السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فقياما
بواجب النصح للإخوة المسلمين في كل مكان رأيت أن أنبه عن قضية خطيرة وقع
فيها كثير من المسلمين حيث ينقلون أخبارا عن الله ورسوله صلى الله عليه
وسلم لا يدرون صحتها ولا تأكدوا من صحة نسبتها إلى النبي صلى الله عليه
وسلم ومنها ما ينقل على المنتديات ما يأتي :
"عندما
تهطل الأمطار بغزارة في مكان ما ، يظهر في الأفق قوس بألوان الطيف ، طرفاه
على الأرض وقبته باتجاه السماء ، والكثرة الكاثرة من الناس تسميه (قوس قزح)
. وإنني أريد أن يعلم جميع الإخوة والأخوات أن هذه التسمية تسمية خطأ لأن
قزح اسم شيطان ، فإذا قلنا قوس قزح ، فكأننا قلنا قوس الشيطان ، والشيطان
عندما يسمع هذه العبارة يتعاظم ويفتخر وينتشي ويتطاول ، وقد أمرنا الإسلام
دائما بأن نفعل خلاف ما يحبه الشيطان ويتطاول بسببه ، ولذلك يجب على المسلم
إذا رأى هذا القوس أن يقول : قوس الله ، أو قوس المطر ، أو قوس الرعد .
ولقد سماه شيخ الإسلام ابن تيمية قوس الله ، وقال ابن القيم : "يكره أن
يقال قوس قزح لهذا الذي يرى في السماء" وكذلك قال الإمام النووي ونقل حديثا
عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا
تقولوا قوس قزح فإن قزح شيطان ولكن قولوا قوس الله عز وجل فهو أمان لأهل
الأرض " وذكر ابن وهب في جامعه عن القاسم ابن عبد الرحمن قال : « لا تقولوا
قوس قزح ، فإنما القزح شيطان ، ولكنها القوس" ولا أدري كيف غابت هذه
الأحاديث عن أذهان الناس فأصبحوا جميعا ـ إلا من رحم الله ـ لا يتحدثون إلا
قالوا : قوس قزح ، كما وصل الأمر بهم إلى أن يسموا دكاكينهم ومحلاتهم باسم
قوس قزح ، ولو علموا أن قزح اسم شيطان لما كتبوه على أبواب أرزاقهم أتمنى
من الجميع أن يعلموا هذا الأمر ، وأن يبلغوه إلى من لا يعرفه ، حتى يسود
العلم ، ويذهب الجهل ، ويندحر الشيطان ، نعوذ بالله تعالى من شره وكيده
ومكره ، نحن وجميع المسلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات و للمسلمين
والمسلمات الاحياء منهم والاموات".
فأقول ردا على هذه المقولة ما قاله الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة حديث رقم 872 في الجزء الثاني منه :
" لا تقولوا قوس قزح ,فإن قزح شيطان ,و لكن قولوا : قوس الله عز وجل , فهو أمان لأهل الأرض من الغرق " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 264 ):
موضوع .
أخرجه أبو نعيم ( 2 / 309 ) و الخطيب ( 8 / 452 ) من طريق زكريا بن حكيم
الحبطي عن أبي رجاء العطاردي عن ابن عباس مرفوعا . و قال أبو نعيم : "
غريب من حديث أبي رجاء , لم يرفعه فيما أعلم إلا زكريا بن حكيم " . قلت :و
في ترجمته ساقه الخطيب ثم عقبه بقول ابن معين فيه و كذا النسائي : "ليس
بثقة " . و قال ابن حبان ( 1 / 311 ) :" يروي عن الأثبات ما لا يشبه
أحاديثهم , حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها " .
و
الحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 1 / 144 ) من رواية الخطيب
ثم قال :" لم يرفعه غير زكريا , قال فيه يحيى و النسائي :ليس بثقة , قال
أحمد :ليس بشيء , قال ابن المديني : هالك " . و تعقبه السيوطي في
"اللآلي " فقال ( 1 / 87 ) : " قلت : أخرجه أبو نعيم في "الحلية " , قال
النووي في "الأذكار " : يكره أن يقال : قوس قزح , و استدل بهذا الحديث ,
و هذا يدل على أنه غير موضوع " . قلت : و هذا تعقب يغني حكايته عن رده !
لأن الحديث في " الحلية " من هذه الطريق التي فيها ذلك الهالك المتفق على
تضعيفه , فمثله لا يكون حديثه إلا ضعيفا جدا , فكيف يستدل به على حكم شرعي
و هو الكراهة ?! بل لا يجوز الاستدلال به عليه و لو فرض أنه ضعيف فقط
, أي ليس موضوعا و لا ضعيفا جدا , لأن الأحكام الشرعية لا تثبت بالحديث
الضعيف اتفاقا .و ما أرى النووي رحمه الله تعالى أتي إلا من قبل تلك
القاعدة الخاطئة التي تقول : " يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال " ! و
هي قاعدة غير صحيحة كما أثبت ذلك في مقدمة كتابنا " تمام المنة في
التعليق على فقه السنة " , و لعله يطبع قريبا إن شاء الله تعالى , فإنه -
أعني النووي - ظن أن الحديث ضعيف فقط ! و هو أشد من ذلك كما رأيت . و الله
المستعان . و من مساويء هذه القاعدة المزعومة إثبات أحكام شرعية بأحاديث
ضعيفة ,و الأمثلة على ذلك كثيرة جدا و حسبك منها الآن هذا الحديث , بل إن
بعضهم يثبت ذلك بأحاديث موضوعة اعتمادا منه على تضعيف
مطلق للحديث من
بعض الأئمة , بينما هو في الحقيقة موضوع , و لا ينافي القول به الاطلاق
المذكور . و هذا باب واسع لا مجال لتفصيل الكلام فيه في هذا المكان . هذا و
يغلب على الظن أن أصل الحديث موقوف , تعمد رفعه ذلك الهالك ,أو على
الأقل المتقدم عن ابن عباس موقوفا عليه , و قد رواه الطبراني في "المعجم
الكبير " ( 3 / 85 - 86 ) من طريق أخرى عنه موقوفا عليه مختصرا بلفظ : " إن
القوس أمان لأهل الأرض من الغرق " . و رجاله كلهم ثقات , و قال الحافظ
ابن كثير في " البداية " ( 1 / 38 ) : "إسناده صحيح " . و فيه عندي نظر
لأن في سنده عارما أبا النعمان و اسمه محمد بن الفضل و كان تغير بل اختلط
في آخر عمره . و يؤيده أيضا أن ابن وهب رواه في "الجامع " ( ص 8 ) و
الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( 1 / 176 - 177 ) من حديث علي
موقوفا عليه أيضا . ثم رواه ابن وهب عن القاسم بن عبد الرحمن من قوله . و
إذا ثبت أن الحديث موقوف ,فالظاهر حينئذ أنه من الإسرائيليات التي تلقاها
بعض الصحابة عن أهل الكتاب , و موقف المؤمن تجاهها معروف , و هو عدم
التصديق و لا التكذيب , إلا إذا خالفت شرعا أو عقلا . و الله أعلم . اهـ .
--------