أثر القرآن الكريم
الحمد لله على سوابغ النعم، وله الشكر على جلائل القسم، ربنا الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن أثر القرآن الكريم على الإنسان أثر عظيم وظاهر لمن تأمل التاريخ والحاضر، وعظمة القرآن من عظمة قائله -جل جلاله- وهو الذي يقول: {لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا} (166) سورة النساء، فهو شفاء ورحمة ومصدر هدى ونور وسعادة للبشرية كلها.
والقرآن يبعث السعادة الكاملة التـي تبعث الأمل والرضا، وتثمر السكينة والاطمئنان، وتحقق الأمن النفسي والروحي للإنسان فيحيا سعيداً هانئاً آمناً مطمئناً.
إن القرآن منهج الحياة، وليس كتاب دين أو كتاب فقه فقط، إنه كتاب معجز جامع، جمع بين دفتيه كل صنوف الحكمة والعلم، وجميع دروب المثـل والأخلاق العليا والأدب، كما قال تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} (38) سورة الأنعام.
والله يقول: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا} (الرعد: من الآية 31) فالقرآن له تأثير قويّ على نفوس المؤمنين بالله تعالى، ولقد ضرب لنا الله -عز وجل- مثلاً لذلك، فقال: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (21- الحشر) فهذا حال الجبال مع القرآن، فكيف مع الإنسان؟!
قال القرطبي: "ولولا أنه -سبحانه- جعل في قلوب عباده من القوة على حمله ما جعله، ليتدبروه وليعتبروا به، وليتذكروا ما فيه من طاعته وعبادته، يقول تعالى جده -وقوله الحق-: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} فأين قوة القلوب من قوة الجبال؟! ولكن الله تعالى رزق عباده من القوة على حمله ما شاء أن يرزقهم، فضلاً منه ورحمة"1.
وانظر إلى تأثر الجن بالقرآن حين استمعوا له، قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِي اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (32 - الأحقاف). بل قالوا في سورة الجن: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} (1) سورة الجن.
وانظر إلى قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3) سورة العصر.
ففي هذه السورة القصيرة -سورة العصر- والتي تحتوي على ثـلاث آيات فقط، منهج كامل للحياة في جميع العصور، رسمت طريق النجاة وطريق الهلاك، وهو الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، فمن ترك الطريق فهو من الخاسرين.
والقرآن الكريم شفاء وهدى ورحمة كما وصفه قائله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (57) سورة يونس.
وبقراءة القرآن يطمئن القلب، لأنه من أعظم الذكر الذي يُذكر به الله، والله -عز وجل-
يقول: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) سورة الرعد.
والقرآن شفاء معنوي ومادي لكل أمراض الإنسان، قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} (82) سورة الإسراء.
لكنه شفاء لمن آمن به، وعمل بتعاليمه، وعاش في رحابه، وأتخذه منهج حياة، لا لمن تنكب عنه، ونبذه وراء ظهره، وسلك منهجاً أرضياً منحرفاً، نعم هو شفاء للمؤمنين به، التالين له آناء الليل وأطراف النهار.
والقرآن مصدر للرحمة، لذا حث الله -عز وجل- مستمع القرآن أن يتدبره، وينصت له، ليحصل على رحمة الله فقال -عز وجل-: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) سورة الأعراف. وانظر إلى حال السلف: كيف كانوا يتأثرون بالقرآن؟ وكيف أثر بهم القرآن؟ قال عبد الله بن عروة بن الزبير: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر: كيف كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سمعوا القرآن؟ قالت: "تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله"2. وقال ابن أبي مليكة: "صحبت ابن عباس -يعني في السفر- فإذا نزل قام شطر الليل ويرتل القرآن حرفاً حرفاً، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب"3. وسمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رجلاً يتهجد في الليل ويقرأ سورة الطور، فلما بلغ إلى قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِن دَافِعٍ} (7- سورة الطور، قال عمر: "قسم ورب الكعبة حق، ثم رجع إلى منزله فمرض شهراً يعوده الناس لا يدرون ما مرضه". وانظر إلى مدى تعظيم السلف لكلام الله! يقول قتادة: "ما أكلت الكراث منذ قرأت القرآن"4 يريد تعظيماً للقرآن. وكره أبو العالية: أن يقال سورة صغيرة أو قصيرة، وقال لمن سمعه قال: ها أنت أصغر منها، وأما القرآن فكله عظيم".
والقرآن مصدر هداية إلى الصراط المستقيم، كما يقول تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء: من الآية 9).
فعلينا -حتى نتأثر بالقرآن- أن نكثر من قراءته، وكيف لا نكثر من قراءته والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف).5
وعلينا أن نتدبر القرآن عند قراءته أو الاستماع إليه؛ ليكون التدبر وسيلةً للفهم والتأثر، ثم العمل، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (29-ص) وقوله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24- محمد)
ولأن المقصود هو التدبر حتى يحصل الأثر؛ لذلك نهى الرسول-صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن عمرو بن العاص أن يختم القرآن في أقل من ثلاث فقال-: (لا يفقهه من يقرأه في أقل من ثلاث)6.
ولنذكر قصة واحدة تدل على مدى تأثير القرآن على الصحابة فهذا عبَّاد بن بشر الذي كان يحرس مع عمار بن ياسر في غزوة ذات الرقاع، فطلب من عمار- وقد كان متعباً- أن ينام أول الليل، ويقف هو، فلما رأى أن المكان آمن صلى، فجاء أحد المشركين فرماه بسهم فنزعه، وأكمل صلاته، ثم رماه بسهم ثان فنزعه وأكمل صلاته، ثم رماه بثالث فنزعه وأنهى التلاوة وأيقظ عماراً، وهو ساجد، فلما سأله عمار لِمَ لَمْ يوقظه أول ما رُمي؟! فأجاب: "كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها فلما تابع على الرمي ركعت فآذنتك، وأيم الله لولا أن أضيِّع ثغراً أمرني به رسول الله -صلى الله وسلم- بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها!!". الله أكبر كيف تأثروا بالقرآن! فكان كالروح يجري في أبدانهم لا يفارقها ولو فارقها لما طابت لهم الحياة.
نسأل الله أن يرزقنا التأثر بالقرآن، والعمل به، وتلاوته أناء الليل وأطراف النهار.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الحمد لله على سوابغ النعم، وله الشكر على جلائل القسم، ربنا الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن أثر القرآن الكريم على الإنسان أثر عظيم وظاهر لمن تأمل التاريخ والحاضر، وعظمة القرآن من عظمة قائله -جل جلاله- وهو الذي يقول: {لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا} (166) سورة النساء، فهو شفاء ورحمة ومصدر هدى ونور وسعادة للبشرية كلها.
والقرآن يبعث السعادة الكاملة التـي تبعث الأمل والرضا، وتثمر السكينة والاطمئنان، وتحقق الأمن النفسي والروحي للإنسان فيحيا سعيداً هانئاً آمناً مطمئناً.
إن القرآن منهج الحياة، وليس كتاب دين أو كتاب فقه فقط، إنه كتاب معجز جامع، جمع بين دفتيه كل صنوف الحكمة والعلم، وجميع دروب المثـل والأخلاق العليا والأدب، كما قال تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} (38) سورة الأنعام.
والله يقول: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا} (الرعد: من الآية 31) فالقرآن له تأثير قويّ على نفوس المؤمنين بالله تعالى، ولقد ضرب لنا الله -عز وجل- مثلاً لذلك، فقال: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (21- الحشر) فهذا حال الجبال مع القرآن، فكيف مع الإنسان؟!
قال القرطبي: "ولولا أنه -سبحانه- جعل في قلوب عباده من القوة على حمله ما جعله، ليتدبروه وليعتبروا به، وليتذكروا ما فيه من طاعته وعبادته، يقول تعالى جده -وقوله الحق-: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} فأين قوة القلوب من قوة الجبال؟! ولكن الله تعالى رزق عباده من القوة على حمله ما شاء أن يرزقهم، فضلاً منه ورحمة"1.
وانظر إلى تأثر الجن بالقرآن حين استمعوا له، قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِي اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (32 - الأحقاف). بل قالوا في سورة الجن: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} (1) سورة الجن.
وانظر إلى قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3) سورة العصر.
ففي هذه السورة القصيرة -سورة العصر- والتي تحتوي على ثـلاث آيات فقط، منهج كامل للحياة في جميع العصور، رسمت طريق النجاة وطريق الهلاك، وهو الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، فمن ترك الطريق فهو من الخاسرين.
والقرآن الكريم شفاء وهدى ورحمة كما وصفه قائله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (57) سورة يونس.
وبقراءة القرآن يطمئن القلب، لأنه من أعظم الذكر الذي يُذكر به الله، والله -عز وجل-
يقول: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) سورة الرعد.
والقرآن شفاء معنوي ومادي لكل أمراض الإنسان، قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} (82) سورة الإسراء.
لكنه شفاء لمن آمن به، وعمل بتعاليمه، وعاش في رحابه، وأتخذه منهج حياة، لا لمن تنكب عنه، ونبذه وراء ظهره، وسلك منهجاً أرضياً منحرفاً، نعم هو شفاء للمؤمنين به، التالين له آناء الليل وأطراف النهار.
والقرآن مصدر للرحمة، لذا حث الله -عز وجل- مستمع القرآن أن يتدبره، وينصت له، ليحصل على رحمة الله فقال -عز وجل-: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) سورة الأعراف. وانظر إلى حال السلف: كيف كانوا يتأثرون بالقرآن؟ وكيف أثر بهم القرآن؟ قال عبد الله بن عروة بن الزبير: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر: كيف كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سمعوا القرآن؟ قالت: "تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله"2. وقال ابن أبي مليكة: "صحبت ابن عباس -يعني في السفر- فإذا نزل قام شطر الليل ويرتل القرآن حرفاً حرفاً، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب"3. وسمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رجلاً يتهجد في الليل ويقرأ سورة الطور، فلما بلغ إلى قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِن دَافِعٍ} (7- سورة الطور، قال عمر: "قسم ورب الكعبة حق، ثم رجع إلى منزله فمرض شهراً يعوده الناس لا يدرون ما مرضه". وانظر إلى مدى تعظيم السلف لكلام الله! يقول قتادة: "ما أكلت الكراث منذ قرأت القرآن"4 يريد تعظيماً للقرآن. وكره أبو العالية: أن يقال سورة صغيرة أو قصيرة، وقال لمن سمعه قال: ها أنت أصغر منها، وأما القرآن فكله عظيم".
والقرآن مصدر هداية إلى الصراط المستقيم، كما يقول تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء: من الآية 9).
فعلينا -حتى نتأثر بالقرآن- أن نكثر من قراءته، وكيف لا نكثر من قراءته والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف).5
وعلينا أن نتدبر القرآن عند قراءته أو الاستماع إليه؛ ليكون التدبر وسيلةً للفهم والتأثر، ثم العمل، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (29-ص) وقوله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24- محمد)
ولأن المقصود هو التدبر حتى يحصل الأثر؛ لذلك نهى الرسول-صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن عمرو بن العاص أن يختم القرآن في أقل من ثلاث فقال-: (لا يفقهه من يقرأه في أقل من ثلاث)6.
ولنذكر قصة واحدة تدل على مدى تأثير القرآن على الصحابة فهذا عبَّاد بن بشر الذي كان يحرس مع عمار بن ياسر في غزوة ذات الرقاع، فطلب من عمار- وقد كان متعباً- أن ينام أول الليل، ويقف هو، فلما رأى أن المكان آمن صلى، فجاء أحد المشركين فرماه بسهم فنزعه، وأكمل صلاته، ثم رماه بسهم ثان فنزعه وأكمل صلاته، ثم رماه بثالث فنزعه وأنهى التلاوة وأيقظ عماراً، وهو ساجد، فلما سأله عمار لِمَ لَمْ يوقظه أول ما رُمي؟! فأجاب: "كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها فلما تابع على الرمي ركعت فآذنتك، وأيم الله لولا أن أضيِّع ثغراً أمرني به رسول الله -صلى الله وسلم- بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها!!". الله أكبر كيف تأثروا بالقرآن! فكان كالروح يجري في أبدانهم لا يفارقها ولو فارقها لما طابت لهم الحياة.
نسأل الله أن يرزقنا التأثر بالقرآن، والعمل به، وتلاوته أناء الليل وأطراف النهار.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.