب طويل القامة مرتب و مهذب و يرتدي نظارة رفيعة , مال نحو مستر بيروزي و همس في آذانه ببضعة كلمات حتى نهض على الفور ثم نهض المحقق أيضا و مساعدته و قال لهما :
" المعذرة عليّ الذهاب , انا في العربة الرابعة , أتمنى ان تفكر بالعرض جيدا , بعد إذنكم "
و غادر مع هذا الشاب دون ان ينظر إليهما ...
التفت المحقق الى مساعدته و قال : " هذا غريب "
ضحكت الآنسة كليرا و قالت : " لا عجب من هؤلاء البشر "
و بعد مرور الدقائق الأخيرة صعد المحقق و مساعدته القطار للتحرك نحو روما ...
* * * * * * * * *
أصدر القطار صفارته و انطلق متجه نحو روما ....
بينما المحقق يجلس في مقعد منعزل و مشتت التفكير , يحاول معرفة أكثر عن هذا الرجل , حتى ترك مقعده و جلس مع مساعدته و صديقه المخبر و ريناتو و عرض الأمر عليهم فقال الأخير له : " دعك من هذا الرجل , يبدو ان به جنة "
فقال المحقق على الفور : " لا , يبدو حقا ان هناك من يخطط لمقتله "
حتى سمع فجأة صوت رجل يصرخ و حالة من الهلع في عربات القطار حتى رأى رجل بزي العاملين فأمسكه و قال : " ماذا هناك ؟؟ "
فوقف بسرعة و التقط نفسه ثم قال بتقطع :
" هناك رجل مـُسن في العربة الرابعة قد توفيّ للتو "
اصفر وجه و ارتعدت يداه و قال بصراخ يعلو صوت الركاب : " مااااذا ؟ "
فتركه و ركض مسرعا نحو العربة الرابعة فلحقت به مساعدته و صديقه الإيطالي , فظل يركض و يركض و يرتطم بالركاب و يعتذر لهم دون النظر إليهم حتى وصل العربة الرابعة فوجد مستر بيروزي ملقي رأسه على الطاولة و أمامه صحن عليه قطعة دجاجة و صحن آخر من شوربة و كأس من الماء يملأه النصف ....
أصبح جميع الركاب في حالة ذهول من موقف , فقال المحقق للشاب الذي رآه معه بصراخ :
" ماذا حدث , أخبرني ؟؟ "
حاول ان يتمالك نفسه ثم بلع ريقه و قال بهدوء :
" انا كنت في دورة المياة , عندما عدت رأيته ملقى هكذا "
فأقترب المحقق من الضحية و قال كأنه يحدث نفسه : " ماذا حدث هنا "
ثم سمع صوت زميله المخبر ريناتو يقول للركاب :
" من فضلكم يا سادة أرجو من الجميع التوجه إلى مقاعدكم الآن "
فنظر المحقق خلفه و قال له : " اطلب الشرطة فورا "
تعجب المخبر ريناتو ثم قال : " و أنت ما دورك هنا ؟ "
اقتربت الآنسة كليرا كي تشاركهم الحوار فقالت له : " ايها المخبر ريناتو , لا وقت لهذا الآن , اخبر سائق القطار ان يتوقف و اتصل بالشرطة كي تأتي للتحقيق "
بينما المحقق يحاول ان يفحص الجثة ف قال كأنه يحدث نفسه :
" لا يوجد بقايا طعام في عنقه "
ثم نظر إليه بشدة و قال : " يجدر بك ان تتصل بالشرطة , أنا انتظرك في عربتي "
و انطلق مسرعا نحو العربة الثانية بينما المخبر ريناتو ظل يصرخ و يقول :
" انتظر , انتظر ! "
ثم التفت مسرعا الى الشاب و قال : " لا تدع احد يقترب من هنا , و لا تلمس أي شيء "
ثم لحق بالمحقق دانيال ...
جلس ريناتو أمامه في المقعد المباشر له و قال : " ما هي مشكلتك ؟ "
ثم نظر الى ساعة يده و قال : " باقي على وصول القطار ساعة و نصف ... "
فقاطعه المحقق مسرعا : " لماذا لا تحقق أنت في موته ؟؟ "
ثم أضاف : " يجب وصول الشرطة كي لا ندخل أنفسنا في مسؤولية كهذي "
فقال المخبر ريناتو : " أنا مجرد مخبر غير مخول للتحقيق في جرائم القتل و السطو , ثم ... "
فقاطعه المحقق دانيال بطريقة عشوائية :
" قد يكون انتحر , او اصيب بمرض ما , نحتاج الى خبير بصمات , وطبيب جنائي ... "
لم يكمل كلامه حتى رأى أمامه رجل يرتدي بذلة سوداء لا يتعدى الأربعين من عمره يقول بالإيطالية: " ما الأمر ايها المخبر ؟ "
فالتفت المخبر ريناتو نحو مصدر الصوت فأثار انتباهه ، فقال : " مرحبا سيدي "
فالتفت مجددا الى المحقق دانيال و قال :
" انه مستر اندريا زاتيكسي , مشرف قطارات فراتشي اروسا ( السهم الأحمر ) "
ثم نظر الى اندريا و قال : " و هذا المحقق دانيال واتسون من ساكرامنتو "
و هنا ضرب المحقق جبينه بيده ,
فقال مشرف القطار لهم بحذر : " هناك حالة من الهلع في القطار بسبب موت رجل الأعمال مستر رينالدو بيروزي و اخبرني مدير أعماله أنكم أهملتم الموقف و وقفتم تتشاجرون بدل من اتخاذ أجراء حازم "
ارتبك المخبر ريناتو قليلا ثم اقترب منه و أخذه بعيدا كي يتحدث معه منفردا به ...
فجلست أمامه الآنسة كليرا و قالت مبتسمة : " يبدوا انك تورطت في هذا "
نظر إليها نظرة المتعجب من الموقف , فلم يمضي دقيقة حتى اقترب المخبر ريناتو و معه مشرف القطار , فقال ريناتو للمحقق دانيال :
" سيد دانيال , أرجوك ان تقبل التحقيق في هذه الجريمة "
صاح مسرعا و قال : " أسميتها جريمة دون ان تعرف ما حدث "
فقال مستر اندريا بأدب وهو يغمض عينه : " ايها المحقق دانيال , اعلم ان لديك يوم حافل , و لكن اطلب منك التحقيق بهذه الجريمة او القتل او الموت ... أي ما تسميها ... "
و قبل ان يكمل كلامه قاطعه المحقق دانيال ببطء : " سيدي , يجدر بك الاتصال بالشرطة كي نخلي مسؤوليتنا عن الحادث , لان هذا يعــُتبر عبث في مسرح الجريمة "
فقال مستر اندريا بثقة : " بصفتي مشرف قطارات فراتشي أروسا ( السهم الأحمر ) التابعة لشركة ترينيتاليا أفوضك بالتحقيق بهذه الجريمة , و عندما نصل رومـا سوف نسلـّم الجاني للشرطة و نشرح لهم معطيات الجريمة "
قالها و ابتسم ...
سكت المحقق و شعر انه لا مفر , فقال بعد وهلة مبتسما :
" يبدوا أن المشاكل تلاحقني أينما كنت .... "
* * * * * * * * *