أسرد هنا فوائد علمية تمر علي أقيدها ...
وهذه الفوائد متنوعة في التفسير والحديث والفقه والتاريخ والسير والآداب
والسلوك ...
اسأل الله لي ولك التوفيق والسداد
بقلم الشيخ محمد عمر بازمول حفظه الله
حكم اتباع الإلهام والكشف
قال ابن تيمية رحمه الله: "من اتبع ما يرد عليه من الخطاب أو ما يراه من
الأنوار والأشخاص الغيـبـية، ولا يعتبر ذلك بالكتاب والسنة؛ فإنما يتبع ظنا
لا يغنى من الحق شيئا، فليس في المحدثين الملهمين أفضل من عمر كما قال
صلى الله عليه وسلم: "أنه قد كان فى الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي
منهم أحد فعمر منهم"، وقد وافق عمر ربه في عدة أشياء، ومع هذا فكان عليه
أن يعتصم بما جاء به الرسول، ولا يقبل ما يرد عليه حتى يعرضه على الرسول،
ولا يتقدم بين يدي الله ورسوله، بل يجعل ما ورد عليه إذا تبين له من ذلك
أشياء خلاف ما وقع له، فيرجع إلى السنة، وكان أبو بكر يبين له أشياء خفيت
عليه فيرجع إلى بيان الصديق وإرشاده وتعليمه، كما جرى يوم الحديبية، ويوم
مات الرسول، ويوم ناظره في مانعي الزكاة، وغير ذلك، وكانت المرأة ترد عليه
ما يقوله، وتذكر الحجة من القرآن فيرجع إليها، كما جرى في مهور النساء،
ومثل هذا كثير؛ فكل من كان من أهل الإلهام والخطاب والمكاشفة لم يكن أفضل
من عمر، فعليه أن يسلك سبيله في الاعتصام بالكتاب والسنة، تبعا لما جاء به
الرسول لا يجعل ما جاء به الرسول تبعا لما ورد عليه.
وهؤلاء الذين أخطؤا وضلوا وتركوا ذلك، واستغنوا بما ورد عليهم، وظنوا أن
ذلك يغنيهم عن إتباع العلم المنقول، وصار أحدهم يقول: أخذوا علمهم ميتا عن
ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت!
فيقال له : أما ما نقله الثقات عن المعصوم فهو حق، ولولا النقل المعصوم
لكنت أنت وأمثالك إما من المشركين وإما من اليهود والنصارى.
وأما ما ورد عليك فمن أين لك أنه وحى من الله؟
ومن أين لك أنه ليس من وحى الشيطان؟
و الوحي وحيان: وحى من الرحمن ووحي من الشيطان.
قال تعالى: )وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ
لِيُجَادِلُوكُمْ( (الأنعام:121).
وقال تعالى: )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ
الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ
غُرُوراً( (الأنعام:112).
وقال تعالى: )هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ(
(الشعراء:221).
وقد كان المختار بن أبى عبيد من هذا الضرب، حتى قيل لابن عمر وابن عباس قيل
لأحدهما: إنه يقول: إنه يوحى إليه فقال: )وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ
لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ( (الأنعام:121)، وقيل
للآخر: إنه يقول: إنه ينزل عليه فقال: )هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ
تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ( (الشعراء:221).
فهؤلاء يحتاجون إلى الفرقان الإيماني القرآني النبوي الشرعي، أعظم من حاجة
غيرهم، وهؤلاء لهم حسيات يرونها ويسمعونها، والحسيات يضطر إليها الإنسان
بغير اختياره، كما قد يرى الإنسان أشياء ويسمع أشياء بغير اختياره، كما أن
النظار لهم قياس ومعقول، وأهل السمع لهم أخبار منقولات.
وهذه الأنواع الثلاثة هي طرق العلم: الحس والخبر والنظر.
وكل إنسان يستدل من هذه الثلاثة في بعض الأمور، لكن يكون بعض الأنواع أغلب
على بعض الناس في الدين وغير الدين، كالطب فانه تجربات وقياسات، وأهله
منهم من تغلب عليه التجربة، ومنهم من يغلب عليه القياس، والقياس أصله
التجربة، والتجربة لابد فيها من قياس، لكن مثل قياس العاديات لا تعرف فيه
العلة والمناسبة، وصاحب القياس من يستخرج العلة المناسبة، ويعلق الحكم
بها، والعقل خاصة القياس والاعتبار والقضايا الكلية فلابد له من الحسيات
التي هي الأصل ليعتبر بها، والحس إن لم يكن مع صاحبه عقل، وإلا فقد يغلط.
..." إلى آخر كلامه([1]) رحمه الله.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) مجموع الفتاوى (12/73-7).
يتبع ..
وهذه الفوائد متنوعة في التفسير والحديث والفقه والتاريخ والسير والآداب
والسلوك ...
اسأل الله لي ولك التوفيق والسداد
بقلم الشيخ محمد عمر بازمول حفظه الله
حكم اتباع الإلهام والكشف
قال ابن تيمية رحمه الله: "من اتبع ما يرد عليه من الخطاب أو ما يراه من
الأنوار والأشخاص الغيـبـية، ولا يعتبر ذلك بالكتاب والسنة؛ فإنما يتبع ظنا
لا يغنى من الحق شيئا، فليس في المحدثين الملهمين أفضل من عمر كما قال
صلى الله عليه وسلم: "أنه قد كان فى الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي
منهم أحد فعمر منهم"، وقد وافق عمر ربه في عدة أشياء، ومع هذا فكان عليه
أن يعتصم بما جاء به الرسول، ولا يقبل ما يرد عليه حتى يعرضه على الرسول،
ولا يتقدم بين يدي الله ورسوله، بل يجعل ما ورد عليه إذا تبين له من ذلك
أشياء خلاف ما وقع له، فيرجع إلى السنة، وكان أبو بكر يبين له أشياء خفيت
عليه فيرجع إلى بيان الصديق وإرشاده وتعليمه، كما جرى يوم الحديبية، ويوم
مات الرسول، ويوم ناظره في مانعي الزكاة، وغير ذلك، وكانت المرأة ترد عليه
ما يقوله، وتذكر الحجة من القرآن فيرجع إليها، كما جرى في مهور النساء،
ومثل هذا كثير؛ فكل من كان من أهل الإلهام والخطاب والمكاشفة لم يكن أفضل
من عمر، فعليه أن يسلك سبيله في الاعتصام بالكتاب والسنة، تبعا لما جاء به
الرسول لا يجعل ما جاء به الرسول تبعا لما ورد عليه.
وهؤلاء الذين أخطؤا وضلوا وتركوا ذلك، واستغنوا بما ورد عليهم، وظنوا أن
ذلك يغنيهم عن إتباع العلم المنقول، وصار أحدهم يقول: أخذوا علمهم ميتا عن
ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت!
فيقال له : أما ما نقله الثقات عن المعصوم فهو حق، ولولا النقل المعصوم
لكنت أنت وأمثالك إما من المشركين وإما من اليهود والنصارى.
وأما ما ورد عليك فمن أين لك أنه وحى من الله؟
ومن أين لك أنه ليس من وحى الشيطان؟
و الوحي وحيان: وحى من الرحمن ووحي من الشيطان.
قال تعالى: )وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ
لِيُجَادِلُوكُمْ( (الأنعام:121).
وقال تعالى: )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ
الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ
غُرُوراً( (الأنعام:112).
وقال تعالى: )هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ(
(الشعراء:221).
وقد كان المختار بن أبى عبيد من هذا الضرب، حتى قيل لابن عمر وابن عباس قيل
لأحدهما: إنه يقول: إنه يوحى إليه فقال: )وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ
لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ( (الأنعام:121)، وقيل
للآخر: إنه يقول: إنه ينزل عليه فقال: )هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ
تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ( (الشعراء:221).
فهؤلاء يحتاجون إلى الفرقان الإيماني القرآني النبوي الشرعي، أعظم من حاجة
غيرهم، وهؤلاء لهم حسيات يرونها ويسمعونها، والحسيات يضطر إليها الإنسان
بغير اختياره، كما قد يرى الإنسان أشياء ويسمع أشياء بغير اختياره، كما أن
النظار لهم قياس ومعقول، وأهل السمع لهم أخبار منقولات.
وهذه الأنواع الثلاثة هي طرق العلم: الحس والخبر والنظر.
وكل إنسان يستدل من هذه الثلاثة في بعض الأمور، لكن يكون بعض الأنواع أغلب
على بعض الناس في الدين وغير الدين، كالطب فانه تجربات وقياسات، وأهله
منهم من تغلب عليه التجربة، ومنهم من يغلب عليه القياس، والقياس أصله
التجربة، والتجربة لابد فيها من قياس، لكن مثل قياس العاديات لا تعرف فيه
العلة والمناسبة، وصاحب القياس من يستخرج العلة المناسبة، ويعلق الحكم
بها، والعقل خاصة القياس والاعتبار والقضايا الكلية فلابد له من الحسيات
التي هي الأصل ليعتبر بها، والحس إن لم يكن مع صاحبه عقل، وإلا فقد يغلط.
..." إلى آخر كلامه([1]) رحمه الله.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) مجموع الفتاوى (12/73-7).
يتبع ..