الفوائد العشرة لغض البصر
الفوائد العشرة ... لمن غض بصره
1) امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده ،
وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى ،
وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره ،
وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره .
2) يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه .
3) أنه يورث القلب أنسا بالله وجمعية على الله ، فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ، ويبعده من الله ، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه .
4) يقوي القلب ويفرحه ، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه .
5) أنه يكسب القلب نورا كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة ،
ولهذا ذكر الله آية النور عقيب الأمر بغض البصر ، فقال :
( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)
النور من 30
ثم قال اثر ذلك :
( اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ)
النور من 35
أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه ،
وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب ،
كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان ،
فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى ، واجتناب هدى ، وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة ،
فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب ،
فإذا فقد ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام .
6) أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل ، والصادق والكاذب ،
وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول : من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة ،
وغض بصره عن المحارم ، وكف نفسه عن الشهوات ، واعتاد أكل الحلال لم تخطئ له فراسة ؛
وكان شجاع هذا لا تخطئ له فراسة .
7) أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة ، ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقور ، كما في الأثر :
" الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله " ،
وضد هذا تجده في المتبع هواه من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها ،
وما جعل الله سبحانه فيمن عصاه ، كما قال الحسن :
" إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين ، فإن ذل المعصية لا يفارق رقابهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه " ،
وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته والذل قرين معصيته ،
فقال تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)
المنافقون من 8
وقال تعالى : (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)
آل عمران 139
والإيمان قول وعمل ، ظاهر وباطن ، وقال تعالى :
( مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ِۚلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَـٰئِكَ هُوَ يَبُورُ )
فاطر 10
أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب والعمل الصالح ،
وفي دعاء القنوت : " إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت " ،
ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه، وله من العز سب طاعته ،
ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه ، وعليه من الذل بحسب معصيته .
8) أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب ،
فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي ،
فيمثل له صورة المنظور غليه ويزينها ، ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ،
ثم يعده ويمنيه ويوقد على القلب نار الشهوة ، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة ،
فيصير القلب في اللهب ، فمن ذلك تلد الأنفاس التي يجد فيها وهج النار ،
وتلك الزفرات والحرقات ، فإن القلب قد أحاطت به النيران من كل جانب ،فهو وسطها كالشاة في وسط التنور ،
ولهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة :
أن جعل لهم في البرزخ تنوراُ من نار ، وأودعت أرواحهم فيه إلى حشر أجسادهم ،
أراها الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- في المنام في الحديث المتفق على صحته .
9) أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بها ،
وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول بينه وبينها فتنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه ،
قال تعالى : ( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)
الكهف من 28
وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحسبه .
10) أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب اشتغال أحدهما بما يشغل به الآخر ،
يصلح بصلاحه ويفسد بفساده ، فإذا فسد القلب فسد النظر ،
وإذا فسد النظر فسد القلب ، وكذلك في جانب الصلاح ،
فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد ، وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ ،
فلا يصلح لسكنى معرفة الله ومحبته والإنابة إليه ، والأنس به ، والسرور بقربه ، وإنما يسكن فيه أضداد ذلك .
المرجع : الجواب الكافي
للإمام : ابن القيِّم بن الجوزيه
الفوائد العشرة ... لمن غض بصره
1) امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده ،
وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى ،
وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره ،
وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره .
2) يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه .
3) أنه يورث القلب أنسا بالله وجمعية على الله ، فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ، ويبعده من الله ، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه .
4) يقوي القلب ويفرحه ، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه .
5) أنه يكسب القلب نورا كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة ،
ولهذا ذكر الله آية النور عقيب الأمر بغض البصر ، فقال :
( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)
النور من 30
ثم قال اثر ذلك :
( اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ)
النور من 35
أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه ،
وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب ،
كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان ،
فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى ، واجتناب هدى ، وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة ،
فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب ،
فإذا فقد ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام .
6) أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل ، والصادق والكاذب ،
وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول : من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة ،
وغض بصره عن المحارم ، وكف نفسه عن الشهوات ، واعتاد أكل الحلال لم تخطئ له فراسة ؛
وكان شجاع هذا لا تخطئ له فراسة .
7) أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة ، ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقور ، كما في الأثر :
" الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله " ،
وضد هذا تجده في المتبع هواه من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها ،
وما جعل الله سبحانه فيمن عصاه ، كما قال الحسن :
" إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين ، فإن ذل المعصية لا يفارق رقابهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه " ،
وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته والذل قرين معصيته ،
فقال تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)
المنافقون من 8
وقال تعالى : (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)
آل عمران 139
والإيمان قول وعمل ، ظاهر وباطن ، وقال تعالى :
( مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ِۚلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَـٰئِكَ هُوَ يَبُورُ )
فاطر 10
أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب والعمل الصالح ،
وفي دعاء القنوت : " إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت " ،
ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه، وله من العز سب طاعته ،
ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه ، وعليه من الذل بحسب معصيته .
8) أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب ،
فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي ،
فيمثل له صورة المنظور غليه ويزينها ، ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ،
ثم يعده ويمنيه ويوقد على القلب نار الشهوة ، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة ،
فيصير القلب في اللهب ، فمن ذلك تلد الأنفاس التي يجد فيها وهج النار ،
وتلك الزفرات والحرقات ، فإن القلب قد أحاطت به النيران من كل جانب ،فهو وسطها كالشاة في وسط التنور ،
ولهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة :
أن جعل لهم في البرزخ تنوراُ من نار ، وأودعت أرواحهم فيه إلى حشر أجسادهم ،
أراها الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- في المنام في الحديث المتفق على صحته .
9) أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بها ،
وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول بينه وبينها فتنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه ،
قال تعالى : ( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)
الكهف من 28
وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحسبه .
10) أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب اشتغال أحدهما بما يشغل به الآخر ،
يصلح بصلاحه ويفسد بفساده ، فإذا فسد القلب فسد النظر ،
وإذا فسد النظر فسد القلب ، وكذلك في جانب الصلاح ،
فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد ، وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ ،
فلا يصلح لسكنى معرفة الله ومحبته والإنابة إليه ، والأنس به ، والسرور بقربه ، وإنما يسكن فيه أضداد ذلك .
المرجع : الجواب الكافي
للإمام : ابن القيِّم بن الجوزيه